ما هو الملل، هل أن الملل حقا ملل؟ هل يأتي تلقائيا؟ بسبب أنفسنا، أمزجتنا ؟ من يعلم!
قد نميل للاعتقاد أن الملل هو رد فعل مباشر ومبرر للأنشطة الرتيبة. فنادرا ما تجد شخصا مثلا يستمتع بغسل الصحون أو إعداد الإقرار الضريبي. ولو ذكر شخص أنه يستمتع بمثل هذه الممارسات، فسوف يثير ارتياب من حوله... حقا !
غير أن الملل لا يوجد له تعريف واضح، إذ كشفت أبحاث امتدت لعقود أن الملل شعور غامض بقدر ما هو مؤلم، وأن القدرة على احتمال المهام الرتيبة تتفاوت بشدة من شخص لآخر.
ويقول جيمس دانكيرت، رئيس مختبر الملل بجامعة ووترلو بأونتاريو: "أعتقد أن جميع الناس يشعرون بالملل، لكن البعض لديهم قدرة مدهشة على التعامل معه".
وفي عام 2014، أجرى علماء نفس من جامعة فيرجينيا سلسلة تجارب عن شرود الذهن، واكتشفوا أن نحو 25 في المئة من المشاركات و67 في المئة من المشاركين، عندما تركوا لمدة 15 دقيقة فقط بمفردهم بجوار صواعق كهربائية - كالتي تستخدمها الشرطة - كانوا يصعقون أنفسهم عمدا من باب التسلية. وصعق أحدهم نفسه نحو 200 مرة.
وبخلاف التجارب المعملية، كشف الحجر الصحي مؤخرا عن أساليب غريبة ابتكرها بعض الناس لكسر الملل، منها قيام أحدهم بإعداد وليمة "بابلية" نقلها من وصفة محفورة على لوح طيني عمره 3,750 عاما تعود لحضارة بلاد الرافدين، واعتزام أخرى خوض اختبار المرحلة الثانوية الذي اجتازته منذ سبع سنوات، بدافع الفضول.
وعلى النقيض، يبحث بعض الناس عن تجارب قد تعد في نظر البعض مملة. إذ يزعم الناسك كريستوفر نايت، الذي قضى 27 عاما في إحدى الغابات بولاية مين عام 1986، أنه لم يشعر بالملل قط، رغم أنه لا ينكر أنه لم يكن يفعل شيئا في معظم الوقت.
ربما يكون الفيلسوف الروماني سينيكا هو أول من رسخ عادة الشكوى من الملل. إذ تساءل سينيكا في رسالة إلى صديقه: "إلى متى علينا أن نحتمل أداء نفس الأعمال الرتيبة؟"، وتابع: "أنا لا أفعل شيئا جديدا، ولا أرى شيئا جديدا، وهذا أيضا يصيبني بالغثيان".
إذ ذكر كريس هادفيلد أكثر من مرة "أن الملل لا يصيب إلا الأشخاص المُمِلين"وراج في العصور الوسطى مصطلح يوناني يعني "اللامبالاة"، وكان يعده رجال الدين المسيحيون مرادفا للفتور الديني أو الكسل الذي يندرج ضمن الخطايا السبع.
ودخلت كلمة "ملل" إلى اللغة الإنجليزية منذ مطلع القرن التاسع عشر، لكنها لم تجر على الألسنة إلا بعد أن ذكرها تشارلز ديكنز في إحدى رواياته.
وقد انتشر الآن الملل في كل مكان، حتى إنه يوصف أحيانا بأنه آفة المجتمع المعاصر. وفي عام 2016، قاضى موظف فرنسي رئيسه السابق في العمل، لأن الموظف كان يشعر أن وظيفته مملة إلى حد "يثبط العزيمة" و"يقتل الإبداع"، وحكمت المحكمة لصالحه.