النّرد يَحكم بيننا بالعدل
تأليف
حسين عبد الحسن محسنانتقال متكهّن، ذلك منزلنا الجديد، هل من أحد هنا، لا أحد. حدّقوا به جيدا قبل الدخول، ولماذا نفعل ذلك، لا أعلم ولكنه حدسٌ يستبدّ بي عند رؤية أي شيء جديد. هيّا فلندخل، أمسك الشعلة، انظروا انها زهرة أمارلس، يا للمصادفة السعيدة، ولكن لماذا هي وحيدة وتحت هذه الأريكة دون غيرها، هل هي صدفة. ربما أُلاحظ ورغم هذه الآثار الدّالّة ان هذا المنزل لم يسكنه أحد. أنا أُوافقكَ، لماذا تحدّقون فيَّ هكذا. حسنًا انه منزل جديد وجميل جدًّا. أظنكِ نسيتِ شيئًا ما. أنا لا أنسى الا ما أتذكّره بإخلاص شديد لشغف النسيان. فلندخل؛ أنا سأظلّ هنا أراقب المنزل. لا أظنك خائف. ولكن ألا ترون ان ستائره شبيهة بزوجة أبي حين توبّخني، ولكن ليس بهدف إصلاحي. أنت محق. ما رأيكم أن ندخل معًا بنفس الوقت. تقصد أن نهلك معًا بنفس الوقت. لا لا، لن أدخل، انه منزل غريب، خصوصًا ان هذه الزهرة التي تحت الأريكة أثارت شكوكي، بالإضافة الى تلك الستائر الشبيهة بزوجة أبي. أُفضّل أن نعود أدراجنا، فما زلنا صغارًا على الرعب. ان منزلي القديم بانتظاري. ماذا نفعل الان؛ من منكم سمع بإرادة الخوف، بالنسبة لي سمعتُ بخوف الإرادة. نعم هكذا أفضل؛ خوف الإرادة. لا شيء يستحق أن نموت من أجله؛ حتى الموت لا يستحق أن نموت من أجله. ما الذي أتى بنا الى هذا المكان. أنا لا أُحبّ الحياة كما تعلمون، دائمًا ما أفضّل الموت عليها، مع ذلك لا أريد ان أموت. هل الأمر حقًّا يستحق كلّ هذه المخاوف؛ ليس سوى منزل قديم كان على ما يبدو مسكونًا من قبل أُناس طيبين، والدليل على ذلك زهرة الأمارلس هذه التي تحت الأريكة. تقصد تحت هذه الأريكة دون غيرها. ألا ترى ان هذه الأريكة مختلفة تمامًا عن هذه الأرائك. نعم هذا صحيح ولكن ماذا يعني هذا. لا يعني أي شيء، أنتم تبالغون كثيرًا، انها مجرّد صدفة لا أكثر، سأدخل أنا وليحدث ما يحدث. انتظروني هنا. لا أقصد انكم جبناء، أنتم خائفين فقط ، وليس الخوف كالجبن. كَثُرَما أنجب الدّهر متهورين مثلي يلقون بأنفسهم الى التهلكة. لابأس من المحاولة؛ نراك بخير. دعونا نبتعد أكبر قدر ممكن لئلا نسمع صراخه وهو يطلب النّجدة، سيؤنّبنا الضمير إن سمعناه ولم ننجده تأنيبًا قد يكون أشدّ رعبًا من الدخول الى هذا المنزل. تُرى كم سيبلغ مدى صراخه أيها النّدم الذي لا ضمير له. تُرى هل للجَمال أبطال. ماذا تقصد. أقصد إن هذه الزّهرة مكشوفة النّمو كما لو أنها تتباهى بشيء لا يستطيع أحد رؤيته. الشتاء والنّوم ووصف نتيجة العادة. المهم الآن بقاؤنا بعيدين عنها، انها لإهانة عظمى أن ترى في المنام كابوسًا على شكل زهرة أمارلس؛ انه الشّكل الذي لا يمكننا التحدّث عنه؛ هذا لأنه، لا أعتقد اني أعرف لماذا. النجدة، النجدة. لا أحد يصرخ أنا متأكّد، كلّ ما في الأمر انها زلّة لسان، نعم ان زلّة اللسان دائمًا ما تأتي على شاكلة النّجدة، لذا لا تقلقوا سترون أحصنة أمام المنزل وسيوف خشبيّة مسالمة تشبه نهاية العالم تمامًا.
المشاة مستعدون، سنحرّر شبهات هذا المنزل أيها القائد. من تقصد بالقائد. انه نحن جميعنا والذي دخل قُبَيْل قليل الى المنزل والذي لا ينطق الكلمات بصورة صحيحة، تعني زلّات اللسان التي دائمًا ما تكون على شاكلة النْجدة. بالضبط ؛ إذًا دعونا نتفقّد أكاذيبنا. الليلة ليلتنا، ان الكذب يغذّي الصّبر حتى التخمة، لذلك لا تتوقّفوا عن الكذب، بالرغم من انه حتى الكذب قد يغدو مستحيلًا في بعض الأحيان. أتذكّر ذلك الصبي، كم كان رائعًا، لقد كان يواجه عيون الضحايا المجرمين بأسلوب لم يخطر على بال موطنه الأصلي. أظنه كان يدافع عن قبر والده. كم كان قبرًا زنبقي، حتى ان علماء النبات بذلوا جهدًا لا يُستهان به في دراسة تراكيبه. كان يومًا حافلًا بشهرة القطيع. أرى ان هذا المنزل يشبه الطاولة. لقد تأخّر صديقنا كثيرًا. سحقًا لزلّات اللسان، آه لو كان يلفظ كلماته بصورة صحيحة. النجدة، النجدة. يا للأسف ان زهرة أمارلس أصغر الضيوف هنا. دعونا نشرب نخبها ونخب صديقنا. أيها الضيف الصغير اجلس بهدوء، كن مهذّبًا، لأننا لن نُرعب أحدا سواك هذه الليلة. هذا هو الفارس المقلوب على بطن حصانه يتفقّد جنوده، جميعهم بخير. الآن دعونا نتحدث عن الأوراق الخضراء. أعتقد اننا إذا بحثنا جيدا سنجد زهرة أمارلس ثانية. سأجلب لكلّ واحد منكم ورقة خضراء. نحن هكذا نَحُلّ الحل من أجل المشكلة. حسنًا، ما الذي يجعلنا متشابهين في هذه الليلة القمعيّة الشّكل. أشعر بأننا سنتحدث طويلًا. النّجدة، النّجدة. تبًّا لقد عادت زلّات اللسان كما كانت. انها تشتهر بإفراط كلّما كان صاحبها يتكلّف دور البطل. دعونا الآن نحدّق في الأشكال الهندسية. هل لأنها أوراق تكوّنت في ليلة خريفيّة. أية أوراق تعني. الأوراق التي تتساقط بشكل طبيعي. أنا لا أرى شيئًا يتساقط إلا عندما يلامس الأرض تمامًا. جميعنا يعلم ان زلّات اللسان خصوصًا تلك التي تأتي على شاكلة النجدة لها وقع خريفي في مسامعنا. أنت محق مثل هذا الجندي المختبئ تحت هذه الأريكة دون غيرها. سأعلن عن غيابي أنا أيضًا. ليس من العدل أن يكون قطر غيابنا ٥-١٠ سم. متى تتكوّن الأوراق من جديد. ما عسى ذلك الصبي الذي تردّد كثيرًا في طلب النجدة، نعم لقد تردّد كثيرًا. اوه انها ليلة دافئة، متى يتكوّن الجديد من الأوراق. ألا تلاحظون ان هناك من سيدور في هذا المهرجان الدافئ. انها أشباح الصقيع أو طلب الراحة، مثلًا الراحة، الراحة، الأبدية، الأبدية، ألا ترون التشابه البليغ كأن تقول النجدة، النجدة. اللعنة، كيف نسيت. ألم أقل لكَ انك نسيت شيئًا ما. كيف أصبح لاعن إبليس ملعونًا. كم شُبّاك سيتحرّك على الطاولة ذات المرآة السقفيّة. هيّا أيها الحضور تمتّعوا بهذا الرعب فقد يكون هذا آخر رعب تصادفونه في حياتكم القصيرة. تنعّموا بهذه الأجواء الربيعية. ان زهرة أمارلس تزداد نظارة لحظة إثر لحظة. أُقسم انها غيوم نرجسية الطالع. لقد أجبرنا خوفنا على أن تكون زهرة أمارلس هي المنجّم. نحن في قبضتها الرقيقة. هل تظنون اننا نستطيع الهرب. فليبدأ كل شيء حتى وان كان لا يعرف كيف يبدأ، لابدّ أن يبدأ فقط لأننا بدأنا. لن تصدّقوا اذا قلت لكم ان المسافة التي بيننا وبين المنزل ٧- ٢٨ سم. من منكم يفكّر في الهرب، من منكم سيحاول أن يسبق ضميره والعدالة الى مكان آمن. إذًا نحن الحيوانات الراقية نفكّر في الهرب. يا لها من مصادفة متوقعة منذ أول مخلوق. هيّا أيها الطفل جرّب إرادتكَ منذ الان واختبر ضميرك بنفسكَ دون مساعدة الاخرين. لن يرقص أحد معك غير قَدرك في هذه الحفلة المنتمية للمصادفات المتوقعة. اختبر صحّة مشاعركَ واحترمها بنفسك. ستة أوراق زهريّة جعلتنا لا نثق ببعضنا البعض. ستة أوراق زهريّة جعلتنا في حالة من الهلع وعدم الاحترام دونما أسباب منطقية. هل تصدّق أيها الطفل البريء كلّ البراءة من وحشيّة الضمير البشري ان ستة أوراق زهريّة تفعل كلّ هذا. أيتها الأقدار المتردّدة، هناك كرسي تحت الطاولة وهناك لعبة مدلّلة ذات تنّورة قصيرة. لا تخافوا من العدالة فهي مشغولة جدًّا، لن تفطن لدموعكم. أيها الوجدان الذي يدفع نفسه للأمام بلطف عندما تنحاز الضرورة لارتكاب الآثام. ان للمساواة حقوقًا لا يفهمها نظام هذا الكون، فهو يعلم انه لن يعترف بها. أعيدي المحاولة أيتها المحاولة. نحن لسنا سوى محاولة، فليس من يقوم بهذه المحاولة نحن. لابدّ ان حبل الساعات سينقطع هنا بأداة جارحة من جواهر رخيصة. قف عند حدّك مهما كانت ساعة يدك ذهبيّة. ان زمنكم هذا لا يعتذر الا من نفسه، ولكن ربّما يكون شخصًا طيّبًا حين يخطئ في حقّكم ثم يعتذر من نفسه. يمكن تعريف هذا الزّمن بأنه اللارجعة التي لا تعلم في أي اتّجاه هي. إياكم أن تستخدموا أحلامكم لقياس الزمن. ان أحلامي ما هي إلا شعور الإنسان بأنه على وشك أن يفقد صوابه. أسرع في دراسة نفسك أيها الزمن، فلم يعد هنالك ما يكفي من الوقت لتحفيز الاشتقاق على مفهومه المركّب من معتل ثانوي. قد نعود مع شروق الشمس الى هذا المنزل ان استطعنا العودة باتجاه معاكس للزمن. الرجوع الى الوراء ليس زمنًا بل هو فرصة مثاليّة للمتاجرة بروح تائهة ضالّة لا تنتمي لأي شيء. تساقط أيها الرّمل. ان مذاق النهاية مهما كان فهو سيحرّر أجنحة الطائر فقط أما جسده فلقد أصبح أحد قضبان القفص. حتى الموسيقى باتت تخدعني. تساقط أيها الرّمل. هل لاحظ البشر تلك الظاهرة العجيبة المألوفة في أن تكون مبدعًا في تحطيم نفسك، في أن تكون عبقريًّا الى حدّ لا يطاق في إخماد أنفاسك. تلك فراشة لها خرطوم فيل، ها أنا ورغم الصداع المزمن الحاد أصف لكم الأشياء بدقّة. نعم فراشة لها خرطوم فيل، تتنزّه خارج تعاقب الأيام. كفاكِ خداعًا أيتها الموسيقى، أنت لا تختلفين عن تلك الساعة التي يُقاس بها الزمن. تساقط أيها الرمل عوضًا عن النّدى. أخيرًا حان وقت الإقلاع عن التدخين. انها النهاية تفعل المستحيل مهما كنت مدمنًا. لم تُعطي هذه النهاية فرصة للسرطان، هذه هي فائدتها الوحيدة. آخر سيجارة أيها المتّهم بجميع أمراضك. سيتساقط هذا الدخان كالنّدى على الأزهار، تذكّروا ذلك. حسنًا يا تاريخ النهاية، أعدك انني لن أنتهي مرة أخرى. وداعًا أيها المستقبل، أرجو أن لا نلتقي مرة اخرى. ان نهايتي هي الشيء الوحيد الذي يحترم وجودي، انها تفهمني حتى قبل ان أفكّر وأشعر. كنتُ أعلم ان نهايتي هي الصديق الوحيد الذي لن يخذلني. أنا ممتن جدا لنهايتي، أتمنى لها حظًّا طيّبًا معي. أستطيع رؤية أنفاسي واضحة في المرآة. ان زجاج الزيتون سيبني عشًّا لحمامته البيضاء التي تحمل الغصن معها أينما ترحّلتْ لتحطّ عليه عند التعب. يا زجاج الزيتون ان آثار الوقت القرمزية مستعدة لاقتحام خلوة لحاء الملامح الجدارية. هنا ميّت ينتظر بفارغ الصبر أن يأتي أحدهم ليرمّم قبره. سأقرأ القصص التي لم يخلق الله أَبطالها لعلمه انهم سينتحرون قبل أن يعرفوا ان الانتحار من الأمور المخالفة للأوامر الإلهية. تحت ظلال شجرة الزيتون أو شجرة التوت الأسود لماذا تساقطت أزهار الزيتون، لماذا ينمو القمر تحت الطلاء. عشٌّ صغير جدًّا ذو أجنحة عملاقة. هنا حيث تعيش دودة القز، وهناك حيث يُنتَج الحرير. هل أهملَنا ذكر الله أم نحن من أهملْنا ذكر الله. آيْ أيتها الشجرة المعمّرة، لا حاجة لأن تهزّي أغصانكِ الملامسة للأرض كي تتساقط الأثمار. لن أختلف معك فالسبب واضح من حيث عدم تكوّنه والآمال ناضجة بما يكفي لِنُخدع أثناء تناولنا لثماركِ غير الناضجة بأنها ناضجة. دعوني أصف لكم ظلم الانفراد بهذا الزّمن حيث التقويم القمري، أليس هذا محبّبًا لانحراف الفصول عن طبيعتها يا شجرة الفصل الخامس. لك أن تنكر كلّ ما تريد لإلزام نفسك بما لا تقوى عليه، فهي مهما بدت سيئة يمكن اعتبارها خيارًا بديلًا لأرزاق نصيبكَ بالإرادة فقط . ذلك ما تدعوه تهمة الاختلاف من كلّ مقصود بشري، من ذلك تبزغ الحقيقة في خلود الوسيلة لا في خلود الغاية. انه الادعاء المستنكر جهلًا بعد تصفية الحساب مع الضمير. لن تُلزم الحق إلا بسلوك غيره، فكن جاهزًا أيها الذابل الناضج في هذا المهرجان الاستعماري. لإن تكون مختلف مع سعادتك تذكّر ذلك حتى وان كنت غير مسؤول عنه. انها نصيحتي التي لا أنصح بها أي أحد. أيها التقليديون كم أخجل من ذكر أسمائكم هنا. هل نسيتم انكم أغبياء الى حد لا يثير الا شفقة الأغبياء مثلكم. أنتم أغبياء لضرورة لا يمكنني تجاهلها، أما أنا فمتسوّل نقدي، لا يمكنني العيش دون نقدي لغبائكم. ان غبائكم يثير شهيتي النقدية. ان غبائكم بحد ذاته نعمة يجب أن تشكروا أنفسكم عليها، فما أجمل أن يكون غبائكم هو الشيء الوحيد الذي لا يختلف فيه اثنان. ما الذي قلته. لا شيء، كنتُ أتحدث مع نفسي فهي مريضة على ما يبدو. نهايتنا الوحيدة لجميعنا تخصّ واحد منّا فقط . هواياتنا مختلفة عنّا كثيرًا. هل تستطيع الهواية أن تتحكّم بالمزاج كما يتحكّم بنا. كم كرة معدنية ستسقط راقدة على شيء تضمّ زوايا شكله السداسي بالكامل. كلّ ما أحتاجه قبضة صخريّة عملاقة أحطّم بها الرّقدة الاولى للكون حتى يغدو نقاشنا أكثر دقّة في مواضيع القاع الأخضر. لقد كان الأوك العظيم يحذو حذو المراقد الأولى لنوعه. كنّا نرقد معًا في مسار من كون تقريبي حتى رأينا طيفه ملتصقًا بذرّات عظام النجوم. لم أتخيّل بالمرة كيف استطاع ذلك الطائر ان يصل الى ذلك الانخفاض العظيم. حاولنا أن نتكاثف في رصدنا لوجوده، غير انه استدار مع مواقع النجوم فربط أجزاء سفينته الفضائية المغطّاة بالرّيش الداكن. خطر على بالي من الوهلة الأولى حين صوّبت نظري نحو أطراف أعناق النّجوم كما لو أنني رأيتُ ماضٍ جديد لكوكبنا، ماضٍ لم يؤرّخه أحد. قال أحد رفاقي لقد كنتُ محقًّا في أن نظريتي تؤكّد مسار ذلك الطائر. لابدّ أن يحمله هذا المساء لدرجة حرارة مناسبة للرقدة الاولى. هل تعتقد انه قادر على تغيير مساره. بالتأكيد، أترون ذلك السّحاب الأزرق الكثيف، بالرغم من كونه حاجز مروّع إلا أن طائرنا الحبيب ملتصقٌ بذرّات عظام النجوم. هل أنتم مستعدون لقفزة لم تخطر على قلب تلك الرّقدة المشؤومة. لن أغيّر مسار هوايتي من أجلها. أنا الان مختلف بما يكفي لمواجهة ذلك المسار الحالك بالسّحب الزرقاء .
ان هذا الانخفاض الذي أحرزه الطائر بنا لا يترك أي استحالة لمجادلة الرّقدة الاولى. كأن الليل مسلّح بمشاهدات لا تخصّ أعيننا. يا لها من مسكينة، هل كانت مخدوعة طوال الوقت. أخبروني بحقّ كلٍ ما لا يمكن تفسيره. نهايات تلك الرّقدة لم تصل الى حدود الابتكار بعد. ألا تلاحظون كيف ينخفض بنا هذا الطائر بعبقرية مؤسفة، لو تركَ الخيار لأجنحته لأحرز تقدّمًا لا يضاهيه أي تقدّم، وكأنكم نسيتم ان جسده ملتصقٌ بالكامل ما عدا جناحيه بذرّات عظام النجوم. إذًا لم تكن أحلامنا سوى مداعبة لمضيعة الوقت. ها هي ذي انجازات الليل تعود مرة أخرى، سنتعثّر في نقطة البداية من جديد. لابدّ ان لمهمتنا الوحيدة مهمة لا تخصّنا. بدأت أجنحة الطائر تتراخى على اكتشاف عظيم. نحن الان أمام بوابة عملاقة من ضروب الحياة القديمة، ولكن يبدو اننا نتأرجح على عدم تقييمنا لإنجازاتنا. وهل يمكن لأي إنجاز مهما كان عظيمًا أن يَثبُت أمام إنجازات الليل ولو للحظة واحدة. الكرات المعدنيّة تتراقص. هناك من اعتبر نفسه عملة في متداخلات شروح الضرائب الطارئة. ونحن بصفتنا مؤهلين لكل شيء يتحكّم بنا نتداخل في جاذبيّة مكوّرة مشحونة بمعطيات عصرها، مضيفة للمستقبل انحناءة ثقيلة بما يكفي لتغيير وجهته. الأوك العظيم ينتشر كأشعة حمراء، يتجاوز جميع الأنظمة الكونيّة، رغم انه يفقد مساره مع أجنحته إلا ان اندفاعه ما زال بعنفوانه، يتحيّن الفرصة المناسبة لالتقاط مرصد مركزية النجوم، وهو أيضًا سبّاح ماهر في السّحب الزرقاء. أحبّ السخرية أثناء المواعظ ، المزاح مع النصيحة يلبّيان الكثير من المطالب، أما الإهمال والتقاعس فيستقطبان مؤهلات تاريخ مشوّش ذو يافوخ فولاذي. لكم يا أصدقائي تقسيم تعاريف هذا الاختبار الذي سيمنحكم مآله اختلافات لا تحتاط بالممكنات. تلك هي الخريطة المعمول لها بخريطة أخرى تدلّ عليها. ما عسانا نفعل والنجوم تفقد مسارها كما هو متوقّع مع طائرها السماوي. الحلول لا يمكن أن تتساوى مع نقطة الارتكاز الوحيدة للمشكلة ذات المتغيرين. المتغيّر الأول: هو الاستناد الى البقع الأرضية الخضراء تلك الدّالة على صيّاد موجّه من الطبيعة نفسها. المتغيّر الثاني: يبيّن قياساته برؤية مختلطة محوريّة ثابتة بموجِّه خريطة عشوائي. ما الذي تُنجبه الأرض غير التأسّف الحارق. آه لو أستطيع اختصار تلك المسافات السماويّة بمستكشف حقيقي، لابتدعت ظروفًا جديدة للزمان والمكان أو لخارجهما. انك يا ماريو مانتوف تحتدم مع مستهلك الثوابت من الأرض، حتى ان قبورها الملوّنة بشتّى الألوان تنفذ عبر خصائص لا تلبّي متطلّبات الجسد الواحد. كلّ هذا التوزيع العبثي للأنظمة التي احتدمتَ بها تواجه مثيلها بما يُغاير مناطقها الحمراء والخضراء. يحزنني جدًّا انكم وجدتم ذواتكم في شائع المادّة. لقد اختصرتم الكثير من هفواتكم التي نسبتموها الى تحقيق الغد، في حين ان الغد في الارض ما هو إلا تمييز لنفس الخصائص وبنفس المواد والارتباطات. لن نستعيد أهمّيّتنا، اننا نتعادل دائمًا وفقًا لثوابت ومتغيّرات من نفس المادّة، لذلك لا يؤسفني ما يؤسفكم، بل ان ما يؤسفكم يسبّب لي الاشمئزاز. نحن نتمثّل في مساومات الغد، ليس بدافع الفضول الأرضي فقط ، بل أيضًا بدافع اختلافاتنا الواحدة. لن ننهض تحت أي صفة اتّجاه، فالبوصلة عمياء والاتّجاه أعمى. لقد كان نهوضنا احتياطيًّا؛ فما نصنع غير تجديد تساؤلاتنا بما يرضي الغد، ذلك الموصول بخلاف المستقبل، ذلك الثّري لا بثرائنا والبخيل لا ببخلنا. لقد أخذ يطرق على ملامحنا بشيء من أشباه العفويّة، وكأنه تناسل الهاوية، حيث لن يتوقّف طنين أدمغتنا، انه مستمر بتطهير الفكرة بفكرة أخرى قذرة. ينتابني شعور مظلم بأن الموت لا يبتسم من خلال شفا الموتى فحسب. لماذا أنتم منزعجون من كلامي، هل تريدون مني ارضائكم على حساب الموت. أنا خائف جدًّا على صحّتي من الدخان الأزرق. لا تقلق، لن تموت. ولكن الدخان الأزرق يمنعني من الاستيقاظ باكرًا. لا تقلق، لن تموت. ولكني مدمنٌ لدرجة ان أنفاسي تشع منها رائحة الانغلاق التام على العالم. هل هناك أمل؟ هناك إدمان فقط . وهل يموت المدمن ميتة الشجعان أم ميتة الجبناء المتعلّقين. سترى بخار ينبعث من عينيك أثناء البكاء. سأساعدك على الموت بهدوء. أعلم ان الدخان الأزرق أصبح كابوسكَ الوحيد. تضاريس الشّقق المتقابلة هناك حيث الإنكار بشفاهه العارية يختلس ألفاظًا مثل زبد قاع البحر أو مثلما تخلّفه المصادفات من قشور طازجة الى وقت طويل جدًّا. ها هو اللّعاب يسيل من عينيك. أعتقد انك متأثّر جدًّا بالنوافذ المطلّة على شوارع الوادي حيث النسيم الملقى على وجهه يطرّز انكماش المصابيح. يؤسفني انك ملقى على وجه وجهكَ أيضًا. كم من الوقت يحتاج الإنسان لكي ينمو وجهه فقط . الموت هو المعرّف الأكبر؛ ما من شيء إلا وله تعريف عند الموت. هل سأظلّ جامدًا هكذا دون حراك. لماذا لا تملك النوافذ عجلات، فالشمس تغيّر اتّجاهها باستمرار. آلاف المشارق والمغارب. ها أنت قلتها بنفسك، فما الداعي للعجلات. يبدو انك تريد أن تجعلني أسأل بدلًا عنك! هل أنت منزعج لأني ساعدتك. حلمتُ انني لم أعد أستطيع أن أحلم أبدًا. هل هذا حلم ما قبل الحلم أم في أثناءه، أمّا بعده فتمشّيتُ نحو رفوف الكتب حيث العناكب التي لا تؤلّف قِصصها النسيجيّة إلا في هذا المكان .