الحلقة السابعة عشر

19.1K 940 56
                                    

صمتت أسيل قليلاً بعدما طلب خالد منها
أن تحدد له نسبة مخزونه من الذكاء
ثم نظرت إليه , و تأمّلته كثيراً , ثم أمسكت برأسه ,
و أمسكت ثنية من جلده بين أصبعيها :- خالد ..
إن مخزونك الآن لا يتعدى ستمائة وخمسين وحدة ..
و قد يكون ستمائة فقط بعد استنزافك الكثير من الوحدات
فى تفكيرك ..
فصمت ثم سألها : - و كم يتبق لامرأة الحاكم
حتى تضع مولودها ؟
فأجابته : - أعتقد أنه يتبقى شهران و عشرون يوماً
أكثر أو أقل بأيام..
بعدها نظر إلى إياد :- هل سيستغرق حفره عشرين يوماً فقط ؟
فابتسم إياد :- أعتقد ذلك ..
و إن شئت أحضرت هؤلاء العمال من الغد ..
فصمت خالد , و طال صمته تلك المرة ثم نظر إليهم :- أريدكم أن تتركونى وحدى الآن ..
فابتسمت أسيل :- خالد .. أريد أن أبقى معك ..
فوضع وجهها بين كفيه برقة : - أريد أن أكون وحدى يا أسيل .. عليكِ أن تعودى إلى المسكن مع يامن الآن ..
أريد أن أتخذ قرارى بمفردى ..
ثم نظر إلى يامن : - اصطحب أسيل إلى المسكن ..
و أنا سأتبعكما لاحقاً ..
ثم نظر إلى إياد , و شكره على تفكيره فى إيجاد الحل له .. ثم غادروا جميعاً ..

غادر إياد و معه يامن و أسيل , و التى ظلت تتلفت
و هى تسير مبتعدة عن خالد , و تنظر إليه حيث يجلس ,
و كأنها لم تُرِد أن تفارقه حتى اختفى عن نظرها ..
بينما جلس هو على صخرة عريضة أمام السور ..
ينظر إليه و يفكّر فيما أخبره به إياد , و يتحدث إلى نفسه .. إما البقاء فى زيكولا أو العودة إلى بلده .. و هو غبى ..
و يسأل نفسه ؛ هل يجد ذلك السرداب حقّا إن عبر هذا السور أم أنه سراب سيظل يطارده ..
ثم يبتسم , و يتحدث إلى نفسه , و كأنها شخص أمامه يحدّثه
و يقنعه : - أنت شايف إن فيه حل تانى ؟ ..
زى ما قلت قبل كدة مبقاش فاضل غير المجازفة ..
ثم ضحك و أكمل مناقشته لذاته : - قررت أيه يا خالد ؟ .. ترجع بلدك و معاك ميت وحدة ذكاء بس ..
و لاّ تبقى هنا طول حياتك ؟ .. .
- لو وافقت على اللى قاله إياد لازم تحس بلذة اللحظات دى .. لأنها ممكن تكون آخر لحظات ذكاء تعيشها ..
ثم عاد بجسده للخلف ..
و أسند ذراعيه خلفه , و تذكّر جده حين كان يبتسم ,
و يداعبه صغيراً .. و يخبره بأنه ذكى ..
حتى كبر , و عاد إليه يوماً بعدما لم يجد وظيفة بشهادته ..
و أخبره أنه لا فائدة لذكائه فى بلده ..
ماذا يفعل به , لاشئ ..
يبتسم , و يتحدث إلى نفسه بصوتٍ مسموع :- مش هتفرق كتير لما أرجع لبلدى .. الذكى مبيختلفش عن الغبى كتير .. يشعر كم اشتاق إلى جده , و إلى رؤيته ,
و يعلم أنه لم يشغله عن التفكير به سوى سعيه للعودة إليه من جديد .. و ينظر إلى السور ,
و يحدثه بصوت هامس : - أنت الحاجز الوحيد بينى
و بين اللى بحبهم ..
ثم نظر إلى البيت الذى يسكنه الخادم : - و انت الحل الوحيد اللى هيخلينى أشوف اللى بحبهم ..
ثم أمسك برأسه و مرر شعره بين أصابعه , و تحدّث :- أصعب قرار بحياتى .. أصعب قرار ..
هتقرر أيه يا خالد ؟ . هتقرر أيه ؟..
و ظل هكذا لا يتوقّف عقله عن التفكير ..
حتى اقترب الليل من الزوال , و بدأ خيط النهار يظهر ..
فنهض و اتجه إلى المسكن الذى يسكن به يامن و أسيل ..
و ما إن وصله حتى دلف إلى غرفة يامن فوجده نائماً ,
فهمس إليه : - يامن .. يامن ..
فلم يستيقظ فنكزه بيده حتى فتح عينيه ..
و كاد يتحدث فأشار إليه خالد أن يصمت , و تحدّث بصوت منخفض :- أسيل فى الغرفة المجاورة ..
و لا أريدها أن تصحو .. إن كانت نامت من الأساس ..
فنهض يامن , و جلس على سريره فاتحاً عينيه بصعوبة ..
حتى أكمل خالد بصوته المنخفض : - أريد أن أتحدث إليك ..يامن :- حسناً ..
فأكمل خالد :- لقد اتخذت قرارى ..
فنظر إليه يامن .. ينتظره أن يكمل حديثه سريعاً ..
حتى أكمل : - أرى أن إياد على حق ..
سأعبر سور زيكولا من خلال النفق ..
فقاطعه يامن :- خالد .. و ذكاؤك ؟!
فأجابه :- لقد فكرت كثيراً فى ذلك ..
لقد أخبرنا إياد أن حفر ذلك النفق سيستغرق عشرين يوماً .. و سيعطينا ذلك الخادم البيت حتى يوم زيكولا ,
حتى يعود أصحابه إن عادوا..
فقاطعه يامن :- نعم سيعودون ..
هكذا تجار زيكولا , سيطير خبر يوم زيكولا قبله بأيام .. فيستعد كل من يريد العودة , حتى يُفتح باب زيكولا فيدخلونها ..
فواصل خالد حديثه : - هذا ما أقصده ..
يتبقى على يوم زيكولا شهران و عشرون يوماً ..
سيُحفر ذلك النفق , و لكننى لن أغادره حتى يوم زيكولا ..
إنهم ثمانون يوماً .. إن عملت هنا مقابل ست وحدات باليوم , سأوفّر حتى يوم زيكولا ربما ربعمائة و ثمانين وحدة ..
مع ما تبقى لدى من المائة وحدة ..
سيكون لدى ما يقرب من ستمائة وحدة ..
أى أننى لن اختلف كثيراً حين أخرج من النفق ..
و ستنفعنى كثيراً تلك الوحدات حين أصل إلي سرداب فوريك.. فابتسم يامن : - إنّه قرار حياتك يا صديقى ..
و لا دخل لى به ..
ثم أكمل :- إنك ذكى حقاً يا خالد , و كم أنا مسرور لذلك .. فأنك ستبقى معنا شهرين آخرين ..
خشيت أن ترحل بعد عشرين يوماً فقط ..
فابتسم خالد :- هذا إن وضعت زوجة الحاكم ذكراً ..
ربما تطول المدة إن وضعت أنثى ..
و انتظرنا يوم زيكولا فى موعده الأساسى
بعد خمسة شهور ..
فابتسم يامن : - الآن أتمنى أن تضع أنثى ..
فابتسم خالد ثم زالت ابتسامته :- أردت أن أحدّثك بعيداً
عن أسيل لأننى لا أريد أن أسبب لها الكثير من التعب ..
و أخشى أن يؤثّر ذلك على عملها كطبيبة زيكولا الأولى .. اليوم سأفقد ذكائى ..
سأصبح فى عداد أغبياء زيكولا و فقرائهم ..
لن أستطيع التفكير ..
و إن فكّرت ربما ستكون قراراتى غبية ..
ثم نظر إليه ,و أمسك بذراعيه : - يامن ..
من اليوم أنت من ستتخذ أى قرار يخصّنى ..
فسأله يامن مندهشاً :- أنا ؟!!
فأجابه خالد : - نعم .. أخشى أن يكون تفكيرى بغباء يسبب الكثير من المتاعب ..
و لهذا سأحمّلك مسئوليتى بعد اليوم ..
سأطيعك مهما كان قرارك .. بالطبع ستكون أذكى منّى ..فصمت يامن , و فرك شعره :- إنها حقاً مسئولية كبرى .. فأكمل خالد :- ما عليك سوى أن تجعلنى أعمل ..
حتى استرجع ذكائى ..
فإن فعلت ذلك فلن أنساه طوال عمرى ..
ثم هدأ صوته , و اقترب منه :- أريد أن أخبرك بشئ آخر .. - يامن .. إننى أحب أسيل ..
و أخشى أن أكون غبياً فتبتعد عنى ..
سأطيعك فيما تراه أن أفعله تجاهها أيضاً
فرد يامن : - أرى أنها تحبك أيضاً , و تحبك كثيراً ..
فابتسم خالد :- أعلم ذلك ..
و لهذا فكرت أن آخذها معى إلى أرضى ..
لقد فكرت كثيراً فى ذلك ..
و لكننى ترددت أن أخبرها بحبى لها ..
و قررت أن أخبرها بذلك حين أجد الطريق ممهداً
لعودتى إلى بلدى .. سأتركك وقتها تخبرنى ماذا أفعل .. فابتسم يامن :- أتمنى لكما السعادة يا صديقى ..
فابتسم خالد :- حسناً لننهض .. علينا أن نذهب إلى إياد .. و أعتقد أن أسيل قد استيقظت ..
لا تخبرها بشئ مما قلناها ..
فابتسم يامن , و قد نهض :- حسناً ..

أرض زيڪولا ـ مڪتملة √ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن