البرنامجُ اليومي لسعادة

49 4 0
                                    

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله 😊

إذا صحـوت مـن نـومـك، غسلت وجهك وأفطرت، وإني لأتمنى أن يكون لكل إنسـان فطـور روحي، يهتم بالمحافظة عليه قدر اهتمامه بالفطور المعدي؛ فليست الروح أقل شأنًا من المعدة، فلماذا تحافظ على مطالب المعدة، وتحفل بها، ولا تحفل بمطالب الروح؟

إن فطورك كل يوم يزيد جسمك قوة، وفطـورك الروحـي يزيدك قوة وسعـادة، ونجاحك في الحياة اليومية وسعادتك فيهـا يتوقفان علـى هـذا الغذاء الروحـي؛ لأن السعـادة تعتمد على إرادتك، وموقف عقلك أكثر مما تعتمد على الحوادث نفسهـا؛ فيجب أن نعدل أنفسنا حسب الأحداث التي تحدث لنا كل يوم؛ لنبعد عنا الشقاء.

وإن إرادتـي تستطيع أن تبعـد التسممـات التـي تسممها الأفكار للعقـل، والإرادة هـي التـي تستطيـع - أيضا - أن تضع حدًا للخوف، ولهياج الأعصاب اللذين يضايقان الإنسان.

والإرادة هي التي تستطيع أن توقف الغضب، وتضع حدًا للكِبر، والإرادة التي تلطف الملولك مع الذين تعاملهم، وتقضي على الخلافات التي بينك وبين عملائك؛ فإذا الذي بينك وبينهم صداقة حميمة.

وروحك القوية التي تغذيها دائمًا بالسوائل الروحية هي التي تمنعك من غش الناس وخداعهم، وروحك الصحيحة هي التي تتناغم مع معاملات الناس؛ فتسعدهم وتسعد نفسك، وهي التي تجعل حياتك مع أسرتك وجيرانك وعملائك ناعمة لطيفة، كأنها الماكينة المزينة، وبدونها تكون ماكينة جعجاعة؛ لأنها من غير زيت.

ومن هذا الغذاء الروحي صرفك كل يوم نحو نصف ساعة في آخر اليوم، تحاسب فيها نفسك: ماذا صنعت؟ وكيف تتجنب الأغلاط التي كانت؟

إن كثيرين مغرورين إما بالعمـل المتواصـل في جمع العلم أو جمع المال، ولكنهم مع ذلك عبيد مطامعهم، وخير مـن ذلك كله أن يتفرغـوا بعض الوقت إلى أنفسهم؛ فذلك يضمن لهم سعادة من عملهم ومالهم.

إن سُـكـون الإنسان إلى نفسـه غـذاء روحي، خير من العمل المتواصل، وخير من جمع المال.

وهـذا الغذاء الروحي إذا تغذيته صباحًا مساءًا حملك على أن تعفو عن المسيء، وأن تنظر إلى إساءته، كأنها نتيجة طبيعية لبيئته وحالته، وتقدر أنك لو كنت مكانه، لك مزاجه، ولك بيئته لفعلت فعلته.

والغذاء الروحي يخفف من مطامعك، ويجعلك ترضى عما حدث في يومك في مأكلك ومشربك وعملك، وما قابلت من أناس، ويجعلك تختم يومك عند محاسبتها بأنه كان يوما سعيدًا، يضاف إلى حلقة الحياة السعيدة.

ويخطـي مـن ظن أن المال وحده يسبب السعادة؛ فإن كان المال عاملًا من عوامل السعادة يساوي عشرة في المائة؛ فالحالة النفسية تسبب من السعادة التسعين في المائة الباقية، وكم من الناس تراهم يجدون وراء الربح، وقد بلغوا منه مبلغًا عظيمًا، ومع ذلك هم أشقياء بروحهم ونفسهم.

ويحـكـون أن سليمـان - عليـه السـلام - أوتيت له كنوز الأرض، وبنيت له قصور فخمة، ومع ذلك كتب يقول: "إن هذا كله عبث، ولا قيمة إلا بسعادة الروح".

وربما كان قلب الطفل أسعد حالًا من كثير من الناس؛ فأنهُ يبتهج لطلوع الشمس، ويبتهج للعبه الصغيرة يلعب بها، ويبتهج للألعاب الرياضية، ويعجب من الطير يطير في السمـاء، ويفرح للمناظر الطبيعية الجميلة: مـن منـظـر بحر، ومنظر جبل، فإذا كبرنا، فقدنا هذه العواطف الجميلة، وجفت نفوسنا لعدم غذائها، وإذا حضرتنا الوفاة، تبين لنا: أننا كنا نعيش في أوهام.

ولا شيء يغذي الروح أحسن من الحب بمعناه الواسع، فحب الخير للناس، وحب المناظر الجميلة، وحب إسعاد الناس ما أمكن، كل هذا غذاء.

إن بعض الناس منحوا من الملكات مـا يجدون معه في كل شيء غذاء لروحهم، في الزهر ونضرته، والماء وجريانه، والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنّهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها.

وبعض الناس يرى أن هذا خيـال فاسد، لا يهمهم إلا المال وجمعة، أو الشهوات وإرواؤها ، أولئك قد عميت قلوبهم، كما عميت و بعض الناس أبصارهم.

إن الحياة الروحية تجعل لكل شيء طعمًا جديدًا، غير طعمه المادي، فتجعل للعلم طعمًا، وللمناظر طعمًا، وللعواطف طعمًا، لا يدركه إلا من ذاقه.

وهو بهذا الطعم يجد في الوحدة أحيانا لذة، قد لا تقل عن لذة الاجتماع بالناس؛ لأن نفسه الروحانية ليست فارغة فراغ النفس المادية.

ومـن الأسـف، أن العالم اليوم قد كسب كثيرًا بمخترعاته وصناعاته. ولكنـه - أيضا - خسر كثيرًا و روحانيته ومعنوياته، ولـورقي قليلًا في روحانيتـه، ما كان هذا الصراع العنيف بين الأمم، ولا كانت حروب قاسية، ولا قنابل ذرية غاشمة.

إن العالم لا يصح إلا إذا تعادلت فيه يده وقلبه وعقله، فإذا اختل توازنه فيها، زاد شقاؤه، وهو اليـوم صناع اليدين، قـوي العقل، ضعيف القلب، وهذا ما سبب شقاءهُ، وليس له علاج، إلا أن يبحث عن منهج تتعادل به هذه القوى الثلاث، ثم يسير عليه.

كبر دماغك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن