جلست إلى مكتبها تراجع أوراق قضيتها القادمة والتي تشغل جل تفكيرها ووقتها منذ ما يقارب الشهر، فهي ليست بقضية عابرة بقدر ما هي فساد لا بد من إيجاد حل جذري له قبل أن يتحول إلى كارثة ، رجل خمسيني اشتعل الشيب في رأسه، وانهكت الأمراض جسده ،يعمل كحارس ليلي لإحدى ملاجئ الأطفال، متهم باغتصاب فتاة من فتيات الملجأ في الرابعة عشر من عمرها حتى الموت ،تكاد تجزم أنه بريء فهي غالبا ما تعتمد على حدسها في القضايا الشائكة كهذه والتي لم تكن الأولى من نوعها فحوادث اغتصاب فتيات الملاجئ وعمالة فتيانها تكاد تتحول إلى ظاهرة مرعبة، وهذا ما يجعلها توقن أنها ليست حوادث فردية بقدر ماهي جرائم ممنهجة ومدبرة من قبل أسماء لها مكانة مرموقة في البلاد، لذلك ولابد من فتح جبهة حرب جديدة على راية جديدة من رايات الفساد حتى وإن كان الثمن حياتها، فقد تعهدت أن تكون قضية أطفال الملاجئ قضيتها الأولى قبل أي شيء آخر، أقسمت أنها ستدافع عنهم كما لو كانوا جميعا أطفالها الذين لم تنجبهم.
هي ملاك صاحبة التسعة وعشرين ربيعا ولكنها تملك من التجارب والمسؤوليات ما يجعلها تضاهي عجائز هذا الزمن حكمة ونباهة، وتملك من البراءة والطهر ما يجعلها تشبه الأطفال .
لقد عادت إلى دمشق قبل عامين من الآن بعد أن تركتها قبل ما يقارب الأربعة عشر سنة ، ولكنها أصرت على العودة حين أنهت دراستها الجامعية للحقوق لمزاولة مهنتها هنا على الرغم من توتر أوضاع البلاد على كافة الأصعدة بل واستطاعت إقناع عائلتها الصغيرة المكونة من والديها وأختيها وأخيها الصغير ذو الأربعة سنوات بالعودة أيضا.
في مكان آخر داخل إحدى أحياء دمشق الراقية يجلس رجل الأعمال الخمسيني _أبو علاء _ في مكتبه الفخم
ليناقش مع المدعو بالشبح خطة للتخلص من المحامية المزعجة المشاكسة والتي تعرقل أعمالهم وتهدد صفو المياه الراكدة أسفل عرشهم.
يجلس ذلك الشبح بهدوئه المعهود داخل الكرسي ذو الأذرع الضخمة والتي يسند فوقها مرفقيه ويشبك أصابع يديه ببعضهما ويستمع بتسلية واضحة إلى حديث أبي علاء عن تلك المحامية الملاك التي لا تنتهي من افتعال المشكلات والتدخل فيما لا يعنيها.
هو شاب تجاوز منتصف الثلاثينيات بعام واحد طويل القامة عريض المنكبين يمتاز بملامح حادة وقاسية ببشرته الحنطية و جبهته العريضة وحاجبيه المستقيمين كأنهما سيفان داخل غمد وعينيه السوداوين اللذين لا يزال بصيص من بريق الخير يشتعل بهدوء داخلهما.
أخذ يركز على حديث أبي علاء والذي بات لا يشوبه في الأيام السابقة سوا ملاك التي تشغل باله وهو يقول بنزق:_ يا رجل ماهي حاسبة حساب لحدا... لا عم ينفع معها مسايرة ولا عم ينفع معها تهديد وبصراحة ماني حابب أخلص منها لأن كل البلد صارت تعرف بعداوتي معها بعد ما انسجن ابن أخي بسببها الله وكيلك ما عم اعرف لاقي معها حل
طالعه بنظرة صامتة وابتسامة التسلية لم تفارق ثغره ثم قال بهدوئه المعهود:
_ أدي بتدفع للي بيلاقيلك الحل

أنت تقرأ
حبك حرب أخرى
Romanceإن للأقدار حكمة لا نستطيع نحن بنو البشر استيعابها لحظة وقوعها فلا نملك سوا الشكوى أمام قدر لا طاقة لنا على تحمل عواقبه فمن ذا الذي يستطيع العيش في مكان أضيق من طموحه أو أكثر اتساعا من قدرته البصرية ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما فالأقدار ليست سوا تحقيقا...