في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 1932 أعلنَ قسمٌ من الحكومة الإنقلاب لتحسين وضع إسبانيا،إنه الإنقلاب الفاشل لخوسيه سانخورخو،وانضموا لما يدعى بالحزب القومي الذي يهدف للاستيلاء على الحكم وتجريد البلاد من مفهوم الحرية،وغالبا من سيَرأس الحكم القومي دكتاتورٌ ما،وحسبَ توقعاتي هو فرانثيسكو فرانكو،والآن في العام 1934 بدأ فتيل الحرب يُشعل.
في برشلونة كان الحزب اليساري يناضل في تمسكه بنظام الحكم،فمحاولات القوميين لانتزاع الحكم بثوراتهم وانتخاباتهم أمرٌ مقلق.
كأيّ صباحٍ يراودني ازاول روتيني المعتاد،اتناول فطوري بنفسي نظرا لأن عائلتي تعيش في مدريد وانا اقطن في برشلونة،فلم اتزوج او افكر بحدود ذلك لأنه ترسٌ من ثقل المسؤولية التي سترأس ساعتي وتشغلها،أرتدي ملابسي وأشتري جريدة دياريو ابسي من أقرب محلِّ بقالة وأتجول في حي الرافال بمحاله ومطاعمه،لم أكن عاطلا بالطبع ولكن فترة عملي تبدأ بالساعة الثالثة عصرًا.
تتوسط الشمس السماء معطية الإشارة ببدء مناوبتي المسائية،أكون وقتها وصلت إلى مقر عملي؛حارسٌ لڤيلا آل روبيو تنتهي مناوبتي في مطلع الفجر،تقتضي بترك ذلك الكلب المدرب لينهش رقاب السارقين،فذاعت سمعةٌ عنه حول الڤيلا بأنهم يربون فيها وحشًا بريًا للحراسة.
تُسدل الشمس في قميص الغروب على مرتفع تعتليه الڤيلا،فيتراءى للناظر جمال اللونين الأزرق والبرتقالي في لوحةٍ تقبع فوق رؤوس من هم تحت السماء،دائما ماكان السيد خوان يذكرني في احاديثنا العابرة بأن لا افوت لحظةً قد لا أراها ثانيةً،فالموتُ لا يطرق الأبواب وينتظر إذنًا.
كان القصرُ مكوّنًا من بوابةٍ حديدية وأسوار مسيّجة بالشفرات الحديدية كأنها رؤوس رماح،في مبنىً لم ادخله سوى عدة مرات نظرًا لأن عملي يلزم علي التواجد في الخارج،ما لا اتناساه ساحة يتوسطها تمثال فارسٍ يعتلي حصانه،كان السيد خوان مولعًا بمعنى الفروسية وما وراء هذه الكلمة من تراث،فلم يفوِّت ابدًا معرضًا عن الاغراض التاريخية فقد كان يخصص جزءًا من أمواله المستثمرة في مصانع الأسلحة بها،كان يتشارك عدة مصانعٍ للأسلحة مع عوائل نبيلة أخرى رغم ان الفكرة لا إنسانية فالأسلحة في إسبانيا لعنة لا تنفكُّ تسفك الدماء. كان داعمًا مهمًّا للحركة اليسارية إلى أن بدأ القوميّون اللعناء بقلب الكفة لهم،فأنباء إتحادهم مع بريطانيا ودكتاتورٍ مختل عقليا مثل هتلر لم تمر مرور الكرام.
طلبني السيد خوان إلى مكتبه اليوم ليناقش معي أمور العمل،وهذا أمرٌ اعتيادي فعملي يقتضي التشاور بأموره لكوني أكثر من مجرد حارس. دلفتُ الى ممرِّ مبنى مكتبه المكون من زقاقٍ تملأه صور الفرسان ويتوسطه السجاد الأحمر،لينتهي بدرجٍ حلزوني يُنزل لمكتب السيد خوان،من الجلي للناظر بأن الغبار لا مكان له في هذه الغرفة التحت أرضية،فسبب أنه لم يجعلها غرفةً عادية كي لا تمس النيران كتبه إن حصل حريق لا قدر الله.
أنت تقرأ
شظايًا ضائِعة
أدب تاريخيفي كُلٍّ منا شيء يفقده ويتمنى استرداده .. وهذهِ روايةٌ عن شخصٍ فقدَ الكثير،ولا زالت الحياة تسلبه إلى أن تتغير حياته بالكامل بمكانٍ آخر بعيد عن الموطن ..