ثالثًا: صديقان وقلق

250 32 14
                                    

لم تتميّز الجامعةُ التي ارتادها كيم سونغمين بأيّ شيء. لقد كانت عاديةً رغمَ درجاتهِ التي تعدّت المتوسط لما بذلهُ من جهودٍ في دراستهِ دومًا؛ ولكنها كانت قريبةً من منزله. كما كانت نفسَ الجامعة التي ارتادها صديقُ طفولتهِ يانغ جونغإن.

واليومَ أيضًا لم يحدث أي شيءٍ مميّز.

حينَ انتهى الدوام، اتّجه كلٌّ من سونغمين وجونغإن إلى المخرج؛ ولكنّ مديرَ الجامعةِ قد صادفهما في الطريق. ولكَونِ سونغمين مشهورًا لدى الأساتذةِ بالذاتِ لأخلاقهِ ودرجاتِه؛ كان على المديرِ بالطبعُ حفظُ اسمهِ واستدعائه من بين كل الطلاب.

لقد بدا كما لو أنه أرادَ خدمةً بسيطةً من سونغمين، ولكنّ سونغمين لم يهتمّ بالأمرُ قدرَ اهتمامهِ بكونِ جونغإن قد لوّح لهُ وغادر على غيرِ عادتهِ التي كانت لتجعله يساعده، أو ينتظره حتى ينتهي.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك.

حين عاد سونغمين إلى منزله، فتح هاتفهُ وراسل جونغإن مستفسرًا عن أحوالهِ وعمّا إذ قد كان مشغولًا مسبقًا، منتظرًا منهُ ردًا يشبِع فضوله الصغيرَ عمّا فعلهُ صديقه بعد يومهما الدراسيّ، ليتفاجأ بدلًا عن ذلكَ بكلمةٍ واحدةٍ بدت كما لو أنها تحدّق فيهِ كلما حدّق فيها أكثر باستنكار.

"قليلًا."

لم تستطع شكوكُ سونغمين أن تهدأ.

مرّ اليوم التالي بمللٍ كسائر الأيام. لم يرَ سونغمين جونغإن كثيرًا طول النهار، وحينَ حلّ المساءُ أراد تعويضَ ما فات، طارحًا سؤالًا قلّما رفض جونغإن العرض الذي يحمله: "أتريدُ الذهاب إلى ماكدونالدز؟"

ولكنّ جونغإن هزّ رأسه بالنفي، مختتمًا محادثتهما ب: "لديّ خططٌ نوعًا ما، أراك لاحقًا." وبمسيرهِ في الاتجاه المعاكس لمنزله.

كان سونغمين ليُقنع نفسه أنها صدفة. أنه ربما قد كان مشغولًا بالأمس، واليومِ أيضًا، لولا أنهُ امتلكَ اعتقادًا راسخًا أن اجتماعَ الصدفِ أمرٌ يستوجب الشكَّ بالطبع.

لذا؛ حتى مع علمهِ أن فعلهُ هذا أمرٌ ينتهكُ الخصوصية، فقد باشر سونغمين بتتبعِ خُطا جونغإن محاوِلًا ألّا ينكشف.

لقد أقسمَ بأنه سيتراجعُ إن رأى ما يدلّ على أنه على موعدٍ مع أحدهم وحسب.

لقد أقسمَ بأن الفضولَ لا دخلَ لهُ بتحركاتِ ساقيه، وبرّر الأمرَ بكونهِ قلقَ صديقٍ يثقلُ صدره.

فكيف لهُ التخلص منهُ دون أن يتأكد من كونِ الآخر سالمًا وغيرَ متورطٍ بشيءٍ يجهلُ عواقبه؟

ولكنّ المكانَ الذي قادتهُ إليهِ قدماهُ (واتباعُ جونغإن) لم يساعدهُ على الإطلاقِ في التخلص من عبئه.

شعرَ بقلبهِ ينبضُ داخلَ صدرهِ حتى بدأت أصواتُ المحركاتِ التي صدرت مما أحاط به من سياراتٍ بالتلاشي. شعرَ بعينيهِ تتوسّعُ بينما يقرأ اللافتةَ التي عُلّقت على المبنى العصريّ، ودمهِ يغادر وجههُ رغمَ سرعةِ دقاتِ قلبهِ حين دخلَ جونغإن مختفيًا عن أنظاره.

مكتب استشاراتٍ نفسية.

لم يكن جونغإن يعاني من أيّ شيءٍ حسب علمه. ولو أنهُ كان كذلك، فقد وثق سونغمين بأنه قد كان ليخبرهُ قبلَ أن يخبرَ طبيبًا نفسيًا ما؛ فلِمَ قد يقصد يانغ جونغإن مكانًا كهذا وراءَ ظهره؟

نظّم سونغمين تنفسه وجلسَ في مقهًى قريبٍ حتى انتهاءِ جونغإن من موعده، محتارًا عمّا إذ كان من الأفضل لهُ سؤال جونغإن مباشرةً أم... سؤال الطبيب النفسيّ.

لقد كانت الفكرةُ الثانيةُ سخيفةً جدًا؛ خصوصًا بكونهِ يعلمُ أن الأطباءَ متعهدونَ بعدم كشفِ معلوماتِ مرضاهم الشخصية. ولكنّ سونغمين هزّ كتفَيهِ على أي حالٍ مقررًا اختيارها.

لربما كان طبيبًا ساذجًا. لربما كان جونغإن هنا لمقابلته كأحد معارفه وليسَ كطبيب. لربما ولربما أيُّ شيء. أيُّ شيءٍ قد يمكنهُ من تفادي غضبِ جونغإن إن علمَ أنه قد تتبعهُ سرًّا.

وبهذا اتخذَ القرارَ الذي استغرقَ منهُ وقتًا طويلًا غادرَ فيه يانغ جونغإن المبنى.

وقفَ سونغمين في مكانهِ وتركَ أجرةَ العصيرِ الذي طلبهُ على الطاولةِ مع بعضِ الفكّة. استدارَ بتيبّسٍ ومشى إلى حيث وقف جونغإن في السابق.

لقد كان المبنى نظيفًا وبموقعٍ جيد. من المنطقيّ أن يكون أحد أقارب عائلةِ جونغإن مالك المكتب. لقد شعرَ سونغمين بهذا وحاولَ دماغهُ اليائسُ إقناعهُ به، مرددًا إياهُ بينهُ وبينَ نفسهِ حتى وجدها أمام الباب.

على البابِ عُلّقت لَوحةٌ تحملُ اسمًا غيرَ مألُوف، وخلفهُ استقبلهُ شابٌّ يحمِلُ بسمةً بسِيطةً لم تفشَل في إظهَار غمّازته.

وما إن تسلّل نظره إلى ما قبع خلفَ كتفيهِ الواسعتَين، وقعت تحتَ أنظارهِ لوحةٌ تحملُ عبارةً مُختصَرة...

"welcome, stay!"

لم يبدُ لسونغمين أن هذا الشخصَ قد يكونُ من معارفِ جونغإن على الإطلاق، كما لم يوحِ مظهرهُ على كونهِ مغفلًا قد يفشي إليهِ أسرارا.

ولكنهُ قرّر البقاءَ كما اتخذَ قرارَ المجيء.

بهدوءٍ أنزلَ يدهُ التي تجمدت في الهواءِ بعد أن فُتحَ البابُ بمجردِ طرقهِ له، وبهدوءٍ نظرَ إلى ابتسامتهِ التي لم تتلاشَ حتى مع إطالتهِ النظرَ فيها.

كانت ابتسامةً دافئة. ولكنه استطاعَ تمييزَ كونها تحملُ الكثير من الأسرار.

يُتبع

---

يااه أخيرًا بنبدأ بقصة تشانمين

أتمنى استمتعتوا ~

wolfgang || عصابةُ الذئابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن