ولدت في المملكة العربية السعودية في منتصف السبعينيات بعد زواج أمي وأبي بسبع سنوات ، كنت مصدر فرح وبهجة لها ولجميع العائلة وكا أخبرتني أمي أنتي ولدت مبتسما ولم أبك عند ولادتي . قبل أن أكمل سنتي الأولى سافرت معها للولايات المتحدة الأمريكية عندما قرر أبي إكمال دراسته للحصول على درجة الماجستير ، فنشأت في بيئة تختلف كليا عن البيئة التي سوف أعود إليها لاحقا بعد انتهاء أبي من الدراسة . نشأت في بيئة غربية وتعلمت اللغة الإنجليزية قبل العربية وأصبحت لغتي الأولى وعشت مثل أي طفل غربي يمارس حياته اليومية تحت ظل أكبر دولة رأس مالية في العالم وبدأت بمرحلة الحضانة مرورا برياض الأطفال وكنت أتناول الوجبات السريعة من ماكدونالدز وغيره من المطاعم الأمريكية الشهيرة وحظيت بزيارة لعالم ديزني الساحر وأنا ما زلت طفلا في الرابعة من عمري ولم أدرك إلا فيها بعد أنني كنت أتسلح بأدوات فكرية ستكون لي لاحقا في حياتي أكبر نافذة أطل بها على عالم لا كلمة يزال البعض حتى يومنا هذا يسميه عالم الكفر والفسق البغيض . بعد مرور ما يقارب الخمسة الأعوام عدنا مع أبي إلى مسقط رأسه بعد ما أنهى دراسته وحصل على درجة الماجستير ، وتوافق ذلك مع ولادة أخي الوحيد والذي حمل الجنسية الأمريكية لأنه ولد هناك . عدت لعالم وثقافة لا أعرف عنها شيئا ، عدت وأنا لا أجيد حتى 5 واحدة من اللغة التي يتحدث بها من حولي ، كنت كالغريب الذي أتى من كوكب آخر . كان يزج بي في المجالس للتحدث مع الناس بتلك اللغة الغريبة التي لم يسمعوها إلا من التلفاز في الأفلام والمسلسلات الغربية والتي لا يجيدها الكثير من الكبار فكان من الغريب أن يشاهدوا طفلًا في يتحدث بها بطلاقة وكنت أتذكر بوضوح أنه كلما تحدثت كان الضحك يعم المكان ولم أكن أعرف السبب ، لا أذكر ذلك تكبرا أو غرورا لكنه كان إحساسا ملاصقا لي بعدم الانتماء خاصة في الأيام الأولى من الخامسة عودتي للبلاد . كان أكثر سؤال يوجه إلي هو :
what is your name
وكانت هناك نظرات استياء من بعض مرتادي تلك المجالس لأني كنت أتحدث بلغة الكفار حسب وجهة نظرهم ولم يكونوا يخفون ذلك الاستياء بتنبيه أبي وكأني على وشك الانحراف والخروج عن الطريق المستقيم ، لكن ولله الحمد أبي لم يكن من الناس الذين يحاربون ما يجهلون أو في مبادئهم يجاملون ، وقد رباني على ذلك لذلك تجاهل تلك التعليقات ولم يلق لها بالا . في غضون أشهر تعلمت العربية من خلال الممارسة والاستماع لكني لم أنس لغتي الأولى وكنت مشتاقا جدا لسماع وممارسة تلك اللغة التي عشت معها ومن . خلالها أيام طفولتي الجميلة . كانت أولى وسائل عودتي لذلك العالم الذي اشتقت إليه هي من خلال مشاهدة قناة أرامكو والتي كانت مخصصة لموظفي شركة الزيت العربية الأمريكية والتي سميت فيها بعد بشركة الزيت السعودية ARAMCO فقد كانت تبث من الظهران في المنطقة الشرقية وموجهة للأمريكان والأجانب كنوع من العلاج لحنينهم للوطن .. كنت من ضمن من حنوا وتابعوا تلك القناة . كانت تلك القناة نافذة أطل منها كل يوم على عالمي الذي خرجت منه دون سابق إنذار ، كنت أتابعها حتى تغلق في الليل .. وكأن بعودتي من الخارج لـ « وطني » توقفت عملية تثبيت تلك الثقافة في عقلي وتم استئناف التثبيت بعد متابعتي للقناة وبرامجها المتمحورة حول ثقافتي الأولى لم أنجذب يوما للثقافة المحلية ليس كرها لها أو تكبرا عليها لكن كان الأمر أشبه بالغريزة الملحة تجاه الثقافة الأخرى ، تماما مثل الطفل الذي اكتشف بعد ما عاش وتربى عند أمه حتى وصل للخامسة من عمره أنه متبنى وأن أمه الحقيقية التي أنجبته قادمة لأخذه من أحضان أمه الأولى فبدأ بالبكاء لفراق من ربته في الصغر ليس كرها لأمه الحقيقية أو البايولوجية بل ارتباطا بأمه التي ربته واحتضنته وكانت معه في خطواته الأولى في هذه الدنيا . كانت برامج قناة أرامكو مثل ألبوم الصور لتلك الأم التي ربتني والتي انتزعت من صدرها بعد ما ألفتها وارتبطت بها عاطفيا وعقليًا . كنت أتصفح ذلك الألبوم كل يوم وأنا أشتاق لرؤياها حتى وإن كانت تلك الأم غير مسلمة وترتدي الصليب ، لذلك لا يفهمني الكثير من الناس اليوم عندما أدافع عن أمي الأولى أو ثقافتي الأولى إن صح التعبير والتي يصفونها دائما بالفسق والفجور في كل مناسبة .. فمن منا يرضى أ أن تسب أمه أمامه ويقف ساكتا وساكنا وهو يسمع من يتهمها بأبشع التهم والأوصاف وإن كان بعضها صحيحًا ؟ لذلك كنت أدافع عنها في الكثير من النقاشات بالرغم من الأوصاف التي ألصقت بي لقيامي بذلك