القمر رفيق للقمر الذي يناظره من على سطح السفينة والذي تداعبه خصيلاته السوداء زاعجة إياه .
تلك العينين الناعستين دجماوتين كقطعة من هذه السماء السوداء تذرفان مطرهما وصوت نهنهات خافتة يصدر من تلكما الشفتين الزهريتين .
الجميلة صاحبة الأربع وعشرون عاماً تغادر منزلها الذي كان آمناً بعد سنوات قليلة قضتها بين أحضانه الدافئة منظر الجد لا يفارق مخيلتها ، لم تستوعب بشكل كامل وفاته لا زالت تأمل أن يكون حياً !
ثم ظهرت في ذهنها صور مشوشة سرعان ما أتضحت ساري وأمها ونوران الصغير . لم تنسى ملامحهم ولا للحظة من عمرها . تأمل أن يكونوا على قيد الحياة ، لربما وجودهم تحت سماء واحدة معها يمنحها شعوراً بالأمان .
لم تسلم من نظرات بعض الرجال من المسافرين ممن حاولوا التعرف عليها فكانت تتخذ الصمت ملاذاً وترمقهم بنظرات نارية .
الخوف لا يغادر قلبها ، كلما تدنى أحدهم صوبها تبدأ بالأرتعاش وتقبض على خنجرها أسفل ثيابها .
على الرغم من ارتدائها الكثير من الثياب الا أنها لا تخفي تلك المفاتن الأنثوية بل تبدوا أكثر جاذبية بكل تلك الحشمة .
لم تتوقف دموعها عن السقوط منذ وفاته . ويجرها حزنها لأحزان أخرى عاشتها منذ أربع سنين مضت .
لاح لها الفجر في الأفق لتستشعر حركة قربها أجفلتها
ألتفت لتجد رجل أشقر طويل القامة يلبس قبعة ومعطف طويل واقف بجانبها يطالع البحر ليمنحها ابتسامة هادئة قائلاً :
-الجو جميل أليس كذلك ؟
لم تجب عليه بل تحركت من جانبه وتمشت الى طرف بعيد عنه تراقبه بنظرات متقطعة ، منذ رآها وهو ملتصق بها يحاول محادثتها بشتى الطرق . على الرغم من كونه يبدوا رجلاً راقياً ولكنها تخاف التحدث إليه .
منحها نظرات متقطعة وزفر أنفاسه تجاهلته بكل وقاحة مما جعله يتكئ بظهره على حافة السفينة وينظر لكل الجوانب كاتفاً يديه لصدره ثم خلع قبعته وراح يمسد شعره الأشقر ثم التفت مراقباً بزوغ الفجر.
__________________
خلال هذا العام انحسر العدو ومدت الدول أيديها لبعضها البعض وحدث تعاون فيما بينهم ونزلت الفتن بين البعض الآخر فبدأت الممالك تغدر ببعضها البعض تارةً يتحالفون وتارة يتحاربون !
_________________________
عند الصباح تنزوي بغرفتها ولا تخرج الا لتناول الطعام وتلتقي به ليرمي لها كلاماً محاولة منه لتجاذب أطراف الحديث معها فتتجاهله وتمضي في طريقها .
حتى مضت أيام الرحلة ورست السفينة عند الميناء في أحد البلدان المزدهرة والمتطورة .التي رغم الحرب القائمة بها الا أنها تسيطر على الوضع وحافظت على ازدهار اجزاءها
-هنا نزل قريب اذا أردتي سأدلك عليه .
ألتفت لتجده واقفاً مبتسماً لا تعلم لماذا هو ملتصق بها لهذا الحد فزادت ريبتها منه .
-هل أساعدكِ بحمل حقائبك ؟
تقدم منها بكياسة ولكونه أطول منها انحنى قليلاً لتستقبله بوجه صارم ونظرات نارية قائلة بحدة :
-أنت لماذا تلاحقني ؟
نظر لها بعدم فهم لتقترب منه تتحدث بعصبية :
-طوال الرحلة وأنت ملتصق بي ما خطبك ما الذي تريده مني ؟
-أنا أحاول أن أكون لطيفاً فحسب .
قالها عاقداً لحاجبيه ولم يعجبه الأتهام الموجه نحوه .
-لم يطلب منك أي أحد أن تكون لطيفاً معي دعني وشأني وحسب .
-ما خطبكِ ؟ لم أفعل شيئاً سوى محاولة مساعدتك وانتِ كنتِ تتعاملين معي بوقاحة !
-وهل طلبتُ منك المساعدة أم أنت الذي ألتصقت بي ؟ تجاهلتك بما يكفي الا كرامة لديك ؟
صمت غير مستوعب لما هي غاضبة لتشير له بتهديد وصوتها العالي لفت أنتباه كل من حولهم :
- من الأفضل لك أن تبقى بعيداً عني .
نصف أبتسامة ظهرت على فمه مع نظرات مستنكرة ثم رحلت وبقي هو يتلقى نظرات أستنكار من الجميع حوله .
فشعر بالأحراج ولملم حقائبه لاعناً إياها في سره .
كانت تجيد بضعة كلمات من لغة البلد الذي وفدت إليه فأخذت تسئل عن مكتب يوفر المترجمين ليدلها الناس على أحدهم حيث حثت خطاها وركبت عربة وأنطلقت بها .
وصلت لبناية راقية دلفتها على الفور وأخذت تسأل موظفة الأستقبال عن أحد المترجمين .
____________
وصلت لنزل متواضع له أطلالة جميلة بعد أن التقت بصبية أكبر منها ببضعة سنوات أصبحت هي مترجمتها الخاصة للوقت الحالي .
بدأت بترتيب أغراضها وآلاف الأسئلة تعبث بدماغها .
هربت من البيت الآمن لبلد آخر غريب وجديد عنها كلياً ماذا ستكون خطوتها القادمة ؟
نظرت للفراغ تفكر بعمق . هل تبحث عن عائلتها في المستشفيات كخطوة أولى ؟ او هل تبحث بكل شبر من الأحياء حولها علها تجدهم ؟ لربما هم ليسوا بهذه المدينة ! جلست على السرير وقد حاصرها الهم من كل أتجاه . لم تحسب أين ستكون خطوتها التالية .
فكرت أن تزاول عملها المعتاد وتستفسر من المستشفيات علهم يكونون هنا وتحاول صنع دائرة معارف لربما تنفعها .
ولتحقيق ذلك لربما عليها المكوث لأشهر هنا وحدها .
تملكتها الشجاعة وأقنعت نفسها أن لن يمسها مكروه .
توجهت نحو النافذة ونظرت للمكان من الخارج .
مكانها جميل يمنحها طاقة إيجابية .
غيرت ثيابها لأخرى مناسبة لأعتدال الجو . فستان أزرق قماشه ليس بالثخين كثيراً لا يحتوي على فتحة للعنق ويداه من الأشفل واسعتان .
يغطيهما دانتيل أبيض . أرتدت قبعة بعد أن جمعت شعرها بكعكة أعلى رأسها بدت كبيرة لكثافته ، خرجت بعد أرتداء قلادتها المفضلة ، قلادة ذهبية لم تفارق عنقها منذ حصلت عليها من الجد الراحل . سلسالها ناعم يحاوط الرقبة به ملاك .
أستقبلتها رائحة البحر وأشعة الشمس اللطيفة . توجهت من جديد للمكتب حيث وجدت ذلك الأشقر من جديد ! سمعته يعرض خدماته على المكتب لكونه يعمل مترجماً .
رمقها بنظرات باردة وحول نظره عنها متجاهلاً إياها . فرحلت مباشرة لمكتب المترجمة الشابة والتي أستقبلتها مجدداً بحفاوة وقد بدأت صداقة بالنشوء بينهما .
-أنا أحتاج لمشفى قريب كي أعمل به حتى لو كممرضة آمل أن تساعديني .
-بالطبع . هل أنتِ ممرضة ؟
-لا أنا درست طب الأعشاب .
-ربما يمكنك العمل في محل قريب يختص بطب الأعشاب سيكون ذلك أفضل لكِ .
-سيكون هذا جيداً .
ثم أضافت بعد أن سحبت نفساً عميقاً .
:-أحتاجكِ في أمر آخر أيضاً .
ناظرتها تنتظر طلبها وهي تعكف ذراعيها على الطاولة لتبلل شفتيها مكملة :
-أنا فقدت عائلتي قبل أربع سنوات ولا زلت أبحث عنهم .
ناظرتها بأسف لتزفر مياسة نفساً مكملة :
-هل يمكنك مساعدتي بالبحث عنهم .
-طبعاً .
عدلت خصلة من شعرها :
-اذا أردتي سنذهب لمركز الشرطة ويمكنك أعطائهم مواصفات عائلتكِ وسيقومون بالبحث عنهم .
آمل أن تلتقي بهم من جديد .
-شكراً لكِ .
وبعد تناول الشاي خرجت الشابتان آخذتان عربة تقلهما لمركز الشرطة وسط المدينة حيث تحدثت مياسة عن قصتها وكيفية فقدها لعائلتها .
وأعطتهم مواصفاتهم أملاً أن يجدوهم في هذا البلد .
لترحل مع هبوط الظهيرة برفقة المترجمة نحو الأسواق حيث دلتها على عجوز يعمل كطبيب أعشاب وتعرفت عليه طالبة العمل لجانبه .
وبعد أن أتفقا على أجرها ودعته وأتفقت على العمل معه في اليوم الموالي .
وقبل هبوط الليل عادت للنزل وغيرت ثيابها ودخل قلبها شيء من الفرح .
آملةً أن تجد عائلتها قريباً
_______________________
أما عند عائلتها ففرحة أمها لا توصف بمياسة الصغيرة أبنة ساري والتي أخذت عينا أمها العسليتين وشعر والدها الأشقر . يراسلهم مطمئناً عليهم كل حين وأحد معارفه يهتم بهم حال عودته .
الأوضاع السياسية عندهم كذلك سيئة لكن الجيد أنهم أنتقلوا للريف في منزل صغير بعيد عن تلك الشجارات والمعارك القائمة بين الناس فلا زالت بعض الحروب الأهلية تندلع لكن بعدد قليل من الناس وسرعان ما تخمد .يتبع .....
أنت تقرأ
مكافحة وسط الحروب
Fantasyلم يكن الخوف يوماً دافعاً لأختبأ بل كان يحثني على المواجهة بأستمرار ، مواجهة ما يفوقني حجماً ومهابةً وقوة فكان الخوف هو درعي الذي أقاتل به على الدوام الشخصيات : مياسة&ساري الغلاف من تصميمي 💜