لا أحد ينام مُبكرًا صيفًا.

18 1 0
                                    

Soundtrack Attached.

لا أحد ينام مُبكرًا صيفًا.
تتقافزُ الضحكات خارج المنزل أغلب الليل، الجميعُ يتسامرون، والصغارُ هاربون من فراشهم، جوٌ عائلي لا يُقدر بثمن، ذكرياتٌ تُسطّر نفسها، مؤسفٌ فقط كونه ينبش أمانك الداخلي، ويشعرك ببغض وحدتك، ويجعلك تمقت الصيف بأكمله.
أحبُ أمسيات الشتاء، لطالما سمحت لي أن أرتجف من جرحٍ لم يُطهّر بعد، ودائمًا تدعني أُقدم على خطواتٍ أحسبها إعجازية -بقلبٍ لم يستعد بعد، ولن يستعد أبدًا -. تجعلني بعد تحقيق رقم قياسي في التراجع أحذفُ نصوصًا طويلة كُتبت بكل الحب، بينما لا يزال أشباح أشخاصها يطاردونني، وبينما تسحب خطوات أقدامهم وصدى صراخ أفعالهم النوم مني. حتى إن كنت لا أملك الشجاعة الكافية لإسكاتهم، أو طردهم من ركن قلبي، على الأقل، يسمح لي الشتاء أن أحزن، مدعيةً أن نقص فيتامين (د) من الشمس هو السبب، بينما أواجه حقيقة أفعالهم المؤذية، واختفائهم من عالمي.
مطرٌ يليه قوسُ قزح، وشمسٌ دافئةُ تنقلب لبرقٍ ورعد، الشتاءُ لا يخشى الفوضى، يُعلمني أن أبتلع بعثرةَ مشاعري، وأن أستقبل خوفًا لم يُمزق مسبباته حتى الآن، وأن ألاحظ أن بعض الخيوط المُتمسكة بها حادة تنشر فيّ. كما أن الأشباح إن أحرقت قلبي، سيكون الدخانُ ملحوظًا في ظل هذا البرد، ويمكن طلب النجدة مبكرًا قبل فوات الأوان. كذلك يمكن أن أرخي يداي وأدع جميع الخيوط تتساقط، واحدة تلو الأخرى، لأن لا بأس، الليل أطول من النهار، يمكنني البكاء كما أريد قبل أن أتقبل وحدتي وأطرد الاشباح كطردِ الهكسوس مغتصبي الأراضي على مدار التاريخ.
في هدوء ليل الشتاء، لا أحاديث جانبية، لا بشر، لا شيء. دائمًا ما يسيطر الهدوء على كافة أعاصير روحي، يعتليها، يخرسها، يجعلني أراقب السحاب يُخفي القمر تارةً ويُظهره تارةً، ويذكرني بالبشر في حياتي - قبل أن يتحولوا لأشباحٍ بالكامل- يعلمني ألا أتمسك بفكرة الأبدية، أن أبتلع أن قمري اليوم يحتاج أن ينير في مكان آخر، وقد أحتاج أنا الظلام في هذا الوقت.
الوقت يمر - شئت أم أبيت -، أهدهد صراعاتي، وأهتم بي، أرطب بشرتي المرهقة، وأتقبل إصفرار أسناني حتى بعد غسيلها مرارًا وتكرارًا، ألمح انتصاراتي الصغيرة، أمدح صمودي، أُبدي إعجابي بطبيعة شعري التي لطالما حاولت تغييرها، أتقبلني - كما أنا- بالبقع الداكنة تحت عيناي والكثير من الحزن، لا أُجبرني على ابتلاعي. بل أتقبلني، أخيرًا.
أنام بهدوءِ طفلٍ رضيع تحت غطائي الناعم، بعد رش عطري المفضل في الهواء. أعلمني اليوم، أن لا حرب هنا. تتبخر رغبات الأمس في وجود من ينشر الدفء في روحي، ويشاركني مشروبًا ساخنًا أمام الفيلم المُختار، يذكرني بلبس قفازاتي ومعطفي الثقيل، أسامح الحياة بجوار مدفأتي القديمة الباعثة للدفء بشكلٍ لا يُعاب -وإن كان لا يُقارن بأحضان من تحبهم-. Google To Do يذكرني بالقفاز والمعطف، ويذكرني أنه كل يوم يحتوي على بدايةٍ جديدة، ماراثون جديد، وأني لا أبدأ من الصفر، لدي خبرة السقوط من البراشوت أمس. الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، هي غير متوقعة، ولا بأس بهذا أيضًا! حتى وإن ترك شعورًا بالقلق داخلي، لا بأس فعلًا، أنفاس أعمق، وخطوات أبطأ، الامتنان للموجود، ومواجهة اليوم بما يحتويه.
في الصباح أستيقظ، لا أحاسب نفسي إن بقيت طويلًا تحت الماء الدافئ، بل أقول أن لا فائدة من الركض دون استمتاع، ولا وصول سيكفيني إن لم أعطي اهتمامًا للتفاصيل.
تركت قائمة المهام، كما لم أرتب فراشي كذلك هذا الصباح، وبرغم تأخري في النوم وتركي للمنبه ينادي "الساعة ٦، وعلى المقيمين خارج مدينة الرعب المحافظة على فروق التوقيت" بلا فائدة، قررت ألا أهتم بفرق التوقيت، وألا أهتم بتوقيت الوصول، ولن أتوتر من تأخري، لأني لأول مرة، أدرك أن التأخير لا يوجد سوى في المعجم، ومن القسوة أن يُطبّق على بشر. تقبلتُ سرعتي، ولم أقارن المسافة المقطوعة وأحسب الوقت، ولم ألم قدمي كونها أثقل للتحرك للأمام.
سيطرت على عالمي الداخلي، وصالحت بعضي على ندبة لا يُمحى أثرها، لم أخفض أصوات الراديو المزعجة التي تخبرني أن موجات الحر لن تنتهي، لم أصرخ في وجه السائق لكونه لا يتوقف عن ضغط البوق، نفس أعمق فحسب، استيقظت بقلبٍ احترف الهزيمة وطُرق تجاوزها. تقبلت فكره البكاء في منتصف اليوم، دون أن أتصور أني فشلت مجددًا، قررت السير بينما نظرت للسماء وأعجبني تخيّل أن أغوص في السحاب بجوار قوس القزح وأن أعمم الدفء في قلوب الوحيدين الناظرين للسماء.
لم أرتب المواعيد لباقي اليوم، كان يجب علي مواجهة نفسي، ورغبتها في السيطرة الإعجازية، أن أدع للعبث مكانه في حياتي، أن أدع الرياح تأخذني إلى حيث تريد، ولا يهم إن علقت في إعصار، -الإعصار (خارجي، أو مستكين داخلك) قد يجعلك قريباً من شيٍء/شخصٍ/ طريقٍ غير متوقع، أو قريبًا لنفسك لحنوك عليها بعد تفهّمك أن لا سيطرة لك على ما يحدث، وأن فراشة رفرفت في مكانٍ ما قد تُسبب هذا -أو هكذا تقول النظريات المضادة لفكرة الصدف والعشوائية-. وقد يضاف -الإعصار- لقائمة خبراتك عندما يجب عليك القفز من طائرةٍ غدًا في منتصفِ المجهولٍ (ك ترك علاقة اتخذتها على محل الأبدية).
أدركتُ، فقدان السيطرة قد يعني أماكن جديدة. الرياح ستحملني، رُبّما هي ليست كبساط علاء الدين، لكنني لا أتمنى دائمًا الجمال، فقط أتمنى أحيانًا أن بعد كوني كسحابة في جنوب العالم لا ينظر إليها أحد، مختبئين خلف شعلة النار، أن أذوب في أحد أجمل البحيرات غدًا، أمتزج امتزاجًا كاملًا وأقول أني وجدت نفسي، أني أخيرًا، بعد عبور نصف القارات، وصلت. وعقدتُ هدنة مصالحتي مع العالم.. ونفسي.

-آلاء الجمال،
تاريخ : ١٢/١١/٢٠٢١ .

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Nov 27, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن