1

192 24 41
                                    

طرقت الباب ثلاث طرقاتٍ أتبعها إذنٌ بالدخول.

دخلت مكتب مدير المستشفى، كان يجلس على مكتبه يطالع ملفًا أحفظه عن ظهر قلب، نظر للملف بأسىً وقلة حيلة واضحة، جلست على الكرسي الذي يقابله أنتظر أن ينهي النظر في ملف حالتي.

وضع الملف جانبًا وخلع عويناته، تداخلت أصابعه بين بعضها أمام فمه ناظرًا لي:

- شختَ يا مخضرم أكثر هنا، عندما أتى بك أصدقاؤك للمصحة وقلت لي أن لا شيء سيجعلك تتحسن كذبتك فيما قلت، لكني لم اتوقع أن حالتك بلا أمل إلى تلك الدرجة، لا أود أن أجعلك تخرج من هنا، لكنك من يرفض العلاج، وكما تعلم، المستشفى مثل دار العبادة، أبوابها مفتوحة فقط لمن يرغب في إصلاح روحه.

قام من مجلسه ومد يده يصافحني، فوقفت أصافحه

- كنت لتكون عظيمًا لولا حزنك.

ربت على يده بيسراي التي لا أصافحه بها.

ابتسم لي وأشار نحو الباب:

- بإمكانك الخروج، وتأكد أن المصحة مفتوحة لك في أي وقت.

أنهيت المصافحة وخرجت من المصحة، وأعتقد أنها أول وأخر مرة سأدخلها.

ليالي فبراير الباردة جدًا، أثار أمطارٍ جملت بعض الشوارع، وخربت أخرى، كما يخرب الحب القلوب، يدمر الحصون التي تبنيها لتحمي نفسك من الضرر، ويلقي بأي مبادئ بعيدًا، فلا مبادئ في الحب، إما أن تجد الشخص فتسقط في أحباله دون تفكير، وإما لا يكون حبًا، واسأل المحبين كم تنازلوا، وكم عانوا.

خانتني حبيبتي الأولى، فتخطيت الأمر بثباتٍ وقوةٍ، وكأنها مجرد بقعة زيتٍ علقت بقميصي، فأحرقت القميص بزيته.

وأحببت فتاةً سرًا فوق العام، كانت كاتبةً، أسميتها فلانة، أسرت فؤادي وتملكت من مشاعرِ المخضرم، لم التقي بها ولم أرها رأي العين، احتلتني دون أن تعي، وهي سيدة الإسكندرية وحفيدة الإسكندر، وأنا مخضرم القاهرة.

كانت على غير ديانتي، لكني لم أبالي، فطالما أنا أقيم الليل وهي تشعل الشموع فلا مشكلة، ظننت أنني لن أتوقف عن حبها، فحاولت أن أحب أخريات، فعرضت الزواج على فتاةٍ بدلتني بأخر، وفتاةٌ أخرى لم يحدث بيننا توافق.

ثم أتت بكِ الصدفة، كنا في دورةٍ تدريبيةٍ، وسط جماعة من المعارف، لكني لم ألحظ سواكِ، كانت عيناي لا تتحرك بعيدًا عنكِ، ولا تنظر لسواكِ، لم نتحدث، لكني كنت أستمع لكل ما تقولينه لأصدقائك، فعلمت أنك كاتبةً وشاعرةً، فأسرتِ عقلي تمامًا.

تخيلي أن يحب المخضرم والكاتب النرجسي كاتبتين واحدةً تلو الأخرى.

عدتُ يومها للمنزل يغشاني التفكير فيكِ، حاولت الوصول إليكِ، لكني لم أصل لما يبرد نار تفكيري، لا وجود لكِ على مواقع التواصل الإجتماعي، ولم أقوَ على سؤال عنكِ احدًا.

لقاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن