سوريّا- دمشق
فرع المخابرات الجوية - حرستا، ٢٠١٣وقت الصباح وقف السجان أمام المهجع ينادي أسماء المعتقلين الذين سينزلون إلى القبو، صوت المُنادي الأجش أخرجه من تلك الدوامة التي حاصرته وقتًا طويلًا.
اختار كثيرًا، وكان أول المختارين..التفت يمنةً ويُسرىٰ عند سماعِ تسعةً وتسعون، ثم مناداة الاسم ١٠١، هكذا تحول مُجرد رقم
، نهضَ بمساعدةِ اثنين مِن زملاءه بالمعتقلِ، استند عليهم ذاهبًا،
صفعه السجّان وهو يضحك: « مازال هناك الكثير لتصير بتلك الحالة».
أضحىٰ بالغرفةِ القذرُ حالتها
، أمروه: اخلع ملابسك.
فرفَض أحدُ الجلادين متحججًا، ثم لاحت من عينيّه نظرةً مظلمةً تقدحُ شررًا، اقتربَ هامسًا له:« أنا من سيفعل بك وبأمك».عراه كاملًا مستبيحًا عُريّه.
لكزه بالعصاء وعصب عينيه، قيَّد يديه أمامه،
ثم رفعه عن الأرض، وقيده بأنبوب الماء السقف، وأفلته أصابع قدميه لا تصل إلى الأرض.. شعر بتمزق رهيب في عضلاته. تخيل منظره منظر الذبيحة يوم العيد في المسلخ . والفرقُ بينهما كان أنّها لا يَضُر سلخها بعد ذبحها فلا احساس لديّها، أما هوَ فقد كان جسده مشبعًا بالألم
، كاد يفقد وعيه، والدماء تتجمع في كفيه المقيدتين، القيود تشدُّ على أعصاب يديه، تضغط عظامه، يسمع في لحظة غيبوبة صوت عظامه.
تمرُّ شحنة الكهرباء من فتحة أنفه، يصعق يرتجف بشدة.. يضعها الجلاد وراء أذنه، فوق ركبته في فمه، على لسانه، أسفل قدميه، مرفقيه.
. يغيب عن الوعي.. يصارع لجج الموت، يشعر أنه يغرق في غيبات اليم، جبة عميقة، يحاول أن يصعد إلى السطح، أن يتنفس.. مبتغاه نفس واحد، يفتح عينيه فيجد جسده مبللًا بالماء! حاول لمس الأرض بأصابع قدميه فاشتعلت النار تحتهما.
رفعهما إبان إبصاره للسخان الكهربائي الذي لم يره في أول مرةٍ، لكنَّه شم رائحة الشواء قبل أن يشعر بالألم، حاول أن يصرخ .. كان صوته قد أغضىٰ تمامًا.. عاد جسده يعبُر في رحلةٍ من التشنجاتِ المتتالية، جعلت الجلاد يضربه مجددًا بحزامه على ظهره وبطنه ورأسه ثم ينهال علىٰ جسده عشوائيًّا حتّى فقد وعيه للمرةِ التي فقد الشعور عن عددها.
حين أعادوه إلى الزنزانة لم يستطع الكلام، وبقي يومًا وليلة يهذي ويصرخ من الألم. في اليوم الرابع، صحى قليلا، تناول وجبته من يدي المُعتقل الفلسطيني صديقه الختيار.- إذن؟. سأل
-لَمْ أفقد كرامتي.أجابكان يرىٰ أنه طالما لَمْ يعترف بشيء متحفظًا علىٰ معلوماتٍ في لبّه، إذن هوَ لَمْ يفقد كرامته!.
*****
«يسمونه تجاوز،
بينما ما حدث أنك خلعت روحك
وتركتها خلفك، وبقيتَ عاريًا من
العاطفة والجدوى.»*ـ الخامِس مِن يناير.
- مع السلامة يا أفنان؛ رَبنا يوفقك يا حبيبة ماما.
أنت تقرأ
لليلِ نهار-العاميّة-
Romanceأنت المصابيحُ بينَ الرصافةِ والكرخِ والليل يُمطِرُ ما زال يُمطرُ يبقى مدى العمر يُمطرُ .. (دارجة الرواية: العاميّة الفلسطينيّة، العاميّة السوريّة، العاميّة السعوديّة، العاميّة المِصريّة.)