الفصل الثامن

712 43 14
                                    

جرت أصابع ضياء بسرعة على لوحة المفاتيح محاولًا إنهاء عمله ليتفرغ بعدها للاتصال بشذى .. شرد مبتسمًا يفكر فيها .. لا يُصدق أنّها فتحت له الباب وأنّه يخطو كل يوم مقتربًا أكثر وأكثر من قلبها .. صحيح أنّها خطوات صغيرة تتحسس طريقها لكنّها تكفيه.

"قريبًا يا ضياء .. لا تيأس ستكون لك قريبًا"
همس لنفسه مشجعًا قبل أن يتدخل عقله ملوحًا بالعائق الآخر الذي يهدد اجتماعهما، فبهتت ابتسامته وفقد تركيزه كُليًا .. تطلع للشاشة واختلطت أكواد البرمجة التي يعمل عليها بجداله المحتد مع أبيه وشقيقه.

توقفت أصابعه تمامًا وعاوده اختناقه .. أغلق حاسوبه حين فقد كل تركيزه ونهض مرددًا بحزم
"لن يتدخل في هذا أيضًا"
ارتمى على الأريكة متنهدًا لتقع عيناه على نبتة الصبار قربه .. تناولها بحنين وأسى .. لماذا لا يريد أبوه أن يفهمه؟ .. لماذا يُصر على انتزاع أحلامه واحدًا بعد آخر؟ .. لقد غضب كثيرًا حين زارهم الشهر الماضي بعد أن عرف بتركه لوظيفته وازداد غضبه حين أخبره أنّه يريد خطبة فتاة أخرى غير التي أرادها له.

انقبضت كفه بحنق .. كُله من زوجة زاهر شقيقه .. هي من زرعت فكرة زواجه من شقيقتها في عقل زاهر ودفعته ليقنع والده بها .. يعرف جيدًا ما تفكر فيه وما هدفها من هذا .. لن تتوقف حتى تحقق ما تريده، والدليل أنّه رغم رفضه منذ عامين لا يزال والده مُصرًا على إرغامه عليها ووصل الأمر لتهديده.

"لن أعود وليفعلوا ما يريدون"
غمغم بحدة وإصرار قبل أن ينهض متجهًا إلى فراشه ليرتاح قليلًا .. لمح هاتفه الموضوع على الجارور يهتز فاتجه إليه وقطب حين رأى اسم شقيقه .. قرر عدم الرد حانقًا .. بالتأكيد سيتحدث في نفس الأمر .. لقد سئم حقًا وسينفجر قريبًا .. توقف الرنين ليجد بعدها عشرات المكالمات من أشقائه ووقع قلبه أرضًا .. وقبل أن تحاصره الوساوس رن الهاتف ثانية فأسرع يرد ليأتيه هتاف زاهر غاضبًا
"أين أنت يا ضياء؟ .. هل تعرف منذ متى نحاول الوصول إليك؟ .. مليون مرة قلت لك احتفظ بهاتفك اللعين قربك"
قطب مغمغمًا
"زاهر أنا متعب، وإن كنت تتصل لنفس الـ .."

قاطعه هتافه

"أبي مريض يا ضياء"

توقف قلبه منقبضً وشقيقه يواصل

"لقد مرض فجأة وساءت حالته سريعًا"
"ماذا؟ .. كيف؟"
لم يجب أسئلته وهو يأمره بحزم
"لم يتوقف عن السؤال عنك يا ضياء .. تعال حالًا فوضعه ليس مبشرًا"
ارتجف قلبه وشعر بحرقة في عينيه وتمتم مصدومًا
"سآتي في الحال .. أرجوك يا زاهر ظل على اتصال معي حتى أصل"
"أسرع فالوقت ليس في صالحنا"
أغلق معه واندفع بسرعة ليبدل ثيابه وقلبه يرتعد بجنون محاولًا تصديق أنّ والده الذي تركه قبل شهر واحد وهو في صحته قد وقع طريح الفراش.

**************

قطبت شذى وهي تلقي نظرة على هاتفها .. لم يتصل كعادته .. هل قرر التوقف عن إزعاجها باتصالاته .. ردد قلبها معاندًا إياها ومساندًا ضياء
"كاذبة .. أنتِ تحبين اهتمامه وحبه لكِ ولا تنزعجين أبدًا"

تعويذةُ عطرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن