الفصل الرابع

544 67 7
                                    

إمرأة فولاذية
ابتسام محمود الصيري

قاموا أصدقائها بطرق بابها كثيرا حتى كسروا، كانت نائمة على الأرض تصرخ بنهيار تمسك يدها التي تنزف منها الدماء كالينبوع الذي أنفجر للتو، دخلوا أصحابها أغلقوا الحاسوب وذهبوا بها للمشفى، فقدت دماء كثيرة وظلت في غيبوبة ثلاث أيام، فاقت تصرخ من كابوسها الذي يراودها باستمرار مشهد الكهرباء التي كانت تعذب بها بالحبس، هدأت عندما بصرت أصدقائها رمت نفسها بأحضانهم، وطلبت أنها ترحل.
بعدما قام الطبيب بفحصها أذن لها بالخروج.
وتبدل حالها وتغير مثل فصول السنة الاربعه، لا تثبت على حال، كانت "زهرة" هكذا تغيرت طباعها للمرة الثالثه، انعزلت عن العالم كله أصبحت وحيده من جديد، لا توافق على مقابلة أي صديق لها، فاليوم هي تقرر أن تكون داخل سجن بأختيارها.
كان ما يأنسها وحدتها قلمها وأوراقها، لمدة شهرين لم ترى غير حجرتها الصغيره وتتناول القليل من الطعام حتى تعيش، وقبل أن تنهي أخر سطور بروايتها رتبت أفكارها من جديد ولم تجد النهاية بكتابها، ولم تجد لحياتها نهاية الأ بيد الله عز وجل، فتركت النهاية للقارئ، وقامت بأرسالها لإحدى دور النشر، كانت تتوقع الرفض من قبل الدار على الرواية، لكن في يوم أتصلت بها دار نشر تبلغها بالموافقه على نشر روايتها؛ التي تقص فيها كل معاناتها وتشتتها بين الدين والألحاد
سمت هذا بأول خطوات الحظ تحالفها، كانت مازالت تعمل بنفس العمل وتحاول الأجتهاد حتى تحصل على مال يرجعها مصر تحضر حفل توقيع كتابها الذي ينتظره الألاف من البشر، جمعت مبلغ قليل يعتبر ثمن الطيران فقط، لم تبالي وعزمت أن تسافر برغم أعتراض كل أصدقائها اللذين يخافون عليها من الكثير، أصرت على ذهابها وبالفعل سافرت في اليوم التالي وتوجهت من المطار إلى مكان المعرض الدولي حتى تناقش كتابها، كانت ترتدي جاكت كلاسيكي أسود، بأكمام بها فتح حتى نهاية الذراع وقميص أبيض وبنطال ابيض، وشعرها تركته يتنبت بسيط، عندما لمحت الناس اللذين ينتظرونها  لتوقع لهم على الكتاب كانت تكاد تلمس السحاب من كثرة فرحتها، وقفت بكل ثقه بأبتسامه صافيه وبدأت أن تناقش الكتاب وترد على من يسألها من الصحفيين، فكان يقف من بعيد شاب يشار عليها باستفهام:
- مين دي؟
أجابه شاب يقف بجواره:
- دي بت صايعة قلبه السوشيال ميديا وراكبة التريند فجاية تنافسنا في أكل عشنا وتعمل كاتبة، ناس تقرف مالوا البلد.
وأخر يبلغه:
- يا عم دي أرهابية من اللي بيفضلوا يقولوا قال الله وقال الرسول، دي زهاقتنا بكل كتابها اللي قبل كده.
وثالثهم يقهقه ويتفوه:
- عالم غوازي يا مان وكله رايح ورا الشهره.
وقف بعدما سمع لحديثهم يتفصحها حتي وقف شاب صحفي يطرح سؤال للمره الثانيه:
- انتي أزاي تبيعي جزء ربنا حطه عندك أمانه، ياريت تجوبي وبلاش تهرب؟!
رمقته بوجوم حاد وحاولت كبت غضبها بردها:
- طبعا ممكن أجوبك، بس لو حضرتك الأول جوبتني وقولتلي ليلتك أمبارح قضتها أزاي مع ...
قالت جملتها وهي تغمز له وتشار على صباعها البنسر، أنحرج من ردها وجرأتها وجلس بدون أن يتفوه بنت شفته، وقف شاب أخر  يهاجمها بحده، فقالت بهدوء:
- كلامك معايا يبقى بأحترام يا هقل منك قدام الناس دي كلها.
لم يسكت على تطولها معه وهاج بها وحاولوا الناس بفض الأشتباك وانهت هي الندوة بقولها:
- بشكر كل شخص جه هنا يساندني بحب، وكتاب خليك فولاذي الطبعة الأولى كلها هتتوزع مجاناً.
برغم لا تمتلك المال حتى تعوض صاحب الدار، ذهبت له بخجل وطلبت منه أن يعطيها مهله حتى تجمع له مال الكتب، ربت على كتفها بابتسامة مشرقة وأبلغها بتفائل:
- يا ستي أنا مش هاخد مكسب في الطبعة دي ومش هاخد منك فلوس.
ابتسمت وهي تشكره على طيبته ووقفت توزع الكتب على الناس حتى انهت بالفعل كل الطبعة وذهبت من المعرض بعدما أغلق ظلت تسير بشوارع المعز فوق كوبري قصر النيل خلعت جاكتها الكلاسيكي ووضعته بحقيبة ظهرها وأخذت منها جاكت جلد ليدفئها من برودة الجو القارس، كما نزعت حذائها الاسود ذوالكعب العالي، وأرتدت بدلا منه حذاء رياضي، يريحها في المشي منتظرة ظهور اشراق شمس جديده، لتتوجه للمطار وتستقل طائرتها لتعود من حيث آتت، بحثت في حقيبتة يدها على بعض من المال، لكي تتوجه لمكان ترتاح؛ لكن المال الذي معها لا يكفي، لذا قررت الاستمرار في السير حتي يتبين الخيط الابيض من الأسود، ظلت هكذا تائهه لا تعرف بأي مكان هي فيه، تنظر للشوارع للمرة الأخيرة كانها تحفرها داخل ذهنها، فهي لا تعلم متى ستعود من جديد، لم تنتبه لهذا الشاب الذي يسير خلفها، كان نفس الشاب الطويل الوسيم ذو لحية خفيفه، لا يكل ولا يمل من كثرة ماشيها، وقفت مره ثانيه تستنشق رائحة الطعام التي تأتي من مطعم وضعت يدها على معدتها التي تصدر اصواتًا تدل على تألمها لعدم ادخال اي طعام منذ وقت طويل، دخلت وجلست على أحدى المقاعد طالبه قائمة الطعام لتختار ما يناسب ماتبقى معها من نقود، القت نظرة سريعه واختارت طبق من معكرونه، نظرا لانخفاض سعرها بعدما وجدته أقل سعر في القائمة،
جلس بالقرب منها ذاك الشاب وطلب كوب من القهوة التي وصلت رائحاتها إلى أنفها جعلتها كالمدمنه وظلت تمسح مقدمة أنفها، أكلت طعامها وجلست تضحك تاره وتحزن تاره حتى قامت وتوجهت تستقل سيارة أجرة لتقوم بإيصالها إلى المطار، وحين دلفها شباك التذاكر وقف خلفها ظابط يبلغها:
- انتي زهرة محمد زهير.
ألتفت بظهرها مجيبه بخوف:
- ايوه.
اخذ من يدها جواز السفر وهو يخبرها:
- حضرتك ممنوعه من السفر.
حاولت اجتباح خوفها لكن ظهرت الدموع  على حافة جفنها وانهارت قواها بأكملها وفقده الوعي وقبل أن تقع أقترب منهما نفس الشاب الذي كان يتابعها، وسندها بذراعيه القوي، فنظر إليه الظابط وهو يحدثه بخوف:
- خدها واختفوا من هنا قبل ما حد ياخد باله واترفض، كان فين عقلي لما وفقتك اعمل كده.
أخذ من بين قبضة يده جواز سفرها وحملها كالعصفور الغريق ومشى بها بثبات تمام.
ادخلها سيارته وانطلق بها إلى أقرب مشفى، كان يتطلع ملامحها التي يرتسم عليها الحزن، متعجبًا انها نفس الفتاة التي كانت بالمعرض تصيح برجال بشناب، وصلا إلى المشفى صعد بها للطوارئ، وافاقها الطبيب قامت تصرخ بهلع ليس له مثيل وتنكمش بنفسها وتبتعد عن من يحاول يهدأها:
- انتوا عايزين مني ايه تاني، مش خلاص ظهرت برأتي، لو فكرين أني ذكرتكم في كتابي وقلت أنكم كهربتوني وعذبتوني والله ابدا، والله يا باشا معملت حاجة
كان يشار لها الشاب أن تهدأ من روعها، لكنها كلما تتذكر الماضي تتمنى أن تفارق الحياة ولم تعيش ساعه واحده في نفس المكان المخيف.
من هذا الشاب؟
ماذا سيحدث لزهرة ؟
توقعاتكم يا حلوين❤️

إمرأة فولاذيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن