التتمة

22 2 0
                                    

كل شيء بعدها صار بشكلٍ سريع، وكأنه فيلم سينمائي تمّ اختصار الكثير من الأحداثِ فيه خوفًا من مضيعةِ الوقت.
وهذه حقيقة لا غبار عليها، فهو بالفعل كان يسابق الوقت.
أما عن السفرِ.. فقد أصبح في قاعِ أولوياته.
تضاءلت أهمية كل شيء أمام وجودها.
ولأول مَرّة في تاريخِه تمرّ عليه خسارة يتقبلها بصدرٍ رحب.
الساعات التي سبقت عقد القران كانت دهورًا من التوترِ والخوفِ.
لا، ليس خوفًا مِن المجازفةِ وليس جبنًا، بل شيئًا آخر يكمن في الأعماقِ.
في لا يعرف تفسيره، هو فقط ينصّ على أن براءة الآن أهمّ ما في حياته التي لا تحوي غيرها أصلًا، وأي أذى سيصيبها سيصيبه قبلًا، وقلبه لم يعد فيه متسعًا للمزيد من الألمِ كما قال لها.
رغم كل شيء وقف أمام مِرآته يهذب خصلاته ولحيته، يعدّل من هندامِه، ويغتصب عنوة ابتسامة على شفتيه علّ العدوى تصيبها.
رغم المنغصات، في مثل هذه اللحظات تجتهد النفس وتسعى للحصول على السعادةِ، رغم يقين بُعدها، أو استحالتها.. لا يهمّ، بالقوة ستأتي.
إلا أن الابتسامة تلاشت فجأة في إدراك متأخر..
لا يمكن لعدوى السعادة أن تصيبها، براءة معطوبة ودوره إصلاح العطب الذي هو أصلًا غير قابل للتداوي.
براءة الآن تتخذ من دمعِها قبرًا، ومن حزنِها تابوتًا ترفض الخروج منه.
يتساءل ربما لو رأت مصيبة الورى، وتيقّنت رُبما هذا سيخفف عنها وقع ما ألمَّ بها، ويتساءل، ويتساءل عن طرقٍ كثيرة ويطرح استراتيجية (رُبما لو حدث هذا هل ستختفي عقدتها؟!)
شيء مِن الدُّعابةِ ناله..
لم يعقدا القران بعد، وها هو من الآن يتساءل عن طرقٍ لعلاجها وللتخفيف عنها! لطالما رأى أنه لا معنى لحياته، والآن فقط يشعر بأنها هي قدره الذي هو مرغم على تقبّله.
حربه التي عليه أن يربحها..
كربه الذي يستوجِب الصبر طالما أنه تورّط فيها بقلبه وروحه.. كما قالت عمتها يومًا.
=====
"باركَ الله لهما، وباركَ عليهما، وجمع بينهما في خيرٍ"
عادةً يعقب هذه الجملة صوت المهنئين والحضور أمّا في حالتِه فأعقبها دوي الصمت والوجوم!
عيد، بتوجسه الذي يحمله بداخله؛ خوفًا على ابنته..
براءة، بكل الحزن الذي يحتلها، وذبولها ذبول الورد الذي لا ينفع معه سُقيًا.
وهو بكل الزخم الذي يحتله، ورغم ذلك لم يقدر على منع شمس الفرحة من السطوع، ورُبما هذه كانت أول إشارة لاندلاع بقية كتائب الفرحة التي كانت فقط تنتظر علامة بدء الهجوم.
انطلقت الزغاريد من فمِ أم علاء وعزيزة عالية تشق عنان السماء، وتجرح الصمت القاتل، وتقضى عليه بعد طول قتالٍ، وتغزو بسمة أمل فم عيد بينما يهرع نحو هاتف أرضى قديم على مقربة منه، حادث مِن خلاله أقرباؤه في البلدة، وحثهم بشكلٍ غير مباشر، إلا أنه مفهوم على أن ينشروا خبر زواج براءة، وتعافيها من تلك النكسة التي أصابتها حتى وإن كان الخبر يحمل بعض الكذب، إلا أن فيه كرامة ابنته التي أُهدرت وأُريقت دماءها بكل برودٍ على يدِ مَن ظنه يصلح لها زوجًا.
واستغل صخب الزغاريد الذي يعم الخلفية في تدعيم قوله وتضخيم كِبر الفرحة، بينما أجبر صوته على تحمل الزهو والفرحة المبالغ فيها.
بينما هي.. المعنية بالأمر، جاست عيناها خلال الحضور والفرحة التي تملئهم، ولم يسعها سوى أن تنخرط في ما يحدث ولكن ليس بالحاضر..
بل باستجلاب الماضى بكل مساوئه، وكسرتها التي تلت ما شابه ما يحدث الآن..
القدر يُعيد نفسه.. وطور تعافيها ما فتئت تدخله حتى طُردت منه شرد طردة، أعقبتها صرخة مختنقة منها جعلت الهلع يتمكن من الغوصِ في الأنفس، ويسكن الأوردة، بينما يقبض الصمت الوَجِل على الأجواء بيدٍ مِن حديدٍ.. مِن جديدٍ.
====
مِن رسائل إسحاق..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 26, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ذات مرة في الحب | دنيا محمد صقرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن