الفصل الأول

25 2 2
                                    


على أصوات العصافير التي كان صوت تغريدها يطرب آذان السامعين، وفي صباح أحد الأيام الهادئة، استيقظ من سباته العميق، فارس والذي قد مرت أربعة أيام على إتمامه العشرين من عمره.. وأخذ في النظر إلى ساعة غرفته ليجدها تشير إلى السابعة والنصف صباحًا، حينها أدرك أنه سيتأخر لا محالة على محاضرته، فانتفض من فراشه مسرعًا يسابق الزمن صوب دورة المياه، وبعد أن انتهى أخيرًا ممّا كان سببًا في دخوله إلى دورة المياه، قام بغسل وجهه وأخذ في مداعبة أسنانه بتلك الفرشاة السلسة والتي تلاطف أسنان مستخدمها، ثم قام في عجالة من أمره، حيث لم يدرك عقله ما تفعله قدماه، وتوجه إلى خزانته الضخمة المليئة بشتى أنواع الملابس، وظل واقفًا برهة من الزمن متحيرًا ما سيرتدي؛ وقع اختياره على سروالٍ أبيض اللون ومعه قميص أسود، وبدأ في ارتدائهما في فترة وجيزة لم تتجاوز الدقيقة، وبعد ذلك ارتدى حذاءه الأسود اللامع، والذي كان سواده لا يختلف عن سواد قميصه، ثم أمسك بزجاجة العطر، متعطرًا بتلك الرائحة الفريدة من نوعها، التي لم يضع أحدٌ قطُّ مثلها في جامعته -جامعة القاهرة- حيث كان ذلك العطر باهظَ الثمن، وكان يضع قليلًا منه في زجاجة صغيرة لا تغادر جيبه أثناء تواجده خارج المنزل، ويترك الزجاجة الكبيرة في غرفته، وكلما فرغت الزجاجة الصغيرة، يعود ويملأها مرة أخرى؛ وبعد أن انتهى من تمشيط شعره السلس الناعم، والذي كان ينساب على بشرته البيضاء الصافية، قال بصوت مرتفع: "مصحتينيش بدري ليه؟! كده هتأخر أكيد".
بدا فارس مندهشًا، وذلك عندما لم يجد إجابة عن سؤاله، وخرج من غرفته قاصدًا الغرفة المقابلة، والتي كان بابها مغلقًا، ثم قام بطرقه بلطف قائلًا: "ماما.. ماما.. معقول نايمة كل ده.. مش عوايدك يعني!"؛ لم يجد فارس مناصًا من فتح الغرفة وذلك بعدما لم يجد من يجيبه مرة أخرى، وتفاجأ عندما فتح الغرفة ووجدها فارغة تمامًا من غير الأثاث؛ فأغلقها وقام بالنزول من الطابق الثاني إلى الطابق الأول، وظلَّ ينادي على أمه ولكن دون جدوى، فحدّث نفسه متسائلًا: "خرجت راحت فين على الصبح كده؟!"؛ ترك فارس الوضع على ما هو عليه ثم أخذ مفاتيح سيارته ذات الطراز الألماني الفاخر، والتي كان يحسده عليها كل من تقع عينه عليها، فهي من طراز"BMW" الشهير، ثم وهو في طريقه نحو الجامعة أخذ في محاولة الاتصال بأمه، ولكن أيضًا لم يجد منها أيَّ رد حيث كان هاتفها مغلقًا، ففقد الأمل في الوصول إليها وفي معرفة مكان تواجدها، ثم حدث نفسه بصوتٍ استطاعت أذناه أن تسمعه: "مفيش داعي أقلق نفسي أكتر من اللازم.. تلاقيها راحت مشوار ومش حابة حد يزعجها فقفلت تليفونها"، وأخذ يكمل طريقه نحو جامعته، متمنيًا أن يسعفه الوقت ويستطيع الوصول قبل الأستاذ الجامعي الدكتور إبراهيم، لأنَّه كان يعلم جيدًا أنَّ الدكتور إبراهيم يوبخ كل من يدخل المحاضرة بعده، فكان يتمنى ألَّا يوضع في مثل ذلك الموقف المحرج المهين؛ وها هو ذا قد وصل إلى وجهته وغايته -إلى الجامعة- حيث وضع سيارته خارجًا وقام بإغلاقها جيدًا، وأخذ يُخرج زفيرًا طويلًا معلنًا به عن تأففه، وذلك بعد أن نظر إلى تلك الساعة المصنوعة من الذهب الأبيض والمرصعة بالألماس من جانبها الأيمن، والتي قد ورثها عن والده الذي توفي منذ عشر سنوات، ومنذ ذلك الوقت وهو يضعها في معصمه الأيسر كلما أراد أن يخرج من المنزل، فعلم يقينًا من خلالها أنه قد تأخر بالفعل.. كان صخب الطلاب والطالبات المحيطين بفارس من جميع الجهات، كفيلًا بأن يجعل فارسًا ذلك الطالب الهادئ الطباع، غاضبًا، حيث كان كارهًا للصوت المرتفع وللتجمعات الكبيرة؛ كانت قد مرت خمس دقائق منذ أن نزل فارس من سيارته وتركها خارجًا، وكانت هذه الخمس دقائق كافية لدخوله الجامعة، ووصوله أيضًا إلى كليته -كلية الحقوق- فذلك الشاب وسيم الوجه، ذو العينين السوداوين، هو طالب في الفرقة الثانية في كلية الحقوق جامعة القاهرة.. وما هي إلا لحظات ليجد فارس نفسه أمام قاعة المحاضرة، فيقوم بالولوج بصورة هادئة شابكًا أصابعه، واضعًا إياهم أمامه، منتظرًا ذلك التوبيخ، والذي يليه إذن الدخول؛ وما إن رأى الدكتور إبراهيم فارسًا، أخذ ينظر إليه في تعجب، ثم نظر في ساعته، ثم أعاد النظر نحو فارس مرة أخرى، فأراد فارس أن يتدارك الموقف.. ولما أراد أن يفتح فمه ليتكلم، حال الدكتور إبراهيم بينه وبين ذلك، حيث أخذ يقول: "معقول! فارس الأول على دفعته السنة اللي فاتت واللي عمره ما تأخر، ييجي متأخر سبعة وعشرين دقيقة! كنت فين يا أستاذ فارس كل ده؟! المحاضرة مفروض بتبدأ تمانية".. أجابه فارس بصوت منخفض لم يستطع سماعه إلا القريبين منه بما فيهم الدكتور نفسه: "معلش يا دكتور الطريق كان زحمة شوية، ثم إن دي أول مرة تحصل وأصحى متأخر كده".
- يا فارس أنت لولا إنك من المتفوقين، أنت كنت عارف كويس هعمل فيك إيه.
- آسف يا دكتور.. أوعدك متتكررش تاني.
- تفضل يا فارس اقعد.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 25, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

فارس الحقوقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن