الفصل السابع عشر
عندما خرجت إيللا من غرفة والدتها .. كانت الخادمة في انتظارها خارجا .. سألتها بقلق :- كيف هي السيدة الآن آنسة إيللا ؟
زفرت إيللا بإرهاق قائلة :- نائمة .. أتمنى أن تتحسن مع استيقاظها صباحا .. هل عاد دانيال ؟
:- منذ ساعة تقريبا ... ذهب إلى جناحه أولا ثم ذهب إلى مكتبه حيث ينتظرك هناك
أومأت إيللا برأسها متفهمة .. ثم سارت نحو غرفة مكتب دانيال .. طرقت الباب بتهذيب قبل أن تسمعه يسمح لها بالدخول ... فتحت الباب .. ودخلت وهي تنظر إلى شقيقها الأكبر يتصفح بعض الأوراق باستغراق تام بينما يقف خلف مكتبه .. كان الإرهاق واضحا على وجهه الوسيم .. حتى وهو يبدو مهندما وأنيقا كعادته .. شعره مبتل بفعل استحمامه .. وملابسه مختارة .. إلا أنه بدا مهموما للغاية ..
رفع رأسه إليها فانفرجت أساريره وهو يقول :- أهلا إيللا ... حمدا لله على سلامتك
لم تتحرك نحوه كما كانت تفعل منذ سنوات فتلقي نفسها بين ذراعيه .. لقد انتهت تلك الأيام على ما يظن .. شقيقته الصغرى باتت امرأة ناضجة .. إنها تبدو بالفعل كامرأة متحكمة بعواطفها بشعرها الأشقر المرتفع فوق شعرها بعقدة ضعيفة ... وبملابسها الأنيقة والبسيطة .. سألها :- كيف كانت رحلتك ؟؟ سارة على ما أتمنى ..
فكرت مقاومة احمرار وجنتيها .. أكثر من سارة في الواقع .. تمتمت :- لا بأس بها .. أمنا متعبة للغاية دانيال .. أعرف بأنك غاضب منها ..
قاطعها قائلا بصرامة :- ما فعلته لا يغتفر
:- مضى على ما فعلته عشرون عاما
:- عشرون عاما لم تشر خلالها ولو مرة إلى فعلتها وهي تراني .. ووالدي من قبلي نبحث عن سارة في كل مكان .. لم تشعر بوخزة ضمير واحدة وهي تفكر بما قد يحدث لطفلة وحيدة رميت في الشارع بعيدا عن عائلتها
قالت إيللا بتوتر :- أنا لا أمنحها الأعذار دانيال .. ما فعلته خطأ كبير .. أنا نفسي مازلت غاضبة لأن أحدا لم يذكر لي يوما وجود أخت ضائعة لي في مكان ما .. لقد أخطأت أمنا .. إلا أنك تعاقبها بقسوة شديدة بحرمانها منك .. أنت تعرف بأنك لطالما كنت المفضل عندها .. أنت ابنها البكر .. وإن لم تسامحها .. أخشى أن تفعل بنفسها شيئا إذ تبدو منهارة تماما ... يجب أن تسامحها في لحظة ما دانيال ..
نظر إليها بتمعن وهو يقول :- حقا ؟؟ وهل سامحتني أنت إيللا ؟
أشاحت بوجهها وقد باغتها بسؤاله ... تابع قائلا :- لقد أخطأت بحقك كثيرا إيللا ... أعترف ... خيبت أملك .. وخذتلك عندما احتجتني .. أنا آسف ..
تمتمت :- أنت لم تخذلني فحسب دانيال .. أنت وقفت مع روبرت ضدي .. رغم كل ما فعله ... أردت مني أن أعود إليه .. رفضت أن تساعدني في طلاقي ..
قال بهدوء :- هذا صحيح .. لأنني أتفهم روبرت أيضا .. ربما هو أذاك .. وهو ما لن أغفره له قط . إلا أنك جرحته أيضا إيللا .. أنت من جره إلى زواج لا تريدينه .. أنت من ربطه بك بينما قلبك وعقلك مرتبطين برجل آخر ..
هزت رأسها قائلة:- هذا ليس عذرا لما فعله ..
قال دانيال وهو يقترب منها :- صدقا إيللا .. لو أنني مكان روبرت .. ورأيت زوجتي ... المرأة التي أحببتها لسنوات طويلة .. تلك التي حلمت بها مرارا وتكرارا ... وانتظرت بلهفة أن تكون لي أخيرا .. إن رأيتها ترفضني .. وتمتعض من لمساتي .. بل وتهمس باسم رجل آخر بين ذراعي .. ربما كنت قتلتها ..
شحب وجهها وهي تتراجع هامسة بحرج واضطراب :- هل . هل اخبرك رو... ؟
قال بهدوء :- نعم إيللا ... لقد أخبرني رويرت .. لقد كان يائسا عندما حصلت على الطلاق أخيرا رغما عنه .. وقد حكى كل شيء عندما بدأ بالبكاء تعاسة .. أنا لا أؤيد ما فعله .. لقد رغبت بشنقه جراء الأذى الذي سببه لك .. إلا أنني فهمته ... أنا آسف إيللا .. ربما ترين نفسك الضحية في هذا الزواج .. إلا أن هذا غير صحيح .. روبرت كان الضحية ... فلا أقسى على رجل من حب من جانب واحد .. إلا أن تستخدمه المراة التي يحب لتنسى الرجل الذي تريده حقا ..
احمر وجهها وهي تشيح بنظرها بعيدا قائلا بجفاف :- أنا لا أهتم بكل هذه النظريات دانيال .. أنت أخي .. كان عليك أن تقف إلى جانبي .. لقد احتجت إليك فخذلتني ..
قال على الفور :- لقد احتاجت ميشيل إلى عائلتها الحقيقية في كل لحظة قضتها منبوذة في الجانب لآخر من الكرة الأرضية
نظرت إليه مباشرة وهي تقول :- ماالذي تعنيه دانيال ؟؟؟ هل ترتبط مسامحتك لأمي بمسامحتي لك ؟؟
هز كتفيه قائلا :- لقد علمتني الحياة أن ألعب بمكر للحصول على ما أريد ... ما أريده هو غفرانك .. أريد استعادة أختي الصغرى .. إيللا الصغيرة ..
أطل الحزن من عينيها قبل أن تقول :- إيللا الصغيرة المفعمة بالأحلام ما عادت موجودة دانيال
غمرته العاطفة وهو يدنو منها ليأخذها بين ذراعيه فلم تقاوم .. أراحت رأسها على صدره باستسلام بينما قال بصوت أجش :- لا تستسلمي إيللا ... ما زال داخلك متسع لمزيد من الأحلام ... لا تهدري حياتك في معركة ستكونين أنت الخاسرة فيها
تمتمت وهي تغمض عينيها :- أتتحدث عن خبرة دانيال ؟
ضحك بمرارة وهو يربت على شعرها قائلا :- لقد خسرت الكثير خلال السنتين الماضيتين إيللا ... وأنت تعرفين هذا ... إلا أنني قد تعلمت بالطريقة الصعبة بأن الاستسلام .. يكون أحيانا الخيار الأفضل والأكثر أمانا
قالت بهدوء :- هل تتحدث عن الحب دانيال ؟
أحست به يتشنج تحت يديها .. قبل أن يقول بخشونة :- تقولينها بامتعاض وكأنك تزدرينها ..
رفعت رأسها نحوه قائلة بعزيمة :- لن أقع في الحب أبدا دانيال ... لن أسمح لنفسي أبدا بأن أستعبد من جديد ..من الآن فصاعدا أنا ملك لنفسي فقط ..
ابتسم بتفهم قائلا :- الحب لا ينتظر منك إذنا إيللا .. لا نختار أبدا من نحب .. فهو يقع أحيانا فوق رؤوسنا مرة واحدة فيدمر كل دفاعاتنا ويرمي قراراتنا كلها في الهواء ..
تراجعت إلى الوراء قائلة بعجب :- ما الذي فعلته بأخي دانيال ؟؟؟ هل التهمته وحللت مكانه خلال تواجدكما في السجن ؟
ضحك عاليا وهو يضمها إليه قائلا :- كلنا نكبر في مرحلة ما إيللا .. لابد أن نكبر في النهاية
لم تعرف إيللا لماذا أحست بالمرارة والحزن يتخللان ضحكة دانيال .. لقد كان خائفا .. شقيقها دانيال كان خائفا .. ولم تعرف أبدا بأن تخمينها كان في محله ..
أنت تقرأ
كما العنقاء(مكتملة)
Romanceرواية بقلم المبدعة والمتألقة blue me حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me