حي عابدين

الفصل الثاني

القلوب مُظلمة بسبب ظروف الحياة التي تعاند أي فرد و تعركل صفو هدوئه.. و على الرغم من شدة هذا الظلام جاء نور الشمس في هذا الحي ليُضيء عتمة الشوارع.. وعتمة بعض البيوت أيضًا!.

تجمع ثلاث أفراد على مائدة الفطور القصيرة الموضوعة بالأرض (طبلية).. رصت ياسمين أصناف الطعام والتي كانت من صنعها.. فهي رجحت أن تصبح ربة منزل أفضل من أن تكمل تعليمها الفني الذي لا تهتم بهِ من الأساس..
  فكدست حياتها لتكون ربة منزل جيدة حتى يتحقق ما تتمناه بحياتها أن لا يعيبها شيء لتكون قادرة على إسعاد حبيب قلبها.. جاء صوته الرخيم يناديها بأكثر الألقاب مُحببة إليها:
- ياسمينا.
نظرت لهُ و عيناها تقول "قلب ياسمينا يا سامح" ولكن لسانها نطق بما يجب أن تقوله فقط:
- نعم يا سامح.
- كيس الفطار كان في لمونة.. عصرتيها على الفول؟!.
هذا هو الحديث المعتاد بينهم.. متى قلبك سيتحرك يا ابن عمي؟!.. هل هو من الحجر أم إنه مصنوع من جبل جليد؟!
حركت رأسها بإمائه بسيطة ولكن يشوبها الضجر.. فأكمل طعامه و كأن شيء لم يكن.. وعلى نفس المائدة يوجد الحاضر الغائب "معز"
عقله كان مشغول و قلبه مشتعل من شدة الغضب و حاله سيتدهور نهائيًا إن لم يجد حل سريع لهذهِ الورطة الموجودة بمنزله الآن.
- في موضوع عايز أتكلم معاكم فيه.
قالها وبنبرة خاوية من أي وصف.. ليكمل حديثه بعدما أنتبه الجالسين لهُ:
إمبارح مكنتش قادر أتكلم بخصوص الناس اللي جات سكنت تحت.. بيقولوا إن بابا كان كاتب ليهم جزء من البيت وكلام غريب كتير ومعاهم ورق موثق بكل ده.. أنا وافقت بس لسه هتابع الموضوع عشان أعرف فين أوله من أخره.

ولملم أشيائه بعدها خارجًا من المنزل.. و تركهم بدهشتهم التي حلت عليهم الآن.. حتى أنه لم ينتظر الرد منهم فهو غير قادر على سماع فلسفة شقيقه و غباء ابنة عمه..
☆__________☆

أكان ينقصه ما وقعت عيناه عليه الآن؟!.
أمام منزل بيته عربة (فول)!.
يتجمع نص الحي تقريبًا حولها بسبب الأسعار الموضوعة بلائحة ورقية في مقدمة العربة.. والتي كانت أقل قليلًا من الباقيين.
غير العبرات التي تنطقها سحر بسعادة هي وشقيقها.. و لكنه لوهلة تبسم على سعادتهم حينما يمسكون الإموال بين قبضة يدهم.. ولكن لم تطول.. عاد إنقلاب المزاج بعد موقف قذ.ر حدث أمامه توًا و كان كالتالي.

كانت سحر تعطي طلبًا لأحد الزبائن و هي سعيدة بسبب الجنيهات التي ستحصل عليها الآن فكانت الكمية المطلوبة كبيرة.. قالت بغلظتها المعهودة أثناء عملها:
- الحساب خمسة وعشرين جنية.. يا اسطا.
أخرج الرجل المبلغ من جيب سرواله وهو يعطيها إياه حاول لمس يدها وهو يقول بكل قذا.رة:
- لو عايزه فوق الفلوس بو.سة أنا موافق.

هي بالنهاية فتاة أرتعدت من هذهِ المسة مع الكلمة البذيئة المَنطوقة من هذا المنحر.ف.. صاح الغالبية ومن ضمنهم أخوها الذي يريد الإمساك بهذا الوقح و لكن منعه أحد الشباب الواقفين فإذا أبتدى الشجار لم ينتهي على خير..
و لكنها فزعت حين سمعت صياح "المغفل" كما لقبته وهو يقول بحدة:
- شكل رجالة المنطقة بتنقص يوم مع التاني بسبب أشكالك الو... اللي زيك.. أنتَ بتمد إيدك على واحده ست أسأل الأول هي في حِمى مين؟ و ساكنه في أنهو بيت؟.
المرة دي حظرتك وعملت خاطر لشاهين.. المرة الجاية هقطع إيدك اللي بتلمس بنات الناس.