العزاء الأعظم

871 19 5
                                    

العزاء الأعظم

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

العزاء الأعظم

تأليف
حسين عبد الحسن محسن

كان مهووسًا بوضع أذنه على الأرض والنظر إلى السماء في وقت متأخر من الليل ،
توفي والديه في الوقت الذي كان فيه يخشى أن يكون عاقًّا بسببهما ، يبلغ من الفَنَاء تسع هدايا مغلفة بما تحتويه ، اسمي إل ... نسيتُ الأحرف الأخيرة من اسمي ؛ لا توجد فكرة تسبق نقدها ، إذًا ما الذي سأُفكر فيه ، أعظم ما يمكنك قوله مهما كان مستوى ثقافتك إذا أعيد التفكير به مليًّا يثبت بطلانه تمامًا ؛ أريد أن أبكي ، لا لا أنا أعظم يأسًا من أن أذرف الدموع ؛ أسناني تؤلمني ، هذا كُلّ ما في الأمر ، أتذكر أنه كانت لدي فرشاة أسنان أستخدمها أحيانًا في الرسم أيضًا ، أُحبّ الرسم جِدَّا ، أستطيع أن أرسم ، أن أرسم ، سأتذكر ، انتظر قليلًا أيها العابر المغمى عليه من فرط الانتظار ، آآآهاهاها تذكرت ، أستطيع أن أرسم شجرة طائرة ، أجنحتها أوراقها المتساقطة ، وجذورها حزام الأمان ، وأغصانها مظلة شبكية بين الصعود والهبوط ، وثمارها ذَرْق الحَمَام ، ههههه يا لي من أحمق موهوب ، حمدًا لله أنه لم يسمعني أحد رغم أني أصبحت لا أشعر بالخجل إِلَّا نادرًا جِدًّا . شيء لا يكاد يصدق ، كيف يسلمنا الله بيد هؤلاء الجهلة الأغبياء ، كم أكره الحياة الاجتماعية ، ها أنا ذا وحيد متشرد متسكع بعيد عن أولئك العبيد الشهوانيين الماديين الجبناء الرسميون النظاميون الانتمائيون ، أكرههم وأكره جميع أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم ، أولئك الذين لا تحرك مشاعرهم الطبيعة بكل جمالها وسحرها ، يبدو أنني شخصية معادية للمجتمع ، ههههه ، أكره جميع التوجهات الجنسية كرهًا شديدًا ، جميع أنواع الميول الجنسية تصيبني بالقرف والاشمئزاز ، تشعرني بانسلاخ كلي عن الحق والخير والجمال ، وكأنما لا شيء في الحياة سوى الجنس والسياسة والحرب . هل أنت مجبر على أن تكون جزء من هذا العالم البشري القذر ؟! كنت ذات يوم جالسًا مستمتعًا بوحدتي وتأملي فإذا بأحد المزعجين من السطحيين يجلس بجانبي ، كنت مبتهجًا باستماعي لحفيف أوراق الشجر داخلًا في سكرة ، نظر لي وقال : يذكرني هذا الصوت بأنين النساء في أثناء الجماع . من ليست له وجهة فلينظر إلى قدميه وهو يسير ، والآن أين سأذهب ، إلى المكتبة طبعًا ، وما الذي يوجد في المكتبة ؟! حفرية كلمات حية للغاية المفقودة على الدوام بين شجرة الخلد وخريف اللاجدوى . ما الذي أفعله الآن ؟! هل أخطب ود الأوهام كما فعل القدماء أم أستسلم للاكتئاب ؟! المصابون بالاكتئاب مثلي يعتقدون بأنه حتى الجنة عاجزة عن استرداد لذتهم المفقودة . الحياة متناقضة إلى الحد الذي ترى عيوب خلقية وماهوية ووجودية وبنفس الوقت ترى نحويون متحذلقون ينزعجون لأنك تلحن في الكلام . أيعقل أن هذا العالم وجد من أجل كائن قد يفقد صوابه لأتفه الأسباب وقد يتخلى عن مبادئه لأبسط الظروف ، يموت موتًا طبيعيًّا أو ينتحر كما لو أنه لم يوجد أصلًا .  لماذا يحاول الإنسان أن يكون مبدعًا وهو يعرف حق المعرفة أن أعظم المبدعين فشلوا فشلًا ذريعًا في أن تداوي إبداعاتهم عِلَل المتسائل عن الله والإنسان والحياة والكون ؟! كيف دخلت المدرسة والجامعة ، يا للفضيحة ويا للعار ، المدارس والجامعات تذكرني بعاهرة خجولة جِدًّا ، التقيتها وأنا في طريقي إلى التوبة ، دعتني إلى إله لا يحرم الزنا عند الضرورة ، فللضرورة أحكام ، أخيرًا وقبل أن أنسى دعتني إلى فراشها الذي صبت عليه الماء ثلاث مرات خشية أن لا يكون طاهرًا .
إلى أين يا أنا العبثي العدمي المتشائم المتفائل ؟! إلى أين أيها المتناقض الأعظم ؟!
هل ستعترف ؟! هل ستصمت أيها الحشرة التي رأت نفسها بالمجهر فخيل إليها أن ظهورها واضح جِدًّا تحت السماء ؟! لم تبدأ اللعبة بعد ولن تنتهي فأنهها إن شئت أيها اللاعب المجبر على أن يكون متطفلًا ... لقد فقدت نفسك فلماذا تصر ؟! هل تصدق أن شخصا ما ، سيفهمك وأنت نفسك عاجز عن فهم نفسك ؟! هناك زهرة تحتفظ بعطرها لنفسها دون أن تشعر ولكن سرعان ما تتشبع به فيترسخ اعتقادها بأنها الزهرة الوحيدة عديمة الرائحة ، ولكن ماذا لو انتشر عبقها ؟! هل ستعتقد النقيض ؟! الأرجح أنها لن تستنشق أريجها وبالتالي ستصدق أيضًا فكرة أنها الزهرة الوحيدة عديمة الرائحة . أهملوك كم أهملوك ، أسرتك ومجتمعك يتاجران بمشاعرك وأحاسيسك ، ما دمت لا تملك نفسك فأي شيء ستملكه ؟! أضغاث أحلام وما نحن حتى بتفسير الأحلام الصادقة بعالمين . دعني أسألك الآن بلماذا ؟! هذه اللماذا اللعينة التي تبرر كل شيء ، هذه التي لم يصمد أمامها الفلاسفة ، كم أثبتت أننا حيوانات جاهلة بكل شيء ، وحدها اللماذا قادرة على معالجة المصابين بجنون العظمة ؛ دعني أسألك الآن أيها الصديق الذي سيصبح بُعَيْد قليل وفيًّا إلى لا أحد ، إن عبارة دعني أسألك بحد ذاتها سؤال لا أنت ولا أنا نستطيع الإجابة عنه ، إذًا لا تسأل ، وهذا أيضًا سؤال لا نستطيع الإجابة عنه ، سواء توقفنا عن طرح الأسئلة أو لم نتوقف تستمر دورة حياة اللماذا المستقلة الاشتراكية ويستمر معها الرفض والتمرد والمفارقات والطبقية ... كُلٌّ يعمل على شاكلة اللماذا الخاصة به ، قل لي لماذا أقل لك لماذا ؟! فلنفترض أن ألبومًا فيه مليار صورة وصورة واحدة فقط من هذه الصور تحتوي على الحقيقة المفقودة التي طالما فشلنا في إيجادها ، مع مرور الزمن يبدأ الألبوم بالاهتراء شيئًا فشيئًا ومن ثم تتداخل الصور فيما بينها ويمتزج حبرها حتى ولو كان جافًّا مع بعضها البعض وبالتالي تؤثر كل صورة على غيرها بما يكفي لطمر معالم تلك الصورة الواحدة بالكامل . اللاانتماء هويتي ، عزائي الوحيد أنني لا أنتمي لأي شيء . خذلتك الحياة ، خذلك أقرب الناس إليك وليس شرطًا أن تصاب باضطراب التحدي المعارض بقدر ما إذا كنت حكيمًا أن تظل ساكنًا ولا تبدي أي ردة فعل كنوع من الانتقام من كل شيء . ها أنت ذا بلا صداقة وبلا حب ، ما الذي تمثله لك الصداقة ؟!
هل هي علاقة إنسانية متفردة أم أنها اغتراب المفهوم وتورية الدلالة بالنسبة لانعدام المعنى ؟! هل هي الضرورة المكتسبة لحالة الرضوخ التام والجبرية التي لا مناص منها والتي تكيفت معها أجهزتنا العصبية لاستيلاء منطقية الخوف بإحلال أوهام بديلة يستحيل الاستغناء عنها كالحياة بعد الموت مثلًا ؟! أنا أخاطبك ، هل تقصدني ؟! نعم أنت ، أنا لا أخاطب هكذا ، إذًا كيف ؟! لست أدري ، أن تنطق اسمي الذي نسيت الأحرف الأخيرة منه فهذه مغالطة ، ولكنني لم أنطق اسمك ، وهل هذا برأيك دليل قاطع ؟! أنا تلك النحلة التي لدغت نفسها وماتت فقط لأنها شعرت بِحِكَّة طفيفة ، مسكينة تلك النحلة التي لا تملك أظفارًا مثلنا نحن البشر الذين تطورنا من حيوانات متدنية إلى حيوانات أكثر رقيًّا من حيث الجهل والغباء والشر الذي لا ينافسه عليه أي حيوان آخر . كل الأديان في نظري ما هي إِلَّا خرافات وخزعبلات ما حَرَّم معتنقيها المخدرات إِلَّا لتحليلهم هذه الأوهام .
لا أستطيع تصديق أن هذه الخطة المرسومة هي من قبل إله حكيم ،  على الرغم مما في الحياة من جمال وغموض وإثارة وآمال عريضة واحتمالية الشك واليقين والظواهر التي تتناسب مع إمكانية فهمها إِلَّا أنها في أغلب الأحيان تذهلك بالعبث واللامعنى لدرجة أن المتجرد فينا لن يستطيع منع سيل جارف من الأفكار التي تؤكد بأن كل شيء خلق عن طريق الصدفة بما فيها الصدفة ذاتها حتى لو لم نتخلى عن فكرة أن هناك إله . تتطور العلوم يومًا إثر يوم وما زالت الشكوك القديمة محافظة على رونقها بل تزداد بهاءً وإشراقًا باطراد ، في حين ترى اليقين المسكين قابع في الحانات على الدوام . ما رأيك يا إل بما سمعت ؟!
إن ما يحيرني هو هل الله فنان كامل ؟!
كيف للكامل أن يخلق هذا الكم الهائل من النواقص ؟! لوحات غير مكتملة وأخرى يقال أنها مكتملة ولا يوجد دليل على ذلك ، لوحات بشعة ، لوحات جميلة ، لوحات تشمئز من النظر إليها ، لوحات لو رسمها فان غوخ لقلنا كيف لفنان عظيم مثل فان غوخ أن يرسم لوحات تافهة كهذه . يقال حارت العقول في معرفة كنهه  ، أي عقول يقصدون ؟! هل هي العقول التي فشلت حتى في التوصل إلى معرفة الأشياء التي أمرنا الله بمعرفتها حسبما أتت به الأديان السماوية الأرضية ؟!
لا أظنني هنا من أجل تعليم الله بقدر ما أنا محاصر بفكرة أن ما علمنا إياه يتناقض مع ماهيته تناقضًا يوحي بأنه غير موجود أصلًا ، أو أنه مات قبل قليل ، أو أنه لم يتدخل سوى في النشأة الأولى ، أو أننا تكوننا في ظل إله لم يكن له أي دخل في خلقنا وتكويننا حتى في النشأة الأولى فأعجب بهذه الصدفة العجيبة أو لم يعجب ، لا أحد يعلم ولا أحد يعلم أن الله يعلم .
والآن هل تذكرت الأحرف الأخيرة من اسمك يا صديقي المسكين إل ؟!
شكرًا لأنك ذكرتني بأن ذاكرتي ضعيفة .

4 سبتمبر 2022

🎉 لقد انتهيت من قراءة العزاء الأعظم 🎉
العزاء الأعظمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن