عمر من ورق

3 0 0
                                    

جرحتني الحياة وآذتني عند رحيل حبي الأول، فصارت الدموع تملأ وسادتي كل ليل، لم أعد أطيق شيئا في الحياة بل تمنيت الموت الذي سيزيح كل همومي وآلامي، وحاول والداي مساعدتي لكن بلا جدوى، فأخذاني لاحد الاطباء النفسيين.

في البداية رفضت التحدث إليه، ولكنه جعلني اثق به ولا أعلم كيف..ربما يفهمه الأطباء النفسيون، وبدأت قائلة:

" قبل سنتين كنت ارى للحياة معنى آخر..سعادة..فرح..ضحكات، كنت في الجامعة آنذاك"، صمتت قليلا ثم واصلت:" كانت اول مرة يلاحظني فيها عندما وصلت متأخرة في إحدى المحاضرات، و بداية لم أهتم بالأمر... و لكن فجأة شعرت برغبة فيه، رأيت فيه كل ما أتمنى... رأيت فيه الزوج الحنون الذي سأكمل معه حياتي في محبة وسعادة، فكنت أتمنى الكثير وأحلم بالسعادة.

رأيته يوما مع فتاة، لم آخذ الأمر بالجدية ولكن علاقته بها تطورت مع الأيام، ودائما ما تفضحه عيناه، نتخاصم اسابيعا ولا يبالي، ثم يعود إلي ويخبرني بأكاذيبه وأصدقه، ظننت أنه ينبغي ان أعطيه فرصة، لا أحد كامل والكل يخطئ، ولكن نفذ صبري منه وسئمت من اكاذيبه، رجوته يوما ان يخبرني الحقيقة وأقسمت أن أسامحه وأعطيه آخر فرصة، فقد كان حبي الأول ولا يزال... كان كل ما أتطلع إليه في الدنيا، فسامحته... وبدأت معه صفحة خالية من المشاكل أو كما يقولون هدنة.
وفي أحد الأيام أخبرته صديقة الفتاة التي تركها بأنها قد ماتت، ومنذ ذلك الحين تغير... تجمد إحساسه ولم يعد يبالي بشئ، فالتمست له العذر في البداية ولكني سئمت، أحيانا أخاصمه أياما وأياما... وأحيانا أحاول الصبر، ولحظات أشعر بأنني فتاة تتمنى الكثير.
مر نصف عام وأنا احاول معه نسيان ما حدث، طال بي الإنتظار وسئمت حياتي... فأخبرته قائلة: هل تريد العيش بين اكوام من أشياء لا قيمة لها وقد ماتت صاحبتها أم في قلوب من حولك! كفى ارجوك، سرح طويلا ثم اجاب: كانت حبي... ومن حقي الإحتفاظ بأشياء من جعلت قلبي أسيرا لها، قاطعته: وأين أنا في قلبك؟ نصف عام كافحته معك... أتريد بيعي للحياة بعد كل الذي حدث؟ هيا أفعل... لا أريد العيش و أنا أحفظ في قلبي من يحتفظ بقلب أخرى... ميتة، فصرخ في: لا يموت المرء طالما هناك من يتذكره، لست مثلها و لن تكوني أبدا... هي حبي الأول و الأخير... نعم لا مكان لك قلبي و لن تصبحي أبدا، فصدمت و انصرفت باكية و غاضبة في آن واحد.
أقسمت ألا أعود إليه؛ لأني لم أجبره على ان يحبني، و لكن عندما ولد حبنا ظننت أني الوحيدة التي أتربع داخل قلبه، و بعدما حدث ما حدث أدركت أني لم اكن أساسا داخل قلبه.
ما بال الحزن ينتشلني من حديقة الفرح و يقيدني..
ما بال الأنوار حولي تنطقئ و أجد نفسي ألبس زي الظلام...
كان يهاتفني فلا أجيبه... يحاول الاعتذار مني فأرفض، كم تمنيت العودة إليه... و لكن كيف لي بهذه الأمنية بعد كل الذي فعله لي، و تذكرت ما حدث في الماضي، ما كان بيننا... فهل أصافحه رغم أخطائه؟ أم أنسى وجوده في حياتي؟ و شعرت بأنني المظلومة لا هو... أنا من أخرجته من عوالم الغربة و جعلته يدرك عربة الواقع... أنا من تعبت معه نصف عام فهل أتجاهل وجوده! عندها قررت العودة إليه... أن أسامحه، لكنه رفضني قائلا: كلما أراك أتذكر كل آلامي... أتذكر الفتاة التي تركتها من أجلك و قد ماتت الآن، ثم مضى و تركني... مضى ليعيش مع الذكريات... مضى و نسي من ملأ حياته بالسعادة و كان الدعامة له... مضى ليعيش مع الأوهام... مضى للبحث عن الماضي... مضى فقط... و بقيت أنا مع ذكرياتي.
لقد قضيت كل عمري في نصحه، و لكنه في النهاية طواني و جعلني في صفحة النسيان، لقد مزق العمر الذي قضيته معه و ألقى بأوراقه في سلة الماضي، لقد محاني من حياته ليقلب علي صفحة أخرى... ليعود بكتاب حياته للسابق و يعيش بين سطور ذكرياته... لينساني... قد مزق ذكرياتنا لئلا يراني عندما يتصفح دفتر حياته، لقد رحلت كأي شئ و لكن بلا رجعة."

ثم أمسح دموعي و انظر للطاولة.

مضت لحظات طويلة من الصمت، أو هذا ما بدا لي قبل أن يرد الطبيب:
الحياة أثمن من أن تتركيها من أجل شخص، و ما فعلته لم يضع هباء... هو لا يستحقك، فلا تضيعي ما تبق من عمرك، لا تتوقعي أن تسير الأمور كما تتمنى... هذه هي الحياة... لعبة... و لابد من وجود رابح و خاسر فيها.

Jun 2012


اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
قصص قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن