الصدفة

84 10 0
                                    

لا تخلو الأيام من مقالب المراهقين ، تسكعاتهم في زوايا الأزقة ، و الأهم كانت حفلات المبيت الطائشة .. ، لم أحظى برفاق كثر ، تولين، المكتبة و أمينها كل أصدقائي .. و إنني مكتفية بذاك القدر .. ما يلفت الإنتباه حقا ، هو همس جولييت من شرفتها لروميو في الشارع و لقاءاتهم السرية عند الكوخ القديم المهجور .. ، مادام الحب ليس بجرم ما كانت لتهمس !! ما كان اللقاء سريا !! بمقدورها التكلم بصوت مرتفع ! إثر شرودي هذا و تمعني في الرواية اقتحم فكري صوت إنجي ، لقد قطعت حبل أفكاري تبا ! إنها فتاة من صفي .. سأقيم حفلة في بيتي مساءا ، أود منك الحضور حتى نقضي بعض الوقت الممتع ، سأكون بانتظارك .. كذلك قالت ،لوحت برأسي رافضة عرضها .. أصرت مطولا و لم أستطع الصمود أكثر .. إخترت فستان سهرة طويل أسود بقصة جانبية و سرت لمقصدي ، حفل صاخب !! حقا ؟ لم أشهد مثيلا لما رأيت ، و لا أنفي أنني رفهت عن نفسي حقا .. رحل أغلب المعازيم .. ثم جاءت أفضل جزئية .. في الباحة الخلفية لمنزلها أشعلنا ألسنة لهيب و رحنا نشوي كرات المارشميلو ، كلها ذهبية صارت .. تحت القمر ، ضحكات متعالية .. عزف على الكلارينيت .. سحقا! كم أنه بارع .. أظنني أعرف هذا الفتى ؟ تلك النظرة الساذجة ، أين رأيته ؟ أين .. تكساس !! توسعت أحداق عيناي فجأة ، كيف للعالم أن يكون صغيرا بهذا الحجم ، جمعنا القدر مرة أخرى بأقرب الأشكال !! داخل حلقة نار و بيننا متران ! .. في مكان مخالف ! .. التخمين في الأمر مرعب .. إتخذت وضعية نسيان أمره ، غبي ! لا تُنطق تلك الكلمة هكذا .. مضحكة جدا لهجته .. اوه أنا حقا لا أهتم ؟! عدت بعد منتصف الليل تقريبا، و هاهي الأضواء كلها مشتعلة ،لا شك أن تولين هنا .. دخلت ببطئ حتى لا أوقظها .. لكنها لم تنم أصلا ! نظرت لي بحدة ثم قالت؛ كونك تعيشين بمفردك هذا لا يعني أنك تنافسين الليل سهرا ! و تتصرفين كما يحلو لكِ ! أين كنتِ ؟ تجمدت في مكاني .. أنا أتلقى كلاما فظا و ثقيلا علي كهذا منها ؟ ..سدت غصة عنقي و أغدقت الدموع عيناي ، تقدمت نحوها بهدوء و إحتضنتها حضن الحزين قائلة حظيت بوقت جيد لأول مرة و ستكون الأخيرة أعدك ..أحاطتني بذراعيها و لم تكد تفعل ثم قالت خِفت أن يَمسكِ سوء فأُهلك ...
تخرجنا .. كانت إهتمامات تولين بالبرمجيات منذ الصغر و قد إستمرت على النحو حتى الجامعة ، ميولي كان علميا أكثر و إتخذت مسلك البيطرة دربا .. لطالما أثار إنتباهي سلوك الحيوانات في هذه المحمية ، نظراتهم حين تلقي العلاج .. و شعورهم حيال الأمور ، يشبهون البشر كثيرا إلا أنهم أوفى و أصدق قليلا .. لعل إنعزالي من المجتمع أصدق قرار اتخذته مع نفسي .. ها أنا ذا ! أمريكية هادئة كأني بندوقية صيد في ذروة السلام .. سمعت في الراديو قبل قليل أن الحكومة تتخذ إجراءات ضد العصيان الذي حصل في البلدة رفضا للعمدة الجديد ، و حرصا على سلامة الجميع ، إضطررت للمكوث في المنزل البائس هذا ! لم أنتبه لوجود هذي اللوحة هناك ! كم أنها بشعة .. يا إلهي بدأت أجن !! ألن أذهب اليوم للعمل حقا؟! أشعر بالسوء حيال الموضوع .. أعددت كوب حليب ساخن و جلست عند الشرفة أراقب المارة .. أشعر بالملل ! الساعة متوقفة عند التاسعة منذ عشر ساعات ! لا توجد حشود ! أظنني سأزور حيواناتي ، دخلت مركز المحمية فإذا بفرسي الجميلة مخدرة و شخص ما يقف بجانبها .. ركضت نحوها هارعة لما حل بها ، جثة هامدة مستلقية على التراب الخشن البارد ، قال أنها تعرضت لجروح بالغة إثر إقترابها من شباك حدود المحمية و قد نزفت كثيرا من الدماء و إضطر لإسعافها ..أكملت ما تبقى .. بيدين مرتجفتين و قلب مرتعش .. قلت لولا تدخلك لكنا خسرناها أنا ممتنة لك ، أتأملها .. لا تتحرك إنني أشفق على عمق الإصابة .. هذا واجبي آنستي ، بالمناسبة أدعى راؤول ..
أنا أنا إيمي .. و بسطت يدي للتحية
قال أتذكرك ؟ من حفلة إنجي كنتِ هناك .. نظرت بإستغراب إليه ؟ لا بحق السماء فتى تكساس ! فتى الكلارينيت
مجددا .. لكن كيف !! لا أدري ما إذا كنتم ستصدقون أم لا لكنه عُين كطبيب بيطري في نفس مكان عملي لا ! و قد درس تخصصي ذاته ! أصبح صاحب اللهجة المترنحة زميلي .. و كنت دليله طيلة فترة تربصه ..
بعد عدة أيام بدأت جروحها بالتعافي رغم صعوبة سيرها .. و بدأت الإعتياد على راؤول شيئا فشيء من كان سيظن هذا ؟ فتاة المكتبة الإنطوائية تخرج من عزلتها ! أحضرت لكِ قهوة ، هل قال لك أحدهم من قبل أنك لطيف ؟ أجاب بغرور أجل ! .. إبتسمت و قلت إنه يكذب ، فرد قائلا لم أعرف أنكِ تكذبين .. ربما ضحكت خجلا أكثر مما قاله ، لا تزال آثار الطفولة عالقة بتصرفاتي الخجل .. و حتى العدوانية ، كنت ساذجة للغاية في المطار حمدا لله أنه لم يتذكرني هناك .. أشعر بالندم الشديد ..

 أحببتُه مسيحيًا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن