حياة قضت..في غفلة قدر انتهت..فرام الزمن على فتاة صبت..أن ترنو إليها فأبت..
لتحيا طيّ عتمة وأدت كلّ مافيها وأبلمت..
تسّللت نسمات فتيّة عابرة أخذت تداعب بمجون أطراف أصابعها النحيلة ففلحت بوشم ابتسامة عذبة حالمة على تفاصيل وجهها الطفولية الناعمة..فرفعت جفناها الكليلان بكسل لذيذ لتبارز بتوباز مقلتيها ذهب الشمس الحائرة بين غيوم أيّار المضطربة...مدّدت ذراعيها تستشعر عشب الأرض النديّ بشرود إلى أن تغضّنت ملامحها بكدر وهي تحدّق بتلك السحابة المستترة برماد مشؤوم، فهمست بتمرّد ساخط :"ما الذي جاء بك؟!" فوصلها الرد الحاسم في هيئة قطرة فاترة مكتنزة صفعت وجنتها المتوردة بتحدّ أشعل فتيل عصيانها فهبّت من مكانها بحركة خاطفة لتحدج السماء بحنق متمتة بمشاكسة :"فليكن..لن أبرح مكاني فأنا لا أخشى أمطارك أيّتها الدخيلة!!" فأمست كلماتها الخافتة كتعويذة آمرة تجاوبت معها السماء بإذعان كامل وسكبت عليها بوابل سيولها الغزيرة السخيّة بلا هوادة، فما كان من الصغيرة إلّاّ بأن فغرت فاهها بصدمة قبل أن تهرع بخطوات متخبطّة فوق المرج الغريق لتلملم أوراقها المبعثرة وحبر حروفها الذي أريق على سطحها الأبيض بفوضوية أوجعتها لتجهش في بكاء اختلط بعقاب السحابة المنتقمة وهي تحنو بجسدها فوق الصفحات المبللة وتبدأ بالعدو سريعاً صوب بوابة المنزل الضخم أمامها حتّى استقبلها صوت أنثوي عذب هاتفاً بقلق :"أين كنت يا راوية؟!! يا إلهي لقد تبللت تماماً يا حبيبتي!!"
رفعت الفتاة وجهها لتتجسد لناظريها هيئة شابّة بوجه بيضوي صافٍ وعينين وطفاوتين نال الزمرّد من مقلتيهما والعاطفة من بصرهما، ذات قدّ رشيق ممشوق اكتسى بثوب أزرق بسيط هفهاف تراقصت طيّاته حول ساقيها وهي تتقدّم نحوها على عجل غير مبالية لزخّات المطر المتلاطمة بفعل ريح الربيع الطائشة..فذبلت ملامح الفتاة الممتعضة وغمغمت للشابة التي احتوتها بمعطفها بعناية وهي تدفعها إلى الداخل :"لقد خدعتني السماء مجدّداً يا لجين!!"
أغلقت الشابة الباب خلفها وهمّت بنزع المعطف من فوق الصغيرة المرتعشة لتتأمّل حالتها الرثّة عن كثب ثمّ هزّت برأسها بإستسلام ضاحك وجذبتها تضمّها إلى صدرها مجيبة بصبر :"أو لا تعلمين بأنّ سماء الربيع جميلة محتالة؟! توهمنا بصفاءها وهدوءها وتغرينا بكلّ مكر كي نخرج ونهيم على الأرض بكلّ حريّة، لتقتنص الفرصة وتخون ثقتنا بها مستعينة بسحبها الباكية ورياحها العاتية"
تأفأفت الفتاة ووافقتها بنقمة :"هي ذلك..وفي كلّ مرّة أقع وأوراقي في فخّها!!" وأبعدت رأسها لتحدّق بأسف إلى البقعة الكبيرة الداكنة التي خلّفتها على صدر شقيقتها وأضافت بحزن :"لقد أفسدت ثوبك" حوّلت الشابة ناظريها على المكان وأشارت بيدها بلامبالاة معلّقة :"فليكن لي نصيب من جنونك..على الأقّل سنتشارك حملة التوبيخ التي ستشنّها أمّنا علينا حالما ترى بناتها في هذه الحالة التي لا تليق بعائلة عريقة مثلنا!" لمعت عينا الفتاة بشقاوة وأطلقت ضحكة خافتة وهي تحدّق في ملامح شقيقتها التي تلبّست إزدراءاً مفتعلاً محدّقة بها بإستعلاء بيد أنّها سرعان ما فشلت بتقمّص الدور وورمشت بأهدابها الداكنة لتنضّم لها في نوبة ضحك هيستيرية بترها صوت صارم هاتفاً بحدّة :" ما هذه الهيئة؟؟ وتضحكان في منتصف البهو بلا حياء!!"
أنت تقرأ
أغلال راوية
Romance"الماضي حصن من لا حاضر له، ولا مستقبل له" نقنع أنفسنا بأننا وليدي اللحظة ورهن المستقبل..وكم من أخطأ في الحسبة.. تعيش راوية في دوامة ماضٍ أحكم بخناق جبروته على روحها حتى باتت أسيرة ذكراه القاتمة...فاستنجدت بقوقعتها الجليدية تحمي بها حصونها الهشة وعاط...