الفصل الثالث

190 12 0
                                    

الفصل الثالث:
"ماذا سنفعل؟!"

عاد للأرض مع الصيف صباها
فهي كالخود التي تمّت حلاها
صور من خضرة في نضره
ما رآها أحد إلّا اشتهاها
ذهب الشمس على آفاقها
وسواد اللّيل مسك في ثراها
*إيليا أبو ماضي*
الصيف، فصل تغزل بسحره الشعراء بأرقى الكلمات، لأنه وببساطة هو أعذب الفصول، يتسلم عرش الطبيعة لمدة ثلاثة أشهر، يرينا فيها كل ما يملك من فنون. هو فصل الحب والعشاق؛ أين تنعش فيه القلوب السقيمة بنسائم الصبا الرقيقة العليلة، وتتفتح قصائد الشعر لتغدو الكلمة الرقيقة على كل لسان.
في الغروب؛ تختفي الشمس بين أحضان البحر بخجل وحياء، لتعطي للرائي مشهدا يخطف الأنفاس بسحره وأناقته، ويمسي هذا الأخير مشدوها بتلك اللآلئ المغرية المصطفة، والتي تلمع في الليل فوقه وسط السماء ذات اللون الأسود المخملي، يتوسطهم القمر متربعا، لا تعيق إنارته غيمة أو ضباب.
درجة الحرارة ترتفع في الصيف؛ في دعوة منها للإنسان إلى معانقة مياه البحر والاستمتاع بدفئها اللطيف، ليطول نهاره مع تلك الشمس الساطعة، والتي تبعث أشعتها الذهبية ببذخ وكرم، ويقصر ليله ليسمح للإنسان بالتمتع بما تقدمه له الطبيعة في هذا الفصل المميز.
استيقظت على صوت طائر النورس يحلق فوقهما، ضغطت جفنيها بقوة قبل أن تفتحهما تواجه نور الشمس، فتحت سحاب السترة التي تلحفت بها الليلة الماضية وخرجت منها تتمطى وتتثاءب، تشعر وكأنها لم تنم بتلك الطريقة منذ أعوام خلت، ورغم آلام رقبتها إلا أنها كانت راضية كل الرضا عن نفسها. اعتدلت في جلستها ونظرت باتجاهه لتجده يغط في نوم عميق يضع يديه تحت رأسه يتوسدها، حاجبين كثيفين لأول مرة لا تراهما مقطبين يليقان برموشه الطويلة وعينيه الكحيلة، وملامح بشرته البيضاء حادة قوية لكنها تليق به بطريقة جذابة عندما يكون هادئا هكذا،  ثم حولت أنظارها نحو اليم العذب الذي يمتد نحو الأفق، هادئ وديع يدعو من يراه إلى معانقته، إلى الغوص في أعماقه واستكشافه، إلى مداعبة تلك المياه الشفافة الدافئة.
دون تفكير؛ بدأت تخطو نحوها، خطوة تتلوها الأخرى، تناست كل شيء في تلك اللحظة، تناست بأنها على جزيرة مهجورة مع شخص غريب، تناست بأن الطائرة قد وقعت ورمت بها في مكان غريب، كل ما تذكرته هو أيام العطل التي كانت تقضيها مع العائلة الكبيرة على الشاطئ، وكان هو دائما حاضرا لا يغيب، يحاصرها كما تحاصرها ذكرياته الآن، ركضت منها نحو الماء؛ هاربة، تحتمي به وتطالبه بضمها، بإزالة تلك الصور التي تهاجمها دون سابق إنذار.
لم تقرب الماء منذ سنين، كانت تهرب منه، تبغضه، تلومه على كل ذكرى كانت لها معه، أما الآن؛ فهي تفر منه إليه تلتمس غفرانه وتنشد مساعدته، تستغيث به لإنقاذها من نفسها؛ لترمي، عندما وصلت إليه، بجسدها بين أحضانه ليربت عليها وعلى آلامها، تتمنى الخروج منه بذاكرة جديدة وفؤاد مستحدث، يخبئ من كان يمتلكه في أقصى ركن منه..
***
نقرات مؤلمة بذراعه ورفرفة غريبة وصوت نعيق مزعج أيقظه من نومه العميق حد الإغماء بفضل التعب، جلس متألما وحاول إبعاد ذلك الطائر الغبي الذي يستمر بالنقر على رأسه وذراعه إلى أن صرخ به حانقا: "أبعد يا غبي"
أفاق أخيرا وفرك عينيه بطفولية، حركة غبية يفعلها كل يوم ولا يستطيع منع نفسه عنها. بعد حوالي الثلاثون ثانية من الفرك تذكر وجود ديهيا فترك وجهه سريعا ونظر قبالته إلا أنه لم يجدها، ونظر إلى النار بذعر لقد انطفأت تماما، لقد كان يأمل في إبقائها مشتعلة كي لا يضطر إلى إشعالها مرة أخرى.
"والأستاذة دي راحت فين على الصبح؟" زفر بحنق وهو ينزع تلك السترة العملاقة من عليه ملقيا إياها على الأرض، لقد كان الجو حارا للغاية ومشمسا بشكل كامل، سمع صوت الطائر المزعج يحوم حوله من جديد، وما إن رفع رأسه كي يصيح به حتى فعل الطائر فعلته وتناثرت الفضلات على وجه مصطفى والجزء الآخر على قميصه القطني.
حبس أنفاسه غير مصدق ما يحدث معه بالمرة، ما هذا الحظ؟ بل ما هذه اللعنة، إنه يتقزز بسهولة تامة وغير مؤهل تماما لتلك الفعلة الشنعاء، ضم كلا من قبضتيه بقوة وطحن فكيه واحمر وجهه بشدة، ومن ثم بدأ بصراخ همجي هيستيري لكل ما يحدث معه منذ أن نزل من  منزله إلى تلك اللحظة البائسة.
خرجت بعد أن قضت أكثر من ساعة في كنف البحر، تستمتع بمياهه اللطيفة، تدندن: "يَا بَحْرَ الْغَامَقْ (عميق) مَاذَا دِّيتْ (أخذت) رْجَالْ وُنَسْوَانْ، شَابَّاتْ وُشُبَّانْ، صْبَيَّاتْ وُصَبْيَانْ.. مَلِّي ادِّيتْ وْخَيّْي (منذ أن أخذت أخي) فَسْفِينْتُو مَا بَانْ (لم يظهر) آوَعْدِي.. يَا بَحْرَ الطُّوفَانْ.. مَلِّي خْـ.." ثم توقفت عندما رأته يقف هناك، ابتسمت بإشراق، وقد جعلتها تلك الفترة التي قضتها في المياه تعود إلى حيويتها ونشاطها، وحيته: "صْبَاحَ الخِيرْ عْلِيكْ.. كِي (كيف) صْبَحْتْ؟ انْ شَاء اللَهْ تْكُونْ رْقَدْتْ مْلِيحْ (جيدا)"
تبتسم، سعيدة، تغني، مبتلة، وهو غارق بفضلات الطائر يحمل هم النيران المنطفئة، فانفجر بها كبركان ثائر: "نمت إيه؟ وزفت إيه؟ إنت عاوزة تموتيني، طالعة رحلة استجمام حضرتك؟ مش حاسة بالكارثة اللي احنا فيها؟ ليه مخدتيش بالك من النار يكون في علمك إني مش هولعها تاني فاهمة ولا لاء؟ أنا مش الخدام بتاع سيادتك!"
حملقت به دون أن يرف لها جفن، مندهشة، لا بل مصدومة من تلك الحمم التي قذفت بها، حركت سبابتها في حركة دائرية بطيئة تطلب منه الإعادة كونها لم تفهم شيئا غير رحلة استجمام وكارثة: "عَاوَدْ (أعد) عَاوَدْ وَاشْ (ما) قُلْتْ وُبْلَعْقَلْ مَا تْعَيَّطْشْ (بهدوء ولا تصرخ) عْلِيَّا قُلْتْهَالَكْ البَارَحَ مَارَانِيشْ (لست) الجَارِيَة اللِّي شْرِيتْهَا مَنْ سُوقْ النَّخَاسَة"
شد شعر رأسه بقوة حتى كاد أن ينتزعه من مكانه وصرخ بها بحنق: "عاااااا صبرني يااا رب" وتوجه ناحية البحر وبدأ في خلع ملابسه ونزل للاغتسال من فضلات ذلك الطائر اللعين.
رمشت عدة مرات وهي تراه يبتعد عنها ذاهبا باتجاه البحر، تصرفاته دائما غريبة، حدثت نفسها بهمس مندهش: "ماذا؟! لم هو غاضب هكذا دائما؟ منذ اللحظة التي رأيته فيها وكل ما رأيته منه هو هذا الوجه الغاضب، ثم ما الذي قمت بفعله ليثير حنقه بهذا الشكل؟.." تابعت سيره نحو البحر بعينيها وأردفت متهكمة "هه، حتى خطواته غريبة وغاضبة مثل وجهه، لا خلاف ولا اختلاف.." ثم عادت وتذكرت شيئا مهما لتلوي شفتيها باشمئزاز وتمتعض ملامحها واستطردت "ولكن؛ ما ذلك الشيء المقرف الذي كان على وجهه؟" قالت تلك الكلمات وهي ترسم دائرة وهمية حول وجهها هي.
خلع قميصه ليظهر جسده العضلي، كان يعطيها ظهره لترى تلك الخطوط التي حول عضلات كتفه، نظرت إليه من رأسه إلى أخمص قدميه تقيس طوله، لم يكن يفوقها طولا كثيرا، عشرة سنتيمترات على الأكثر كانت هي الفارق بينهما، ثم بدأ بخلع سرواله، لتنتبه لنفسها وتصرخ "مَا تَسْتْحِيشْ"  والتفتت بكامل جسدها تغطي وجهها بكفيها، وقد غزته حمرة الخجل من نفسها ومما كانت تفعله، فمنذ حين فقط كان تراقب وبتمعن؛ رجلا، لتضرب نفسها كفا توبخها: "هل جننت؟!".

نظف نفسه بكل ما أوتي من قوة، يكره الأوساخ بشكل غير عادي ومنذ أن قابلها وهى تغرقه بقاذوراتها، غطس طويلا أسفل المياه ورويدا رويدا شعر بالاسترخاء وكأن الماء المالح سحب كل غضبه، صعد على السطح ونام على ظهره والأمواج الناعمة تمرجحه، هدأ تنفسه كثيراً وقرر وضع خطة لذلك اليوم، عليهما بالعيش إلى أن تأتي طائرات الإنقاذ التي يبدو أنها لن تأتي سريعاً.
انتهى من المياه وهو بخير حال فخرج إلى الشاطئ وأخذ قميصه وغسله جيدا ثم ارتدى سرواله فقط، وعاد إليها ونفض القميص المبلول بكل قوته ناحيتها فأغرقها تقريباً، تجاهل شهقتها المذعورة ونشر القميص على الشجرة التي تستظل بها وأخذ ساعته التي كان علقها بعناية فائقة على أحد الفروع.
رفعت شعرها بشكل ذيل حصان كي تتفادى العرق والرطوبة التي تجعله يلتصق بوجهها ورقبتها ما يسبب لها إزعاجا شديدا، يكفيها تلك الغرة التي قصتها مؤخرا تلتصق بجبينها لا تتحرك، جلست تستند إلى الشجرة، ترفع كم القميص القصير إلى فوق وساق الأفرول إلى أعلى قليلا تتمتع بحمام شمس لطيف من جهة؛ ولتجف ملابسها من الجهة الأخرى، تضرب عصفورين بحجر واحد، ليأتي من ينقذ العصفور الثاني ويزيد الطين بلة.
وقفت بغضب تصيح به: "شَفَّافَة أَنَا هْنَا؟!".
نظر لها من الأعلى إلى الأسفل بسخرية، تلك الفتاة باردة وتستفزه لأبعد الحدود، ولكن كل منهما عليه العمل إلى جوار الآخر كي ينجوا، تمتم بإهمال وهو يغلق ساعته: "شوفي حاجة تاكليها ورانا شغل كتير" وذهب بعيداً وجلب ثلاث ثمرات من الجوز وبدأ بشرب المياه وتناول لبها.
ازدردت ريقها مرات متتالية، وهي تراه يعبث بحبات جوز الهند، تحاول تفادي إفراغ ما في جوفها، إلا أنها لم تستطع، فركضت بعيدا عنه لتنهار قواها وتنزل دموعها معها، فمعدتها فارغة طوال الوقت، ولم تأكل شيئا منذ عشاء البارحة، ليأتي هو ويجهز عليها بتناوله ذلك الشيء المقرف أمامها، لم تتعود على هذا من قبل، لطالما كانت تأخذ وجباتها كلها منظمة وفي وقتها المحدد وغير المحدد.
كان يتناول الوجبة بنهم يحاول مضغ ذلك اللب القاسي بقوة إلى أن سمع صوت غثيانها الشديد، ترك ما بيده وذهب ناحيتها يستكشف ما يحدث معها ليجدها على حالها لا تتحرك، شاحبه للغاية تكاد تفقد الوعي، ناداها بحذر:"ديهيا.. ديهيا" زاغت حدقتيها ومن ثم فقدت الوعي تماماً، ارتبك كثيراً وتخلى عن بروده معاها وبدأ بالتوتر "ديهيا.. ديهيا ردي عليا".
احتار في أمره كثيراً ومن ثم تذكر زجاجات المياه، لحسن الحظ وجد نصف زجاجة، سكب القليل لمسح وجهها ومن ثم جعلها تشرب عدة نقاط علها تفيق. بدأت عينُها في التفتح قليلا فاستعاد أنفاسه اللاهثة: "أخيراً؛ أكلتي منها ليه طالما بتتعبك كده؟"
نظرت إليه بنظرات زائغة لتتذكر تلك الصورة الأخيرة التي رأته فيها يأكله بتلذذ، فيعاودها الغثيان من جديد ثم قالت، بعد أن هدأت قليلا، بنبرة باكية: "مَا كْلِيتْشْ، مَا نْحَبُّوشْ، كِي(لما) شَفْتَكْ تَاكُلْ مَا حْمَلْتْشْ(لم أحتمل) و.."
"خلاص خلاص" استوقفها بيده سريعاً "كل ده عشان شوفتيني بس!"وقف بعيداً عنها للحظات وتخصر بكلتا يديه يفكر في تلك المعضلة، فلا طعام على الجزيرة الآن سواه الذي يصيبها بالغثيان لمجرد رؤيته "يا حبيبي" فرك لحيته قليلاً ثم اتجه ناحيتها "حسناً علينا بالبدأ في البحث عن مصدر آخر للطعام، وبما أنك أفرغت معدتك مسبقاً علينا بالبحث سريعاً قبل أن تفقدي وعيك من الجوع والجفاف"
نهضت سريعا وكأنها لم تكن فاقدة للوعي منذ قليل وهتفت بحماس وهي تجره من معصمه: "هيا، هيا، بسرعة شرشبيل، فأنا لم آكل منذ البارحة سوى وجبتين فقط وهذا غير طبيعي"
زاغت عيناه، لقد كاد يفقدها منذ قليل وها هي تركض أفضل من الحصان متحمسة، أمسك برسغها يوقفها عن السير: "أنت اللي هتولعي النار لأنك السبب في إنها انطفت" ونفخ صدره بغرور ذكوري "وأحب أقولك أن أنا تقريباً صياد محترف فياريت تسمعي التعليمات من غير لماضة زي عادتك" ولوح لها بعطف مصطنع "وبما إنك جعانة هعطف عليكي وهخليكي تاكلي معايا النهاردة لكن بعد كده كل واحد مسؤول عن نفسه" وذهب من أمامها يسير بخيلاء بصدره العاري.
رمشت عدة مرات وهي تنظر إلى كائن البوكيمون الغريب الذي أوقعها القدر معه على نفس الجزيرة، همست لنفسها: "رَبِّي يْثَبَّتْ عْلِينَا الَعْقَلْ وَالدِّينْ" ثم صاحت "حَبَّسْ مَا (توقف عن) تَنْفَخْ فِي رُوحَكْ.." وركضت باتجاهه " عَاوَدْ وَاشْ (أعد ما) قُلْتْ يَاوْ مَافْهَمْتْشْ وُأَهْدَرْ كِيمَا (تحدث مثل) النَّاسْ بْلَعْقَلْ (بهدوء) تْقُولْ رَاهُمْ يَجْرُوا مُورَاكْ (وكأنهم يجرون وراءك)"
لوح بلا بنفاذ صبر بالغ: "ليس لدينا اليوم بطولة للكلام، الخلاصة نفذي التعليمات، وكوني فتاة عاقلة"وتركها وذهب ليبحث عن عصى تصلح لتلك المهمة.
لوت شفتيها قائلة بتهكم: "عْلَاشْ رَاكْ تْشُوفْ فَيَّا(لماذا أتراني) مَهْبُولَة مَثَلًا؟!" لتتبعه تستكشف ما الذي يقوم بفعله.
أحضر العصي بعد أن دمر إحدى الحقائب كي يصنع الخيط الخاص بالصنارة نظر لها بفخر: "سوف تتناولين أطعم وألذ سمك بحياتك كلها"
رفعت حاجبا وهي تضحك ساخرة منه: "ومن أين ستأتي لنا بالسمك؟ لا يوجد سمك بهذا الشهر في هذه المناطق".
زفر بحنق بالغ: "محبطة؛ إنتِ إنسانة محبطة" ثم ترك الصنارة من يده ووقف متخصرا "وازاي عرفتي إن المنطقة دي مفيهاش سمك، عاوزة تقنعني أن المحيط ده كله مفيهوش سمكة واحدة العبد لله يصطادها".
هزت كتفيها ببساطة: "لأن المكان الذي نحن فيه الآن هو المحيط الهندي، والشهر هو شهر يونيو، وبسبب هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، يحدث اضطراب في مياه المحيط مما يجعل صيد السمك متوقفا طوال الأشهر الثلاث يونيو، يوليو وأغسطس.." ثم كتفت ذراعيها إلى صدرها وهي تعطيه النتيجة النهائية بعد عرض الأسباب "وبالتالي؛ صيد السمك في هذا الوقت من السنة غير وارد، ولن تجد سمكة واحدة حتى".
شعر بدوار بالغ لبرودتها في إعطائه هذه المعلومات وكأنه سوف يتضور من الجوع وحده ولا علاقة لها بالأمر، تجاهلها وسار إلى الأمام قليلا حيث عدة صخور يمكنه السير عليها والوقوف بداخل البحر، ومن ثم مد صنارته البدائية ونادى عليها: "هيا للصيد يا فتاة".
نظرت إليه وهي تستغربه، شخص مجنون حقا، يتبدل مزاجه بين الفينة والأخرى، إنه أكثر مزاجية منها هي حتى. التحقت به وهي تضحك على طريقته تلك في مناداتها هاتفة: "أنا قادمة يا فتى" وتأخذ الصنارة وتقف على بعد منه، لتصطاد السمك غير الموجود.
تفاجأت بعد خمس دقائق من الصمت والانتظار عدة سمكات ظهرت في المياه وصاح هو بشدة مع الاهتزاز برقصة النصر ومن ثم تكهن عليها بطفولية: "مفيش سمك في البحر ده".
اتسعت حدقتاها وهي ترى السمكات تتراقص أمامها، هي متأكدة من عدم وجود السمك في هذه المنطقة كما هي متأكدة من عدم وجود هذه الجزيرة الغريبة، شيء ما غير منطقي يحدث الآن. التفتت إليه قائلة بتأكيد: "لا يوجد أنا متأكدة تماما من هذا.. ولكن هذا غريب جدا، ما الذي أتى بها هنا؟.." ثم هتفت مدعية اللامبالاة "هيا، أرني مدى حرفيتك للصيد، أنا أتضور جوعا ولن أقبل بأقل من خمسين سمكة".
حرك كتفيه بحركة دائرية كتلك التي يفعلها أبطال السباحة لتمرين عضلاتهم قبل الغوص، ثم أمسك بعصاه ورمى الطعم الذي هو عبارة عن قطعة من جوز الهند، بينما ابتعدت هي عنه قليلا لتجد المزيد من السمك يظهر من العدم ويتجمع حولها، لتفعل مثله وتبدأ مرحلة الانتظار الممل.
مرت نصف ساعة؛ فساعة؛ فاثنتين، ولم تقترب أي سمكة من تلك السمكات، التي تلف وتدور حول الصنارة، وتقبل بتناول الطعم، وعندما اقتربت واحدة من صنارة مصطفى، الذي اتسعت حدقتاه فرحة وتيبس جسده كتمثال من الشمع لا يتحرك كي لا يخيفها ويترك لها الفرصة للأكل، بمجرد أن اشتمت رائحته ارتدت على  دبرها وانسحبت من أمامه، ليزفر هو بيأس وتهز ديهيا رأسها خيبة من فشلهما الذريع في الاصطياد، حتى السمك يأبى تناول جوز الهند المقرف ذاك، فكيف يتناوله هو؟.
هتفت وهي تلوي شفتيها: "أُووفْ، عْيِيتْ(تعبت) أَنَا وَكْرَهْتْ، الشَّمْسْ دَوْخَتْنِي مَن الْفُوقْ، السّْخَانَة(الحرارة)، الوَاحَدْ حْوَايْجُو لَسْقُو فِيهْ(ملابسه التصقت به)، ونْتَا مَازَالَكْ تَبَّعْ فِي "طُرُقُ العَيْشِ فِي البَرِّيَةِ التِّي اتَّبَعَهَا إِنْسَانُ الكَهْفِ" نَقُّعْدُوا نْهَارْ كَامَلْ هَكَا(هكذا) وَاقِيلْ؟" ثم تركته متذمرة وانتقلت إلى مكان جديد تجرب طرقا جديدة تبتكرها هي وحدها.
نفخ بتعب: "فرفورة" ونزل إلى المياه بحذر، عندما ابتعدت، وسط الأسماك التي أقسم على الإمساك بواحدة منها حتى لو ألزمه الأمر فعل ذلك بيديه العاريتين. محاولة أولى، وثانية، فثالثة جعلته يمسك بإحداهن، والتي ما إن استعد لإطلاق صرخة الانتصار، حتى انزلقت من بين يديه ومحاولة استعادتها جعتله يكب على وجهه ويبتل جسمه من جديد بعد أن كان قد جف لتعرضه للشمس، استعاد توازنه بسرعة واستدار ليرى تلك التي تضع يدها على فمها كي لا تضحك ليهتف بصوت عال: "اضحكي اضحكي بلاش تتخنقي" لتتعالى قهقهاتها في المكان ويبتسم هو الآخر بمرح ابتسامة خفية، فهي محقة، هذا الأمر متعب جدا، ثم عاد إلى محاولاته مرة أخرى دون أن ييأس.
وبعد حرب دامت نصف ساعة أخرى، تمكن أخيرا من رشق العصا التي بيده بإحدى الأسماك، وحالما أمسكها صرخ بقوة وفرح غير عادي: "عااااااا المصريين أهما.. حيوية وعزم وهمة.. المصريين أهما حيوية وعزم وهمة" ثم أطلق صرخة مدوية في الفضاء الشاسع كتلك التي يطلقها طرزان في الغابة؛ والتفت يبحث عنها كي يتفاخر بالسمكة التي أمسكها، والتي لا يتجاوز حجمها كف يده.
كانت هي تبحث بين الصخور، تجرب طريقتها الجديدة حينما سمعت صرخاته تعلو، لتلتفت وتجده يرقص ويغني، اتجهت نحو ببطء، وبمجرد استدارته انتفض عندما رآها تحدق به ويديها وراء ظهرها، تمد رقبتها ونصف جسدها العلوي نحوه وعينيها العسلية المفتوحة على آخرها تتساءل لم يصرخ؟ فيجيبها بفرح وهو يشير إلى تلك السمكة: "بصي دي.. مش بقولك إني صياد محترف.. عدي الجمايل بقى"
سألته باستهجان وتهكم: "الحَرْبْ وَالعْيَاطْ (الصراخ) كَامَلْ اللِّي عْمَلْتُو عْلَى جَالْ (من أجل) هَادْ السَرْدِينَة؟" ثم أخرجت من ورائها عصاتها مرشوق بها أربع سرطانات بحر كبيرة تكفي وتفيض لاطعامهما ثلاث وجبات مشبعة.
خرجت عيونه من محاجرها هامسا: "إزاي؟"
هزت كتفيها بكبر وهي تشير إلى جوز الهند: "عْلَى حْسَابْ الشُّوفَة(يبدو أن) السَّلْطَعُونْ يْحَبْ جُوزْ الهَنْدْ دْيَالَكْ (خاصتك)، كِي(عندما) كُنْتْ نَرْمِي فِيهْ فُوقْ الَحْجَرْ خَرْجُوا يَاكْلُوهْ، خُفْتُه يْعَضْنِي دَخَّلْتْ(رشقت) فِيهْ الصَنَّارَة دْيَالَكْ هَادِي وَاحَدْ مُورْ خُوهْ(وراء أخيه).." نظرت نحو العصا وأردفت "عْلَى حْسَابْ الشُّوفَة صَنَّارْتَكْ تْصَيَّدْ كِيمَا(مثلما) تْحَبْ هِيَ مَاشِي(وليس) كِيمَا تْحَبْ نْتَا.." ثم تأملت سمكته الصغيرة تلك واستطردت "السَرْدِينَة دْيَالَكْ هَادِي تَبْدَا تَاكُلْهَا تَخْلَاصْ(تنتهي)، تْحَبْ نْوَكْلَكْ(أأكلك) مْعَايَا شَعَّلْ النَّارْ.. أَنَا مَا نْشَعَّلْشْ" وذهبت من أمامه وهي تتبختر في مشيتها وتتمايل معجبة بنفسها وبما قامت به؛ ولسانها يغني بصوت عال: "يَحْيَاوْ وْلَادْ بْلَادِي وْيَحْيَاوْ بْنَاتْ بْلَادِي وَشْنَانَا فَالحُسَّادْ(رغما عن أنف الحاسدين).. أَحْنَا وْلَادْ الجَزَايَرْ خَاوْة(إخوة) فِي كُلْ بْلَادْ" ثم تنفجر ضاحكة على منظره المندهش، فقد انقلب السحر على الساحر.
قوس حاحبيه بغضب بالغ وزمجر يتبعها بالمسكينة أو "السردينة" مثلما تلقبها هي: "ده اسم حظ المبتدئين يا هانم متفرحيش بنفسك كدا" لتتعال ضحكتها أكثر وأكثر.
أوشكت النيران على الخروج من أذنيه، لقد نال منه التعب والجوع بعد كل تلك المحاولات الفاشلة التى مني بها، لكن غيظه من أنها السبب في إطفاء النار لم يذهب بعد، وليس لأنها أمنت له وجبة الغداء والعشاء بينما هو لم يستطع.
ذهب خلفها ينهب الرمال أسفل قدميه: "أمسكي" ناولها سمكته المرشوقة بالصنارة بغيظ وبدأ في المهمة الثقيلة على قلبه للغاية، مرة بعد مرة، محاولة فاشلة بعد الأخرى، ولا شيء، هل يتبعه الحظ السيء إلى هنا؟!.
تنهدت بملل "إِذَا الحُوتْ وْصَيَّدْنَاهْ، وُإِذَا النَّارْ مَا شَعْلَتْشْ.. دُورْكْ(الآن) يَفْسَدْ وُشُوفْ وَاش(ماذا) نَاكْلُوا مَنْ بَعْدْ".
كان جبينه يتصبب عرقا بالفعل، كز على أسنانه محاولا كبت حنقه منها وأخيراً خرجت الشرارة من الحجارة وتمكن من إشعال بعض الأخشاب ليتنفس بعدها الصعداء، وتلوي هي شفتيها هازئة: "تم إعداد القنبلة بنجاح"
لوح لها بغضب: "اتفضلي بقى وريني هتسويهم ولا هتحرقيهم"
تلاعبت بحاجبيها تزيد من إغاظته: "نَحْرَقْهُمْ.. وُإِذَا كُنْتْ شَاطَرْ أَدَّنَا لِيهُمْ(اقترب منهم)" ثم بدأت في شويهم كما اعتادت، أو في الحقيقة كما علمها ذلك الغائب بجسده الحاضر بروحه في عقلها وقلبها، تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وما إن تطقطق إحداهما مقصاتها حتى تصرخ وتقفز خوفا، إلى أن انتهت مما تفعله ونادته ببراءة "شَرْشَبِيلْ، الَفْطُورْ رَاهُو وَاجَدْ أَرْوَاحْ" متناسية أنها قد حذرته من الاقتراب منهم.
نظر لها بطرف عينيه: "عاوزة إيه مني ترجمي"
"الغداء جاهز تعال"
وقف يتحدث مع نفسه بهمس غاضب: "عشان رشقت كابوريا على عصايا وحطتهم قدام النار شويا فاكرة نفسها طبخت غدا" وأردف "هنشوف طبخك ياست داهية" وابتسم لها بسماجة متعمدة.
وضعت أمامه سرطانتين وأخذت سردينته وأكلتها، ثم بقيت تنظر إليه، سألها: "عاوزة إيه؟ متاكلي"
هزت رأسها نافية: "لا أعرف كيفية أكلها دون المقص والملعقة الخاصة بها"
رفع عينيه إلى السماء بتذمر: "الصبر من عندك يا رب، حاضر يا آنسة داهية هفصص لحضرتك، أتمنى بس الإقامة تكون عاجبة سيادتك"
وبدأ بمناولتها قطعا من السرطان التي تفاجأ لكونها لذيذة للغاية رغم غياب الملح والتوابل، إلا أن تلك السرطانات كانت بالفعل قاسية للغاية، أقسى من العادية التي اعتادها، ولم تكن لتتمكن من كسرها بدون الأدوات اللازمة.
لمعت عينيها بفرحة تشكره متجاهلة "داهية" التي يلقبها بها، ذلك لأنها هي الأخرى تناديه "شرشبيل" فهما متعادلان في هذه النقطة: "شكرا لك حقا، لم أتعود على ذلك ولا أعرف كيف، وعندما كنا نقوم بذلك على البحر كان هشام هو من يقوم بتجهيزه لـ.." ثم قطعت كلامها وقد انتبهت إلى أنها قالت أكثر مما يجب.
توقف فجأة عما كان يفعل ونظر لها مبحلقا، هذه ليست أول مرة تذكر اسم هشام، رغما عنه شعر بانقباضة في صدره، ليست غيرة بالطبع، فهو بالكاد يعرف اسمها الأول، إنه لا يعلم حتى سبب رحلتها، ولكنها قبضة مؤلمة وغزت قلبه، ليست غريبة عليه بالمرة، ودون أي مقدمات سألها: "مين هشام؟"
تيبس جسدها، وتوقفت حركتها، لسانها الذي لا تتحكم فيه دائما يوقعها في المصائب، ولكن لم تكن تتوقع أنه سيزل في هذا الموضوع بالذات، استعادت حيويتها وأنزلت عينيها تأكل كي لا تقابل عينيه، وهتفت بمرح وهمي: "ابن عمي رحمه الله"
لكمة وجهت لمعدته، ذلك الألم الذي أفقده شهيته "رحمه الله" الآن فقط علم لم شعر بأن ذلك الألم مألوف للغاية، تمتم بهدوء دون أن ينظر لها: "رحمة الله عليه"
ازدردت ريقها بألم وهي تستعيد شخصيتها القديمة وتسأله ضاحكة: "ها، لم تقل لي ما رأيك في السرطانات؟ لذيذة أليس كذلك؟ أنا أنافس أشهر الطباخين في العالم أعلم بذلك".
هز رأسه وهو يضع باقي الطعام للعشاء: "أجل أجل بالطبع" حك أنفه يعلم أنها تتهرب من الموضوع يبدو مؤلما "والآن بما أنك الأجدر في هذا المكان هل وجدتي حلا لمشكلة المياه؟".
مطت شفتيها أمامها وهي تهز رأسها نافية: "لا لم أجد، هنا تكمن المعضلة الكبرى، وما تبقى لا يكفينا في الحقيقة".
تأملها قليلا، ألمها الطاغي جعلها تتحدث الفصحى ولا تعانده كعادتها فناداها: "ديهيا أنا عارف إنه مش ابن عمك بس، لو حسيتي أنك عاوزة تتكلمي أنا موجود" ولوح بكفيه في الهواء "يعني محدش هنا غيري".
ابتسمت بهدوء لتجيبه مشاكسة على الجزء الثاني فقط: "عَلَى كُلّْ حَالْ، كَايَنْ(يوجد) أَنَا وَنْتَا وْرَبِّي مْعَاَنا نُخُرْجُوا مَنْ هَادْ المُصِيبَة"
نفض يديه: "أنا هروح أجيب جوز هند عشان عطشان اشربي انتِ المايه اللي عندك"
صاحت بتذمر: "هَذَا جُوزَ الهَنْدْ اللِّي رَاحْ تْخَرَّجْلِي قَلْبِي بِيهْ، اِرْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، أَرْحَمْنِي يَا بْنَادَمْ"
ذهب بعيدا يبحث عن إحدى حبات الجوز كي يشرب، وجد اثنتين وفتحهم وشرب ما بداخلهم ومن ثم استند إلى إحدى الأشجار يشعر بإرهاق بالغ، لقد وافق على السفر خصيصاً رغم كرهه الواضح للطائرات كي لا يفكر، كي يبدد الوقت والانتظار الذي لا نهاية له، راقب السماء، ليست صافية تماما بها بعض الغيوم، زرقاء مريحة للعين إلا أن منظرها الهادئ آثار القلق بقلبه ولم يبث به ذرة واحدة من الهدوء، فلا أثر لأي طائرة إنقاذ أو طائرة عادية حتى تمر من هنا، ضرب رأسه في الشجرة للخلف عدة مرات متتالية وأغمض عينيه بتعب بالغ مستسلم لدوامة الذكريات وتركها تبتلعه إلى ظلامها المعتاد.
***
تركها وذهب لتقعد هي على الشاطئ قبالة اليم، الشيء الوحيد الذي أصبحت تقابله عدا مصطفى، تراقب الموج الذي ينكسر عند وصوله إلى قدميها، لطالما جلست بهذه الطريقة معه أيام الرحلات الصيفية، لا يتحدثان إلا قليلا، فقط يراقبان الموج المنكسر، يباغتها أحيانا بجمل متقطعة كـ "هل سيكون لنا نصيب يوما ما في عبور هذا البحر إلى الجهة الأخرى؟" ثم يسكت ويردف بعد برهة "أم سنطلِّق هذه الدنيا بالثلاث قبل أن نستطيع تحقيق ولو جزء صغير من حلمنا معا".
كان الموت حاضرا دائما على لسانه وبين كلماته وإن لم يبح بها، تستشفها هي وتقرأ ما بين سطور أحاديثه، تفهمه من نظرة واحدة، تلك النظرة التي كثيرا ما احتوت على الألم في أقصى زاوية منها، كان يريدها وكانت تريده، إلا أن إرادة الله تغلب، ليجيء يوم وفاته بغتة غير منتظرة، ويذهب تاركا إياها وحيدة تحاول جاهدة مداواة جرحها النازف الذي خلفه رحيله، وها هي تعود إلى تلك الذكريات التي فتحت بيديها جرحها وعبثت به ليؤلمها من جديد، وكأن كل ما مر وكل ما تمنته ذهب أدراج الرياح.
اشتد الألم يعتصر صدر مصطفى بقوة ففتح عينيه، عليه بالتركيز أكثر، عليه بألا يفقد الأمل أبدا ليس من أجله بل من أجلها هي تلك الفتاة التي تبتلعها دوامة الذكريات مثله تماماً، ذهب نحوها بخطى بسيطة وتنحنح بهدوء كي ينبهها لوجوده، أشار على كلمة Help بالخط الكبير التي حفروها البارحة: "ما رأيك بالذهاب والسير على الكلمة مرة أخرى كي يتضح الخط"
رفعت رأسها نحوه بعد أن عادت من تلك الحقبة الزمنية التي رميت فيها بسبب وحدتها مجددا، وهزت رأسها موافقة واستقامت لإعادة رسم الكلمة من جديد.
"أما أنا، فسوف أبدأ بجمع الأخشاب اللازمة لصنع شيء يحمينا من تلك الشمس الحارقة كي لا نصاب بضربة شمس أو الجفاف، خاصة بندرة المياه إلى هذه اللحظة"
"!SIR YES SIR" قالت تلك الكلمات ترفقها بتحية عسكرية وهي تضحك.
ضرب قدمه في الأرض وأدى التحيه العسكرية: "هيا إلى الكتيبة خاصتك أيها المجند"
هتفت وهي تسير نحو موقعها كالجندي: "إلى الأمام سر.. واحد، اثنين.. واحد، اثنين" لترتفع قهقهاتهما معا في آن واحد.
هز رأسه؛ لا أمل من تلك الفتاة، تدعي اللامبالاة ولكنها بالتأكيد تخفي شيئا ما يجعلها تدعي طوال الوقت عدم الاكتراث، نظر إلى الأخشاب وفروع الأغصان المتراميه بكل مكان على ذلك الشاطئ، من الجيد أن لديه هوس بمتابعة البرامج الوثائقية المتعلقة بصراع البقاء في الأدغال وما شابه، عليه ببناء كوخ يحميهما من تلك الشمس الحارقة.
انتهى من تجميع الأغصان ومن ثم صرخ عليها بصوت عال: "حالما تنتهين مما تفعلينه تعالي لمساعدتي"
هزت رأسها بنعم وهي تبدأ في إعادة الحفر بينما الأفكار تعصف برأسها، بين الثانية والأخرى تبدلت أفكارها وانتقلت من تلك التي تتمحور حول هشام، إلى تلك التي تعيشها حاليا، وجودها في جزيرة نائية مع شخص غريب عليها تماما، لا تعرف عنه شيئا، وليس حتى من أبناء بلدها بل هو من بلد آخر أيضا، لا يفهمها ولا تفهمه، نامت ليلتها الماضية دون أن تنتبه إلى أنها تنام مع رجل، نسيت كل الموضوع، ظنت أنها في حلم ستستيقظ منه إلا أنها تأكدت أنه حقيقة عند استيقاظها صبيحة اليوم.
تشعر معه بالأمان والخوف في نفس الوقت، الخوف من تواجدها معه لوحدها، والأمان لأنه الوحيد الذي باستطاعته حمايتها إذا ما حدث شيء ما، فمهما كان خوفها كبيرا إلا أن أمانها أكبر، فما رأته منه البارحة يجعلها تأتمنه على نفسها، إذ أنه لم يقترب منها رغم خلو الجو لفعل ما يريد، فلو كان شخصا سيئا لاغتنم الفرصة لذلك، وهي الأخرى من جهتها تدعي اللامبالاة والبرود بينما قلبها في الداخل ينتفض خوفا، تحفظ المسافة بينهما إلا أنها ما تزال خائفة.
انتهت من العمل واتجهت إليه تتساءل: "لقد انتهيت، بم يمكنني مساعدتك؟"
أشار لها بعيدا: "اجمعي المزيد من الأغصان وأوراق النخيل العملاقة تلك، سوف نحتاج إليها لبناء سقف"
اتجهت تجمع ما طلبه، تدور هنا وهناك، تلم كل ما تجده أمامها، ليبدأ الاثنان العمل علي ذلك المشروع بجدية وإتقان، وكانت ديهيا تتبع تعليمات مصطفى دون معاندة كعادتها، وهو الآخر نسي الخلاف القائم بينهما وأصبح الجو محببا بين الاثنين، أما لحظات الصمت، فكانت تنطوي على المزيد من التفكير في المستقبل والماضي. كل منهما لديه شيء يؤلمه بالماضي، ويتشاركان في الخوف من مستقبل مجهول، عليهما العمل للحصول على أبسط الأشياء في هذا المكان، حتى شربة الماء لا يعلمون كيف سوف يتحصلون عليها.
بعد عدة ساعات من العمل الشاق، انتهى الاثنان من صنع سقف منخفض يحميهما من أشعه الشمس، أما جدران ذلك الكوخ العجيب فقد أجلها إلى وقت لاحق، نفض مصطفى يديه: "يكفي عمل على ذلك الشيء، لن نحترق في الصباح، أشعر بجوع شديد ما رأيك بتسخين تلك السرطانات الرائعة شيف ديهيا؟"
اعتدلت وهي تذهب لغسل يديها عند الشاطئ، وهتفت من مكانها بصوت عال: "سأغسل يداي فقط وأحضر، ضعهم على النار ريثما أعود"
أمد النيران، التي بدأت تخبو، بالمزيد من الاخشاب وقام برشق العصا في الرمال بمكان قريب من النار ومن ثم ذهب هو الآخر إلى البحر وتقابل الاثنان في منتصف الطريق، لوح لها بتحية عسكرية مرهقة مثله، وحينما وصل خلع سرواله وقميصه ونزل للاغتسال، ومن ثم صعد وارتدى سرواله فقط وعاد إليها يجفف شعرة الكثيف والطويل بيديه: "هل انتهيت من التسخين؟" لم تنظر له ولاحظ احمرار وجنتيها الشديد سألها بعجب "مالك؟" ثم لاحظ أنه عاري الصدر، فتراجع وارتدى ثيابه سريعا "آسف؛ بقالي سنين عايش لوحدي واتعودت أمشي كده"
ابتسمت بهدوء والاحمرار الذي جعل وجنتيها كثمرة طماطم طازجة يبدو أنه لن يفارقها لما تبقى من الليل: "لا عليك، أستطيع تفهمكم أيها الشباب، فماسي يسير هكذا منذ بداية الصيف إلى بداية الشتاء"
التوى فمه بسخرية، ماسي؛ حقا ماسي؟ زوجها أم خطيبها هذا الماسي؟ اسم مائع مثل صاحبه، تبدو في منتصف العشرينات ترى هل هي متزوجة وقبل أن يلجم لسانه: "هل أنتِ  مخطوبة؟" فلا حلقات بيدها ربما تكون سقطت منها بالبحر.
تجمدت يداها عند سماعها لسؤاله، ليرن ذلك الصوت مجددا في أذنيها، قهقهاته تتعالى وهو يطلب منها حضنا بريئا فترفض بتعنت يلازمها، ليقول وهو يغمزها "ألسنا مخطوبين وعلى وشك عقد القران بعد يومين من الآن!" مخطوبة ومخطوبين، كلمتين أزالتهما من قاموسها، لا بل اقتلعت تلك الصفحة كي لا تجد اسمها بين سطورها مجددا. هزت رأسها نافية: "ماسينيسا هو اسمه الحقيقي، إنه أخي الصغير، يصغرني بتسع سنوات"
احمر وجهه، غبي متسرع وما شأنك أنت بها؟ حاول تذكر اسم أخيها: " ما ماساساني أخوكي لسه بيدرس؟"
غصت، وبدأت في السعال، ماساساني! زمت شفتيها كي لا تضحك إلا أنها لم تستطع كتم ضحكتها التي ارتفعت عاليا غير قادرة على إيقافها، قالت من بين ضحكاتها: "ماسا.. ماساساني؟! لا شيزوكا أفضل.. آخ لو يسمعك تحرف اسمه هكذا.. وكأنك تقول اسما يابانيا خالصا.. اسمه ماسينيسا وهو اسم ملك أمازيغي، أو لأسهلها عليك قل "ماسين".. وأجل هو في السنة الثالثة في كلية الطب"
هز رأسه بتفكر "ما شاء الله ما شاء الله، أنا عاجبني أوي اسم مآسي لاني مش عارف انطق حاجة تانية من اللي قولتيها، بس لو مش بتطفل عليكو يعني باباكي سماكي داهية وأخوكي مآسي، ليه كده مع إن الأطفال أحباب الله يعني؟!"
إلى هنا وكفى، ضحكت كما لم تضحك من قبل، إنها أول مرة تضحك بهذه الطريقة، أول مرة تقابل شخصا يحرف اسمها واسم أخيها بهذه الطريقة، ديهيا وماسي تحولا لداهية ومآسي، حاولت تهدئة نفسها إلا أنها لم تستطع، فكيف ستشرح له قصة هذين الاسمين؟ هذا كله بسبب والديها، قالت وهي تلتقط أنفاسها: "بابا وماما دكاترة في التاريخ في الجامعة، وهما عاشقان للأسماء الأمازيغية القديمة، قبل ولادتي قررا تسميتي بديهيا، الملكة ديهيا أو كما سماها العرب آنذاك الكاهنة، هي ملكة أمازيغية شديدة البأس وشجاعة جدا، حيث كانت تدافع مع الجنود عن أرض أجدادها، أما ماسينيسا فأنا من اخترته له من بين عدة أسماء أخرى، وهو اسم مؤسس مملكة نوميديا وأول ملوكها"
أشار لها غير مصدق: "تعملي في أخوكي شقك كدا؟!" وضرب كفيه ثم ابتسم لها "أتمنى ألا تكون أثرت تلك الأسماء عليكما أثناء الدراسة"
"شقك؟" تساءلت باستغراب وأردفت "لا في الحقيقة، ماسينيسا لم يواجه مشكلة فاسمه معروف، بينما أنا كنت غالبا ما أعطي الاسم الآخر للملكة، فهي معروفة باسم الكاهنة"
شرح لها وهو يكسر صدفة السرطان القوية ويناولها قطعا من اللحم: "كلمة عامية تعني شقيقك.. الكاهنة؟ أشعر بأن هذا أسوأ من داهية حتى"
"أها.. لا بالطبع لا، حسنا، الكاهنة تمت تسميتها بذلك الاسم بسبب ما كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوال قومها، ما جعلها تتولى عرشهم، وهذا السبب الذي ذكره ابن خلدون، إلا أن العرب آنذاك اتهموها بالسحر والشعوذة، بينما هي كانت تملك من الجمال والدهاء ما لم يملكه أحد حينها.." ورفعت حاجبها فخرا واعتزازا بهذا الاسم، وأردفت" واسم ديهيا بالأمازيغية يعني جميلة وامرأة شجاعة" ثم رمشت بعينيها طويلة الأهداب "مثلي تماما.. اوه، تبا لتواضعي"
ضحك عليها كثيرا ومد يده بقطعة من اللحم الأبيض: "محسوبك مصطفى مشهور بـدرش" وغمز لها وهو يضحك، تردد قليلا ثم تحدث عن نفسه "أنا مصور، تعاملت مع مجلات كبرى وكنت ذاهبا لتغطية حدث بسدني"
تعالت ضحكاتها: "أعتقد أن شرشبيل أفضل من درش"
وضع أرجل السرطان بين فكيه وقسمها: "أحيانا يضطرني العمل إلى السفر كل عدة أشهر، أحب السفر بالطبع لكني أعاني من مشكلة مع المرتفعات" وتكهن على نفسه وهو يكسر قطعة أخرى بفمه "أراهن أنك لم تلاحظي"
"أو لا.. أبدا، لم ألاحظ شيئا أبدا؛ بتاتا؛ نهائيا" وابتسمت بسماجة وكأنها تذكره بما أصابه في الطائرة ثم أردفت "هذا رائع، أنا أيضا أحب التصوير، لقد درسته في سيدني لأنني أعشقه، وكذلك لأن هشام هو الآخر كان يحبه، فيمكنك القول أنه نقله إلي، وأنا شاكرة له حقا لذلك، فبفضله أصبحت لا أستعين بخبير لالتقاط صور أعمالي، أقوم بها لوحدي، وكذا عند السفر وما إلى ذلك، أقوم بالتقاط صور تذكارية"
مضغ الطعام بملل: "أهو هشام نفسه.. ابن عمك أم هشام آخر؟"
توقفت عن الأكل ورفعت عينيها نحوه: "ومن أخبرك بأنني أعرف كل هشامات الجزائر؟"
ضم شفتيه بحيرة: "لقد أخبرتني أنه فارق الحياة"
تنهدت: "أجل، كان يكبرني بثلاث سنوات، وكان مولعا بالتصوير منذ الصغر، وانتقل شغفه لي بعد ذلك لأصبح أنا الأخرى مولعة به.." ثم رمشت كي تستطيع حبس تلك الدمعة التي تحاول إيجاد سبيل للهرب "إلا أنني لم أُرِهِ كيف احترفته مثله تماما.." ثم سكتت، وضعت ما كانت تحمله يداها واستطردت " شكرا لك على الأكل، الآن جاء دوري في التعريف عن نفسي، اسمي ديهيا حماد، أعمل في سيدني مهندسة ديكور"
تنهد بإحباط وترك ما بيده هو الآخر: "آسف لإثارة هذه الذكريات، يبدو أنكما كنتما مقربين للغاية، وبالمناسبة اسم والدك شائع جدا في بلدي قد أناديك بإبنة العم حماد"
هزت كتفيها: "لا عليك، الذنب ليس ذنبك.. لا حماد هو اسم العائلة، اسم والدي فؤاد"
أشار لها بسرعة: "وهذا أيضا اسم شائع"
زمت شفتيها إلى أن أصبحت على خط مستقيم واحد وقالت:" وهل هذه الأسماء حكرا عليكم؟ فاسمك شائع أيضا في الجزائر، ولكن بدون تلك الدرش طبعا"
"هذا ليس قصدي، صراحة أول مرة أتعامل مع أحد من سكان المغرب العربي، لي أصدقاء من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والسعودية ولم أشعر يوما بغرابة الأسماء، لذا ظننت أن الأسماء لديكم بالجزائر معقدة"
زفرت بملل: "وهل نحن قادمون من زحل؟ نحن بشر أيضا وأعتقد أننا مسلمون وعرب أيضا، وبالتالي لا نختلف عنكم في شيء، فقط ربما في بعض الأشياء التي ينفرد بها سكان المغرب العربي أجمع، إلا أننا وإن كانت أصولنا أمازيغية، فنحن ننتسب إلى العروبة أيضا، وبالتالي فالأسماء مشتركة"
تنهد: "حسناً أحدهم أخذ الأمر على محمل الجد، ما بك ديهيا إنه مجرد حديث ليس إلا"
قلبت عينيها: "لم آخذه على محمل الجد، ولا حتى بشكل شخصي، إنما هذه النظرة أو هذا الكلام عموما دائما ما يوجه إلينا ولا أعرف السبب"
رفع كفيه معتذرا: "حسناً أعتذر آنسة ديهيا إذا ما ضايقتك بشكل أو بآخر" ونظر إلى السماء برهة "أعتقد أن علينا الجلوس أسفل سقف الكوخ، اجمعي الباقي من الطعام"
نظرت إليه بعدوانية ظهرت عليها في تلك اللحظة بالذات، يقول عليها ما لم تقله أو تشعر به أو حتى تلمح إليه، ضايقتك؟ وهل هذا ما فهمه؟ نهضت بعنف تقوم بفعل ما قاله وهتفت: "أُقْعُدْ وَحْدَكْ تَحْتُه"
وابتعدت مقدار ثلاث خطوات تاركة إياه يأخذ الحقائب ويضعها أسفل السقف، وما كاد يلتفت ليرد عليها حتى انهال المطر عليهما بقوة، وكأن أحدهم سكب من الأعلى دلوا من المياه، لطم مصطفى وجنتيه وهو يصرخ: "لااا النااار"
كادت مقلتيها تخرج من مكانها، لقد انطفأت النار التي قضى ساعة في إشعالها، نظرت إليه، وهو يلطم ويصرخ، شاعرة بالأسف عليه وعلى نفسها أيضا، فمع نزول المطر، سيتجمدان بالفعل.
ذهبت راكضة تدفع به للاحتماء تحت ذلك السقف، ثم ناولته السترة التي لبسها في الليلة الماضية: "أَلْبَسْ هَذِي قْبَلْ مَا تَمْرَضْ" ولبست هي الأخرى سترتها وقد تبللت ملابسها بالكامل.
ضم ركبتيه إلى صدره ينظر إلى النار التي انطفأت بحسرة، مسح وجهه من المياه ليتذوق عذوبتها، فالتف إلى ديهيا سريعاً: "أين زجاجات المياه الفارغة؟"
رفعت حاجبيها وأشارت إليها خارج ذلك السقف: "إنها هناك، لم؟"
ذهب سريعاً لجلبها وملئ القنينات الأربع وشرب اثنتين بنهم وأعطاها هي الأخرى اثنتين: "اشربي بكثرة، أريد الأربع القنينات مليئة للغد" هزت رأسها سريعا وامتثلت لأوامره فقد كانت هي الأخرى تشعر بالعطش.
اغتسل مصطفى بالمياه العذبة وشرب مرة أخرى ثم عاد إلى أسفل الكوخ وعبث بالحقائب إلى أن وجد قميصا جافا ارتداه على عجالة، جلس يراقب الهطول الشديد للمطر، هل يعقل أن توجد حياة على هذه الجزيرة؟!.
جلس الاثنان أسفل الأمطار المتساقطة إلى جوار بعضهما البعض، نظر مصطفى إليها، كان الجو حميميا للغاية أسفل سقف الكوخ الذي يقيهما من المياه، عدا بضع ثقوب تفاديا الجلوس تحتها.
بدأت هي تدندن بصوت مكتوم سرعان ما خرج للعلن، صوت عذب متألم، ينم عن خوف ووجع صاحبته، أغنية لطالما رافقتها في لياليها الوحيدة الموحشة في بلاد غير بلادها، مع أناس غير أناسها، غريبة عنهم وغرباء عنها مهما كانت درجة قربهم لبعضهم البعض:
"آ نُجُومَ اللِّيلْ مْعَاكُمْ سَهْرَانْ..
آ نُجُومَ اللِّيلْ مْعَاكُمْ سَهْرَانْ..
مَا عَنْدِي لَا حْبِيبْ لَا وَالْي، مَرْمِي فِي البُلْدَانْ..
مَا عَنْدِي لَا حْبِيبْ لَا وَالِي، مَرْمِي فِي البُلْدَانْ.."
زفر مصطفى بضيق والتفت إليها: "هو حضرتك مفيش حاجة على لسانك غير الغنى ده؟! يا بنتي اسكتي شوية أنا مصدع"
التفتت إليه بهدوء تحدق به لوهلة ثم عادت لوضعيتها وأردفت:
"كِي نْشُوفَ(عندما أرى) الدِّيَارْ، بَضْيَاهُمْ ضَاوْيِينْ(بأضوائهم المنارة)
اللِّيلْ مْعَ النْهَارْ، عِبَادْهُمْ زَاهْيِينْ(قاطنيهم فرحين)
وَأَنَا دْمُوعِي أمْطَارْ، عْلَى خْدُودِي جَارْيِينْ (كجريان الماء في الأنهار)
غَابُوا لِي الأفْكَارْ، مَحَبَتْهُمْ بَرْدَتْ
خَلِّيتْ (تركت) بْلَادِي، وَدْخَلْتْ لَبْلَادْ النَّاسْ
اتَكْوَاوْا (كُوِيَتْ من الفعل كوى) أَكْبَادِي(جمع كبد)، اللِّيلْ وَالنْهَارْ حَوَّاسْ(باحث/سائح)
هَايَمْ (هائم) وَأنَّادِي، صَبْرِي قْطَعْ لِيَاسْ (اليأس)
الَفْرَاقْ وَالْبِعَادِ، بِهُمْ حَالِي مَشْيَنْ"
أكملت دندنتها وصمت ذلك الجالس بجانبها يستمع إلى الكلمات فهي تصف حالهما بدقة شديدة، بل وتصف حالها بشكل خاص.
شرد قليلاً في مشاهدة الأمطارثم راقبها وهي تغني شاردة في عالم آخر بعيد عن جزيرتهما المعزولة عن العالم، بعالم خاص بها. ترى ما هي قصتها؟
وهل عقلها الشارد بعيداً يفكر بآخر رحل عن عالمهم لكنه أبى الرحيل عن قلبها؟!.









حبيت داهية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن