[1]

157 14 24
                                    

15 _ December | 1519
   " حلق بعيداً تاركاً لي أواجه تساؤلاتي "      

في ذلك القصر الملكي المُهيب
يصطفُّ الفرسان المئة على جِهَتَين أمام بوّابةِ القصر بسيوفهم وعتادهم وهممهم وجبروتهم ، كان كل شيءٍ أثناء ذلك المنظر يدعو للرهبة والفخر
خمسون عند اليمين وخمسون في الجهة الأخرى
ثمَّ حِصانٌ أسود لامع يَظهرُ من قوّتهِ وحدة أعينه شهامة الفرس العربي الأصيل يستوطنُ المنتصف برفقةِ رجل في الرابع من عقده يُمسِكُ الرسن الخاص بالسرج
مُنحنياً تبدو ملامحَ الاحترامِ والتوتر على وجهه

ثمّ ها هو يخرجُ بطلّتهِ المُهيبة والمهيمنة ، سحنتهُ تأخذ الأنفاس ، ترهبها و تُسرحها لكمٍّ من الجمال الذي يسود ملمحه ، عقدةُ حاجبيه و حدّة فكّه الذي يناسبُ وبشكلٍ ما للجلوس على سرج ذلكَ الخيل المسودّ بالكامل ، يمشي بخطواتهِ الرّزينة و الواثقة ، والأفكارُ تصطدمُ ببعضها في رأسه موقفاً لها بإجابته الصامتة والصارمة : إنها الحرب .

كانَ يخطو باعتدادٍ وصلابة فتتلوّى خجلاً أثناء خُطاهُ عباءته الحمراء
يلوي زاوية فمه بابتسامة رضى ، يُربّتُ على كتفِ الرجل أمامه فيرفعُ المعنى جسده ناظراً للأسفل بابتسامة حزينة وخائفة هامساً : إذا حان الوقت فما من رادع فاليحفظكَ الربّ .
جالَ الملكُ بعينيه في السماء ثم حطَّ بهما إلى الخيل ، آخذاً نفساً عميقاً مومئاً رادّاً بهمس آخر : إنها الحرب

أجل هي الحرب ، التي تأخذكَ بعيداً فلا ترى سوى الظلامَ والقتال
الحرب
هي تلك الكلمة المخيفة التي تُيَتِّمُ و تُشرِّدُ وتُجوِّعُ و تَطول
لكنَّها الكلمة الصَّارمة والقرار الحكيم لحماية الشعب أيضاً
ربَّما لن ترجع و ربما تنتَصر
لكن مهما كانت النتيجة فكل دماء ستُسفك على أحد تحمّل مسؤوليتها
وذلك الشخص هو الملك

فريدريك كافكا هبسبورغ
كم هو اسم كلاسيكي يحملُ هالةً حارقة

هل كان الملك مسبقاً بهذه الحميمية مع اسمه ؟ هكذا تساءل
فعند الحرب تُهاجمكَ الكثير من التساؤلات والإجابات العقيمة
ولكن نتيجة الحرب هي ما ستؤول إليه تلك الأفكار في نهاية المطاف

ركب الخيل مستعدَّاً للذهاب إلى المعركة الطاحنة حاملاً معهُ آلاف الفرسان المتحمّسين والخائفين

لكنَّ صوتاً يخشخشُ بين أغصان الأشجار ثمّ يليه تأوه متألم متذمّرأوقفهم
كل الموجودين من الفرسان سحب سيفَه حامياً الملك
وصوت رقيق ذكوري عرج إلى مسامعهم :
أنا .. عنب .. أريد
بدت ملامح الحيرة والاستغراب على الملك
نزل من على فرسه يأمرهم بالابتعاد ثم اقترب يدنو من تحت الشجرة موقفاً المعنيّ
تجمَّد الملك حينما رأى هيئة رجل صغيرة
عاري بالكامل لا تستره قطعة قماش واحدة
ينظرُ بتوتّر وبضحكة تعني
" كيف سأخرج من هذا"
كانت ملامحه غير مفهومة اطلاقاً للملك الشارد بروعة الخالق والمتحيّر من وجود هذا الكائن في حديقة قصره الكبيرة

- هل أنت جاسوس ؟
هذا ما نطق به الملك حينما تمالك نفسه

كاد يذهب جميل الأطراف محمرَّ الجسد بشكل طفيف ومبدع
حتى أمسكته يد الملك شاداً عليها كما شد على ملامح وجهه حيرةً وانذهال
- انتظر هنا
هذا ما نبس به الملك قبل أن يخلع رداءه الملكي الأحمر ويضعه على جسد العاري أمامه
أومأ المعنيّ متربّصاً
رجع الملك خطواته إلى المنتطرين والمتسائلين
- سنذهب بعد قليل ، أليك
قالَ ثمَّ ناداه
أتى شاب في عقده الثاني (عشريني ) منحنياً
- جلالتك ؟
- تأكد من تجهيز كل شيء سآتي بعد قليل ، اجمع الجميع عند بداية النهر وتأكد من عدم تتبع أحد لكم .
- حاضر مولاي
هذا ما قاله المدعو أليك بعيون متسائلة -أليس كل شيء جاهز بالفعل؟!-
لكن منعت غمزة الملك من تدفق المزيد من التساؤلات لعينا أليك
ابتسم أليك ثم ذهب

وذهب الجميع ينتظرون الأوامر القادمة
رجع الملك إلى تلك الزاوية من الحديقة ناظراً لذلك الجميل
- من أين أتيت أنتَ الآن ؟
سأل متقدماً للذي يرجع للوراء مع خطوات الملك مصطدماً بالشجرة
- أنا..
- أنت ماذا ؟ تساءل بحيرة رافعاً حاجبه
- أذهب
كاد يذهب لكن يدا الملك حاصرته بصرامة

- ألن تُجيب أولاً ؟ من أنت؟ ولما أنت هنا ! في حديقة قصري ؟

- الملك
همس الجميلُ بصوتٍ أرجف قلب الملك

ضحك الملك وزادت حيرته
- ضللتَ المكان ؟ قطعت بوابة مليئة بالحراس وأنت عاري

- عاري
نبس بها محمرّ الأوداج ضاحكاً على نفسه
تخلخت رائحته الهشّة إلى أنف الملك متخدّراً خاضعاً لها
احمرار عظم ترقوته من البرد القارص جعل الملك يقتربُ منها يتلمّسها بشفاهه .. لم يعي على نفسه حينما قبّلها يشدُّ عليها منحنياً لها لفرق الطول بين أجسداهما ، كانت قبلةً عميقة بطيئة ، لم يتحرك أي منهما إلا يدا الملك ترقصُ على منحنى خصر القصير ، حالما لعق مكان القبلة فتوسعت عيناه كاد أن يقترب من جديد ليتأكد من ما صدمه فأبعده ذلك الصغير
- ماذا تكون أنت ؟!
تساءل برجفة بلسانه ناظراً للذي هربت عيناه لمكان بعيداً عن الملك
اقترب العاري من الملك واضعاً يده على صدر الملك واليد الأخرى أغلق عيناه برقة ، مقترباً من أذنيه هامساً بصوتٍ رقيق كما لو أنّ اجابته أكثر شيء واضح في العالم :
- خنفساء
فتح عيناه الملك حتى لم يعد يرى أمامه غير الشجرة
مسح بعيناه المكان
ثمّ أصبح يتلفت كالمهووس يبحث عن ذلك الذي اختفى في ثانية
ناظراً لردائه الملكي المرمي على الأرض !

.
الصورة الي وضعتها في العرض هي رمز الامبراطورية الاسبانية وشعارها الوطني " بلاس اولترا "
وتعني لأبعد مدى

أنا الشاب الأخرق بمسي عليكم في هذا الليل المؤلم والمعتم
وأراكم في لقاءٍ آخر مع خنفساء جديدة

.

خنفساء | gayحيث تعيش القصص. اكتشف الآن