الفصل التاسع والعاشر معاً...
(والاخير...)
تسللت على أطراف أصابعها حتى وصلت للطابق الأسفل ومن ثم راقبته حتى ولج لغرفة مكتبه، فلحقته على الفور وقبل أن يصل لمقعده ولجت ثم أغلقت الباب من خلفه فأصدر صوتاً مزعجاً للغاية، فاستدار "عاصي" على الفور، فوجدها تحكم اغلاق الباب ثم دنت لتجلس على المقعد القريب منه مشيرة بيدها على المقعد الأساسي:
_إجلس سيد "عاصي"، هناك أمراً هام أريد مناقشته معك..
رفع حاجبيه بذهولٍ:
_والأمر الهام هذا الا يمكن مناقشته في وقت لاحق؟
رسمت الحزن باجتيازٍ على معالمها، ثم قالت:
_ليس لدي وقت... أنت رأيت بنفسك كيف يطاردني ذاك الأرعن!
تلك الكلمة باتت لا تليق سوى بهذا الأحمق ولكنها لا تفشل بإضحكه، فتحرك تجاه مقعد مكتبه الرئيسي، فجلس وهو يتساءل ساخراً وعينيه مسلطة على باب الغرفة:
_وموضوعك الهام الا يصلح مناقشته الا وباب الغرفة مغلق!
أومأت برأسها عدة مرات وهي تؤكد له قائلة:
_لأنه هام لذا لا أرغب في ان يستمع إليه أحداً..
حك جبهته باستهزاءٍ على طريقتها المضحكة وعلى الرغم من ذلك الا أنه تماسك وهو يباشر سؤالها بثباتٍ:
_حسناً بإمكانك الحديث الآن..
ابتلعت ريقها عدة مرات وكأنها تجلي أحبالها الصوتية المنقطعة قبل أن تستجمع قواها للنطق:
_كما رأيت وسمعت بأذنيك "قاسم" لا ينوي أن يتركني وشأني، حتى وإن هربت لأبعد مكان على الكرة الأرضية..
ولوت فمها بتهكمٍ وهي تستكمل:
_ذلك الغبي لا يستوعب بأنني أكرهه ولا أرغب بالزواج منه، يظن بأنه اذا تزوج بي عنوة سأعشق قسوته وسأخضع لحبه الأحمق مثلما يحدث في الروايات..
وطرقت المكتب بيدها لتجعله يلمس غضبها:
_ولكن حلمه الغالي هذا لن يتحقق أبداً، وبعد تفكيراً عميق وجدت حل لتلك المشكلة..
كبت ضحكاته لأقصى درجة، تلك الفتاة لا يعلم ماذا يحدث اليه كلما يستمع لحديثها المجنون، يفقد القدرة على التحكم بذاته ويشعر بأنه لا يود سوى الضحك طوال الوقت على حديثها وتصرفها، وها هو الآن مجبر على العودة من شروده القصير حينما وجدها تتطلع له بنظراتٍ مغتاظة، فتنحنح وهو يتساءل بخشونةٍ:
_وما هو!... أرغب في سماعه.
ارتسمت بسمة غرور افترشت وجهها وهي تجيبه بثقةٍ من حلها الأمثل الذي توصلت اليه بعد عذاب:
_أن اتزوج... حينها لن يتمكن من أن يتزوجني رغماً عني..
تطلع لها لثوانٍ ثم انفجر ضاحكاً والاخرى تحدجه بنظراتٍ قاتلة، فرفع يديه يشير لها وهو يردف:
_أعتذر حقاً، ولكن الأمر مضحك حقاً...
ثم هدأ قليلاً قبل أن يشرح لها بطريقةٍ كوميدية:
_فتاة لا تريد الزواج بابن عمها فتتزوج أخر حتى لا يتمكن من الزواج منها!.. وما الداعي بالبحث عن كبش فدا وأنتي بنهاية الأمر ستتزوجين أي شخص!
ابتسمت وهي تجيبه بصوتٍ رققت طبقاته:
_ومن قال بأنني سأتزوج بأي رجل!
أشار لها باستسلامٍ ومازال الضحك يملأ وجهه :
_ومن الذي سينال هذا الشرف العظيم..
بابتسامة واسعة قالت:
_أنت "عاصي"..
انكمشت تعابير وجهه في صدمةٍ، وكأن الفرحة التقطتها رداء الحزن الأسود، فردد بدهشةٍ:.
_أتمزحين معي!
قالت بجديةٍ تامة:
_وهل هذا الأمر يحتمل به المزح... أتحدث جدياً..
احتل الضيق عالمه، فنهض عن مقعده وهو يجيبها بتعصبٍ شديد:
_أعتقد بانكِ تجاوزتي حدودك"لوجين" ، أساعدك رغبة مني في ذلك ولكن الأمر لن يصل بنا للزواج..
أشارت له بهدوءٍ:
_لم ينتهي حديثي بعد، إجلس واسمع لما سأقوله أولاً..
إنصاع إليها وجلس على مضضٍ يستمع الى ما ستقول، فقالت بابتسامةٍ ماكرة:
_الأمر يصب في مصلحتنا سوياً..
تطلع لها بعدم فهم، فاستطردت بتوضيحٍ:
_أنا سأتخلص من "قاسم" وأنت ستتخلص من إلحاح شقيقتك بالزواج..
ابتسم ساخراً، فاستكملت بخبثٍ:
_حسناً لا تنكر بأنك تخفي خلف ابتسامتك تلك إعجاب بي...
ولوت خصلة من خصلات شعرها حول أصبع يدها لتستكمل :
_أنا لست سيئة لتلك الدرجة، فلن تجد زوجة تسمح لك بأن تحتفظ بذكرياتك التي تجمعك بحبيبتك السابقة، أنا سأسمح لك بذلك..
ضحك حتى برزت أسنانه، فقال بدهشةٍ:
_لا أصدق ذلك، في العادة يعرض الرجل الزواج على الامرأة وأنتي دائماً ما تفعلين غير المعتاد!
استندت بيدها على سطح مكتبه ثم مالت برأسها عليها لتشير له بغمزةٍ من عينيها:
_أليس هذا ممتعاً... الخروج عن المعتاد هو أمراً جنوني وأنا أعشق ذلك..
استند على مكتبه هو الاخير ليسألها بجدية تامة:
_ولماذا أنا بالتحديد "لوجين"؟
وضعت أصبعها جوار فمها وهو تردد بخفوت:
_لا أعلم... ربما لأنك أوسم رجلاً قابلته على الإطلاق، أو ربما لانك قدمت على مساعدتي دون أن تعرفني، وربما لأنك سمحت لي بالدخول على عائلتك ومنحتني شرف عيش مواقف مختلفة حرمت منها وربما لأنك خلصتني من"قاسم" الأرعن!
وبعد صمتٍ تام التزمت بها لدقائق معدودة عادت لتهمس بصوتٍ اخترقته المشاعر الصادقة وبوحٍ نابع من الصميم:
_وربما لأنني معجبة بك وأخشى أن ينقلب إعجابي بك لأمراً خطير أفقد السيطرة به..
هام بعينيها وكأنهما بحراً يغمسه بمعسول عينيها الصافي، ولأول مرة يشعر بعجزه التام عن الحديث، إن كانت فتاة اخرى من تحدثه عن ذاك الامر ربما كان سيثور ويغضب ولكن الغريب إنه يتقبل كل ما تقصه عليه بابتسامةٍ وصدر رحب، اما هي فدقائق صمته تلك مرت عليها كالسنوات الثقيلة، لذا قطعت مهلتها بالانتظار حينما قالت:
_سأدعك تفكر بعرضي جيداً... وستخبرني رأيك بالصباح..
ثم نهضت عن مقعدها لتشير له بابتسامة مشرقة:
_تصبح على خير "عاصي"..
وغادرت من أمامه كنسمةٍ عابرة، اختطفت قلبه ودعته حائراً في اتخاذ أي قرار قد يوصله لبرٍ آمن... فاستند بجسده الثقيل على المقعد وهو يردد بحيرةٍ:
_ماذا يحدث لك"عاصي"؟...
وأغلق عينيه وهو يبتسم حينما يتذكر حوارها وحديثها بالأمر...
*********
ظلت مستيقظة طوال الليل، تفكر في رده على عرضها، تبتسم تارة حينما تتذكر هيامه بها وتردد تارة أخرى خوفاً من أن يرفض عرضه لها، مر الليل بظلامه الكحيل وأشرقت شمس اليوم التالي ومازال عقله مزحوم بالتفكيرٍ به، فما أن سطع النهار بشمس يومه الجديد، هرعت لخزانتها لتجذب الأقرب ليدها، ثم أسرعت بالهبوط للأسفل، فوجدت احدى الخادمات تضع الطعام على المائدة، فسألتها بابتسامةٍ مشرقة:
_أين السيد" عاصي"؟
أجابتها وهي تسكب كوب من العصير إليها:
_خرج منذ الصباح وأخبرني أن تنتظريه لحين عودته، فأنتِ هنا بأمانٍ تام..
وتركتها وعادت للمطبخ مرة أخرى، فجلست على المقعد باهمالٍ ثم همست بضيقٍ:
_أين ذهب بالصباح الباكر! ... أليس هناك اتفاق موثق بيننا!
ثم عبست بطبقها وهي تتحدث مع ذاتها بصوتٍ شبه مسموع:
_حسناً سيمر اليوم وسيعود سريعاً، وحينها سأعلم رده على اقتراحي...
وحملت كوب العصير ثم صعدت مجدداً لغرفتها لتجلس أمام شرفتها تترقب لحظة عودته.
*******
بالمشفى..
شعر بسعادة الكون بأكمله حينما حمل الصغير بين يديه، فطبع قبلة صغيرة على جبينه ثم قال بحنانٍ:
_حفظك الله بني..
وأخرج من جيب جاكيته ظرف أبيض وضع فيه مبلغ من المال، فوضعه بين الغطاء الثقيل الذي يحيط بجسده الهاش، ليعيده لاحضان امه مجدداً، فهمست بانزعاجٍ:
_ما الداعي لذلك "عاصي"... هذا مبالغ به كثيراً..
أجابها ونظراته مازالت تحيط الصغير:
_لا شيئاً ثميناً جواره..
ثم تطلع اليها ليمرر يديه على كتفيها وهز بقول بحنانٍ:
_أعلم بأنك خسرتي أخاكِ منذ اللحظة التي خسر به نفسه، لذا أردت أن أخبرك بأنني لن أسمح لكِ بالمعاناة للمرة الثانية..
وطبع قبلة عميقه على جبينها وهو يهمس لها بحنانٍ:
_ولكن كفى لن أدعى هذا يحدث مجدداً..
ابتسمت إيمان والدمع يتلألأ بعينيها لعدم تصديق ما يحدث امامها، نهض"عاصي" ثم أغلق زرار جاكيته ليودعها قائلاً:
_سأغادر الآن ولكني أعدك بأنني سأخبرك بما سيسعد قلبك قريباً..
قالت بصوتٍ متقطع من أثر بكائها:
_سأنتظر حتى ذلك الوقت بفارغ الصبر..
منحها ابتسامة مشرقة قبل أن يغادر لوجهته، ليترك الأمل ينير وجهها المتعب، ليعود لدمويته من جديدٍ.
**********
تركها وصعد لسيارته التي صمم على قيادتها بنفسه تلك المرة، فلم يعلم الى أي وجهة يسلكها، وربما شعر في ذلك الوقت بحاجته للحديث، فلم يجد أفضل من رفيق دربه، اتجه اليه متناسياً الموعد المنسق بينهما، كل ما همه بتلك اللحظة أن يتحدث إليه فيما يقلقه، وبالفعل صعد اليه وفضل الانتظار بالخارج لحين أن ينتهي من كشوفاته، حتى انه شدد على الممرضة بالا تخبره بأنه بالخارج، وبعد ما يقرب الساعتين من الانتظار أخيراً أتاه وقت رآه مناسب للبوح عما يضيق صدره، فطرق عدة مرات على بابه قبل أن يدلف، فوجد "عمر" منشغل بحاسوبه، حتى انه لم يتمكن من معرفة المريض الذي اتاه دوره، فقال دون النظر إليه ويديه تشير على الفراش الطبي الصغير:
_استرخي قليلاً... سأنضم إليك بعد قليل..
لم يشاكسه بحديثه الصارم تلك المرة، بل فضل التمدد على الشزلونج، وكأنه يجلس على مقعد يحتمه على قول الحقيقة ولا شيء سواها، كأنه يواجه نفسه بمرآة تشع بالصدق فقط، ترك عمر مكتبه ثم نهض ليجلس على المقعد القريب منه، فاندهش حينما وجده، فقال بذهولٍ:
_ماذا تفعل هنا "عاصي" هيا فلنجلس بالمكتب..
تجاهل حديثه عن اختياره لمكان جلوسه، ثم قال وعينيه شاردة بتأمل الضوء الهادئ الذي منحه نوعاً من السكينة:
_لا أعلم بالتحديد ما الذي أصابني! ولكنه بالطبع أمراً غريب ليس له أي تفسير...
والتقط نفساً مطولاً قبل أن يضيف:
_أشعر بالحيرة أحياناً وأحياناً أتساءل ما الذي تغير في هذا الوقت؟ مازلت أنا ومازال قلبي عاشقاً لها إذاً لماذا يسمح بالتفكير بأخرى... نعم"عمر" ثمة رغبة بداخلي تطالبني بالقرب منها، رغبة تدفعني على التطلع لها طوال الوقت، مشاعر أخشاها دائما... تحارب في صراع قوي بين حنين الماضي المرتبط بهند وبين تلك المجنونة التي قيدتني وجعلتني كالأبله الذي لا يعلم اتخاذ القرار المناسب..
تألم لأجله "عمر" فلأول مرة يقع الجبل الذي صمد لسنواتٍ شامخاً، محتفظاً بوجعه وبما يضرب قلبه بمفرده، وها هو الآن يبوح أخيراً بما يشعر به، فسأله بحذرٍ:
_هل تحبها يا "عاصي"؟
أجابه بعد فترة طويلة عن اجابته وكأنه يحسم أجابته، فقال:
_لا أعلم إذا كانت تلك الفترة كافية بحبها أم لا، ولكن بقائها لجواري يسعدني وأراه كافياً..
ابتسم"عمر" ثم قال باستغرابٍ:
_حسناً وماذا تنتظر؟... وجدت إجابة لسؤالك دون عناء... هيا فلتجعلها زوجة لك..
انكمشت تعابير وجهه وهو يرد عليه بحزنٍ:
_الأمر ليس بتلك البساطة "عمر"، قرار الزواج أمراً سهل ولكن القادم فيما بعد هو الأصعب على الاطلاق..
احتار في فهم ما يعنيه فقال باستياءٍ:
_لم يعد لدي القدرة على فهمك عاصي، ماذا تقصد؟
نفث عما بداخله من هواء يزحم رئتيه ثم قال بوضوحٍ:
_أخشى أن لا أتمكن من نسيان هند بعد الزواج عمر، أخشى أن لا أستطيع منحها الحب أو أن أكون زوجاً لها،أخشى أن أكون ظالماً وغير منصفاً بحقها..
تطلع له"عمر" بهدوءٍ ثم قال بابتسامةٍ هادئة:
_لا أعتقد ذلك.... أنا صديقك وأفهمك جيداً، وأعلم بأن ذاك اليوم الذي سينبض قلبك بحبها أتي لا محالة... كن على يقين بأنها ستكون الخلاص لك مما تعيشه "عاصي"، تمسك بها ودعها تشدد على يديك لتخطفك من ظلمة الليل لضياء ليس بعده شقاء ولا وجع..
حديثه اينع في نفسه الراحة والأمان، حمسه لخوض تلك الخطوة الهامة في حياته، فتركه وعاد للقصر وهو على يقين بأنه على صواب...
*********
مضى النهار سريعاً ومازالت تنتظر عودته، سيطر عليها الحزن فكسر فرحتها وباتت على يقينٍ بأنه رفضها ورفض عرضها، شعرت"لوجين" بالإهانة، وكأنها فرضت نفسها عليه لذا قررت الحفاظ على ماء وجهها وغادرت القصر قبل عودته ودموعها استحوذت عليها، شعرت وكأنها تفرض ذاتها على شخصٍ يحب غيرها، طمعت بكرمه بعد أن قدم لها المساعدة والعون من "قاسم" المحتال، فما ذنبه أن يظل يضحى حتى بالزواج منها، فقررت انهاء القيود التي تأسر حركاته، فخرجت من القصر لتقف من أمامه تودعه بنظراتها الباكية، ومن ثم صعدت لسيارة أجرة فتحركت بها فور أن صعدت بها في نفس ذات اللحظة التي عاد بها "عاصي" للقصر، فاستغرب كثيراً حينما وجدها تصعد بأحد السيارات، فهمس بذهولٍ:
_إلى أين تذهب في ذلك الوقت؟
لم يضع احتمالات لاجابته ولحق بها على الفور، فكلما انعطفت السيارة في الطرق المودية لمنزل "قاسم" كان يردد بصدمةٍ:
_مجنونة حقاً تلك الفتاة..
***********
توقفت السيارة أمام منزل العائلة، فترددت كثيراً بالهبوط من السيارة، ولكنها هبطت بالنهاية، مسحت دمعاتها بتأثرٍ شديد فكانت تقدم قدماً وتؤخر الاخرى، حتى ساقتها للداخل، فصارت حالة من الجلبة حينما وجدوها تقف أمامهما، فأسرع تجاهها "قاسم" وجسده يملأه الضمادات الطبية، فقال ساخراً:
_ماذا حدث، تخلى عنكِ السيد "عاصي"؟
حدجته بنظرةٍ محتقنة، فاسترسل حديثه باستهزاءٍ:
_ربما حسبها جيداً فوجد أنكِ لا تستحقي خسارة صفقة ستكلفه الملايين..
تلألأت الدموع في حدقتيها، وهي تستمع لحديثه اللازع، ليست ضعيفة للانصات له بصمتٍ، فتمتلك لسانٍ تراه سليط للغاية، ولكنها بتلك اللحظة مهزومة ولا تقوى على المحاربةٍ، لذا اختارت الصمت وسيلتها للهروب، حتى حينما اقترب منها أبيها فرمقته بنظرةٍ تمنى بعدها الموت، فهمس لها بصوتٍ منخفض:
_لماذا عدتي يا ابنتي؟ الا تعلمين ما يضمره لكِ" قاسم"!
منحته ابتسامة شبه ساخرة على خوفه الغير لائق به، قطع "قاسم" حديثه المنخفض حينما رفع يديه ليطوفه وهو يردد بنظرة ذات مغزى:
_جيد أنك تخبر ابنتك بمن الصالح لها، لا تنسى عمي أملاكك مازالت تحت سيطرة أبي، لذا من مصلحتك أن يتم هذا الزواج..
ازداد بداخله شعور النفور منه ومن ذاته، فانهمرت دمعة تحمل مكنونات العجز على وجهه، فكرهت "لوجين" رؤية ابيها بتلك الحالة المعتادة، فصاحت بضيقٍ شديد:
_كف عن مضايقة أبي أيها الأرعن، تحدث إلي فأنا من يقف بوجههك وليس هو!
جز على أسنانه غيظاً من حدتها التي لم تخسرها بعد، فترك عمه وذهب ليقف أمامها، فجذبها من خصلات شعرها وهو يردد من بين اصطكاك اسنانه:
_كيف تجرئين على الحديث معي بتلك الطريقة!... تعلمي كيف تحترمي زوجك المستقبلي "لوجين" والا سأقطع لسانك ذات مرة...
ازدادت المشاحنات بقاعة المنزل الكبير، ليقطعها صوتاً مألوف اليها حينما تردد بالارجاء:
_هل انتهيتي عزيزتي!
التفوا جميعاً تجاه مصدر الصوت، فوجدوا "عاصي سويلم" يقف من أمامهما بثباتٍ مخيف، ففور أن رآه قاسم حتى أخفض يديه عنها بخوفٍ، وبات يبتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة، أما لوجين فتطلعت له بفرحةٍ وكأن أمنيتها الثمينة تحققت بوجوده، نعم كانت مرتبكة، حائرة، ولكنها بالتأكيد سعيدة لوجوده، اقترب عاصي منهما ومازالت يديه موضوعة في جيب بنطاله فمنح طالة أكثر ثقة وصرامة، ليقف جوارها ثم قال ونظراته تتوزع بينهما جميعاً:
_أخبرتك بأن تنتظري عودتي حتى أخبرهما بنفسي..
ضيقت عينيها بعدم فهم مما يقصده بحديثه، فتساءل أبيها باستغرابٍ:
_عن أي شيء تتحدث سيد "عاصي"..
أجابه بكل ثقة وعينيه تتركز بنظراتها على الأرعن المصون:
_سنتزوج أنا وابنتك الأسبوع القادم لذا شرفنا أنت وعائلتك بالحضور..
ثم لف يديه حولها وهو يغمز بها بابتسامةٍ مهلكة:
_فلنرحل الآن... سيأتوا للحفل بالتأكيد..
انطلق صوته الغاضب كالشرارة القاتلة حينما قال:
_عن أي زفاف تتحدث!... لوجين لن تتزوج الا بي أنا..
تركها"عاصي" ثم ذهب ليقف من أمامه، ليجيبه بابتسامةٍ هادئة تخفي من خلفها شر وانذار عظيم:
_ستتزوج من "عاصي سويلم" وأنت تعرف هذا الرجل جيداً، من يقف أمامه يدعس جثمانه كالجرذان...
ثم انحنى على أذنيه ليهمس بصوتٍ منخفض:
_أظنك تخشى الجرذ أليس كذلك؟
انقلبت تعابير وجهه لخوف شديد، فتابع بقوله:
_لا تختبر قوة تحملي كثيراً، فربما تلك الكسور والكدمات التي تملأ وجهك تلقنك درساً بعدم التعرض لها مجدداً والا حينها لن يكون هناك مجال لتذكارٍ أخر، فمن الذي سيحمل تذكار ثمين على قلبه القبو!
ورفع يديه ليشير بحركاتٍ دائرية:
_أعد حساباتك مجدداً قبل أن يدعسك قطار الموت..
وتركه وخطى للخارج بكل غرور، ليدنو منها فلف يديه حول معصمها وارغمها على الخروج خلفه، فما أن ابتعدوا سوياً عن المنزل حتى جذبت يدها منه وهي تتساءل ببكاءٍ:
_لماذا فعلت ذلك؟ أنت لست مجبراً!
ابتسم عاصي ثم ضرب كف بكف وهو يردد بحيرةٍ:
_لا أصدق، أنقذتك من ذلك الأرعن منذ قليل ولم يعجبك ذلك!
أطبقت على شفتيها بقوةٍ وهي تتحكم في دموعها، ثم قالت بصوتٍ مختنق:
_الى متى ستظل تنقذني منه!
منحها نظرة عميقة قبل ان يقترب منها، ليخبرها بصوته الرخيم:
_إلى أن تزهق روحي فحينها سيكف عن ملاحقتك..
ثم تابع بقوله المعسول:
_وربما حينها سيخشى أن يلاحقه شبحي فسيتركك لا محالة..
انغمست بكلماته التي اينعت رغبات حبها تجاهه، فرفعت حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_ماذا حدث لك؟
تعلقت عينيه بعينيها وهو يجيبها ببطءٍ:
_أحببت الحياة التي عكستها عينيكِ... والآن أرغب برؤية المزيد...
ثم جذبها اليه ليردد بهمسٍ ساحر:
_فلنتزوج "لوجين"..
ابتسمت ساخرةٍ:
_لا أصدق أن من يقف أمامي هو السيد" عاصي سويلم" الكئيب، علني أحلم حلماً سخيف وربما سأستيقظ منه قريباً..
هز رأسه نافياً وهو يخبرها بمكرٍ:
_لن أدعك تستيقظي منه إذاً...
*******
قريبا الروايه بالعامي انتظرونا
أنت تقرأ
الاربعيني الاعزب
Romantizmنوفيلا _كاملة لملكة الإبداع ايه محمد رفعت ضمت شفتيها معاً بإرتباكٍ، فقربه يزيد من رجفة شوقها إليه، تود إن تمرمغ رأسها بأحضانه، فكم قست ليالي دونه بجفاءٍ، فبات نهارها شبيه بعتمةٍ الليل الكحيل، وكأنه سحب نورها وتركها تنازع حتى الرمق الاخير، لقاء الأعي...