إيمان الطفلة الجميلة ٫ إبنة والدها ذات الست سنوات التي بدأت أسنانها في التجدد مؤخرا . هي فتاة لم يسبق لي أن رأيتها لكن على ما حدثني صديقي الدكتور كمال عنها تمكنت من التخيل كيف لهذه الطفلة أن تكون فيزيائيا أعلم أن أغلب الأطفال في هذا السن اللعين لهم جملة من التصرفات المنبوذة المقززة التي تثير غضب كل من يحيط بهم من كلام و تصرفات و معاملات حتى أقرانهم المماثلين لهم في قلة الأدب تستفزهم تصرفات أصدقائهم و زملائهم في المدرسة لكن دعني من روح الشخص و باطنه
آه كم تمنيت أن يكون الإنسان جمادا حتى سن البلوغ فيريحنا من ترهات و سخافات الطفولة و أسئلتها المزعجة و أصواتها القريبة من صوت مكابح السيارات
دعني من هذا كله دعني أذكر لكم أوصاف إيمان التي تخيلتها عند سماعي لهذه الحكاية
قد تخيلت طفلتا متوسطة البدانة فلا هي بدينة جدا لدرجة مرض السمنة الذي يحذر منه الأطباء خاصتا عند الأطفال و لا هي نحيلة فيعتقد من يراها أنها ستكون عارضة أزياء
في المستقبل أو ممثلة أو نجمة تلفاز و إن كنت أكره مرحلة الطفولة لدى الإنسان إلا أني أكره أكثر هذه الفئة من الناس الذين يبضعون أجسامهم
لست ضد حرية المرأة لكن ضد تسليع المرأة
و تسليع الإنسان التسليع قد يعاني منه الرجل كذلك
تخيلت إيمان طفلة لها من الملامح العربية الكثير فتكون على حسب إعتقادي سمراء متوسطة السمار فلا هي سمراء و لا هي بلون القمح و السنابل عندما تسطع عليهم شمس المغرب
بل هي متوسطة السمار لا أدري كيف أسمي اللون الذي لونت وجه إيمان به في عقلي لكن إحتكم إلى علبة ألوان عقلك و تخيل اللون ستتخيله كما تخيلته تماما صدقني
أيضا أعتقد أن عيناها على عكس أغلب العرب عسليتان و أنفها ممتد منطلق مسطر ينتهي
بكومة لحم في آخره تجعله ينتهي بعد عظمه أعتقد أنكم تعرفون صورة عظم الأنف
أنف إيمان ينتهي بكرة صغيرة متقدمة أما الفم فهو فم صغير صغير جدا الى درجة أنه بالكاد يسع ملعقة السكر التي توضع في القهوة
هكذا تخيلت إيمان و ربما هكذا كانت
أتخيل أنها ستكون سيدة جميلة عندما تكبر
إن كبرت
إنها فعلا فرصة ذهبية
كان أي والد إيمان قد شرع في قص ما حدث له في المنزل حتى قاطعه الدكتور كمال
قائلا :" أعتذر عن مقاطعتي لك لكني لاحظت أنك قد تغيبت كثيرا المدة الأخيرة كذلك ألاحظ أنك متوتر أكثر من العادة كثيرا أيضا حركات جسمك توحي أن لك كلام تريد الافصاح به منذ لحظة جلوسك كما إنك لم تنظر لي أبدا و أنت الذي طالما حدق بي ساكتا في الحصص الماضية و هذا يوحي أنك خجل من تصرف إقترفته سبب لك أو لعائلتك مصيبة أو مشكل لا حل له لا سمح الله
مالأمر؟ "
سكت المريض قليلا تنفس نفسا عميقا و زاد من درجة إنحناء رأسه للأسفل و قال :" نعم نعم نعم صحيح
-ثم سكت قليلا وواصل-
لقد تسببت بكارثة بسبب الجشع الذي وهبتني إنسانيتي إياه "
دعني أواصل لكم الحكاية على لساني كما بدأنا
كانت الجدة في هذا المنزل و هي على حد خيالي سبب سمار الطفلة إيمان و بدانتها
فهي ككل الجدات العربيات او أغلبهم بدينة سمراء تقليدية رغم تعلمها و عملها إلا أن جيناتها غلبت على دراستها و علمها و فكرها و رست في آخر مرحلة من عمرها حيث رست والدتها و جدتها من قبل بنفس الفكر و المعتقد و الثقافة المبنية على الأساطير
ربما هو عامل السن و ربما هو عامل جيني بحت ينام في سباته في حمضنا النووي حتى شيخوختنا نحن العرب فينهض فجأة
أول شيئ قامت به هذه الجدة المحبوبة في المنزل الجديد البخور العين في الباب
قرن غزال في الساحة الخلفية للمنزل و مربعات من القماش نسميها في وطننا العزيز حرز
فتدفنه في حديقة المنزل إيمانا منها أنها أفضل و قاية من الحسد و الأرواح التي قد تغزوا منزل ولدها البكر الناجح في حياته العائلية و المهنية و صداقاته على حد تعبيرها في حضور ضيوف و أناس غرباء
أيضا لهذه المسنة عادة غريبة مخيفة بل هي هواية أكثر منها عادة
إن هذه المسنة تهوي التكلم الى قبور الموتى فتراها مرات تحاور زوجها المتوفي إيمانا منها أنه جزء من بر الزوج بعد وفاته و أحيانا تجلس عند قبر والدتها فتشكو لها آلام مفاصلها الغير موجودة
كانت الجدة رغم كل ماذكرته عنها حكيمة جدا و كان لها نوع من الحاسة للأمور الغيبية التي تحسد عليه حقا
عندما دخلت المنزل الجديد لأول مرة توجهت بكلامها لزوجة إبنها قائلتا : يجب أن نقنع زوجك بعدم النقلة إلى هنا إن الدار حارة و هذا نذير شؤم
لكن الزوجة لم تصغي لها و لم تعر لكلامها ولو غرام من الأهمية لو كانت الأهمية تقاس بالغرام طبعا
و حصل ما لم تحبذه الجدة و سكنت هذه العائلة متوسطة الدخل في هذا المنزل الذي لا يقطن مماثله من المنازل الا عائلة ثرية
و مضت أيامهم هناك و هم بين أب يقضي عطل نهاية الأسبوع بالرعاية بالحديقة
و أم ستجن حتى تتم تنظيف البيت كله في يوم واحد و جدة متذمرة من البيت متشائمة منه تلفظ أقاويل و تعاويذ كلما تجولت بين جدرانه
و أطفال بين مخرب و مهدم و مشاجر أما إيمان فالحال معها غريب
فمنذ اليوم الأول في المنزل و هي معتكفت الحجرة لا تخرج منها إلا للأكل و قضاء الحاجة أو الذهاب للمدرسة و هي في أشهر تعلمها الأولى و قد بدأت تتعلم القرأة و الكتابة بالعربية
و الغريب في الأمر انها تجلس على مكتبها طول الوقت تكتب يراها والداها فيسران بالفتاة النجيبة التي لا تضيع وقتها بل هو مخصص للدراسة و حسب
دعنا من إيمان و ولعها المفاجئ بإستعمال الأقلام و الكتابة فهي لا تعرف حتى طريقة تركيب جملة بسيطة فعل فاعل و مفعول به
دعوني أقص عليكم جزءا من قصة هذا المنزل على لسان الحاج مسلم
هل نسيتموه
انه السمسار الذي كان وسيطا بين صاحب البيت و العائلة
كان اللقاء بين الحاج مسلم و مريض صديقي الدكتور كمال جد رسمي فقال له الحاج مسلم:" إن المنزل كما ترونا يا سيدي كبير جدا و جميل جدا و يسع عائلتك الكريمة أرى أنه مثالي لكم و خاصتا الأطفال و سعره يا سيدي مناسب إنه فرصة لا تأتي مرة أخرى
في الواقع صاحبة المنزل سيدة محترمة مثلكم عاشت في المنزل مع عائلتها و عندما توفى زوجها في حادث عمل قررت العودة لفرنسا و كراء المنزل و كلفتني بالمهمة
السيدة المسكينة توفى إبنها ذو الستة سنوات في الحي ثم توفي زوجها في نفس السنة
فقررت العودة لوطنها مع إبنها البكر
ان هموم الناس يا سيدي تنسي المرء همومه"
انها فرصة ذهبية
انها فرصة ذهبية للعودة
أنت تقرأ
رواية هارون
Ужасыرواية رعب نفسي للكاتب محمد المطماطي إيمان طفلة تنتقل و عائلتها للعيش في منزل جديد , فتعيش تغيرات فيزيولوجية تدريجيا , إلى أن تصبح مراهقة بسن الستة سنوات .