الفصل الأخير

2.8K 140 14
                                    


"فاطمة بنت الشيخ"

هي وهو في طريق العودة بمفردهما كانت خجلة، يرى تلك الحمرة اللذيذة في وجنتيها لكن خجلها لم يمنعها من أن تهتف بقهر لذيذ له:
"أنت.. أنت تفسد كل لحظاتي الأولى"
يبتسم فترفع اصبعا:
"إذا كنت ستقع في حبي فلا تفعل"
يسألها باستمتاع:
"لماذا؟"
تصمت ثم تقول للمرة الثانية بكذب:
"لأنني لا أستطع أن اتزوج"
تتغير معالم وجهه تثقل أنفاسه يعقد جبينه.. يؤلمه قلبه سيكون هناك حل بالتأكيد..
لن يسكت سوف يستشير أكبر الأطباء مهما كلف الأمر
يفكر ماذا لو كانت حقا لن تستطع الزواج أستظل متمسكا بها يا غمار؟
تطلع نحوها بنظرات تقتل الشمس بدفئها..
وحين أوشكت على فك وشاحها ما إن خرجوا من الجزيرة امسك يدها يمنعها هاتفاً:
" لا تفعلي"
نظرت له طويلا وازاحت يده ثم بيد مرتعشة مترددة للمرة الأولى تزيح الوشاح عن شعرها لكن عدم الراحة تلك المرة كان شعورها الوحيد.. والتفت لترى الغضب يكتنف ملامحه
وللمرة الأولى لم ترغب ولم تحب أن تغضبه.
..........................
السادسة مساء تشاركها ريم العشاء تنحني جانبا وقد تلقت رسالة منه تقرأ كلماتها..
"لا تعودي للسكن وانتظريني سأمر عليكِ لأخذك"
وقلب أحمر في نهاية الرسالة!
لا تعلم لماذا تغير معها مئة وثمانون درجة معها..
أو أنها تعلم.. تعلم جيداً من كل رد فعل له من نظرات الخوف عليها في عينيه.. تعلم من صبره الجديد مع عنادها.. عنادها الذي بات يخفت ويتضاءل مع ابتسامته.. مع احتواءه شهقت تنظر إلى انعكاس صورتها في المرآه..
ماذا يحدث لي.. توقفي لماذا وجنتي حمراوين هكذا؟
لماذا كل ذاك الخجل من أين أتى؟
لماذا بات وجوده يوترني ويجعلني متأهبة
ولماذا لا أريده أن يغادر كلما كان معي؟
لا أريده أن يغادر..!! مهلا..
هل أحببت صحبته ووجوده حولي؟
نظراته تربكني جداً
نظراته بها شيء مبهم ولذيذ نظراته تجعل قلبي يخفق وكأنه سيهاجر من جنبات صدري ويطير..
توقفت نظراتها إلى أعماق عينيها
تحبين خوفه عليكِ يا فاطمة.. وتستمتعي بهذا الخوف وأنت تعرفين كم هي نظراته معذبة
ألن تصارحيه يا فاطمة.. ألن تنهي عذابه!
تتنهد طويلاً وبغير عادتها تهتف بندم
"ليتني ما كذبت عليه في هذا الأمر.. ليتني ما فعلت"
.....
بعد أن أنهى يوماً مرهقا في عمله جلس في سيارته عاقد الجبين يكتب على متصفح الإنترنت..
كيف اجعل فتاة تعيش قصة حب؟

يرفع حاجبيه يقرأ وتلمع النظرات.. يخفض المرآه الأمامية ينظر إلى نفسه وشعره المشعث يتخلل خصلاته القصيرة بأنامله ويهز رأسه وقد حاز على الحل..!

عاد إلى منزله سريعاً، وبعد وقت قصير كان ينظر إلى نفسه في المرآه فقد أخذ حماما ثم ارتدى أفضل ثيابه ورتب شعره حتى أصبح لامعا وحلق ذقنه وأنهى كل شيء بنثر ذرات عطره بغزارة على ملابسه
القلب يبتهل في سعادة.. العينان تلمعان..
ويغادر على عجل إليها..
****
في ساعة خروجها من المشفى وقد أنهت عملها.. تردف في الهاتف تبحث عنه حولها:
"أين أنت؟؟ لا أراك حقا؟؟"
"هناك انظري أمامك مباشرة"
سجل كل حركة لها كيف طير الهواء خصلات شعرها واقتحمت تلك الخصلات قلبه بغيرة واضحة وحمية..!
سجل نظراتها التي توقفت عليه..
تلك النظرة التي تلتمع فيها عينيك وتشعر أنك أكثر حياة من أي وقت مضى..
وكل ما كان بينهما نصف طريق متبقي!
ورد وحلوى القطن الوردية و..
رفعت عيونها لها فأخرج نفساً حاراً وهو يبعد خصلاتها التي تتطاير في هواء الخريف بقوة.. أرجعها إلى خلف أذنها يريد لو يخفيها.. تلك الخصلات الهمجية تثير زوبعة في قلبه..
يسألها عنوة:
"أتحبين المثلجات الباردة في نوفمبر؟"
"أحبها كثيراً"
"يا حظها"
وللمثلجات حظ من وجهة نظره..
تورد وجهها خجلا، وجدته يمسك بالوشاح الذي كانت تحيط به كتفيها من لسعة البرودة ويرفعه إلى شعرها يلفه حول رأسها ويغطيه..
رفعت رأسها له بتساؤل فهتف من أعماقه:
"أرجوكِ.. من أجلك أنتِ أولا.. أريد لفاطمة القديمة أن تعود كما كانت لا تخش شيئا في مظهرها.. ومن أجلي.. أنا أغار"
وأغار خرجت بلوعة
كانت تعلم أن رجال الجزيرة لديهم حمية نارية في غيرتهم
تفهمت وأرادت ولم تعلم لمَ أن تغطي شعرها حقا من أجله أم من أجل نفسها لا تعرف..
كل ما تريده الآن نسيان كل شيء والانجراف في تياره
فهزت رأسها موافقة..
من قال ان إرضاء النساء صعب فهو كاذب ككذب مسيلمة الكذاب
ومن قال أنهن عنيدات متحجرات الرأس فهو منافق مثل عبدالله بن مسلول
كسب قلب من تحب سهل.. سهل جداً
إن النساء قوبهن كأفئدة الطير.. يكفيهن الاهتمام..
ورد ثم حلوى ثم مثلجات..
ثلاث مفاتيح فتح بهم أول باب موصود في قلبها
وتوقف بالسيارة أمام مشفى كبير تعرفه في المدينة استدارت بقوة له وهو يقول بصوت متألم لأجلها..
"هنا طبيب كبير سيجري لك الفحوصات اللازمة.. ولا تخافي من أي شيء"
شحب وجهها لأنها لو فعلت سيكتشف كذبتها الكبيرة عليه..
"لا أريد.. أرجوك يا غمار"
"لماذا ؟؟.. أريد أن اطمئن لن تخسري شيئا يا فاطمة.. أنتِ لم تفهميني مما تعاني بالتفصيل؟؟؟"
هربت نظراتها منه وقالت بوهن تترجاه:
"أرجوك يا غمار لو حقاً تهتم بي لا تفتح هذا الموضوع معي.. حين أكون مستعدة سأخبرك بكل شيء"
لم يقتنع بكلامها.. لكنه أدار سيارته وغادر لأجلها..
...............
كانت تجلس تنتظرها بصمت وما إن دخلت فاطمة مرسوم على وجهها ابتسامة قوية كأنها تحلق في السماء.. وجدت ريم تقف أمامها فجأة تواجهها بنظرات متهمة ويدها معقودة أمام صدرها:
"ما علاقتك بهذا الضابط؟"
تلجلجت فاطمة:
"أي ضابط!!"
هنا تصرخ ريم بوجهها:
"لا تكذبي رأيتك أمس معه وركبت سيارته في هذا الوقت المتأخر يا فاطمة إلى أين ذهبتِ معه... لا أصدق.. كيف تقومين بهذا؟؟ ما مدى علاقتك به؟؟"
قاطعتها فاطمة قبل أن تستكمل سيل الاتهامات الخاطئة:
"إنه زوجي"
رددت ريم بصدمة مريعة:
"زوجك؟؟؟؟... كـ... كيف؟؟"
"إنه عقد قران صحيح على سنة الله "
أخفضت فاطمة رأسها ثم هتفت ببكاء:
"سأخبرك بكل شيء.. كل شيء.. "
وبعد سيل من الاعترافات لم تكن ريم تصدق.. تشعر بالغدر.. تشعر أن الفتاة التي اعتبرتها صديقتها ليست هي تلك الكاذبة التي تقف أمامها الآن!!
فتهز رأسها رفضا مصدومة:
"أريد أن أعرف لماذا كذبت عليّ؟؟.. لماذا؟؟؟.. "
"أرجوك يا ريم.. اسمعيني.. لقد خفت أنك إذا عرفت حقيقتي لن تجعليني صديقة لكِ"
"ماذا ؟.. ما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟"
هتفت فاطمة ببكاء:
"لا تعلمي معنى أن تأتي من جزيرة تشبه القرى إلى المدينة التي لم يسبق لك زيارتها ولا معنى أن تتحملي الكثير فوق احتمالك في سبيل تحقيق حلمك"
جلست تحكي لها:
"حين جئت إلى المدينة مع أبي تخيلت أشياء كثيرة حياة جديدة.. لكن الأيام الأولى لي في المدينة هنا كانت صعبة جدا حتى أن أبي لم يحتمل الحياة هنا وصخب المدينة.. الجميع كان يبتعد عني لم يصاحب أحد تلك الفتاة ذات الطراز الغريب واللهجة الغريبة
كانوا يعاملونني كشيء جديد يسألونني كثيراً عن المكان الذي جئت منه عن ثيابي الغريبة عن لهجتي لكن لم يصاحبني أحد.. لم ترضى أي فتاة أن تكون صديقتي المقربة لأنني في أي مكان أذهب إليه أكون محط الأنظار بثيابي ولهجتي وطريقتي"
عاد أبي بي إلى الجزيرة لم يحتمل المكوث أكثر ووضعني بين خيارين التخلي عن فكرة إكمال تعليمي أو أكمله لكن وأنا متزوجة حتى يرعاني.. واخترت الخيار الثاني..
اختلف كل شيء غيرت كل شيء بي أصبحت واحدة منهم خلعت ثيابي المعتادة ووشاحي وارتديت مثلهم واختلقت قصة جديدة.. مع ذلك ظلت صورتي القديمة في أذهانهم..
لقد مررت بأوقات صعبة رغم عني ما حدث حتى جئت إلى هذا المشفى"
اقتربت فاطمة تهتف ببكاء يهتز له جسدها:
"سامحيني لم اقصد أن اخدعك لكنني أردت أن أكون صديقتك فقط"
احاطتها ريم تحتضنها بقوة فجأة وهي تضرب كتفها:
"أيتها الغبية هل تعتقدين أنني فارغة العقل لتلك الدرجة أن أرفض أن تكوني صديقتك لأنك من مكان غريب أنا متأكدة أن هؤلاء الأغبياء لو كانوا عرفوكِ حقا لتقاتلوا جميعا ليجعلوكِ صديقة لهم"
رددت فاطمة:
" لم يمنحوني فرصة أن اجعلهم يعرفوني حقا يمكنك تخيل قضاء كل سنوات الجامعة دون أصدقاء مقربين..!"
نظرت لها ريم بشفقة:
"لقد عانيتِ كثيراً.. آسفة لأنني لم أكن موجودة معكِ"
"نعم عانيتُ كثيراً.. لكنني الآن أشعر بمشاعر كثيرة ولا أريد أن أخسرك يا ريم"
أمسكت ريم بكفها:
"لكن عديني أنك لن تكذبي علي أبدا؟"
هزت رأسها بقوة تهتف من قلبها بصدق:
"أعدكِ"
ما إن انتهت وخرجت تتنهد شعرت وكأن جبلا بكل ثقله قد أزيح من فوق صدرها لذلك تنفست بقوة وهي تمسح وجهها المبلل من بقايا البكاء وفي نفس الوقت تبتسم
أكاذيبها الكثيرة على صديقتها الوحيدة كان أثقل شيء لا تحتمله.. كان يحزنها جداً
وقفت متجمدة فجأة لما رأته أمامها ومن وجهه عرفت أنه سمع كل شيء..!
في مواجهته من جديد..
اقترب منها يتنفس بقوة وصوته مشحون بالانفعال:
"لماذا لم تخبريني بكل هذا؟.. لماذا لم تحكي لي بما كنت تمرين به؟؟"
رفعت رأسها تسأله:
"ولماذا كنت سأخبرك؟؟ ماذا كنت ستفعل؟"
"كنت سأوقف كل من ينظر لك بأعين فضولية واضرب رأس كل من لا يريد أن يجعلك صديقة.. كنت سأفعل أي شيء حتى لا تصلين لما وصلت له.."
لماذا يتحدث فجأة بهذه الطريقة.. كبطل من الأبطال.. أو كعاشق.. كلماته كما لو كانت مثل كلمات الروايات..!
تنهدت هاتفة:
"لقد مضى وانتهى"
"لا لم ينته يا فاطمة.. حتى اللحظة أنت لا زلت تخافي وتخجلي من إظهار هويتك الحقيقية.."
اقترب منها فجأة وحاوط وجهها برفق ولانت نبرته:
"لقد كنت سأخبرك أن في أي مكان جديد ستذهبين له سوف تشعرين بأنك مختلفة وهذا حقيقة أنتِ مختلفة لكن اختلافك لا يشوبه شائبة لا ينقص منك شيء لو كنت تعاملت بهذا الشكل لم يكن ليبتعد عنك الجميع هل تعرفين شيء الناس ينظرون لك بعينيك أنتِ ولأنك كنت ترين نفسك أقل منهم تعاملوا معك على هذا الأساس
لو كنت تركت نفسك مثلما كنت وفرضت اختلافك على الجميع من يتقبل.. يتقبل ومن لا يرد فهو حر
أبدا يا فاطمة لا تغيري شيء بك لأجل إرضاء الناس.. لأنك مهما فعلتِ لن تنالي رضاهم..
لذلك افعلي ما تحبي ما تري أنه الصواب فقط.. فقط يا فاطمة"
الآن فقط تسأل نفسها لماذا لم تخبره بما تمر به..؟
لو فعلت فقط.. لكان كل شيء مختلف
كل تلك السنوات وكان هذا الرجل موجود بجانبها لماذا ضيعت كل هذا الوقت؟
لم تشعر بنفسها إلا وهي تمسك بكفه متشبثة به
وكأنها تختبئ من كل شيء
وكأنها تريد نسيان كل شيء
...

"غمار.. ألم تعلم بما حدث؟؟ انفجر خط غاز بالقرب من المشفى الذي تعمل فيه زوجتك والحالة طارئة جداً"
انتفض من مقعده يردد باسمها بهلع:
"فاطمة... فاطمة.. يا الله.. يا الله"
لم ينتظر التقط مفاتيح سيارته وهاتفه يهرول لا ير شيء لا صديقه الذي حاول إيقافه حتى يذهب معه ولا يعرف كيف وصل إلى سيارته يشغلها منطلقا كالرعد يتصل فالهاتف مغلق..!!!!
سمعتُ أن انفجارا صار بالمنطقة التي كانت فيها مشفاك.. لم أعرف كيف هرولت وركبت سيارتي ولا كيف كنت أقود بجنون وأنتِ لا تجيبي على هاتفك..
وجدتُ الدموع تتراكم في عيني.. ووجدتُ صورتك أمامي كما لو كنت تلوميني على إخفاءي لمشاعري وعن عدم إفصاحي لكلمة كنتِ تودين لو تسمعيها مني وأنا راكع على قدم كما في قصص العشاق التي تهوسك
رموش عينيك السود الطويلة جداً وحجر العقيق الأسود الساكن بهما حين يلمع يتلألأ شيء بداخل دقات قلبي
ثغرك حين تبتسمي بكل ما تملكي فتصير ضحكات العالم كلها راكعة عند تلك الشفتين
شفتي ارتجفت تستعيد أثر أول لمسة لهما لشفتيك في الجزيرة أسفل الشجر الذي استسلم للخريف
خديك المتوردين تتراقص بهما حمرة متقدة
ما لم أخبرك به أيضاً أنني مسدت شعرك بكف مرتجفة تلمس امرأة لأول مرة حين كنت نائمة على الطاولة في محطة الوقود ذاك اليوم الذي اكتشفت فيه أول مشاعري نحوكِ
شعرت أنني لا أريد أن أكف عن فعل هذا.. أصابعي وجدت موضعها الآمن بين خصلات شعرك الهمجي
كان هناك نوع من القلق الغريب يجعلني أريد أن اوقظك من نومك العميق جداً لأطمئن أنك على ما يرام
لكن قلبي لم يكن على وفاق معي وأراد أن يراقبك لأكبر وقت فلم أوقظكِ
أنا الآن اكتشفتُ أنني مستعدا أن اعش مع عذاب عدم لمسك كما أرغب ومع عذاب عدم إنجاب أطفال منكِ أنتِ
لكنني لا أستطع أن اعش مع عذاب أنك لن تكوني موجودة في حياتي..
توقفت سيارتي وكانت الفوضى تعم المكان والمشفى الذي تعملين فيه مقلوب رأساً على عقب كنت أسير بخوف شديد من فقدكِ أبحث عنك في كل وجه يقابلني.... وعلى جسدك على كل سرير
حتى رأيتك..
تركنين في جانب خائفة بدوتِ كطفلة.. بدوتِ هشة جداً
كنتُ كما لو أن الحياة أعطتني فرصة جديدة وهرولتُ نحوك وإليك وسحبتك إلى ضلوعي

وكفوفي تحيط رأسك كأنني أريد أن ادخلك إلى داخل قلبي
واستسلمت وصوتي يعترف بيأس وأنا أغوص فيكِ إلى قلب غوايتك:
"أنا أُحبك.. أحبك.. "
ذراعاك التي كانت تتشبثان بي بخوف نزلت بصدمة وابتعدتِ عني قليلاً والدموع تتوقف على خديكِ
كانت صدمتك كبيرة رغم أن كل شيء بي في الآونة الأخيرة كان يقول أنني أحبك وهائم بك..
فرددتها إليك وأنا أسند وجهي إلى وجهك
"أحبك.. أحبك.. أحبك"
هتفت بحروف تائهة لا تصدق:
" ماذا قلت؟؟ "
"قلت أحبك يا فاطمة.. أحبك يا بنت الشيخ"
منذ متى وكيف؟ لا تعلم أسئلة كثيرة راودتها لكن الوضع الطارئ الذي كان حولها لم يسمح لها بأن تفكر بأي شيء..؟

وإذا أرادت أن تكتب حكايتها يوما عن أول كلمة" أحبك" سمعتها وأول اعتراف من بطل حكايتها.. فدون كل اعترافات الحب بحرا وبرا لم تقرأ يوما اعترافا بالحب بعد انفجار خط غاز..!!
نعم هي مختلفة.. في كل شيء..
وأول اعتراف بالحب كان في المشفى وسط كارثة ووضع طارئ وانفجار خط غاز وضحايا حولها!
___________________

"لا أكاد أصدق مبروك يا فاطمة.. لن تكوني بحاجة إلى أي جراحة ومن الآن يمكنك ممارسة حياتك بشكل طبيعي جداً كما قبل.. مع بعض الملحوظات التي سأكتبها لكِ"
نهضت واقفة تعانق ريم بقوة..
"لا أصدق... لا أصدق"
تعود إلى الطبيب تسأله ثانية وكأنها ترفض التصديق
"لست بحاجة إلى أي عملية حقا؟؟؟ "
"لا يا دكتورة.. كما أخبرتك أنت صغيرة بالسن ولا تعاني من أي أمراض ومن الجيد أنك اكتشفت الأمر مبكراً.. ومع ذلك ستظلين على نفس النظام الغذائي وممارسة بعض الرياضة كما وصفت لك.."
سألته:
"يمكنني فعل أي شيء.. أي شيء"
ابتسم يهتف:
" نعم ليس هناك ما يمنعك من فعل أي شيء.."
وما إن خرجت هي وريم حتى توقفت تذكرت نظرت حولها تبحث عن تلك الصغيرة " ياسمين" فلم تجدها لذلك طلبت من ريم أن تنتظرها ورجعت إلى الطبيب تسأله عنها..
انحسرت وتبخرت كل السعادة التي كانت فيها منذ قليل كل شيء تلاشى لما أخبرها الطبيب أن للأسف جراحة تلك الياسمين الصغيرة لم تنجح..
وعادت إلى نقطة الصفر.. عادت مشاعر الخوف تقتحمها رغم أن الطبيب والفحوصات أكدت لها أنها بخير..!

وحدها في غرفة باردة بيضاء اللون بشكل غريب تقترب ببطء من سرير حديدي قابع بمفرده هناك في منتصف الغرفة الخالية..
على السرير جسد مغطى بغطاء خفيف أبيض مدت يدها تزيح الغطاء فيفزعها المشهد..!
جثة ياسمين الصغيرة.. وجهها مغطي بالدماء وبطنها مفتوح وأحشاؤها خارجه..!
تصرخ.. تحاول أن تبتعد لكن قدمها مقيدة بالسرير والطفلة تمسك بمعصمها فجأة
تنهار تصيح تحاول الفرار فلا أحد يسمعها ولا هناك من ينجدها
لا شيء سوى صدى صراخها في الغرفة التي تضيق جدرانها عليهما بشكل مرعب

جلست فجأة تشهق بقوة وكأن الهواء امتنع عن رئتيها وضعت يدها على صدرها وأنفاسها في سباق..
تسري رجفة تتمكن من جسدها كله
تطلعت حولها إلى الغرفة المظلمة هي وحدها ليس معها سوى الخواء وأطياف كابوس مرعب يحوم حولها..
تضم ركبتها إلى صدرها وتبكي بصوت مرتفع كطفلة صغيرة
تمسك هاتفها وتتصل به بدون وعي بانهيار تبكي وتتوسل
"تعالى.. اتوسل إليك"
يفزع من نومه وبكاؤه يوقظه..
يسألها بقلب فزع
"فاطمة.. ماذا بكِ هل أنتِ بخير؟؟؟؟"
يتحول انهيارها إلى عويل مرتفع:
"أنا خائفة.. خائفة جدا أرجوك.. أرجوك تعالى"
لا يفهم من عويلها حرفا واحدا لكنها في خطر..
يتسابق مع الزمن ليصل لها يلتقط مسدسه وخفه المنزلي ومفاتيح سيارته
"أين أنتِ؟"
"في غرفتي"
وبدون عقل وبقلب مسلوب مع بكائها على الهاتف معه كان يركب سيارته ويذهب إليها
وما إن خرج من سيارته وجدها واقفة تريد الخروج من بوابة السكن والحارس يوقفها حالتها يرثى لها وكأنها ليست في وعيها..
وما إن رأته حتى تخطت حارس السكن وهرولت إليه ترتمي إلى صدره تتشبث به والبكاء يزيد أضعافا حتى يتحول إلى نشيج خافت وتنهدات رقيقة حارة..
تتمسك به تسند رأسها على صدره تحتمي فيه.. كانت في حالة فوضى احاط رأسها يمسح ذاك الوجه الشاحب برفق ثم يرتب بعثرتها هامساً:
"أنا معكِ الآن.. أخبريني ماذا حدث؟؟"
وكان لكلماته ورفقه مبلغها بين بكائها الذي خفتَّ تلقائيا وهدأت أوصالها المرتعبة لتهتف من بين لا زال ينتفض بشهقات البكاء الناعمة:
"حلمت بكابوس مفزع أرعبني.. لم أستطع أن ابقى في البيت بمفردي.. أنا خائفة"

"حسناً لا تخافي أنا معكِ الآن.. "
نظرت إليه باستغاثة:
"لا أريد الصعود لوحدي.. لا تتركني"
هز رأسه بحنان:
"لن اتركك.."
حارس السكن يضربا كفا فوق كف مراقبا الموقف برمته يهتف
"سبحان مغير الأحوال.. ألم يكن يشهر سلاحه في رأسها ذاك اليوم؟؟؟؟ كانا سيقتلان بعضهما البعض؟؟"

ركن سيارته يلتقط يدها وكأنه يطمئنها ثم يسألها بخفوت
" ماذا تودين أن تأكلي؟ "
تتدلل؟
نعم تفعل.. وما أحلاه من دلال..
لا تسألوها عن الأيام التي مضت.. وعن ليال حلمت فيها بكوابيس وقضتها خائفة وحدها..
كل شيء مختلف الآن... كل شيء له مذاق لذيذ.. حتى الخوف..
"بيتزا.."
تخبره برقة بعيدة كل البعد عن فاطمة بنت الشيخ المجنونة.. ينزل من سيارته يلبي طلبها فتراه
بنطال "المنامة" المخطط والخف المنزلي الكارثي تخرج رأسها من نافذة السيارة بمرح.. تضحك:
"غمار.. انظر لنفسك؟؟؟؟"
يحرك رأسه على ضحكها وينظر لهيئته الفوضوية بسببها:
"آه منك يا بنت الشيخ.. ماذا ستفعلين بي بعد؟؟"
حركت حاجبيها بشقاوة.. ولما عاد بعلبتين بيتزا ضحكت بقوة ثانية..
الوقت قد تخطى منتصف الليل اعتقدت أنه سيعيدها للسكن لكنه كان يسلك طريقا آخر سألته
" إلى أين نذهب؟؟.. "
"إلى منزلي.."
تطلعت إليه شاهقة بصدمة
"ماذا؟؟؟.. لا.. "
تكرر: "لن ارافقك إلى بيتك في هذا الوقت بالطبع؟؟؟؟"
ينظر إليها من طرف عينيه بعبث
"أتخافين أن استفرد بكِ؟؟"
أحمر وجهها وأشاحته بعيدا..
"ستقضين الليلة في منزلي حتى تهدئي.. سأكون قلقا عليكِ لو تركتك بمفردك الليلة"
وافقت أمامه على مضض.. لكنها من الداخل تتراقص لاقتحام مملكته الخاصة الليلة..
شقته كانت صغيرة.. ومرتبة على غير المتوقع!
كان هناك على الحائط درع قوات مكافحة الشغب.. والسترة المضادة للرصاص.. حافظة المسدس.. الأصفاد
أشياء كثيرة مثيرة في هذه المملكة عبثت فيها وارتدت تلك السترة ومسكت ذاك الدرع
وهو على الأريكة يجلس يهز رأسه بيأس من تصرفاتها المجنونة وما إن اقتربت تمسك سلاحه قفز إليها صائحا:
"إلا هذا.."
حاولت أخذه منه عنوة لكنه ابعده بقوة:
"قلت لكِ إلا هذا يا فاطمة.. لا يمكنك العبث به"
أخذه ودخل يخفيه ولما عاد وجدها تقف عابسة..
هز رأسه بإصرار:
"لن اعطيه لكِ مهما فعلت.. إنه عهدة وأي عبث معه بحياة"
تأففت تضع السترة المضادة للرصاص على الأريكة.. نظرت حولها بفضول:
"ألا يوجد لديك أشياء أخرى"
تمتم رافعا حاجبيه:
"وهل تركتِ شيئا مكانه بحق الله؟؟؟ ألن تخلدي للنوم الساعة تخطت الثانية؟؟ هيا لأريك غرفتك"
دخلت خلفه إلى الغرفة الوحيدة في الشقة.. انكمشت على نفسها وهو ينظر إليها ثم إلى خزانته..
ليخرج لها من ملابسه البيتية هاتفا
"البسيهم لتنامي براحتك... سأنام أنا على الأريكة بالخارج"
هزت رأسها دون كلمة وكأن القط أكل لسانها.. بدت له قطة وديعة بينما هو أكثر من يعرف ماذا يكمن خلف هذا الوجه..
لم يكد يخرج حتى عاد لها يحذرها بقوة:
"لا تعبثي في أي شيء في الغرفة يا فاطمة"
هزت رأسها باحترام
" لن أفعل"
ضيق عينيه بشك وهو يعلم أنها لن تلتزم بكلمتها..
وصدق لم يكد يخرج حتى هرولت فتحت خزانته وعبثت في كل شيء بالغرفة يتعلق به حتى ارتمت على الفراش ضاحكة بقوة تنظر إلى السقف ثم تهتف بعاطفة وعيناها تلتمع بالدموع
" أحبك "
جلست على مكتبه وامسكت ورقة وقلم وكتبت..
"إن الحكاية التي أردتُ أن أعيش فيها تنقلب رأساً على عقب.. والشخص الوحيد الذي أقسمت ألا أبدأ حكايتي إلا بعد أن اتخلص منه، الشخص الذي كان مفروضا عليّ ولم أر فيه سوى قصة باهتة.. زواجا تقليديا..!
جعله قلبي فجأة بطلا رئيسيا فيها..
المواقف هي التي تصنع الأبطال
وليس نحن من نختار
وكأنني قد كنت انظر دائما إلى الحكاية من زاوية أخرى.. زاوية معاكسة!
نظرت له دوما أنه الشخص السيء ولم أفكر قط أنه هو نفس الشخص الذي تحملني لسنوات، مربوطا بعقد مع فتاة مثلي مزعجة وكاذبة ولا تكف عن الصراخ بكرهه..!
كان يمكنه أن يقطع العقد الذي بيننا ويتركني في منتصف الطريق ويبدأ هو حياة جديدة وقصة أخرى أفضل من قصتي
لكنه لم يفعل!
والآن افكر لماذا لم يفعل.. لماذا لم يتركني كل هذا الوقت؟
ولماذا يتمسك بي الآن رغم ما أخبرته به؟
لماذا يضنيه مرضي هكذا؟"
نظر إليها وهي نائمة بعمق على فراشه وإلى الورقة التي بجانبها وقد قرأ كلماتها بابتسامة دافئة
امسك القلم وكتب في نهاية الصفحة بخط صغير..
"لأنني أحبك"
لقد اعترف لها بالحب عشر مرات ولا زالت غبية تخفي وجهها وعقلها..
يبدو أن هناك مكانا في قلبي أزهرت فيه أوراق الخريف من جديد..
وأن هناك لمسة عالقة في قلبي منكِ يا فاطمة
يا بنت شيخ الجزيرة
أحاط وجهها يقبل وجنتها بحرارة هامسا:
"لا تخافي من أي شيء... سيمضي كل صعب وأنا معكِ لن اتخلى عنك"
وبينما تنام هي قريرة العين كان قد أخذ قراره الشيء الذي يؤرقه.. مرضها الذي سلب النوم من عينيه.. كل ليلة يقضيها تهاجمه الأفكار السيئة بشأنها ولا يستطع التصرف حيال هذا الأمر وهي ترفض بعناد أن تدعه تعرف مما تعاني وإلى أي حد وصلت حالتها؟
كان يتواصل مع طبيب بالخارج رشحه صديق له وقال أنه ناجح وماهر لكن تكلفته باهظة الثمن
وقرر أن يسحب كل أمواله التي جمعها لأجل أن يسافران إليه لكنه هذا الطبيب طلب أولا أن يطلع إلى فحوصاتها..
لم توافق أن تجري الفحوصات وهنا كانت المشكلة.. التي أمس توصل إلى حل لها..
_______________________

" مرحبا.. "
نهضت ريم ترحب به:
"أهلا يا غمار باشا.. فاطمة لم تأت بعد؟"
"لم آت من أجل فاطمة.. بل أريدك في موضوع.."
عقدت ريم جبينها بقلق
"ما الأمر لقد أقلقتني"
أخذ غمار نفسا عميقا ثم أشار لها
"هل يمكن أن نجلس في أي مكان قليلاً؟"
"بالطبع.. تفضل معي"
صحبته إلى حديقة المشفى وجلسا على المقعد الخشبي الطويل تحدث غمار دون مقدمات:
"أريد منك مساعدتي في أمر يخص فاطمة.. لا أعلم إذا كنت تعلمين أو لا أن فاطمة مريضة بالقلب وحالتها متأخرة... هي.. هي لا تريد أن أجري لها الفحوصات اللازمة لعرضها على الطبيب الذي تواصلت معه بالخارج وقد أخبرني أن هناك علاج متطور لكل حالات القلب... أريدك فقط أن..."
قاطعته ريم تقف بصدمة:
" لحظة... ما الذي تقوله... فاطمة كان لديها مشكلة بسيطة وتعافت منها تماما الدكتور محي الدين قال لها يمكنك أن تمارسي حياتك بشكل طبيعي كأي إنسان لقد كنت معها في كل استشارة حتى آخر مرة... "
انتفض... مصعوقا.. لا يصدق.. لا يريد أن يصدق أن فاطمة من الممكن أن تكذب عليه في مثل هذا الأمر الجلل؟
كانت تراه يتعذب وكانت تتفرج باستمتاع؟
هتف بتشتت:
" هل يمكنك أن تعطيني عنوان طبيبها؟ "
شعرت ريم أن هناك شيء خطأ وفاطمة في مأزق لذلك ترددت.. هتف بها غمار بصوت مكتوم
"لو سمحتِ أعطيني العنوان الآن"
فأملته العنوان بخوف
ورحل كالصاعقة متوعدا لو صدق كلام صديقتها وكذبت عليه فاطمة، رغم أن دقات قلبه تهدر تتراقص أنها بخير..
بخير وليست مريضة.. لا يهددها الموت..
سالت عبرة يتيمة من جانب عينيه

يبتهل إلى الله أن تكون الكاذبة كاذبة هذه المرة أيضاً..
هذه المرة فقط.. والأخيرة
اتصلت بها ريم بسرعة تخبرها عما صار لتتلقى صرخة من فاطمة لتدرك أنها حقا خدعته في مثل هذا الأمر؟
كيف يمكنها الكذب في هذا الشأن؟
كيف يمكن لصديقتها أن تفعل مثل هذا الأمر؟
في شقته حاولت أن ترتدي ثيابها بسرعة أن تلحقه قبل أن يذهب لطبيبها ويكشف كل شيء..
كانت تنتظر الوقت المناسب لتخبره، والوقت كان يجر بعضه فلا تجد فرصة تعترف له أنها خدعته وكذبت عليه، حتى وهي تراه يتعذب بسببها..!

توقفت مكانها بل تجمدت بخوف وهي تراه يخرج من عند طبيبها..!
من الخذلان.. من لمحات العتاب.. علمت أنه عرف كل شيء..
تمسك ذراعه تبكي وتتوسل..
"توقف أرجوك.. أرجوك يا غمار اسمعني.. أنا أعرف أنني جرحتك"
يهدر بها بغضب مجنون
"جرحتني؟؟؟؟"
نفض ذراعها بعنف الشرر يتقافز من عينيه وعروقه تنتفض:
"أنتِ لا تعلمي بماذا كنت افكر كل ليلة بكِ.. أي عذاب كنت أعيشه كل لحظة.. بسبب كذبك.. أنت أكبر كذابة عرفتها في حياتي"

أمسكت قبضته المشدودة برجاء موجع والدموع لا تتوقف من الهطول بغزارة
" لم أكن أعلم أنك ستحبني"
تحولت لهجته للصرامة
"سأعيدك للجزيرة"
بصدمة هزت رأسها والخوف يعتلي ملامحها:
" لا.. لا تفعل أرجوك.. لا أريد أن أعود إلى الجزيرة"
حسم نبضة القلب التي خانته بتوسلها وخوفها ينهي الجدل بقسوة ساخرة
"إذا تريدين اعادتك بالقوة ليست لدي مشكلة "
أمسكت بذراعه تتوسل وتبكي
"لقد أحببتك.. أعلم أني أخطأت في حقك لكن قسما بربي لم أتوقع أن تصير الحكاية بهذا الشكل"
هتفت بصوت مجروح:
"لم أعلم أنك ستحبني"
نظر لها بقسوة وهتف بكلمة واحدة لا رجعة فيها:
"اركبي"
طوال الطريق
حاولت أن تتوسل
ان يسمعها
لكنه بدا وكأنه صم أذنه عنها وأغلق قلبه تماماً.. كان كصخرة أشد قسوة مما ظنت!
ولم تعرف كيف السبيل له التزمت الصمت لكن عيونها لم تلتزم الصمت أبدا..
ألا يوجد في قوانين الحب غفرانا.. ولا في العشق سبيلا للصفح
وحين توقف بالسيارة بالقرب من دارها نزل وأنزل حقيبتها وقبل أن يغادر دون كلمة..
وقفت أمامه تسد طريقه عن الركوب بتوسل..
وفجأة وجدها تتعلق بعنقه تضم نفسها إليه تنغرس بكيانها وروحها فيه وتبكي.. تصلب ذاك الجسد الخائن أيحيطها بذراعيه ويعانقها مستسلما لقلب خائن ملتاع أم لا يستسلم..
أغمض عينيه بقوة..
لكنها لم تقرر رحمته بل تمعنت في تعذيبه ترفع رأسها الباكي من جوف عنقه إلى وجهه تقبل كل شيء فيه
وأحاطت وجهه بكفيها الصغيرين.. يضرب قلبه صدره بعنف بسبب دموعها وتهدر بندم صوتها معذبا
"أنا آسفة على كل مرة كذبت فيها عليك.. آسفة لأنني جعلتك تتعذب بسببي.. لكن هناك شيء واحد أريدك أن تعرفه.. أنني أحببتك.. وأنك الرجل الوحيد الذي سأحبه وأنني لن أنس أي شيء فعلته لأجلي وكل مرة جعلتني أحبك فيها أكثر"
هتف بها وبدا على وشك انهيار مثل انهيارها وأكثر:
"اذهبي"
هذا التعلق به جعلها كما لو يبدو أنها تودعه لم يعتقد أنه سيتحمل وداعها أكثر
وهي حسبت أنه جاء بها للجزيرة ليطلقها فهتفت به:
"وداعا"
وغادرت تجر أذيال اللوعة بقلب منهار وقصة لم تتحول إلى رواية بل انتهت قبل أن تبدأ.. لأن البطلة كاذبة..
وما إن دخلت ورأت أباها جالسا في مجلسه بصحن دراهم يمسك بمصحفه الضخم يرتل القرآن هرولت وسقطت على ركبتيها منهارة تحكي له كل شيء
كل كذبة.. كل خداع..
وكان كل شيء فاض بها ولم تعد تريد الكذب بعد على أي أحد

حتى صارت الحكاية رواية - فارديه صادقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن