مقدمة

56.2K 1K 88
                                    

مرت أمام المدرج الدراسي الذى يلقى فيه محاضراته عادة وتوقفت قدماها فجأة وهي تستمتع بإلقائه لقصيدة جعلت حواسها كلها تنتبه في انبهار كعادتها ما أن تسمعه يلقى الشعر بهذه الطريقة التي تسحر سامعيه .. كان يلقي بالأبيات في ثبات وبنبرة صوته الرجولية تلك التي تذيبها حرفيا وتأسر قلبها في ثوان :
أُخفِي الهَوَى ومَدامِعِي تُبدِيهِ..
وأُميتُهُ وصَبَابَتي تُحيِيهِ..
فَكأنَّهُ بالحُسنِ صورَةُ يوسفٍ..
وكَأنَّني بالحُزنِ مِثل أبيه..

تنهدت  وهى تكمل في همس الأبيات، فقد كانت تعشق هذه القصيدة وترددها دائما و لكنها تنبهت فجأة وهى تتطلع الى أوجه الفتيات في المدرج وذاك الوجد المسيطر على قسمات وجههن، فاستيقظت مشاعر الغيرة داخلها وانتفضت في غيظ متوعدة في إصرار: ماااشي يا ماچد، ماااشي ..
واندفعت فى إتجاه سيارتهما المركونة تنتظره حتى يعودا سويا للسراي ..
تقدم نحوها في هوادة وابتسامة معتادة ترتسم على شفتيه، ألقى التحية في اعتياد و دخل العربة وهي في أعقابه تتخذ مكانها جواره ..
نظر إليها وقد أيقن أن أمر ما يقلقها، ومن غيره يستطيع قراءة تلك الملامح الرائعة الجمال، حين تحمل ما يكدرها، فهمس متسائلا : خير، مالك !؟ في حاجة !؟..
هتفت بغيظ : مفيش يا دكتور ماچد ..
ابتسم، فما أن تنعته بلقبه، الذى حصل عليه منذ سنوات قليلة في أدب اللغة العربية، حتى يتأكد أنها تتعامل بصورة رسمية، وأن هناك بالفعل ما يكدرها، فهمس : واضح إن في حاجة مضيقاكِ، وما دام قلتي دكتور، يبقى أنا السبب فيها، هاتقري ولا أقررك بطريقتي ..
حاولت أن تخفى ابتسامة على شفتيها، و هتفت متصنعة الغضب : مش كفاية شعر غزل لحد كِده، راحت فين أشعار الملاحم و الحروب هاااا !؟ راح فين شعر الهجاء..
وصرخت مستطردة فى ثورة .. راح فين شعر الذممم ..
انفجر مقهقها، غير قادر على الرد من بين قهقهاته، إنها تغار كعادتها، وما أجمل غيرتها عليه، فهو يعلم كم تحبه وكم تراه مطمع لكل نساء الكون، رغم عاهة قدمه التي في إعتقادها تزيده روعة وشرف ..
هتف محاولا تهدئتها : الشعر  تخصصي يا مونى ..
هتفت في غيظ : ما الشعر أنواعه كتيرة، سيبك م الغزل و ركز في نوع تاني، هاااا..
علت ضحكاته من جديد مؤكدا : هحاول،  ربنا يقدرني، بس هسيب الغزل لمين !؟..
أكدت فى سرعة : ده تخصصي ..
انفجر ضاحكا وهتف مشاكسا : طب ما تورينا حاجة كِده..
هتفت متصنعة الحنق : إحنا ف العربية على فكرة ..
هتف يغيظها : قال يعنى بشوف منك حاجة ف البيت !؟
أكدت مدافعة : ما أنا مشغولة ف الدكتوراة،  طبعا ما أنت خدتها وأنا ملخومة فالحمل و الولادة وسبجتنى ..
هتف يمازحها : طب ما أنأ بساعدك و بذاكر لك، إنكري، هااا، إنكري ..
هتفت متحسرة : ايوه صح بتذاكر لي، بأمارة، ولا بلاش..
تعالت ضحكاته من جديد، و قد تذكر أنه بالفعل لم يكن معينا لها، بل على العكس، إما يشاكسها هو وأولاده أثناء فترة مذاكرتها، أو يحاول فعلا المساعدة، ولكنه يصر على تطبيق كل بيت شعر بشكل عملي، لمزيدا من التأكيد على المعنى الذي يضمره الشاعر ..
هتف مقهقها : خلاص يا ستي متزعليش هساعدك والله وهتخدى الدكتوراه بامتياز كمان ..
همست فى شك : لما نشوف ..
فهمس يشاكسها من جديد، وهو يندفع لداخل السراىّ : بس برضو مش هبطل أدرس شعر غزل .. 
فاندفعت خلفه صارخة : لااااه هتبطل وأما أشوف بجى يا دكتور، أنا ولا ..
انفجرت زهرة ضاحكة على مظهرهما .. ماجد يجري وإيمان في أعقابه صارخة، فهتفت خلفهما : هو أنتوا مش هتكبروا أبداااا، لسه قط و فار زي ما أنتوا، عيالكم بقوا طولكم، مفيش فايدة، حاسة إني بأدن فمالطة ..
هل ياسين من على أعتاب السراي، فهتفت زهرة تتساءل : ياسين، زهرة أختك فين !؟
هتف ياسين وهو يؤرجح الكرة بين كفيه : هتكون فين يعنى يا تيتة !؟ أهي فأوضة القراية، أنا مش عارف إيه ده! مبتزهقش دى !؟
قهقهت زهرة هاتفة : هو أنت بتزهق م الكورة !؟
هز رأسه نفيا بقوة، لتستطرد زهرة هاتفة : و هى مبتزهقش م القراية، روح ياللاه خبط على ماما و بابا عشان يتغدوا ..
هتف ياسين بلهجة خبيثة : لاااا مليش دعوة، لحسن يكون بيذاكر لها وأعطلهم ..
واندفع خارج السراي باتجاه الحديقة وهو يغمز لها بعينه، فانفجرت زهرة مقهقهة على ابن ماجد ذاك، الذي لم يتعد التاسعة من عمره، لكن عقله يتخطى سنه بمراحل،  أطفال هذه الأيام أطفال جسدا، لكنهم أنضج بمراحل من أمثالهم قديما ..
تنهدت زهرة في قلة حيلة واندفعت للمطبخ تتمم على الغذاء ..
وقفت إيمان تخلع عنها حجابها، فجذبها إليه هامسا : لسه زعلانة ..
هزت رأسها نفيا، وهمست : لااا، بس أنا مضغوطة عشان عايزة أخلص الرسالة ..
همس مشاكسا : هى فى الشعر الجاهلي صح !؟
أكدت بإيماءة من رأسها، ليهمس مشاكسا ببيت شعر لعنترة بن شداد في غزل عبلته:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل..
وبيض الهند تقطر من دمي..
فوددت تقبيل السيوف لأنها ..
لمعت كبارق ثغرك المتبسم.

وأقترب منها في شوق لتقبيلها، إلا ا أن كلاهما انتفضا مبتعدين، عندما اندفعت إحدى الكرات في قوة داخل الحجرة عبر باب الحديقة، الذي دفعته لقوتها لينفرج على مصرعيه..
هتف ماجد في غيظ : دي عمايل ابنك ياسين، مفيش غيره، ماااشى ..
ما أن هم بالاندفاع في إتجاه الحديقة، حتى هل ياسين على أعتاب الباب متسائلا : هي الكورة جت هنا !؟
أكد ماجد في حنق : اه يا خويا جت و شرفت أهلًا وسهلا بيك وبيها ..
واستطرد في مزيد من الحنق : أنت مش بتذاكر ليه يا باشا!؟..
أكد ياسين ذو التسع سنوات في نفاذ صبر: مية مرة أقولك يا بابا إني أخدت الإجازة، و الله العظيم أخدتها، أفهمهالكم إزاي دي..
انفجرت إيمان مقهقهة، بينما هتف ماجد متحرجا : طب ماشي يا لمض، بس ماما لسه بتذاكر، مفيش شوية هدوء عشان خاطرها !؟
هتف ياسين مشاكسا : ماما بقالها كام سنة بتذاكر أصلا، هقعد هادى وملعبش كل ده! و بعدين مش أنت اللى بتقول إنك بتذاكر لها؟!
تنحنح ماجد في اضطراب ناظرا إلى إيمان التي كانت تكتم ضحكاتها بأعجوبة، وهتف مؤكدا : ايوه طبعا، أنا اللي بذاكر لها..
حمل ياسين الكورة في هدوء، وتطلع لأبيه هاتفا في مشاكسة ::واضح يا بابا إنها مش بتفهم منك كويس، جبلها مدرس خصوصي أحسن ..
واندفع ياسين وبأحضانه كورته من أمام أبيه في إتجاه الحديقة، تاركا إياه وقد حاول الإمساك به، إلا أنه أفلت في أخر لحظة، ليتطلع إلى إيمان التي انفجرت ضاحكة، صارخا فيها : عاجبك طبعا كلام ابنك.
هتفت من بين قهقهاتها : شفت، أهو، حتى العيال خدوا بالهم..
وهمست مشاكسة : أنا عايزة درس خصوصي ..
اقترب بعد أن أغلق باب الحديقة بأحكام، و عاد إليها : يا سلام، غالى والطلب رخيص، بس ابنك يسبنا نركز، قصدى نذاكر ..
وما أن هم بالاقتراب من جديد، حتى اندفعت الكرة مرة أخرى، ضاربة الباب لينتفضا من جديد، لتنفجر إيمان مقهقهة أما ماجد، فصرخ غاضبا وهو يهم بالاندفاع خارج الحجرة : و الله ما أنا عاتقك النهاردة يا ياسين، حاااضر ..
هتفت إيمان خلفه من بين قهقهاتها : هتعمل عجلك بعجل الواد !؟..
أكد ماجد هاتفا في حنق : ده أنا أعيل منه .. والله لأربيه من جديد، مش عارف أحب فأمه، قصدى أذاكر لها بقالي ساعة .. حااضر يا ياسين، أدبك عليا ..
واندفع خارج الغرفة يجول ببصره في الحديقة باحثا عن ولده، تتبعه قهقهات إيمان، و ما أن وقعت عيناه على ابنته البكر زهرة، داخل حجرة القراءة، حتى هتف متسائلا : زهرة! مشفتيش أخوكِ راح فين ؟
تنبهت زهرة من شرودها رافعة رأسها من بين ضلفتي روايتها وهتفت : لا، مخدتش بالي يا بابا ..
زفر في ضيق، وقرر العودة لحجرته، فيكفيه ما به من إرهاق اليوم، و له مع ياسين ولده شأن أخر، ما أن يعثر عليه ..
عادت زهرة  للتيه في أحداث الرواية التي كانت تطالعها، وما كانت تدرك ذاك الذي يقف مشدوها، يحاول غض الطرف عنها مستغفرا من عليائه، حيث غرفته التي يتشاركها مع أخيه الأصغر محمد وياسين أخيها ..
كان شاردا فيها بكل جوارحه، وما أيقظه من حلمه إلا صوت مزاح، جعله يستغفر في حنق بالغ، فها هو سمير بن خاله باسل وعمته سندس يظهر بالأفق ..
هتف سمير مازحا في ياسين : أچري استخبى، أبوك بيدور عليك وهيموتك لو شافك ..
كان سمير قد ظهر على أعتاب الحديقة الخلفية، و رأى مشهد تساؤل ماجد عن ولده، و تأكد كالعادة أن ياسين قد أرتكب مصيبة ما، جعلت أبيه يتساءل عنه بتلك اللهفة رغبة في تأديبه ..
هتف ياسين في قلق : بجد ! طب هروح اتحامى فستي زهرة، محدش بيعرف يحوشه عني غيرها .. 
واندفع ياسين داخل السراي ليتقدم سمير من غرفة القراءة،هاتفا بالتحية في مرح : السلام عليكم يا مثقفة العيلة، عيلة العيلة و نچع الصالح كله ..
تنبهت زهرة، و ابتسمت في سعادة : و عليكم السلام، أزيك يا سمير، أخبارك إيه .. وإزي عمتي سندس وستي سهام، و فين سهام أختك، مش بتيجي ليه !؟..
هتف معاتبا في لهجة مرحة : يعنى أنتِ اللي بتيچي و بتسألي !؟ ما تسيبك م الكتب دي شوية، وتبجى تاجي تشوفيهم، دول بعتين لك السلام معايا ..
ابتسمت بدورها هاتفة : حاضر ليهم عندي زيارة قريب..و
ما أن هم باستكمال حديثها، حتى هتف صوت عاصم بالأعلى مستدعيا : سمير .. تعالى فوج عايزك ..
هتف سمير بغيظ : أعوذ بالله، ليه يا ربى ابتلتني بعاصم ده ..!؟..
ونظر إلى زهرة هاتفا في سخرية : بزمتك دي خلجة أتولد معاها فنفس اليوم .. لا و فنفس الساعة كمان ..!؟ حكمتك يااارب ..
انفجرت زهرة ضاحكة، ما أورث ذاك الذى ينتظر بالأعلى حنقا، كاد يجعله يقفز من شرفته على أم رأس سمير ذاك ليتخلص منه للأبد ..
هتف سمير مودعا : مع السلامة يا مثقفة .. أشوف وشك بخير، وأبقى سلميلي على أبويا وأمي، أصلك أنا مش ضامن الشيخ عاصم اللي فوج ده، ممكن يعمل فيا ايه .. چايز يقيم عليا الحد ..
عاودت زهرة قهقهاتها على مزاح سمير، ما جعل عاصم يشتعل غيظا هاتفا يستدعيه بحدة :- سميييير ..
هتف سمير ملوحا بكفه في ضيق : يا عم ما جولنا طالع ..
واندفع سمير في إتجاه باب السراي، بينما ظل عاصم واقف متسمرا يدنو الطرف إليها، وقد ارتاح قليلا لأنها عادت لعزلتها، وما عاد هناك أي من كان يلهيه عنها أو يجذب انتباهها، خاصة سمير ذاك بنكاته السخيفة وجرأته التى يكرهها، خاصة معها هي، دون غيرها .
         ****************
خرج من داخل ورشته مطلا على مقهى ابيه طالبا كوبا من الشاي الا انه توقف عندما وقع ناظره على خيالا يطل من نافذة شقته يتناول احدى قطع الملابس من على الأحبال الممتدة بعرض النافذة و تلك الضفيرة الذهبية تتدلى من صاحبتها مما أورثه حنقا جعله يندفع باتجاه شقته ليدخلها فى ثورة متجها نحو المطبخ ليجدها تقف تترنم مولية له ظهرها غير مدركة بعد لوجوده .. اقترب فى ضيق و امسك بجديلتها العسلية جاذبا إياها ليصدم ظهرها بصدره هامسا بالقرب من اذنيها :- احنا مش قلنا دى متظهرش بره الشقة !؟..
هتفت شيماء فى دلال بعد انتفاضتها لظهوره المفاجئ محاولة الاستدارة لمواجهته :- و الله ما حصل .. دى لسه بحطه ايدك م الصبح  يابو النصر ..
ترك جديلتها و همس و هى تستدير على مقربة منه :- امال مين اللى كان بيجيب الغسيل من ع الحبل من شوية !؟.. مش انتِ !؟..
اكدت شوشو و هى تقترب منه :- لا .. تلاقيها البت نعمة و استطردت فى غنج :-ايه !!.. مش عايز تفك الضفيرة ..
كانت تهم بالاستناد على صدره الا انه باغتها مندفعا خارج المطبخ حتى كادت ان تسقط لولا ان تمالكت نفسها هامسة فى تحسر :- طيب .. بلاش .. انا غلطانة .. و النعمة ما هى مفكوكة تانى ..
هتف ناصر فى ثورة :- بت يا نعمة ..
اندفعت نعمة ذات الأربعة عشر ربيعا ملبية نداء ابيها لتظهر بالردهة هاتفة :- نعم يا بابا ..
هتف ناصر فى ضيق يحاول التحكم به فقد كان ضعيفا أمامها و كانت المفضلة لديه دوما :- إيّاك ألمحك تانى بتجيبى حاجة من ع الحبل الا و على راسك ترحة فهمانى !؟..
اكدت نعمة فى سرعة :- حاضر يا بابا .. معلش اصل كنت متسربعة ..
هتف ناصر :- مفيش الكلام ده .. انت معدتيش صغيرة..
متخرجيش البلكونة او تطلى من شباك الا و انت ساترة شعرك ..
اكدت الفتاة فى طاعة بهزة من رأسها .. بينما اندفع نادر من الداخل على صوت ابيه هاتفا :- مين اللى مضايق الأسطى الكبير و احنا نكسر راْسه !؟..
هتف ناصر محتجا :- هو انت محلتكش الا تكسير الدماغ !؟.. متقلقش ياخويا محدش يقدر يضايقنى ..
ابتسم نادر و هو يقبل رأس ابيه مازحا :- اهدى بس يابو النصر صحتك مش كده ..
حاول ناصر مدارة ابتسامة طلت على شفتيه و هتف مؤكدا :- انا هادى اهو ياخويا .. متخدنيش ف دوكة و قولى .. اخبار المذاكرة ايه .. نضمن الهندسة بعون الله..
تنهد نادر فى إرهاق مؤكدا :- و الله بحاول اعمل اللى عليا يا بابا و ربنا ييسر من عنده ..
اكد ناصر :- كله على الله .. شد حيلك و عمر ربنا ما هيضيع تعبك .. الورشة مستنياك يا باشمهندس ..
هتفت نعمة لأمها التى طلت من المطبخ لتوها فى نبرة مازحة  :- اااااه .. عليه العوض ف أيدينا يا شوشو .. هندعك شحم و زيت للركب ..
هتفت شوشو وهى تتطلع لناصر فى عشق :- و ماله الشحم و الزيت ياختى .. مفيش احسن من كده .. و بعدين هو انا اطول  .. يشحم و زيت زى ما يحب و ابقى ام الباشمهندس ..
هتفت نعمة مازحة :- يعنى اطلع انا منها ..
اكد نادر مازحا :- اااه ..
نهضت نعمة هاتفة :- طيب يبقى انزل عند ستى نعمة هى اللى عارفة قيمتى ف البيت ده ..
هتف نادر :- هحصلك بس اخلص اللى ف ايدى و انزل لها ..
دخل نادر لحجرته يكمل مذاكرته بينما اندفع ناصر خلف شوشو داخل المطبخ مقتربا منها هامسا فى لهجة مشاكسة  :- ايه .. كان فى حد هنا عايز يحل الضفيرة !؟
همست فى دلال مدعية الحنق :- لا ده كان عرض كده و خلص .. شطبنا ..
قهقه لتستطرد :- روح ياللاه شوف لك خناقة اتخانقها و سبنى اخلص الغدا ..
جذبها فى مشاكسة من ضفيرتها مقربا إياها اليه لتهمس فى غنخ :- ابو النصر .. الواد جوه ..
لينتفضا لهتاف نادر من خارج المطبخ و هو على اعتاب باب الشقة يكمل ارتداء قميصه مما دفع ناصر للابتعاد عنها و الخروج من المطبخ لملاقاة ولده :- انا خارج يا ماما مش عايزة حاجة !؟..
هتفت شوشو مودعة و هى تطل برأسها خارج المطبخ مؤكدة:- عايزة سلامتك يا حبيبى .. و قول لستك نعمة متشربش الشاي الا لما انزل لها ..
اكد نادر بايماءة من رأسه  و هتف بأبيه :- وانت مش نازل الورشة يا اسطى و لا ايه !؟..
اكد ناصر و هو ينظر الى شوشو متحسرا :- نازل ياخويا نازل ..
قهقهت و هو يتبع ولده و عادت لتكمل إعداد طعام الغذاء .. بينما ألقى ناصر التحية على امه نعمة و عاد لورشته و ظل نادر بالأسفل فى صحبة اخته الصغرى و جدته نعمة التى تبعها نحو غرفتها ..
تمددت على فراشها و جلس قبالتها يمازحها كعادته .. تطلعت نعمة الى نادر حفيدها و ابتسمت فى حنو كان صورة مصغرة من عمه الشهيد رحمه الله و على الرغم من انه يحمل بعض من ملامح ناصر الخشنة المتجهمة الا انه يحمل بين طيات روحه نفس روح عمه المرحة الباشة .. سبحان من جعله يحمل النقيضين فى آن واحد
صلابة والده و عنفوانه و رقة روح عمه و سماحتها ..
دق جرس الباب فنهض نادر ليفتح لتطالعه بوجهها الصبوح رغم محاولة رسم ذاك المظهر الجدى على قسماته زادت ضربات قلبها أضعافا و هى تراه ماثلا امامها بطوله الفارع و قسمات وجهه الجادة .. شعرت بالتيه الا انها تيقظت عندما سمح لها بالدخول هاتفا مستدعيا اخته :- يا نعمة .. حُسن هنا..
دخل نادر يجالس جدته من جديد بينما اخذت الفتاتان فى تبادل الحوار لتهمس نعمة فى نبرة مرتعبة :- انا كنت هموت م الخوف و الواد اللى كان بيعاكسنا انا و هاجر مش راضى يحل عنا و احنا راجعين من الدرس امبارح ..
هتفت حُسن فى ضيق :- اصلكم بنات اى كلام .. لو كنت معاكم كنت عرفته مقامه ..
ظهر نادر على اعتاب الردهة هاتفا فى سخرية :- كسرتى أيد و لا رجل مين المرة دى !؟..
هتفت حُسن :- ده واد قليل الادب و كان ..
قاطعها فى سخرية لاذعة :- مفهوم طبعا كان بيعاكس ست الحسن و الجمال .. اقصد الاستاذ حسن .. و كان لازم طبعا تعرفيه مقامه بعلقة من بتوعك ..
اضطربت و شعرت بوخز فى كرامتها و هتفت مدافعة عن مبدأها :- يعنى اسيبه !؟..
هتف نادر فى حنق ساخرا :- لااا ازاااى !؟.. و دى تيجى برضو !؟.. لازم نلم عليه أمة لا اله الا الله .. و نعمل له عاهة مستديمة ..
هتفت بغيظ :- عشان يحرم هو و امثاله ..
هتف فى ضيق :- و الله ما حد هيحرم الا انتِ لما حد م الأشكال دى يأذيكى بجد ..
شعرت برغبة قوية فى البكاء لكنها ابدا لم تفعلها و لن تفعلها امام احدهم و خاصة هو رغم اثر كلماته الحادة عليها الا انها فضلت المغادرة بدلا من جدل عقيم لن يورثهما سوى المزيد من المشاحنة فاندفعت خارجة من الشقة غير عابئة بنداء نعمة عليها لتستوقفها فى محاولة لتطييب خاطرها بعد كلام نادر الجاف معها..
نظرت نعمة الى نادر معاتبة فزفر فى ضيق و اندفع بدوره خارجا فى طريقه لمقهى جده خميس ..
ما ان وضع قدميه على اعتاب الحارة سائرا فى اتجاه المقهى حتى سمع جلبة قادمة من الاتجاه الاخر .. عاد القهقرى ليجد حُسن تمسك بأحدهم تضربه فى غل ليندفع بدوره منحيا إياها جانبا ليتولى هو الأخذ بثأرها..
تجمهر اهل الحارة حول المعركة الدائرة بين ذاك الشاب الذى كان يغازل حُسن و بين نادر .. تبادلا فيها اللكمات و الركلات حتى طرحه نادر ارضا ليظهر ناصر ابيه فى الصورة اخيرا هاتفا به :- خلاص سيبه يا نادر ..
هتف نادر فى غيظ :- و الله ما انا سايبه الا لما احلق له راسه عشان يكون عبرة لأى حد يعتب الحارة دى .. يا اما يدخلها بأدبه يا اما ميعتبهاش برجليه ..
هتف ناصر من جديد :- خلاص قلنا يا نادر .. سيبه و انا عارف ابوه .. هبلغه بعمايل ابنه ..
نهض نادر مبتعدا عن ذاك الشاب الذى ما ان شعر بانه حر اخيرا حتى اطلق ساقيه للريح هاربا كأرنب مذعور ليهتف ناصر فى الجمع المتجمهر :- ياللاه ياخونا ..فضيناها .. كل واحد يروح يشوف مصالحه ..
انفض الجمع و عاد ناصر لورشته بينما اندفع نادر فى اتجاه ذاك الركن القصى الذى كانت تقف فيه منزوية تختفى عن الأعين همس ما ان وصل اليها :- عجبك اللى حصل !؟.. هو كل يوم هنخلص واحد من ايديكى !؟.
همست فى اضطراب :- ما هو اللى ..
هتف فى غضب :- ما هو ايه !؟..
هتفت مدافعة :- باخد حقى بأيدى ..
هتف فى حنق :- ليه ملكيش رجالة يخدوه !؟..
اكدت فى شجن :- لا مليش ..
كانت وحيدة ابيها سالم الاستورجى و الذى رُزق بها على كبر .. و أقعده المرض معظم الوقت بالمنزل فما عاد ينزل لورشته الا لماما ..
هتف فى غيظ :- ليه و انا روحت فين !؟..
همست فى دهشة :- انت ..
همس جازا على اسنانه :- ايه مش مالى عينك !؟..
همست فى اضطراب :- لااا .. اصل ..
قاطعها فى غضب :- ياللاه عشان أوصلك لحد باب بيتك..
سارت خلفه دون ان تنطق بحرف واحد فقد كانت مأخوذة تماما بذاك الذى يسير امامها كحائط من امان يستر عنها ما قد يؤذيها و بظله الذى يغمرها الان تشعر انها ما عادت تحتاج من هذا العالم الا تلك اللحظة الآنية التى يكسوها ذاك الشعور و يأسرها تماما ..
وصلت على اعتاب منزلها ليهم بالرحيل لتهمس فى نبرة يغلفها حياء غير معتاد على مسامعه :- شكرًا ..
هتف فى نفاذ صبر :- العفو يا ستى ..
اندفعت تعتلى الدرج فى سرعة و ما ان دلفت لشقتها حتى هرولت لأقرب نافذة تتطلع الى محياه الماضى فى طريقه لمقهى جده و كلماته التى ألقاها على مسامعها منذ دقائق تتردد بين جنبات روحها ..
وصل نادر للمقهى ليبادره جده المعلم خميس ما ان وقعت عليه عيناه :- اهلًا بالباشمهندس مقدما .. تعالى..
هتف نادر مازحا :- انت اللى تيجى يا معلم .. عندك استدعاء من ستى ..
هتف خميس ملهوفا :- خير يا واد .. ستك بخير !؟..
اكد نادر فى مرح :- بخير متقلقش .. يا سيدى ع الحنين يا سيدى .. الحب بهدلة يا بو خميس ..
هتف خميس مدعيا الحنق :- تصدق بأيه .. انا  ناصر ابنى معرفش يربى ..
انفجر نادر مقهقها و هتف من بين قهقهاته :- كِده برضو يا جدى .. الله يسامحك ..
هتف خميس مؤكدا :- هيسامحنى ياخويا .. قولى بقى ستك عيزانى ف ايه  !؟..
هتف نادر مشاكسا :- قلبها عليك يا سيدى .. قال ايه مفطرتش كويس النهاردة و بتقولك الغدا خلص لو عايز ترجع تتغدى و انا هاخد مكانك ورا البنك ..
هتف خميس متحسسا بطنه المنتفخ قليلا :- الغدا وجب .. هى طابخة ايه !؟..
هتف نادر مازحا:- مسقعة ريحتها جايبة اخر الحارة يا معلم ..بس ايه .. طبق منها يخدر ل تلت ايّام وحياتك .. بنج اصلى ..
قهقه خميس هاتفا :- طب انا رايح اتبنج ..
و ما ان هم بالخروج من خلف البنك تاركا موضعه لحفيده حتى هتف متسائلا :- ألا بالحق يا نادر كنت بتضرب مين من شوية !؟.. شايف ابوك بيفض العركة ..
هتف نادر :- ده واد كده ملوش لازمة كان بيعاكس حُسن بنت سالم الاستورجى ..
هتف خميس يشاكسه :- لا راجل يا واد .. طالع لجدك حبيب ..
هتف نادر مندهشا :- حبيب مين يا معلم حرام عليك!؟.. احب ف مين بس .. حُسن !؟..
هتف خميس متسائلا :- و مالها حُسن ياخويا .. بت زى القمر و جدعة و بميت راجل ..
هتف نادر مازحا :- اديك قولتها بميت راجل .. يعنى مش راجل واحد بس كمان .. قال احبها قال .. احب واحد صاحبى ..
قهقه خميس :- و الله انت لسه عودك أخضر و متفهمش ف النسوان .. بكرة تندم يا جميل ..
هتف نادر مؤكدا :- ابداااا ..
تعالت ضحكات خميس من جديد و اندفع مغادرا المقهى تاركا حفيده ترتسم على شفتيه ابتسامة واثقة ان كل ما قيل مجرد دعابات متبادلة بينه و بين جده و ان قلبه لن يميل لتلك المسترجلة مهما حدث .. و اشفق فى سره على ذاك المتعوس الذى ستكون حُسن يوما من نصيبه  وكاد يقهقه كأبله عندما تخيل ما قد يحدث لزوجها اذا ما عارضها يوما .. و قرأ الفاتحة على روح ذاك المتعوس مقدما ..
          **************
كان صوت مكبرات الصوت مع تصفيق الجماهير الحاضرة يوترها ..بيننا جلس هو جوارها يربت على كفيها المضمومتين بحجرها، تفركهما في توتر شديد في انتظار سماع اسمه بين المتبارين ..
ارتجفت داخليا عندما أعلن المكبر عن اسمه في حماسة ..فقد كان البطل على مدار سنتين متتاليتين.. والكل يتوقع أن تكون هذه المرة الثالثة التي ينال فيها بطولة الفروسية ..
استشعر سيد انتفاضتها فنظر إليها مهدئا لتهمس بجوار أذنه في اضطراب : انا مش مستحملة يا سيد .. خلاص أعصابي تعبت..
ابتسم سيد مؤكدا : هو أنتِ كل سنة كده يا ثريا !؟ .. أهدي بس .. الولد طالع أهو وكله هيبقى تمام .. مروان ابنك فارس .. كأنه مولود على ضهر الخيل ..
ربت من جديد على كفيها المتشابكتين وما أن هم بالحديث حتى على التصفيق بظهور مروان في حلته التقليدية لركوب الخيل وبدأ في استعراض مهارات فرسه في احترافية شديدة .. وبدأ في القفز على الحواجز .. ومع كل قفزة يتمها كان قلبها يقفز زعرا على ولدها .. تتنفس الصعداء أنه أتم القفزة الخطرة وتشعر بالفخر مع تصفيق الجماهير لوليد قلبها ثم يعاودها القلق من جديد ما أن يتوجه فرسه لاجتياز حاجز أكثر خطورة .. كادت أن تفقد وعيها فزعا مع هذا الحاجز المرتفع ..لكن صوت التصفيق جعلها تتنهد في راحة ..
هتف سيد في فخر : شوفتي .. مروان ميتخفش عليه .. أنتِ بس اللي قلبك رهيف .. مع إنك عمرك ما كنتِ كده..
همس بكلماته الأخيرة في محاولة لتخفيف توترها ..نجح بالفعل للحظة في رسم الإبتسامة على شفتيها ..فقد فطنت لما كان يرنو إليه من وراء كلماته .. لكنهما انتقضا سويا ما أن علت الصرخات من هنا وهناك .. وكذا صوت المذيع في مكبر الصوت يستدعي الإسعاف لحلبة القفز فورا ..
لم يكن الأمر يحتاج لمزيد من المعلومات حتى تدرك أن ولدها الوحيد قد أصابه مكروه .. ترنحت في صدمة ..واظلمت الدنيا أمام عينيها ..ولم تنطق إلا اسما واحدا .. اسم ابنها الغالي .. مروان ..
          ***************
تهادت فى مشيتها كعادتها حتى وصلت الى موضع وقوفه بعد ان تبعته عندما سمعت بمجيئه من الخارج فى مثل تلك الساعة على غير عادته .. كان يقف بحجرة نومهما موليا ظهره لها اقتربت منه واضعة كفيها على كتفيه حيث موضع نسره الذهبى و نجمتاه اللامعتان و همست فى سعادة و هى تواجهه متطلعة لعينيه :- هتعلق النجمة الثالثة امتى يا سيادة العميد مقدما !؟..
ابتسم لها فى محبة هامسا و هو ينحنى مقبلا جبينها :- هااانت يا جميل .. فاضل ع الحلو دقة ..
قهقهت و ساعدته فى خلع سترته الميرى و ما ان همت بوضعها على مشجبها الخاص حتى زمت ما بين حاجبيها فى شك و قربت السترة من انفها تتشممها .. جزت على أسنانها فى غيظ ووضعت السترة جانبا و اندفعت باتجاهه و امسكت بشحمة أذنه معاتبة :- حاااازم .. انت كلت بسبوسة !؟.. و بالسمنة البلدى كماااان !؟..
ادعى الاضطراب و اغلق عينيه محاولا التملص من عتابها هامسا :- اخر مرة يا تسليح .. متفتحيش عليا مدفعيتك التقيلة .. نفسى راحت لها .. اعمل ايه !!
تنهدت و تركت أذنه هامسة بنبرة قلقة :- يا حازم يا حبيبى الدكتور نبهك بلاش حلو .. و انت مبتاكلش الا الحلو .. ينفع كده !؟..
اقترب منها هامسا بعبث :- طول عمرى اموت ف الحلو.. امال كان ايه اللى وقعنى فيكِ !؟..
همست تحاول التملص من ذراعيه فى دلال  هاتفة بنبرة متفاخرة  :- قصدك تقول انك مقدرتش تقاوم جمالى !؟
هتف مشاكسا :- لا و لا انت الصادقة .. مقدرتش أقاوم حلاوة البسبوسة اللى بتعمليها .. ده اللى وقعنى فيكِ على فكرة ..
ارتسمت ملامح الصدمة على وجه تسبيح لينفجر حازم مقهقها لتضيق عينيها فى خبث فى محاولة للانتقام السريع فهتفت و هى تتهادى مبتعدة :- طيييب .. شوف مين بقى اللى هياكل البسبوسة اللى بالقشدة و المكسرات اللى انا هعملها حلاوة الترقية السعيدة ..!؟.. هروح أوزعها ع الحبايب ..
صرخ حازم معتذرا :- لاااا .. الا البسبوسة .. أبوس الجدم و أبدى الندم .. دى مبتتعملش الا كل ترقية ..
قهقهت تسبيح هاتفة :- خلاص عفونا عنك .. بس بشرط.. متاكلش بسبوسة من دلوقتى لحد ظهور نشرة الترقى .. اتفقنا ..!؟..
اكد و هو يلقى التحية العسكرية :- علم و ينفذ يا فندم..
اتسعت ابتسامتها و ساد الصمت للحظات و اخيرا هتفت متسائلة :- بس انت مقلتليش .. فى إمكانية نروح القاهرة .. و لا هنتحدف حتة بعيدة !؟..
تنهد فى قلق هاتفا :- و الله ما عارف .. اللى يجيبه ربنا كله خير ..
أكدت هاتفة :- اكيد خير .. بس انا بسأل عشان بدور .. انت عارف .. التنسيق خلاص على ظهور و مش عارفة وضعها هايبقى ايه ..!؟.. دى اصلا شايلة هم بعادنا عن إسكندرية و انها ممكن تسيب فريدة .. دى على طول معسكرة عندها و مش بشوفها تقريبا ..
ابتسم حازم و هو يمدد جسده على الفراش فى إرهاق:- معلش .. انتِ عارفة انهم من سن واحد و متربيين تقريبا مع بعض .. خليها تشبع من فريدة محدش عارف هيكون نصيبنا الجاى فين ..
تنهدت دون ان تفوه بحرف تفكر فى كل التنقلات القادمة فى حياتها و فى مصير بدور ابنتها و التى تستوطن فيلا حمزة و هدير المقابلة لفيلتهما .. وقفت فى نافذة الطابق العلوى تتطلع الي الفيلا  لعلها تلمح ابنتها مع هدير بالحديقة الخلفية كعادتهما الا انها لم ترهما ..
زفرت فى محاولة لابعاد كم الافكار المتوال على عقلها و دخلت تبحث عن عمل يلهيها عن زخم تلك الخواطر التى تتزاحم فى مخيلتها ..
اندفعت فريدة و بدور الى خارج حدود الفيلا و هُن يرتدين إسدال صلاتهما و وقفتا فى موضع ما مستتر بين الشجيرات الكثيفة تتطلعان فى ترقب من بين قضبان السور الحديدية لموضع ما فى الحديقة ..
همست فريدة فى توتر :- تفتكرى هيعدى من هنا !؟..
همست بدور مؤكدة فى نزق :- يعنى هيعدى منين غير من هنا !؟.. اكيد طبعا ..اذا مكنش بيطير يعنى  ...
همست فريدة بغيظ متجاهلة سخرية بدور  :- نفسى اشوفه و هو مطاطى شوية بدل نفخته الكدابة دى ..اشوف ملامح الكسفة و الخجل على وشه بدل من ملامح الكبر و الثقة اللى ملهاش حد دى .. هيموتنى بجد من الغيظ ..
همست بدور فى حماسة :- هيحصل .. هيوقع دلوقتى ف الحفرة المحترمة اللى حفرها الجنينى و احنا غطيناها .. اااه .. امتى يخرج بقى سى إنذار ده .. و وضعت كفها على فهما تغالب الانفجار فى ضحكاتها حتى لا يع احدهم موضعهما و همست مازحة :- بس يضرب كلكس و هو خارج .. سى إنذار يدينا إنذار ..
عاتبتها فريدة هامسة :- اسمه نزار مش إنذار .. و همست من جديد فى هيام متنهدة :- نزار  الغمرى .. 
انتفضت بدور هامسة :- طب ياختى ركزى عشان اهو جاى اهو  و هيحصل المراد .. 
انتفضت فريدة بدورها و تضاعفت دقات قلبها و هى تتطلع لمدخل الفيلا حيث كان نزار فى مقابلة عمل مع ابيها كالعادة .. سار فى ثقة رافعا رأسه فى شموخ .. وضع نظارته الشمسية و بدأ فى السير فى خطوات متمهلة باتجاه الفخ المنصوب ..
و ما ان اقترب من الحفرة المغطاة و هن فى انتظار التمتع بانتصارهن حتى  همس صوت أجش من خلف ظهريهما متسائلا فى لهجة متوعدة تحمل نبرة ساخرة :- بتعملوا ايه هنا ..!؟..
انتفضت كلتهاهما شاهقتين متطلعين اليه فى صدمة أخرست كلتاهما  للحظات و هو بدوره صاحب ذاك الجسد الرجولى الفاره الطول لم يمهملهما لتنطق احداهما  مدافعة و شارحة الموقف بل مد كفيه و جذبهما من عنق اسدالهما لتنهض كل واحدة معلقة بكف صلب يهزهما صارخا :-هو انتوا ايه !؟.. مفيش فايدة فيكم !؟.. مش هتلموا نفسكم بقى !؟.. ايه اللى جايبكم تشحتوا هنا !؟..
و دفع ذاك الضخم بهمن و هو خلفهن فى اتجاه عربة الشرطة التى كانت تصطف بالقرب من باب الفيلا المجاورة الخاصة باحد قادة الشرطة و الذى يعد صديق شخصى لحازم والد بدور ..
همست فريدة و الدموع تتراقص بمآقيها :- بدوررر .. خليه يسبنى بليز .. قوليله مين باباكى ..
انتبهت بدور و قد شلت الصدمة تفكيرها بالفعل و تذكرت لتوها من يكون ابيها فهتفت فى غيظ و هو تحاول التخلص من قبضته التى تمسك بعنق اسدالها بهذا الشكل المهين :- لو سمحت .. سبنى .. اقصد سبنا فورا .. لحسن هتلاقى نفسك منقول ورا الشمس .. انا بحذرك اهو ..
انفجر ذاك الضابط الفاره الطول مقهقها و هتف فى سخرية :- بجد !؟.. ورا الشمس اللى هو فين ده !؟.. طب بما انك واصلة قووى كده ممكن اختار المكان اللى احبه بعد اذن سعادتك عشان باااابى يودينى هناك ..اصل انا عقبال عندك على وش نقل .. 
دفع بهن من جديد  حتى مدخل الصندوق الخلفى لعربة الشرطة هاتفا و هو يحسهما على صعودها :- شرفونا بس شوية كده .. و أوعدك انا و انت و بابا و ناهد هنروح كلنا ورا الشمس بعون الله ..
همست فريدة بصوت متحشرج :- احنا هنركب البوكس يا بدور !؟.. اعملى حاجة بليز ..
همت بدور بالصراخ فى ذاك الجلف لعله يعطيها الفرصة للشرح لعل المستحيل يحدث و يفهم الا ان صوت هادئ النبرات هتف فجأة :- سبهم يا حضرة الظابط بعد اذنك ..
تطلع الضابط بحاجبين معقودين تجاه ذاك الصوت الامر و الذى هتف صاحبه مؤكدا و هو يمد كفه بالتحية فى كبرياء :- نزار الغمرى .. رجل اعمال و صاحب شركات ..
هتف الضابط مؤكدا و هو يترك اسدال فريدة و يمد كفه رادا التحية بينما لايزل معلقا بدور من عنقها :- طبعا يا فندم غنى عن التعريف .. مين ف إسكندرية كلها ميعرفش عيلة الغمرى .. تشرفنا ..
اكد نزار فى نبرة واثقة :- الشرف ليا .. الآنسات ..
قاطعه الضابط مؤكدا :- لقيتهم بشكلهم المريب ده بيتجسسوا على الفيلا من ورا السور .. واضح ان عينهم على حد او على حاجة جوه ..
ابتسم نزار و هو يتطلع الى فريدة هامسا :- لا خااالص يا حضرة الظابط .. دوول حتى هما نفسهم اصحاب الفيلا مش كده يا آنسة فريدة !؟..
نكست فريدة رأسها فى خجل تتمنى لو ان الارض كانت انشقت و ابتلعتها قبل ان يراها نزار بهذا الشكل و فى موقف كهذا ..اما بدور فهتفت فى نزق فى اتجاه الضابط و هى تجذب اسدالها من بين كفه المتشبث به:- شوفت .. ايوه احنا صحاب الفيلا .. نبص بقى مطرح ما نحب ..هو انت ايه !؟.. مفيش تمييز  خااالص ..احنا برضو شكل شحاتين ..!؟..
تطلع اليها الضابط و نظراته تحمل فيضا من سخرية لا يستهان بها فنظرت الى مظهر فريدة ثم الى مظهرها  ليس لانها ترتدى اسدال الصلاة ذاك فى غير موضعه و انما لان كل منهما  تربط حجاب الاسدال حول وجهها متخفية فكانتا اشبه بأفراد عصابة فى سبيلها لسطو مسلح .. تأكدت الان انه لديه كل الحق فى الاشتباه فى مظهرهما العجيب ذاك .. لكنها لم تكن لتعترف بذلك علنا بل رفعت رأسها فى شموخ و امسكت بكف ابنة عمتها مندفعة فى اتجاه الفيلا هاتفة :- ناس معندهاش نظر صحيح ..
كادت ان تتعرقل فى طرف اسدالها الا انها انقذت نفسها قبل السقوط الوشيك و قهقهات ذاك الجلف تتعقبها مما دفعها للإسراع مبتعدة و ليكن ما يكون ..
هتفت فريدة من بين شهقات بكائها :- شوفتى اللى حصل !؟.. ادى اخرة شورتك .. بدل ما افرح فيه ضحك هو على شكلى و منظرى ده و البركة فيكِ ..
لوحت بدور بكفها فى الهواء لامبالية و هتفت :- و ايه يعنى !؟..اللى  محصلش المرة دى يحصل المرة الجاية .. حاضر يا إنذار باشا .. هو و ضخم الجثة عريض المنكبين اللى فضح الخطة و علقنا و قال ايه كان عايز يركبنا البوكس .. ااااه لو اعرف هو مين !؟.. لأعرفه ورا الشمس دى تبقى فين و ابعته زيارة على هناك..
نظرت من النافذة لعلها تجده لايزل حيث تركته يقهقه منشرحا .. انتفضت عندما وجدته بالفعل يقف مع جارهم فى ثبات و شموخ يطأطئ الرأس احتراما لرتبته الاعلى مستمعا لبعض توجيهاته ..
اندفعت راحلة لتهتف بها فريدة :- سيبانى و رايحة فين دلوقتى !؟..
هتفت بدور على عجل :- جاية .. جاية .. رجعالك تانى بس واضح ان العرق الصعيدى نقح عليا و مش ههدا الا لما  اخد بتارى  ..
أسرعت فى اتجاه الحديقة الخلفية و منها الى فيلتهم حيث يمكنها مشاهدته من هناك بشكل افضل لكن ما ان وصلت لحجرتها و تطلعت من نافذتها حتى وجدته اختفى .. زفرت فى ضيق و عادت لداخل حجرتها خلعت عنها اسدال الصلاة ليظهر ذاك الثوب الرقيق الذى ترتديه .. وقفت تعدل من هندامها و ارتدت حجابها حتى تعود لفيلا فريدة لتقضى معها ما تبقى من اليوم فى محاولة لإصلاح الخطة التى فشلت فى الإيقاع بنزار الغمرى ذاك الشاب الطموح و رجل الاعمال الناجح الذى تعشقه فريدة منذ إلتقت به فى احدى الحفلات مع ابيها و امها .. لكنه للاسف على عكسها لا يعيرها اهتماما و يتعامل معها كما لو انها مازالت طفلة ..    انتفضت بدور عندما دخلت  تسبيح امها الغرفة هاتفة بقلق من رد فعل ابنتها حيال الامر :- عرفتى يا بدور ان بابا ممكن يتنقل قريب !؟.. و للاسف مش عارفين فين!؟..و انا قلقانة على تنسيق كليتك اللى قرب كمان..
شهقت بدور فى صدمة :- يتنقل ده ايه  !؟..لااا .. انا مش هسيب إسكندرية يا ماما .. عشان خاطرى عايزة أقعد هنا .. انا ما صدقت بعد التنطيط اللى خدناه من الشرق للغرب نيجى نستقر هنا ف إسكندرية ..
هتفت تسبيح بضيق  :- و من امتى بنسيب بابا لوحده يا بدور !!..
اندفعت بدور  خارج الغرفة هاتفة فى حنق :- انا هنزل أكلمه ..
هبطت الدرج فى اتجاه غرفة المكتب حيث كانت تعلم ان ابيها حازم يكون هناك فى تلك الفترة من اليوم يطالع بعض أوراق العمل .. دفعت الباب هاتفة فى سخط :- لا بقى يا سى بابا.. احناااا ..
توقفت مبهوتة و طارت الأحرف التى كانت فى سبيلها لنطقها و هى ترى ذلك الجلف الذى ظنت انه رحل يقف يمد كفه محييا ابيها مع جارهما سيادة العميد ..
هتف حازم مبادرا :- تعالى يا بدور ..
هتف جارهما العميد مرحبا :- أهلا يا بدور يا بنتى .. عاملة ايه !؟..
هتفت مجيية بصوت مضطرب و نظراتها على ذاك الذى يقف كالمسمار  فى ادب جم يتنافى تماما مع أدبه ذاك الذى أظهره معهما منذ قليل .. نظراته كانت تتجه ارضا و لم يدن طرفه متطلعا اليها و لو لثانية واحدة حتى فى لحظة دخولها المفاجئ تلك :- الحمد لله يا أنكل بخير ..
وقفت فى محازاته ليهتف حازم معرفا :- حضرة الملازم.. أمم .. انا اسف نسيت الأسم ..
ابتسم ذاك الضابط فى هدوء :- منتصر منصور يا فندم
و رفع نظراته اليها اخيرا مادا كفه بالتحية ليضطرب قليلا ما ان وقعت نظراته عليها بذاك المظهر الجديد الذى يفيض رقة على عكس تلك المتسولة التى رأها فى الخارج منذ قليل.. مدت بدور كفها محيية مجيبة كفه الممدودة بدوره و هى تهمس من بين أسنانها ساخرة توقظه من شروده مكررة اسمه مما زاده اضطرابا حاول إخفاءه بمهارة  :- منتصر منصور ..!!.. و اسم جدك ايه بقى !؟... ابو النصر .. ايه كل الانتصارات دى !؟..
كاد منتصر ينفجر مقهقها الا انه تمالك نفسه بأعجوبة و هتف من بين اسنانه محاولا ضبط النفس :- تشرفنا يا آنسة بدور ..
سحبت كفها من احضان كفه الضخم و اومأت محيية فى رزانة غير معتادة عليها ليهتف جارهما العميد فى لهجة آسفة :- منتصر من أكفأ الظباط اللى اشتغلوا معايا بس خلاص اهو مستنى حركة التنقلات ..
ابتسم حازم مؤكدا :- الظاهر كلنا مستنينها ..و استدار مواجها منتصر :-  يا رب على خير يا حضرة الظابط .. شهادة سيادة العميد وسام ..
اكد منتصر بصوت أجش :- اكيد يا فندم ..
هتف حازم متسائلا :- انت تتمنى تروح فين !؟.
همست بدور ساخرة من بين أسنانها :- يروح ورا الشمس .. و لا ايه !؟.. هيعجبك المكان هناك ..
انشغل حازم فى الحديث مع جاره ليستغل منتصر الفرصة هامسا و هو يمسك ضحكاته :- سيبى و انا اسيب .. لو مقلتيش ع اللى حصل منى لسيادة العميد  مش هقوله انا كمان ع اللى كنتوا بتعملوه انتِ و قريبتك عند سُوَر فيلتهم ...
همت بالإجابة الا ان حازم نظر اليها متعجبا يستفسر :- قلتِ حاجة يا بدور !؟.. شمس ايه !؟..
اكدت فى ثبات :- ابدا يا بابا بقول يا ريت اروح جامعة عين شمس .. لو ربنا أراد و نقلنا القاهرة ..
هتف حازم مبتسما :- باْذن الله .. بس ايه يا بدور الناس هتقول علينا بخلاء .. مش هنشرب الضيوف حاجة و لا ايه !؟..
اضطربت مسرعة فى الانصراف :- اه طبعا يا بابا .. حالا..
و ما ان همت بالانصراف خارجة من الغرفة حتى تطلعت مرة اخرى لذاك المنتصر الذى ما هنأها على الفوز فى معركة واحدة منذ قابلته .. يبدو ان له نصيب وافر من اسمه  لكنها مصرة على الفوز  بأية طريقة ..
             ************
                       يتبع

زاد العمر وزواده .. ميراث العشق والدموع ٤ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن