الفصل السادس عشر

656 14 0
                                    

الفصل السادس عشر
احتلال
بسم لله
................
أجمل لحظة في الحب .. هي قبل الإعتراف به... كيف تجعل ذلك الارتباك الأول يطول... تلك الحاله من الدوران التي يتغير فيها نبضك وعمرك أكثر من مرّة في لحظة واحدة.. وأنت على مشارف كلمة واحد
احلام مستغانمي
.................
فتحت عينيها بنعاس لتجد نور تنام جانبها على الفراش .. رفعت رأسها والقت نظرة للساعة المعلقة على الجدار وكانت تشير الى الثانية عشر والربع بعد منتصف الليل ...رمت رأسها مرة اخرى على الوسادة وابتسمت برقة وهي تتذكر ما حصل ... رغم لحظات الرعب الحقيقية التي عاشتها في الساعات الماضية .... الا انها شعرت بالآمان فور وصوله ... بين ذراعية وجدت مكانها وجنتها ... ااااه عروة ... عروة هو الرجل الذي تريد ... عروة هو حبها الحقيقي الذي دخل حياتها فجأة وبأبشع واغرب طريقة ... من المفترض ان تخشاه ... تبتعد عنه ... الا ان ما كان يحصل معها العكس ... كانت تخافه وتحبه ... تريده قريباً وبعيداً بنفس الوقت ... تشتاق لنظراته وتنفر من قسوته ... منذ اليوم الاول ... منذ النظرة الاولى احبته ... وقعت بهواه كالمراهقة الصغيرة ... والان تأكدت من انه يحبها ... اجل اجل يحبها كان واضحاً بلمعة الخوف والذعر المرسومة على وجهه ... انفاسه اللاهثة العطرة التي لفحتها ... ضربات قلبه الهادرة التي احست بها تحت وجنتها ... كلها مؤشرات تخبرها وتثبت لها بأنه يحبها ... يحبها هي ترف ... الفقيرة البسيطة !!!
تململت بفراشها تريد ان تعتدل وتجلس قليلا ...لتستيقظ نور بسرعة وهي تضع يدها على فمها تتثائب قائلة
-حمدلله على سلامتك عزيزتي
اجابت ترف وهي تحاول الجلوس
- اااه نور سلمك الله
ثم نظرت لها و قالت ببرائة
- مالذي حصل ... اقصد من احضرني للمنزل؟!
اجابت نور بمكر وخبث
- السيد عروة كان يحملك بين ذراعيه ... يا لك من محظوظة !
قالت ترف ووجهها يتحول لكتله من اللون الاحمر بينما ضربات قبها تعصف بصدرها من شدة خجلها وسعادتها
-مالذي تقوليه !!! انت بالتأكيد تمزحين ؟!
هزت رأسها وقالت بجدية وهي تجلس امامها
- كلا ترف ..انا لا امزح صدقيني ... فقط لو ترين وجهه كان مذعوراً وشاحباً ... يصرخ بقوة وهو يحملك ...
ثم قلدت صوته بشكل مضحك
- احضرو الطبيب ...بسرررررررعة احضرووو الطبيب
كانت ترف تستمع لها بسعادة .... تركز على كل كلمة تقولها نور بينما خيالها يسترجع ما جرى بينهما ... كيف احتضنها ... كيف قبل جبينها ...كيف كان خائفاً عليها بصدق ولهفة وذعر حقيقي !
ربما لو كانت بظروف اخرى واخبرتها بما فعله عروة لم تكن لتصدق ولو بعد مئة عام ... اجل من الذي يصدق ان عروة البارد القاسي الذي كان يزجرها ويسمعها الكلمات المهينة القاسية هو نفسه الشخص الذي كان عليه منذ عدت ساعات !! يحبها .. يحبها ... الان هي متأكدة مئة بالمئة !!
اضطرت ترف لأخبار نور كل ماجرى .... وكيف استدرجها صادق وقام بخداع الصغيرة حسناء بقطعتي شكولا لكي تساعده على احكام خطته اللعينة ... وكيف وصل عروة بالوقت المناسب .. لكنها لم تخبرها عن القبلة ولا عن الاحضان الدافئة التي توسدتها لدقائق معدودة قبل ان تفقد الوعي امامه !
وعندما انتهت قالت ترف برجاء
- ارجوك نور ... ارجوك فليبق هذا الأمر سري بيننا ... لا اريد احد ان يعرف خاصة ريتاج !
اومأت نور مؤكدة وهي تقول
- لا تقلقي ترف اعدك لن يعرف احدا بهذا الأمر مطلقاً
طرقات على الباب جعلت نور تهب واقفه ثم تتجه لتفتحه ... وصل لمسامعها صوته الرجولي ليخفق قلبها حباً لهذا الرجل المتقلب المزاج الذي انهكها عشقاً وهياماً
- هل استيقظت ترف ؟!
اجابت نور قائلة بأدب
- ا..اجل ...سيدي
تنحنح قائلا بخشونة
- اريد اتكلم معها هلا اخبرتيها بذلك ؟!
هزت رأسها بذهول ثم اغلقت الباب بعفوية وهي تلتفت لتنظر لترف بعينان متسعتان .. لتشير الى الباب هامسه بصوت غير مسموع
- يريد ان يكلمك !!!
كانت ترف تبادلها النظرات بذهول لا يزيد عن ذهولها ... الجم لسانها لاتعرف ماذا عليها ان تقول ... لتتحرك نور بسرعه وتخرج لها وشاحا وتلفه حول رأس ترف التي تجمدت مكانها لا تنبس ببنت شفه ...همست بأبتسامة ماكرة وهي تهز حاجبيها
- هياااا سأدعه يدخل وانا سأخرج
وقبل ان ترد عليها ترف كانت نور قد وصلت للباب وفتحته ثم قالت
- تفضل سيدي
خرجت وهي تحني رأسها بأدب .. دلف للداخل وهو يركز نظراته على وجهها المورد ... عيناها المسبلة ... ويديها التي تعبث بطرف الغطاء بتوتر ... للأن لايصدق ما حدث وكأنه بكابوس مرعب ... بحياته التي قاربت على الثمان والثلاثين لم يشعر بهذا الذعر والخوف ... كانت بالفعل لحظات عصيبة ... عندما اخبرته نور بماحدث هرع بسرعة الى منزل الحارس جميل ليسأل الفتاة الصغيرة عما حدث بالضبط والى اين اخذتها ... اعترفت بطفولية و اخبرته بسرعة و خوف بعد ما لمحت ملامح الرعب والغضب المرسومة على وجهه ... عندها دعى وتضرع لله ان يلحقها بالوقت المناسب قبل فوات الاوان ... اما صادق فقد كان حسابه عسيراً معه.... فما ان اطمئن على ترف واوصلها بنفسه للمنزل واحضر لها اطبيب ... حتى ذهب بعدها مسرعاً الى الكوخ الشرقي ليجد الرجال يحيطون بالمكان وهو هناك مرمي في وسط الكوخ القديم مكتف الذراعين والكدمات تملئ وجهه ... كان يلهث من التعب والاعياء لكن ورغم منظرة المشوه هذا الا ان غليله لم يشفى .... انقض عليه مرة اخرى يضربه بكل مكان واي مكان تطاله يديه ... ليهمس قائلا
- هذا لكي لا تسول لك نفسك للمس اي شيء يخصني مهما كان !
كيف خدع فيه لهذه الدرجة !!! هو كان يعرف بانه زير نساء ... شأنه شأن الاف الشباب الذين يقيمون علاقات مع الفتيات وبموافقتهن ... لكن ورغم ذلك هذا لم يمنعه من ان يكون حريصاً على سير الامور في المزرعة ... كما ان احدٍ من المزارعين او العاملات لم يشتكو منه ابداً ... ومادام هو غير مقصر في عمله اذن حياته الشخصية لاتهمه بشيء ... لكن يبدو انه قد اخطأ باعطائه اهمية وثقة لمن لايستحقها !
كاد ان يفقد حياته وهو يتلقى ضرباته دون حول ولا قوة الى ان جاء احد رجاله وهمس له بجدية
- اتركه سيدي قد نال جزائة .. ثم لا تلوث يدك بدمائة القذرة ... فلنطرده من القرية وينتهي الامر !
ابتعد عروة لاهثا وهو يقول بشراسة
- لا اريد رؤيته ابداً ارموه على قارعة الطريق ! عل الكلاب السائبة تنهش جسده العفن
ثم بصق عيه وخرج .... عاد من شروده وهو يعاود النظر اليها ... حمدلله انها امامه سليمة ومعافاه !!! رباه كاد ان يتوقف قلبه عندما رأه جاثما عليها !! الان ادرك ان هذه الفتاة مهمة بل مهمة جداجدا بحياته ... تنحنح واقترب منها قائلا
- كيف اصبحت الان ترف ؟!
همست وهي لا تستطيع النظر له
- الحمدلله سيدي .. انا .. بخير بفضل الله ثم بفضلك
ثم اجبرت نفسها على رفع نظراتها قائلة بأمتنان صادق
- لن انسى معروفك معي ما حييت !
دون ارادة او تخطيط ... وكأنه ليس عروة الصارم ...ليس عروة ذو العقل الراجح الذي يحسب حساب لكل صغيرة وكبيرة ... تقدم وجثى على ركبته يباغتها بأمساك كفها الصغير قائلا بصوت اجش و ابح
- انت غالية ... غالية ...علي جدا يا ترف ... حقيقة لم اكن اعرف بأنك مهمة لدي لهذه الدرجة !
نظرت له بوجه يكاد ينفجر احمرارا ... عيناه ...واه من تلك العيوان السوداء الامعة ... التي تأسرها وتسحبها ناحيته بقوة ...
مالذي يجري بيننا ؟!
وماهي نهاية هذه المشاعر التي بدأت تسلبنا دقات قلوبنا !!
تسلبنا انفاسنا ...
انا وانت ...
فقط اجب على سؤالي واخبرني ماهي النهاية
.. ايها الحبيب الذي دخل الى اعماق قلبي عنوة !
وبعثر حياتي كالاعصار !!
سحبت يدها المرتجفة من بين كفيه الدافئة ببطئ وعينيها الزرقاء تلتمع بسعادة لم تخفيها ... سعادة تبادلاها هما الاثنان بصمت .. هو كان يسألها الرضى بعيناه وهي اعطت القبول بأحتقان وجنتيها وابتسامتها الخجولة !
..............................
.......................................
في اليوم التالي ...استعادت ترف عافيتها واصبحت افضل بكثير .. عادو الى المدينة بصمت لكنهم عادو بحال مغاير عن الحال الذي سافرو فيه ... حتى نور لاحظت تلك السعادة والنظرات المرتسمة على وجهيهما ... كانت تحاول ان تستدرج ترف بالكلام لكن لمن توجه كلامها ولمن تهمس وتثرثر ... فقد كانت ترف هائمة بسحر عيناه الناعسة ...ضائعة .... بأبتسامته الكسولة التي جعلتها تبدو فعلا كالمراهقة البلهاء !!!!!!
...................
.......................
الأنتخابات كانت على الابواب لم يتبقى لها الا اشهر معدوة ربما شهر او شهران ... منذ مدة وهو يفكر بموضوع ترشيحة ... ليصبح كل شيء متكامل في حياته ... المال ... والسلطة ... هو اراد الخوض بهذه التجربه ليس فقط لانها ستسهل عليه صفقاته ومناقصاته بل ايضا لانها تكمل ما ينقصة .. حينما سيفوز بتلك بتلك المعركة ... اجل فالترشيح في المجلس البلدي يعد معركة شرسة خاصة وان كل المرشحين سيكونون من ذوي النفوذ والقوة ... ستكتمل الصورة الناقصة ... لن يجرؤ احد على الوقوف في وجهه ... لن يناقش قراراته احد .... ولن يضطر الى انتظار دوره في طوابير دوائر الدولة لتسهييل امور اعماله العالقة !!!
كان يجلس مع علي ومحاميه شريف الماجد ليبدأ الاخير كلامه قائلا
- حسنا بما انك قررت ترشيح نفسك للأنتخابات القادمة فأنا سأبدأ بحمله الاعلانات والترويج في الأذاعة وبجميع المحطات الفضائية
اومأ عروة قائلا بهدوء
- حسنا تصرف انت ... اريد ان يكون كل شيء متكاملا
قال علي متدخلا بقلق .. فعروة يثق به ثقة عمياء كما انه يأخذ بنصيحته ومشورته ... دائما يساند احدهما الاخر
- عروة الدخول للبرلمان يحتاج وقتاً للتفكير... كما ان الخوض في الامور السياسية لا تخلو من الخطورة !
اجابه شريف قائلا وهو يعدل نظارته الطبية
- عروة لن يتدخل في السياسة ابدا انا اضمن له ذلك !
قطب عروة قائلا بتفكير وهو يتأرجح على كرسية
- وماذا عن الاجتماعات التي يطلبون فيها حضور الاعضاء !
اجابه المحامي بأستخفاف
- وهل تصدق انت مثل هكذا الاجتماعات ... انها فقط للتمويه ...ثم لا تقلق انا استطيع ان احل الأمر بالشكل الذي يرضيك واجعلك تقلل من ذهابك هناك !
اومأ عروة قائلا
- اذن على بركة الله ابدأ التنفيذ !!
اجابه شريف وهو يغلق حقيبة اوراقه
- حسناً سيكون كل شيء حسب الجدول ... ومنذ الان انا اضمن لك الفوز ... تمتلك ماضي مشرف وسجلك حافل بالاعمال الخيرية ... كما انك غير متورط بأي قضية فساد او رشوة او نصب وحتيال ...
ليكمل بغرور وثقة ... كيف لا يكون مغروراً ومعتداً بنفسه وهو يعد من اشهر واحنك واذكى المحامين في البلدة !!
- بأختصار ... افرح منذ الان واعتبر نفسك اصبحت عضواً في البرلمان !!
استأذن المحامي وخرج ليقول علي بهدوء وجدية وهو ينظر لوجه عروة المسترخي
- عروة ....فكر وتريث قليلا ...انا قلق عليك بالفعل !!
اجابه عروة مطمئناً وهو يبعثر عدة اوراق امامه
- لا تقلق يا رجل ... ثم كما اخبرتك ...انا لن اتدخل بالسياسة ابداً .. كل مااريده هو تسهيل اعمالي فقط !
تنهد علي بصمت لايريد ان يلح على صديقه .. لكن قلبه غير مطمئن يشعر بأن هناك ما سيحصل !
ليته يستمع لكلامه هذه المرة فقط .. .. رغم صداقتهما العميقة ورغم انه يأخذ بنصيحته دائماً الا انه عنيد ... عندما يدخل امر ما الى عقله فأنه ينفذه مهما كانت العواقب !
..............
..............................
وقف يتأمل منظر الحديقة امامه بشرود ..... يفكر بتلك الشابة التي اسرته وأطارت النوم من عينيه ... هو يريدها بشدة ... يحتاجها كثيراً ... وحاجته اليها تتزايد وتكبر يوماً بعد يوم .... ما ان يراها تقف امامه حتى يود لو يمتلكها حالا .. يقبلها شفتيها المنتفختان بشغف ... يلمس جسدها الشاب ويكتشف ما تخفيه تحت تلك الثياب البشعه الفضفاضة التي ترتديها .. والذي متأكد من انها تخبئ اثارة وجسد متكامل لاتملكه اجمل جميلات البلدة كلها ...
تنهد بعمق وهو يشبك يديه خلف ظهره .... هو رجل كبير بما يكفي ليعرف ويستوعب ما يقوم به ...وهي كبيرة وناضجة لكي تفكر جيداً وتتخذ قرارها بالأمر الذي سيعرضه عليها ... كلاهما سيقدم للأخر ما ينقصه ويحتاج اليه ....هو يريد انثى ...امرأة بحياته ...وليست اي امرأة انها هي ..هي ..ولا احد سواها ....وهي بالتأكيد تحتاج الى سند وحماية ...خاصة مع وجود شقيقتها الصغرى ... بالتأكيد هي لن ترفض ..لن ترفض ابداً لو فكرت بالمنطق والعقل ! وتركت الكبرياء والعناد !!!
..........
.....................
إذهبْ
إذا يوماً مللتَ منّي
واتهمِ الأقدارَ واتّهمني
أما أنا فإني
سأكتفي بدمعي وحزني
فالصمتُ كبرياءُ
والحزنُ كبرياءُ
إذهبْ
إذا أتعبكَ البقاءُ
فالأرضُ فيها العطرُ والنساءُ
والأعين الخضراء والسوداء
وعندما تريد أن تراني
وعندما تحتاجُ كالطفلِ إلى حناني
فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ
فأنتَ في حياتيَ الهواءُ
وأنتَ.. عندي الأرضُ والسماءُ
إغضبْ كما تشاءُ
واذهبْ كما تشاءُ
واذهبْ.. متى تشاءُ
لا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍ
وقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ
.............................
النظرات التي يخصها بها لن تخطها ابداً ... انها نظرات مهتمة .. عميقة ... عاشقة ... تكاد تقسم انه يخبرها بعينيه عن حبه لها ... لكن متى ... متى يأتي وينطقها لتلك الجوهرة !! لقد سأمت الانتظار ... متى يا عروة ...متى ستتنازل عن عرش كبريائك ... متى تأتي الي لتقر وتعترف بأنك تحبني ...تريدني بنفس القوة التي اريدك بها ... متى يكف عن مراقبته المستمره لها من بعيد ! وكأن الله استجاب لدعائها .... عندما خرجت من القصر متوجهه لشراء بعض الاشياء والمستزمات الخاصة ... لها ولريتاج .... تفاجأت به يظهر من العدم في الشارع الفارغ ليوقف سيارته قرب الرصيف ... انزل زجاج النافذة ليقول لها آمراً
- ترف تعالي اصعدي لدي امر ضروري اريد ان اتكلم به معك !!
امرها هكذا ... بكل تعجرف وغرور وتملك ... وبمجرد كلمة واحده صعدت لتجلس قربه وهي تكاد تطير فرحاً ... كانت مرحبة ... متلهفة ... واثقة به ثقة عمياء ... كيف لا تثق وهو انقذها وحافظ على شرفها !!!
انطلق بسيارته الفارهة بصمت ... الدفئ يلفهما ...ورائحته كالعادة بعثرت دقات قلبها ... كان الوقت عصراً ... اشعة الشمس الصفراء لشهر يناير تكاد تختفي خلف الافق .. راقبته بحب ... التهمت بعينيها الفيروزيتان الخجولتان كل انش من جسده ... كان يرتدي بنطال من الجينز الازرق مع قميص زيتوني اللون وسترة سوداء ... رغم بساطة ملابسه الا ان ذلك لم يقلل من حضوره وهيبته الطاغية ... تلك الهيبة التي تعشقها ... بل اصبحت تعشق كل مافيه .. غروره ... سيطرته .. نظراته الكسولة ... رأسه الاسمر الذي يرفعه دائماً بكل غطرسة وكبرياء ! تحبه ... اجل تحبه وحبه تغلغل عميقاً في احشائها ... داخل كل خلية وذرة في جسدها ... تحبه ولا تخجل من ترديدها الاف المرات ... هي عاشقة ...فقط عاشقة لاغير !!
قطع حبل الصمت الثقيل الذي كان يفصل بينهما وبدأ يتكلم بصوته الرخيم الواثق ....كانت تستمع له وابتسامة سعادة مرتسمة على شفتيها ... تراقب بأنتباه ودقة ... كل تفصيلة من تفاصيل وجهه الوسيم ..لا تشبع عيناها من النظر اليه ... تلك الغمازة الوحيدة على وجنته المزينة بلحية سوداء لاحظتها الان ولاول مرة ...والخيوط الدقيقة التي ظهرت اسفل عينه زادته وسامة فوق وسامته انتبهت مقطبة لما يقوله ... لتختفي ابتسامتها المشرقة شيئاً فشيئاً ... وتنطفئ تلك اللمعة بعينيها
- اسمعيني جيداً يا ترف ... انت شابة ناضجة بما يكفي لتستوعبي ما سأقولة .... انا لن اخفي عنك .. انت تعجبيني ... تعجبيني جدا ... وانا اريدك وارغب بك!!
اكمل بهدوء وكأنه يتكلم عن شيء عادي ... غير مهم ... شيء اشبه بصفقه يخوضها وسيفوز بها
- لذلك قررت ان اتزوجك ... لكن ... حسناً ... زواجنا سيكون سرياً ... فقط لبعض الوقت حلوتي ... الى ان تنتهي فترة الانتخابات ...وبعدها .. اي بعدة اشهر سأعلن الخبر
ليكمل وهو يعبر استدارة فرعية في الشارع
- سنذهب الى شيخ الجامع ثم نعقد قراننا شرعياً بعدها ... سنوثقها في المحكمة ... اقصد بأني سأوثقها عندما اعلن الزواج ...سأشتري لك منزلا بأسمك وستعيش معك ريتاج .. بالطبع سنخبر ريتاج بزواجنا ... ثم بعدها سيكون .......
لقد فكر خطط لكل شيء !!! وايضا لايريد توثيق الزواج في المحكمة مجرد عقد عند شيخ الجامع !!! الهذه الدرجة هي رخيصة في عينه !!!
قاطعته وهي تقول بشحوب وعيناها غارقة بالدموع المتلألئة
- اوقف السيارة !
نظر لها مقطبا وهو يقول متفاجئاً
- ماذا !!!
وبصوت اعلى غلبت عليه بحة البكاء
- قلت اوقف السيارة !
اجابها متنهداً وكأنها لم تتكم قط ... حسنا ردة فعلها هذه كان يتوقعها !
- اسمعيني ترف و...
صرخت بألم
- اوقف السيارة والا اقسم ان ارمي نفسي في الشارع !
اوقف السيارة وهو يشتم بخفوت ليستدير ناحيتها قائلا ببرود بينما عيناه الأبنوسيتان تلتهمان وجهها المحمر الغاضب بشراسة
- مابك ترف !!! لما هذا الوجه العابس ؟! ماذا حدث لكل ذلك !!
اجابت وهي تهز رأسها قائلة بألم
- لم يحصل شيء .. لم يحصل شيء ابداً ... غير انك على مايبدو لي ... تستعر مني ... تخجل من اتخاذي واختياري زوجة لك!!
قطب قائلا بأنزعاج وضيق
- انا لم اقصد هذا !!!!
هتفت بوجع يدمي القلوب
- ماذا قصدت اذاً !!!! لماذا تريد اخفاء زواجنا ... لماذا تخجل منه وتريده ان يكون سرياً ... ماهو تفسيرها بالضبط ؟! اخبرني ... افهمني ... فأنا في الحقيقة غبية لا افهم !!
صمت ينظر لها بتجهم لتكمل ودموعها تهطل بغزارة
- لماذا تعاملني بهذه الدنائة ... وكأني .. كأني ... مجرد .. مجرد .. عا..
قاطعها بجمود وهو يضغط على مقود السيارة
- اخرسي ترف ولا تنطقي بحرف ... اصبحت تتصرفين بغباء و تهلوسين بالكلام !
فتحت الباب وقالت بينما طعنات الالم تنغرس داخل قلبها بقوة وعمق
- اجل اهلوس ... واجل انا غبية ...غبية بالفعل لانني احببت رجلا بارداً قاسي القلب ... متحجر المشاعر مثلك
امسك ذراعها وهو يهمس بخطورة
- الى اين ! لم ينتهي كلامي بعد !
اجابت بقوة وهي تلوي ذراعها لتتخلص من قبضته
- اترك ذراعي .... والا اقسم يا عروة ... اقسم ..ان افتعل لك فضيحة الان... واجعل اسمك يتصدر عناوين المجلات والصحف .. يا حضرة النائب !
...........................
....................................
كانت الوقت قرابة المغرب عندما وصلت للقصر وهي بحال يرثى لها ..توجهت مباشرة لغرفتها وهي تصرخ بقوة
- ريتاج ...انت يا ريتاااااج
اتت ريتاج بسرعة وذعر وهي تنظر لشقيقتها التي كانت تخرج ملابسها من الخزانة وهي تقول دون ان تنظر لها
- اذهبَ واحزمي حقيبتك ... سنعود للمنزل !
قالت ريتاج بتوتر وهي تراقب ما تفعله
- ماذا حصل ترف ؟! مابك؟!
اجابتها ترف وعيناها تلتمع بالدموع
- اذهب واحزمي امتعتك هياااااا ولا تسألي شيئاً !
قالت ريتاج وهي تتقدم ناحيتها
- لكن ... لكن ...نحن ...هنا اقصد ... اننا..
رمت ترف القميص من يدها بحدة وغضب على الحقيبة ..وامسكت ريتاج من كتفيها وهي تهزها بقوة قائلة بهذيان ودون ان تشعر بينما صوتها خرج مبحوحاً ومرتجفاً
- لماذا لا تفهمين ...هنا ليس مكاننا ... ليس مكاننا ...لاتظنين بأني غافلة عن مشاعرك التي تكنينها لبسيل ... انا لست غبية ... انت تحبيه ... تحبيييه ... لكن فلتعلمي يااختاه ... اعلمي انه لن يفكر بالزواج منك ... لن يختارك زوجه ... اتعمين لما ...هااااااا اجيبِ اتعلمين لما ؟!
لتكمل وهي تركز على عينا ريتاج الغارقة بالدموع ... كانت تخاطب نفسها ... كانت تنظر لأنعكاسها بوجهه شقيقتها
- لاننا لانرتقي لمستواهم ... لاننا فقراء ...لان اخيك روؤف نسبه لا يشرف احد ... هو... هو خريج سجون ... مخادع ... مزور وسارق .... وهو سيكون نائباً في البرلمان ... لن يتشرف ... لن يتشرف بالزواج من فتاة اخيها ذو ماضي قذر .. افهمتي .... فهمتي
جلست ترف على طرف السرير تبكي بلهاث وأنين بينما ريتاج متجمدة مكانها لا تفهم شيئاً مما تقوله ... لتكمل ترف وهي تلتفت لتنظر لها بوحشية وعيناها حمراء من البكاء
- الازلت واقفه ...اذهب هيا والا قسماً برحمة امي ... سأذهب الان واسكب فوق رأسي دلواً من الوقود واحرق نفسي لارتاح .. واريحكم من وجودي ... هيااااااااااا !!!
...........................
........................................
بعد مرورعدة دقائق كانت ترف تسحب ريتاج خلفها تسير في الممر المؤدي للباب الخارجي ليوقفها صوته البارد القوي قائلا
- الى اين يا انسة ؟!
التفتت تنظر له بقوة وهي تقول بنبرة ميته لا روح لم تنتبه لوقوف جلنار التي خرجت من الصالة ولا لوجود نور ورجاء اللتان خرجتا من المطبخ بسرعة ما ان سمعا صوت عروة القوي
- عائدة الى منزلي ...الى حيي الذي اعيش فيه ... الى حيث انتمي !
اجابها بسخرية طفيفة
- وهل الخروج والدخول بمزاجك ؟!
همست بنبرة خافته ...متحدية ... ومتوعدة
- اجل بمزاجي ... وحاول ايقافي يا عروة !!
قالت جلنار بأستنكار وهي تتقدم لتقف جانب عروة
- عروة هكذا حاف ... دون سيدي ! لقد جننت ... بالفعل تربية شوارع !
استدارت ناحية عروة قائلة
- دعها ترحل ... هذه فتاة سوقية .. منذ البداية وانا لم ارتح لوجودها ...اذهبِ هيا .. هيا
التقت نظراتهما بصمت لتسحب ريتاج التي كانت تنظر لبسيل بعينان دامعتان ..بينما بسيل ينقل نظراته بينهم مقطباً ومتجهماً .... لقد عاد اليوم مبكراً على غير العادة ليدلف للداخل ويتفاجأ بما قالته ترف ...لكن مالذي حصل ... لماذا هذه النظرات بينهما ... كان عروة يرمقها بحدة وبرود ... ملامحه غامضة مبهمة ... بينما ترف تبادله نظراته بأخرى متحدية وهي ترفع ذقنها بآباء ... التفت لريتاج التي كانت تبكي بخفوت كالطفلة الصغيرة ...لااااااا والف لاااااا لن يدعهم يرحلون ... لن يدع ريتاج تغادر ... لن تغادر وتتركه بعد ان وجدها ... وجد الفتاة التي بحث عنها طويلا !!
تقدم ليقول بهدوء
- مالذي يجري هنا بالضبط؟!
اجابت ترف ببرود قبل ان تسحب ريتاج وتتوجه الى الخارج
- اسأل شقيقك المحترم وهو سيخبرك !!
كان سيلحق بعروة ليستفسرعما يجري هنا ... وعما قصدته بقولها هذا ... الا ان صوته الغاضب سمره في مكانه حين قال وهو يتوجهه لغرفة المكتب
- لا اريد لاي احد ان يزعجني ومهما كان السبب ....مفهوم ...
راقبه بسيل بصمت ... ليهمس داخله بثقة ... حسنا عروة اذهب الان .. وانا اعدك بأني سأعرف مالذي يجري بينك وبين ترف ! اكاد اقسم بأن قلبك المتحجر بدأ ينبض من جديد !
اما ريتاج فهو سيعرف كيف يرجعها اليه ويربط مصيرها بمصيره والى الابد !!
............................
نهاية الفصل السادس عشر

رواية احتلال لكاتبة رقية سعيد القيسىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن