الفصل الأول

283 32 10
                                    

الفصل الأول...

"عابد"

وصلت إلى البيت عصرًا بعد يوم عمل شاق بشركتي وبالمواقع لأبدل ثيابي وأتابعه باجتماعات المطاعم، فتحت باب المنزل وما كدت أخطو خطوتي الأولى به حتى فوجئت بـ "دنيا" ابنتي الكبرى تقول:
- كويس إني لحقتك يا بابا، هات ٢٠ جنيه.
المال الذي لا يعرفونني إلا لأجله، والذي لا يكتفون منه أبدًا؛ هو تقريبًا حلقة الوصل الوحيدة بيني وبينهم.
تنهدت بغيظ وأنا أتجاوزها للداخل حتى جلست على الأريكة، فأعادت قولها وهي تنظر لساعتها:
- يا بابا هات ٢٠ جنيه عشان المواصلات، هتأخر عالمعمل!
التفتت على صراخها وأنا أقول بغضب:
- جرى إيه يا دنيا، كل شوية هات معرفش إيه عشان نيلة إيه وزفت إيه، امال أنتي بتشتغلي ليه!
جلست في مقابلتي وهي تتأفف قائلة:
- يوووه يا بابا، وهو أنا يعني هلاحق على إيه ولا إيه؟ على مواصلاتي، ولا على مصروف إيدي وأكلي وشربي برة، ولا على الحاجات اللي بحتاجها، ولا على.....
- بس بس خلاص، إيه، بلاعة واتفتحت!
مدت يدها مجددًا بتعبيرات باردة:
- هات عشرين جنيه يا بابا.
خلعت معطفي وبدأت في فك أزرار قميصي وأنا أتمتم:
- ممعيش فكة خدي من أمك.
- ماما مش معاها، هات وأنا هجيبلك الباقي.
التفتت لها قائلًا بحدة:
- ده على أساس إن البهوات أخواتك هيرحموا، روحي يا دنيا شوفي وراكي إيه خليني ألحق الاجتماع.
ثم تحركت فورًا صوب غرفة نومي تاركًا إياها بالخلف تتذمر حتى تمل.

*********************

"دنيا"

أبي وأعرفه؛ مغادرة جنيه واحد لجيبه تسبب له أَرَقًا يكاد يجعله راقدًا بالسرير بقية حياته!
المال يعني له الكون بأسره، أنا وأمي وإخوتي والجميع في كفة، والمال في الكفة الأخرى؛ والرابحة!
تنهدت بغيظ وأنا أرى عقارب الساعة توشك أن تشير إلى الرابعة ولا مال لدي لكي أتجه إلى المعمل، أنقذني دخول ياسمين من باب الشقة، فاتجهت إليها مباشرة وأنا أقول:
- ياسمين، ياسمين حبيبتي وروح قلبي.
رفعت إحدى حاجبيها تعجبًا من الود المفاجئ الذي أحادثها به متسائلة بنبرة ساخرة:
- خير؟ الحب اللي بييجي فجأة ده بييجي معاه طلبات.
قبلت وجنتها اليمنى وأنا أقول برجاء:
- عايزة عشرين جنيه عشان أروح المعمل، ممعيش حق المواصلات ولسة مقبضتش، وأبوكي زي ما أنتي عارفة؛ إيدك منه والأرض.
وضعت حقيبتها على الأريكة، ثم بدأت في خلع خمارها وهي تردد:
- وأنا أجيبلك منين؟ أنا كمان لسة مقبضتش.
احتضنتها من الخلف في محاولة مني لجعل قلبها لينًا، وأنا أقول:
- يا ياسمين عشان خاطري، دول عشرين جنيه، مش لازم من قبضك من الحضانة، هاتي من اللي بتخنصريهم من بابا عشان الخامات والحاجات بتاعت الكلية.
-هششششش هتفضحينا.
قالتها وهي تضع كلتا يديها على فمي ناظرة حولنا بخوف من أن يسمعني أبي، ثم عادت إلىّ متنهدة باستسلام:
- عشرين جنيه بس، وترجعيهم.
ابتسمت بسعادة وأنا أؤكد:
- طبعًا!
أخرجت عشرون جنيها من حقيبتها فقبلت جبينها وأنا أعدو كي أصل إلى المعمل على الموعد حتى لا أُجازى على التأخير بسبب أبي المُبَجل!

العجوز الشمطاء "الدُّنيا الدَّنِيَّة" {مكتملة}💙!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن