_2_

202 19 6
                                    

-تفضلي بالدخول يا جميلة
نطقها كرم بابتسامة وهو يقوم بفتح باب المنزل لها، لقد وصلوا إلى المدينة بعد رحلة دامت لمدة ساعتين تمامًا، وصلوا إلى بناء يحتوي عدَّة طوابق وتوجهوا للطابق الثالث، وها هي ذا أمام الباب برفقة كرم.

نظرت إلى الباب المفتوح أمامها بعينان بهت برقيهما، لتدلف بهدوء إلى الداخل بخطوات بسيطة تناظر المكان بدقَّة، هذا المكان الذي سيكون مقبرة لأحزانها وآمالها المحطَّمة وقلبها المكسور، توجَّهت إلى أوَّل أريكة صادفتها فيةالصالة المقابلة للباب لتجلس عليها مباشرة، تضع رأسها بين كفيها وتناظر الأرضية بشرود كبير وشريط أحداث اليوم يمرُّ أمام عينيها لينتهي بها المطاف هنا في هذا المنزل وحيدة وبعيدة عن الجميع.

ثوان مرَّت لتشعر بيدين تمسكان بيديها وتبعدانهم بهدوء عن رأسها، ليترك إحدى يديها ويقوم برفع وجهها بلطف إليه، نظر إلى عيناها الحزينة وملامحها الشاحبة، ليتحدث بهدوء محاولًا إعادة الأمل إليها، على الرغم من أنه واثق من جراحها هذه تختاج زمنًا طويلًا جدًّا لتلتئم هذا إن التأمت.

تنهَّد بحرقة على حال هذه الطفلة التي تعرضت لظلم كبير جدًّا بحقها، ليسحبها إلى أحضانه يحتضنها بقوَّة، ويتحدث بهدوء مخالفٍ تمامًا لكتلة النار المشتعلة في صدره:

-الأمر ليس سهلًا، ونسيانه الآن مستحيل، قلبك يؤلمك وروحك محطَّمة، أنا أعلم هذا تمامًا، ولكن هل في رأيك هذا هو الحل؟ تدمير نفسك والغوص في بحر عميق من الألم والحسرة؟ أن تعيدي تلك الحادثة في رأسك حتى تقضي عليكِ؟ نور انظري لي، أنت قويَّة ستحتازين هذا الأمر، أنا معك لن أتركك أبدًا، وأبي وأمي وأختي نحن عائلتك، هل نسيتي أنك بالفعل شقيقتي؟ ووالدتي ووالدتك، تذكري دائمًا أننا معك لن نتركك، ولن أسمح لأي شيء بتدميرك، حقك سأعيده لك سأبحث عن هذا الحقير في كل مكان وأجعله يعترف لما فعل هذا ومن كان السبب رغم أنني أشكُّ في أحدهم ولكنني لن أستطيع اتهامه هكذا تهمة من دون دليل، هذا الدليل الذي سأبحث عنه ليلًا نهارًا حتى أواجه الجميع به، أمَّا أنت فلا أريد منك المحاربة والوقوف في وجه أيِّ أحد، بل حاربي بدراستك وعلمك، حققي أحلامك بأكمالها وأنا في ظهرك دائمًا دعم وسند لك، والآن يكفي حزنًا هيَّا انهضي أبدلي ملابسك واستريحي قليلًا، وارحميني من قول المحاضرات الطويلة فأنا أكره كثرة الحديث كما تعلمين.

اختتم حديثة بمرح مخالف لجديَّته التي بدأ  بها كلامه، لتبتسم بخفوت على كلماته الأخيرة والتي لطالما كان يقولها لها عندما تخطئ في شيء ويوضح لها التصرف الصحيح لفعله.

-حسنًا سأستحم لعلَّ عظام جسدي ترتاح قليلًا، أنت لن تغادر الآن صحيح؟
نطقتها بخوف ليبتسم لها ويطمئنها.

-لا تخافي صغيرتي أنا هنا، هيا اذهبي، لن أتحرك من مكاني.

ذهبت إلى الغرفة التي أشار عليها ليبقى وحده يطالع الفراغ بصمت، الآن لديه حرب ثانية وهي البحث عن الحقير الذي فعل هذا لصغيرته، يتذكر ما حدث اليوم ظهرًا عندما كان مع والده وعمِّه في العمل.

تمرد امرأةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن