الجزء الثاني _ اللقاء

818 61 4
                                    

بقلم ندوش 🐝

بعد رحلة بالقطار دامت عشر ساعات و نصف، وصلت سحر إلى مدينة أضنه في حدود الساعة الحادية عشر صباحا، انطلقت رحلتها في منتصف ليلة البارحة بعد أن ودعت صديقاتها اللاتي رافقنها إلى محطة القطار كما يفعلن دائما في كل الظروف، استقبلوها في شقتهم طيلة الثلاث أسابيع الفارطة و حرصوا على توفير الراحة لها، بعض الصداقات تتجاوز المعنى العادي لها و تسمو لتتحول إلى روابط لا تنقطع، اتخذت هذا القرار بعد عشرين يوم من التفكير المضن و دراسة مكثفة لكل جوانب هذه الخطوة التي عزمت الاقدام عليها،( ما يضرك لو حاولت التقرب منهم إذا لم يناسبك الأمر انسحبي من هناك و عودي لحياتك الحالية كأن شيء لم يكن) ، هكذا كانت هاندة تحاول أقناعها بصواب فكرتها و ان التعرف على هذه العائلة قد يكون أفضل لها. أخذت اجازة من عملها و قررت الانطلاق في مغامرة لا تعلم نهايتها، لم يعترض المحامي عبادة عن قرارها عندما ابلغته به و طلب منها أن تكون فقط حذرة هناك ( ابنتي سحر أنت انسانة مثقفة و لست متهورة، قرارك بالسفر إلى أضنه يخصك وحدك و قد يكون الأنسب لك لكن احذري من الجميع هناك و لا تسلمي رقبتك لأحد، قد تقابلين أناس مختلفين في الطباع عنك، من يجيد الخداع و من هو طيب بالفعل، كوني فطنة في تعاملك مع الجميع و ضعي مسافة بينك و بينهم، لا ضرر و لا ضرار) .
نزلت من القطار ثم استقلت سيارة أجرة إلى فندق صغير حجزت فيه منذ يومين، ستأخذ فترة تدرس فيها الوضع هنا عن كثب و تقيمه أكثر، مازال لديها بعض التردد في هذا القرار الذي اتخذته، من هنا قد تغير رأيها بالدخول إلى أسوار هذه العائلة و العودة من حيث جاءت، لن تخسر شيء بل ستستغل الفرصة لتتجول في هذه المدينة الدافئة و التمتع بجمالها الساحر. مر يومان و الفتاة تتمتع بأجازتها التي عزمت عليها حيث تقضي كامل اليوم تتجول بين ارجاء المدينة و تستكشف أغلب الأماكن المثيرة فيها و قبل حلول المساء تعود إلى فندقها لترتاح فيه، هذا الوضع جعل هاندة تجن من تصرفاتها و توبخها لما تفعله
هاندة: تضيعين يومين يا فتاة تتجولين هنا و هناك دون فعل شيء يذكر، هل ذهبت في رحلة، أنت فعلا لا رجاء منك.
سحر: افهميني هاندة، الأمر بدا لي صعب جدا عندما وصلت إلى هنا، لم أستطع الاقتراب منهم، شاهدت فقط القصر عن بعد.
هاندة: يجب أن تكوني أكثر ثقة بنفسك، ادخلي من الباب و قولي لهم أنا سحر يوسف كيريملي.
سحر: فيمسكني الحراس من ياقة قميصي و يلقوا بي للخارج.
هاندة: لديك كل الأدلة و البراهين.
سحر: و مع ذلك صعب، أنا لم اجرب هذا الأمر من قبل.
هاندة: يا فتاة هل تبحثين عن عائلتك كل يوم، اذهبي إليهم و إذا لم يرحبوا بك عودي إلى هنا.
سحر: لكن سيحزنني الأمر إذا رفضوني بينهم.
هاندة: لن يكون أكثر ايلاما من تصرف خالتك و بناتها، اذهبي غدا و دقي الباب أنت ابنتهم و لست غريبة.
سحر: ابنة من يا فتاة، أغلبهم من نفس الجيل معي.
هاندة: أنت ابنة عمهم، تحركي يا فتاة كلما تأخرت كلما صعب عليك لقاؤهم.
سحر: غدا وضعت برنامجي لزيارة متحف المدينة و سوقها الشعبي ثم بعد غد سأذهب لزيارته.
هاندة: أنت لست طبيعية يا فتاة، لن تعودي إلى هنا دون رؤيتهم.
فعلت سحر كما خططت ليومها، تجولت في متحف المدينة و بين المحلات العتيقة حتى اعياها التعب فقصدت أحد المطاعم الجميلة لتناول طعام الغداء، كان المكان عصري و جميل، جاء شاب صغير رحب بها و استعد لتلبية طلبها، وضع الأكل الطيب أمامها فبدات تتناوله على مهل و ذهنها مشغول بيوم الغد، كانت تقابلها طاولة في آخر المحل تجمع حولها مجموعة شباب و بنات، بدأ أحدهم ينظر إليها دون خجل، ثم ما فتيء أن نادى الشاب الصغير و تحدث إليه بهمس، مشى الفتى بتردد حتى وصل إلى طاولتها
الشاب: أعتذر انستي، السيد سليم تارهون يدعوك أن تنضمي إليه هو و رفاقه.
لم ترفع رأسها عن الصحن و اجابته قائلة
سحر: إذهب و بلغه أنني بصدد تناول طعامي و لا أحب أن يقاطعني أحد، ثم أنا لا أعرفه هذا السليم حتى أنضم إليه.
غادر الشاب إلى الطاولة الثانية و بلغ الشاب الآخر بما قالته له فدفعه حتى اوقعه أرضا، كانت تراقب ما يحدث في صمت، عدل سليم ثيابه و سار نحوها فعادت هي لتناول طعامها مرة أخرى.
سليم: مرحبا يا فتاة، هل أنت لست من هنا.
سحر: هل يمنع تواجد من هم من خارج المدينة في هذا المطعم.
سليم: لا !! لا أقصد هذا لكن دعوتك إلى طاولتي فتكبرت.
سحر: لا اختلط مع أناس لا أعرفهم، ثم لا أحب أن يقاطع أحد وجبة طعامي.
سليم: نحن هناك سنكرم وفادتك و نحضر لك كل ما تشتهيه نفسك.
سحر: لا داعي لذلك، لقد فقدت شهيتي و لم أعد أرغب بالأكل.
جمعت أغراضها في حقيبة يدها و همت بالمغادرة عندما وقف في طريقها
سليم: لن تغادري حتى تقبلي ضيافتي، أمام الآخرين على الأقل.
سحر: سأغادر في هذه اللحظة فالتبتعد من أمامي.
سليم: أنت أكثر جمال مما كنت أظن، بل تصبحين أكثر فتنة و أنت غاضبة.
سحر: لا لست غاضبة، الأمر لا يستحق أن أهتم له بتاتا.
سليم: و متكبرة أيضا يعجبني هذا النوع من التحدي.
سحر: يا فتى لا تغتر كثيرا بنفسك، لا أريد أن تصبح أضحوكة أمام الآخرين.
سليم: ازداد فضولي و لن تذهبي من هنا حتى نتفق أنا و أنت.
أمسك ذراعها و قربها منه فسحبتها منه بقوة و هوت بيدها على خده حتى أدارت رأسه
سحر: لقد طلبت منك أن تبتعد عن طريقي لكنك غبي لا تفهم.
تركته يجمع شتات كرامته المبعثرة و خرجت من المطعم مسرعة ثم غابت في الزحام، وصلت إلى الفندق وهي تلهث لسرعة خطواتها، لا تعلم إذا كان ما فعلته صواب أم خطأ لكن تصرفه حفز كل كرامتها و أثار حنقها فجعلها تستعمل يدها لأول مرة في حياتها.
وصل يمان إلى القصر و قد حل المساء، وجد جميع أفراد عائلته ينتظرونه لتناول وجبة العشاء، عاد يلتشين هذا اليوم من المزرعة بعد خمسة عشر يوم قضاها في مزارع القطن
يمان: هل عدت يا فتى.
يلتشين: أهلا آبي، هل مازلت غاضب مني، لقد قضيت عقوبتي على أكمل وجه.
يمان: لا أظن أنك اشتغلت مثل بقية العمال.
يلتشين: أقسم لك أنني اشتغلت مثلهم أو أكثر، أسأل مدير العمال و هو سيخبرك.
يمان: لن اسأل أحد، إذا أخطأت مرة ثانية فلست مسؤول عنك، تحمل نتائج طيشك و تهورك.
يلتشين: سأنتبه لنفسي في المستقبل، لقد تعلمت الدرس جيدا، يكفيني أنك لم ترض أن تقابلني عندما عدت ذلك اليوم، كان أسوأ عقاب لي آبي.
سونا: تستحق ذلك لأنك لا تحسن التصرف.
يلتشين: اصمتي أنت، تتباهين دائما بتحيزه لك.
يمان: اصمتا انتما الاثنان لا أريد مشاكل قبل الأكل.
يلدز: هيا جميعكم إلى طاولة الطعام، نحن ننتظر منذ زمن.
تحلقوا حول الطاولة، عم السكون المكان حتى تحدث يلتشين أول شخص بينهم
يلتشين: سونا هل قرأت الخبر الذي انتشر هذا المساء.
سونا: أي خبر، طوال النهار قضيته في الرسم.
يلتشين: زحل أرسلته لي ما إن نزل على مواقع التواصل الاجتماعي، ذلك الغبي سليم صفعته فتاة في مطعم في وسط المدينة.
ميرال: ماذا، من تكون، لا بد أنها أحدى صديقاته.
يلتشين: لا بل فتاة عادية و لا علاقة له بها.
ميرال: لماذا تعرضت له إذا.
يلتشين: لأنه ابله و مغرور فبعثرت كرامته و هربت.
سونا: شاب مغرور لا بد أنه انقهر مما تعرض له.
ضياء: ما شأننا نحن به، هذه المواقع افسدت ذوق الشباب و اهتماماتهم.
يلدز: معك حق بني، يلتشين أنت لا شأن لك به.
يلتشين: أمي هل رأيتني أتعرض له، أنا تحدثت عن خبر وصلني.
يلدز: و مع ذلك لا شأن لنا بتلك العائلة، لا تكتب حتى تعليق عن الخبر.
يلتشين: لن أكتب أمي لأنني وضعت منشور منذ قليل يتحدث عن الحكاية.
يلدز: احذفه حالا و أمامي الآن، يمان تحدث معه، بسبب أمر لا دخل لنا به سنصبح طرف في المشكل.
يمان: أفعل ما طلبته منك والدتك.
سونا: أخي ما رأيك بتصرف الفتاة لأن البعض اتهموها بالهمجية.
يلتشين: إذا كان قد تعرض لها فيستحق ما حصل له، سليم جميعنا نعرفه.
يمان: نحن لا شأن لنا بهذه الهراءات، ابتعد عن طريقه و لا تتحدث معه، إذا دخل مكان و أنت فيه فأخرج منه، هذا تحذير و ليس طلب.
يلتشين: حاضر أخي نحن نتحدث فقط، ثم من هذا سليم حتى أتحدث معه.
يلدز: لا فائدة ترجى منك، لقد سئمت من تهورك.
ما إن أنهى يمان تناول طعامه حتى طلب أن يجتمع بالعائلة قبل أن يتفرقوا، تحولوا إلى الصالون حيث لحق جينغار بهم يحمل بيده ملف سميك
يمان: منذ فترة قصيرة علمت بسر كان يخفيه جدي عنا، لا أعلم لماذا لم يتحدث عنه لأي أحد لكنه عرف أخيرا.
يلدز: هل قلت سر، ماهو؟!!
أخرج يمان مجموعة صور و وضعها فوق الطاولة بدؤوا يطلعون عليها واحد بعد الآخر و قد ظهرت عليهم علامات الاستغراب
يمان: هذه الفتاة هي سحر يوسف كيريملي، ابنة عمنا، جدي كان لديه علم بها قبل أن تولد و كان يعتني بها حتى لحظة وفاته.
يلدز: شيء لا يصدق، هل يوسف لديه طفلة، لكنه توفي بعد زواجه بفترة قصيرة.
يمان: هذا ما حدث و كل الوثائق عن هويتها سليمة، أيضا توجد مذكرة لجدي بخط يده تتحدث عنها، لا أستطيع اظهارها لكم.
ضياء: و أين هذه الفتاة الآن؟!!
يمان: تعيش في اسطنبول و تعمل ممرضة.
ميرال: هل التقيت بها؟!!
يلتشين: الفتاة فعلا ابنة عمي لأنها جميلة جدا.
يلدز: يلتشين توقف عن دعاباتك، نحن أمام مشكلة كبيرة.
ضياء: أين المشكلة في ظهور ابنة لعمي يوسف أمي؟!!!
يمان: والدتكم معها حق ظهور هذه الفتاة سيفتح أبواب اغلقت منذ خمس و عشرين سنة.
ميرال: إذا لا تسمحوا لها بالقدوم إلى هنا؟!!!
يلدز: هل يمكن ذلك يمان؟!!
يمان: لا أعلم، قد لا نجد وسيلة لنمنعها.
يلدز: نتحدث معها و نشرح لها أن اقترابها من المدينة برمتها ليس في صالحها أو صالحنا.
ميرال: لو نهددها فلن تقترب منا.
يلتشين: هل جننت لتأتي بهذا الاقتراح.
ضياء: يلتشين إنتبه للسانك، زوجتي لا تقصد السوء.
يلدز: يلتشين لا تقلل احترامك مرة أخرى.
سونا: لكن أمي الحديث عن التهديد أمر مخز، نحن عائلتنا لا تنخرط في مثل هذه الأعمال، ما رأيك آبي.
يمان: أجل صغيرتي، أنا تحدثت إليكم حتى تعلموا ماذا يحدث و شاركتكم بالأمر حتى تكونوا على بينة به لكن التصرف الوحيد سيكون لي، لن يتدخل أحد منكم مهما حدث، هل يوجد من لديه ما يعقب على حديثي.
يلدز: لا، نحن نترك لك تسيير الأمور كما تفعل دائما، لكن لدي سؤال أخير، هل سنخبر العمة.
يمان: تمهلوا قليلا، أعطوني بعض الوقت، نحن فقط من لديه علم بهذا الأمر.
في جناحهم الخاص، جلس ضياء على حافة السرير يفكر في هذا السر الذي تحدث عنه يمان، اقتربت زوجته منه و بدأت تغزل خيوطها حوله
ميرال: عزيزي أنت أيضا لم يعجبك الذي سمعته مثل والدتك.
ضياء: هل والدتي منزعجة من الحكاية؟!
ميرال: عمتي لم تقلها أمام يمان صراحة لكن فيما بعد أبدت امتعاضها من تلك الفتاة، أنت تعرف نحن عائلة معروفة و بظهورها نصبح عرضة للقيل و القال.
ضياء: سننتظر يمان ماذا سيفعل؟!
ميرال: قد يتصرف عكس توقعاتنا، أنت تعرف تربى على يد جدك و تطبع بطباعه.
ضياء: يمان لا يفعل شيء يسيء للعائلة، هو أحرص الناس علينا.
ميرال: طبعا عزيزي لا أحد ينكر ذلك لكن ما يراه هو في مصلحتنا قد يضر بنا، أنا لا أريد أن تنضم هذه المجهولة لعائلتنا، سيفسد نظام حياتنا.
ضياء: لا مجال أمامنا سوى الإنتظار.
ميرال: مع الأسف سننتظر، ثم لم يعجبني تحمس اخوتك للفتاة.
ضياء: أنت تعرفين أن يلتشين و سونا مندفعين في مواقفهم.
ميرال: هذه الفتاة ابنة يوسف، فماذا لو طالبت بنصيبها في التركة.
ضياء: هذا الأمر مسؤولية يمان لا أحد يتدخل به.
ميرال: يجب أن نبدأ في التفكير بأنفسنا أكثر، نحن بقينا ملتصقين بياقة يمان، أقصد أن تكون لك يد في الأعمال أكثر.
ضياء: عن أي يد تتحدثين، نسبتي في الأعمال تحت وصاية أمي و ليس يمان.
ميرال: بقية اخوتك لماذا لا يحذون حذوك و يعطون الوصاية لوالدتهم هم أيضا.
ضياء: ميرال اصمتي، إذا أخذ أحد خبر بما تتحدثين به فسنجد أنفسنا في الشارع، هل ستحدثين شرخا بين يمان و إخوتي، أنت تعرفين جيدا أن يلتشين و سونا لا يفرطان به مهما حدث فلا تعودي لهذا الحديث ثانية، أمي أيضا لن تقبل به.
ميرال: حبيبي لماذا غضبت نحن نتحدث فقط.
ضياء: تحدثي في أي أمر إلا فيما يخص الأعمال أو علاقة الإخوة ببعضهم لا أريد أن يناصبوك العداء و أنت زوجة شقيقهم الوحيدة.
ميرال: حسنا لا تغضب، فقط أمر أخير قبل أن تنام، جلنار ستعود إلى اضنة، لو نجعلها تعمل في إحدى الشركات و بذلك تصبح قريبة من يمان.
ضياء: هذا الأمر سهل، عندما تعود سنتحدث بذلك.
الساعة التاسعة صباحا، كان يمان في مكتبه ينهي بعض الأعمال عندما دخل عليه نديم مسرعا
يمان: خير نديم، مابك.
نديم: يمان الفتاة هنا.
يمان: ماذا قلت، هل هي هنا في الشركة، متى وصلت.
نديم: ليست في الشركة بل في فندق طوروس في وسط المدينة، هي هنا في اضنة منذ أربعة أيام و هذه صورها تتجول في المدينة.
يمان: هل جاءت إلى المدينة سائحة؟!!!
نديم: اتصلت بالمحامي عبادة و هو أخبرني بأنها جاءت تبحث عنكم.
يمان: لكن لماذا بقيت في فندق و لم تتواصل مع أي أحد، لقد تجولت في كل الأماكن .
نديم: يوجد أمر آخر أكثر ارباك.
يمان: ماهو؟!!!
نديم: الفتاة التي صفعت سليم تارهون هل سمعت بها.
يمان: بالله عليك ماذا تقول أنت، هل ستتحدث مثل يلتشين، ما شأننا بها.
نديم: بل لك كل الشأن يمان، الفتاة هي نفسها سحر.
يمان:...................
نديم: يمان لماذا تصمت، لا أحد يعرف شيء عن هويتها لكن أنا عرفت وجهها من صور المطعم.
يمان: هل يوجد حظ سيء أكثر من هذا، الفتاة أشعلت فتيل الحرب قبل أن تعرف هويتها، لقد خرج الأمر من يدي فعلا.
نديم: ماذا ستفعل؟!!!
يمان: سأذهب الآن إلى الفندق الذي تقيم فيه، أعطني عنوانه حالا، المصيبة الثانية أن غولدان تارهون عادت من الخارج منذ أيام، هذا ما أخبرتني به يلدز ليلة البارحة.
نديم: هل عادت تلك الساحرة، يا إلهي لا يعقل التقاء كل هذه الصدف.
يمان: يجب أن أتحرك بسرعة قبل أن أجد نفسي في مواجهة لم أضع لها أي حسبان، أين يقع هذا الفندق الذي تحدثت عنه.
نديم: في وسط المدينة قرب السوق الشعبي، فندق صغير و عتيق، سأسجل لك عنوانه بالتحديد، هل أتي معك؟!!
يمان: الأمر لا يستحق، أهتم بالإجتماع القادم حتى أعود.
خرجت سحر إلى إحدى الدوائر الرسمية من أجل أمر يخصها ثم عادت في تمام الساعة العاشرة إلى الفندق، ستكون وجهتها القادمة قصر آل كيريملي في أطراف المدينة، قضت ليلة البارحة وهي تفكر في هذه الخطوة، الأقدام عليها كمن يقدم على خوض المجهول، ستدخل عالم عائلة لا تعرفها، قد لا يتقبلون وجودها و قد يرحبون بها أو تنقسم اراءهم بين التخمينين، يوجد اختيار آخر وهو جمع أغراضها و مغادرة هذه المدينة دون الالتفات وراءها، لا تعلم أي الخيارين سيحمل لها الأفضل في مستقبلها، بقيت تتأرجح بين أفكارها و تضيق عليها هواجسها الخناق حتى أخذها النوم قبل حلول الفجر بقليل.
عادت ادراجها إلى الفندق فلفت انتباهها وجود سيارتين كبيرتين أمامه، الأمر عادي فهذا المكان يقصده الجميع و إلا لماذا هو وظيفته فندق، لكن انقباض قلبها جعلها تتوجس من الأمر ( إنه بسبب ذلك التافه الذي صفعته بالأمس، كلما تحركت سيارة بجانبي ظننته هو، ليتني لا التقيه طوال حياتي)، وصلت إلى مدخل الفندق، وجدت رجلين بأطقم سوداء يقفان هناك،(يظهر أنهما من فريق حراسة لكن يتبعان من؟! هل جاءا من أجلي، هل جلب هؤلاء الضخمين ليحاسبني، طبعا يفعل لأنه جبان.) تجاوزتهم دون أن يقتربا منها، تنفست الصعداء و واصلت خطواتها إلى الداخل، اعترضها مدير الفندق الذي ظهر عليه أنه ينتظرها من فركه ليديه بقلق
مدير الفندق: مرحبا انستي، تفضلي معي إلى هذا الصالون من فضلك.
سارت وراءه إلى قاعة فرشت بأثاث عتيق، يوجد هناك رجلان أحدهما قرب سنه للستين ظهر طيف ابتسامة على وجهه ما إن رآها أما الثاني فكان يقف وراء النافذة الكبيرة ينظر للخارج، جسم فارع الطول ألتفت بطريقة آلية ما إن شعر بخطواتها تتجاوز عتبة الباب، ملامح قاسية و نظرات حادة، لحية كثيفة التحمت مع شعره المتفحم الغزير، قوام ممشوق و أكتاف عريضة، كيان متناسق لشخص ذو سطوة و هيبة بعثت قشعريرة في جميع مفاصلها، تقدم إليها الرجل الستيني و بدأ بمخاطبتها
جينغار: مرحبا آنسة سحر، السيد يمان جاء لرؤيتك.
سحر( يمان !!! هل هو نفسه الذي أظنه أم يوجد شخص آخر غيره و مجرد تشابه للأسماء، لن تكون صدفة إلى هذه الدرجة لكن لماذا جلب معه كل تلك العضلات التي في الخارج)، بقيت تبحث عن كلمة تبدأ بها أي جملة تنقذ بها نفسها
سحر: لكنني لم أقرر بعد.
جينغار: انستي ما الذي لم تقرريه بعد، هذا السيد يمان كيريملي.
سحر( كأنني لم أعرفه، لماذا لا يتحدث بنفسه هل هو أخرس)
تجاوزت جينغار و اقتربت من الرجل الثاني الذي يلتزم الصمت.
سحر: مرحبا يا سيد، أنا سحر يوسف.
مدت يدها الصغيرة بتردد لتسلم عليه فأمسكها و ضغط عليها كأنه يقبض عليها
يمان: سحر يوسف كيريملي، أعرف من تكونين.
سحر: هذا جيد، أنت لا تضيع وقتك أبدا.
يمان: لكنك أنت تفعلين و أضعت أربعة أيام هنا.
سحر: أنا أردت أن آخذ وقت كاف قبل لقاؤكم.
يمان: و هل قررت أم مازلت تحتاجين لبضعة أيام أخرى هنا.
سحر: لقد قررت، كنت سأزوركم بعد ساعة من الآن.
يمان: ساعة لن تغير شيء، حقيبتك في السيارة و لم يبق غيرك لنذهب من هنا.
سحر: لكن يجب أن أحاسب إدارة الفندق قبل أن أغادر.
يمان: لقد أتم جينغار جميع الإجراءات، هيا لنذهب.
سحر: انتظر من فضلك، أنا لا أعرف جينغار حتى يقوم بسداد الفاتورة بدلا عني، لن أذهب من هذا المكان حتى أسوي هذا الأمر.
تفاجأ يمان من تصرفها، منذ لحظات كانت تتحدث كفتاة في المدرسة و هاهي الآن تنقلب كليا، احمر خداها و برقت عيونها الزمردية كقطة شرسة و أظهرت تحد في نظراتها، ثم ما لبث أن سارت حيث يقف جينغار بعيدا عن سيده
سحر: سيد جينغار كم كلفتك فاتورة الفندق.
جينغار: العفو انستي، هذا لا يجوز.
سحر: لا بأس لن اضغط عليك، سأسال المسؤول هنا.
جينغار: انستي لا يعقل هذا الذي تفعلينه، أنت تحرجين السيد يمان.
سحر: هو أيضا احرجني عندما تصرف دون أن يرجع لي، لا أحب أن يأخذ القرار عني أحد مهما كان هذا الشخص.
يمان: جينغار لقد تأخرت عن مواعيدي، أنا في السيارة اجلب الفتاة و التحقا بي.
خرج دون أن يلتفت لها فجعلها تحقد عليه أكثر
جينغار: انستي لا يوجد داع لكل هذا النقاش، السيد يمان سيغضب منك ثم أنتم عائلة و لا يوجد فرق بين أفرادها.
بعد عشر دقائق خرجت سحر صحبة جينغار من الفندق تحمل في يدها وصل بالفاتورة التي دفعتها و نظرة تحدي تكتسي ملامحها، اتجهوا إلى السيارة فوجدوا السائق فقط ينتظرهم هناك، أسرع ليفتح لها باب الكرسي الخلفي فصعدت و صعد جينغار إلى الكرسي الذي بجانب السائق، شعرت باحباط غريب يتملكها ( لم ينتظرني عشر دقائق، كم هو ضيق خلقه).
جينغار: انستي سنذهب الآن إلى القصر.
سحر: شكرا لك، أنا آسفة لا أرغب أن تنزعج مني لكن لا يمكنني أن أقبل بالذي حصل.
جينغار: العفو انستي، أنا رهن أشارتك.
سحر: لكن الآخر غضب، أنا لا أقول هذا لأنني نادمة بل أخشى أن يغضب منك.
جينغار: لا تقلقي انستي، هو هكذا طبعه.
التزمت سحر الصمت وهي تفكر في هذا اللقاء الغريب ( إذا كان جل أفراد هذه العائلة بنفس طبعه فأنا سأعاني من صلابة رؤوسهم).
وصلت السيارة بعد عشرين دقيقة إلى بوابات عملاقة فتحت على مصراعيها عند اقترابهم، كان يوجد حارسان هناك حيا جينغار باحترام ثم تجاوزتهم السيارة و سارت على طريق مبلطة و طويلة في اتجاه عقار لا يمكن تسميته إلا قصرا لشدة ضخامته و شساعة المساحات الخضراء المحيطة به، ضغطت سحر على حقيبة يدها حتى ابيضت مفاصلها لشدة توترها، توقفت السيارة و اسرع السائق ليفتح لها الباب
جينغار: تفضلي آنسة سحر، جميع العائلة في انتظارك.
سحر: هل هو معهم.
جينغار: السيد يمان لديه أعمال و لا يعود إلا في المساء.
سار أمامها و فتح الباب الرئيسي للقصر و دعاها للدخول ثم رافقها إلى صالون كبير و فخم حيث كان أفراد العائلة هناك، وقفوا عند وصولهم و بدأ جينغار يعرفها بهم
جينغار: السيدة يلدز زوجة السيد عثمان كيريملي.
يلدز: أهلا و سهلا بك.
سحر: أهلا بك.
جينغار: السيد ضياء و زوجته السيدة ميرال.
ضياء: مرحبا بك سحر.
فعلت زوجته مثله و صافحتها مع ابتسامة باردة لم تصل إلى عينيها.
جينغار: السيد يلتشين أصغر الأخوة.
يلتشين: أهلا بك ابنة عمي، سعيد بقدومك.
جينغار: الآنسة سونا، الأخت الصغرى.
كانت ابتسامتها الأرق و الأكثر براءة بين الجميع، لم تكتفي فقط بمد يدها للمصافحة بل جذبت سحر إليها و احتضنتها
سونا: سعيدة جدا بمجيئك سحر، أنا ممتنة لله أنه أصبح لدي ابنة عم.
جينغار: هؤلاء طقم الخدم هنا، عدالت، ناسليهان و زهور.
عدالت: أهلا بك آنسة سحر.
سحر: أهلا بك خالتي عدالت.
ميرال: زهور تعتبر خادمتي الخاصة، قلت هذا لأنك قد تحتاجينها فتجدينها ليست متاحة.
سحر: أنا لم أتعود أن يلبي طلباتي الآخرين، لا تقلقي أستطيع خدمة نفسي بنفسي.
يلدز: سحر أنت فرد منا الآن و لك مطلق الحرية هنا، قد لا نفهم بعض في البداية لكن سنتعود.
سحر: شكرا لك سيدة يلدز و أنا أقدر لك ذلك، أنا فعلا سعيدة بالتعرف عليكم.
يلدز: ناسليهان خذي الآنسة سحر إلى غرفتها و دعيها ترتاح حتى موعد الغداء.
سونا: سأذهب معها أنا أيضا.
تعلقت الفتاة بذراع سحر و صعدت بها إلى الطابق العلوي
سونا: غرفتك ملاصقة لغرفتي، لم نشأ أن نضعك في جناح الضيوف في الأسفل، ستشعرين بنفسك غريبة، أنا اقترحت الأمر على آبي و هو وافق.
سحر: السيد ضياء يظهر أنه شخص طيب.
سونا: بل قصدت أخي يمان.
كانت الغرفة جميلة و ألوانها مريحة، غيرت مفارشها و قامت ناسليهان يتهوئتها ما إن اتصل بهم يمان و أبلغهم بوصول الفتاة إلى هنا.
سونا: سأتركك الآن لترتاحي ثم سآتي لادعوك للأكل.
خرج يلتشين و ضياء و بقيت فقط ميرال تشتعل حنقا في حين اكتفت عمتها يلدز بالصمت
ميرال: عمتي ما رأيك في الفتاة.
يلدز: تظهر هادئة و ذكية، لكن لا أعتقد أنها سيئة.
ميرال: هل بسرعة اعطيتها شهادة البراءة.
يلدز: ما الذي تقولينه أنت، هل سأهاجم الفتاة دون وجه حق، قلت ما أحسسته.
ميرال: لكن أنا ظهرت لي مغرورة و متكبرة، هي فقط تحاول أن تلفت الإنتباه إليها.
يلدز: لا أعتقد، بعض الأشخاص يظهرون هكذا، ثم نحن لن نحكم عليها من لحظات قصيرة، أرجوك تحكمي في انفعالك و لا تجعلي نفسك عرضة لغضب يمان، لا تنسي نحن عائلة عريقة و لديها قواعدها.
ميرال: أنا لا أنسى شيء، ثم ألا تبالغين عمتي أحيانا عندما ترفعين من نسب هذه العائلة على حساب عائلتنا.
يلدز: هذه عائلة ابنائي و سيكون ابناؤك أيضا منها لذا لا تفسدي مزاجي بهراء مثل هذا.
ميرال: أنت أستطعت أن تفرضي وجودك هنا لكن أنا مازلت أحس بنفسي غريبة، لم أنجح في فرض شخصيتي مثلك.
يلدز: ألن تعقلي يا فتاة ماذا ينقصك هنا، أنت كنة العائلة المدللة.
ميرال: هذا الآن لكن ما إن يتزوج يمان حتى نتقهقر نحن إلى الوراء و أنا خاصة.
يلدز: ميرال إحذري من هذه الأفكار التي تنهش تفكيرك و اهتمي بزوجك، فكري في انجاب طفل له، لقد مرت سنتين على زواجكم.
ميرال: قلت لك عمتي، أنا و ضياء لا نفكر في الإنجاب الآن، دعينا من هذا الأمر، جلنار ستعود بعد أيام إلى اضنة و ستفتح مكتبها هنا، ما رأيك أنت.
يلدز: جلنار فتاة ذكية و نموذج للمرأة الناجحة.
ميرال: ما رأيك أن نربط الخيوط بينها و بين يمان.
يلدز: هي كعروس مناسبة ليمان لكن أنا لا أتدخل في هذه المواضيع، قد لا تقبل العمة ديلشاه.
ميرال: لهذا أنا فكرت بجلنار،ابنة خالي أفضل لنا من زحل.
يلدز: منذ أن كانت في اللفة، و العمة تمني النفس أن تزوجها ليمان.
ميرال: هل تنجح برأيك، زحل لئيمة مثل جدتها.
يلدز: العمة ماكرة و تعرف كيف تحقق أهدافها، يمان لا يقدر عليها، قد يجد نفسه عريس دون أن يدري، لكن يوجد شخص واحد يستطيع أن يقف في طريقها و يمنع خططها، هذا الشخص نجح بامتياز إلى غاية الآن.
ميرال: من هو عمتي؟!!!
يلدز: الأم نازك، جدة يمان، أنت لم تقابليها كثيرا لأنها تقضي معظم حياتها في قبرص، هذه المرأة حتى السيد قدرت لم يستطع أن يكون ندا لها، امرأة هادئة لكنها ذكية جدا، لا يمكن خداعها أبدا، تربى يمان عندها عشر سنوات بعد وفاة والدته، لهذا هو طباعه مختلفة عن بقية العائلة، تمنيت أن يكون لأولادي جدة مثلها.
ميرال: لكن ينقصها الجاه و الثروة مثل ديلشاه.
يلدز: الأم نازك ليست خبيثة و لا دنيئة، العمة ديلشاه تفعل أي شيء للوصول لأهدافها.
ميرال: هل العمة قاسية إلى هذا الحد؟!!
يلدز: تصبح إذا اقتضى الأمر، نحن لا شأن لنا بها، إذا حدث شيء فسيكون بينها و بين يمان.
ميرال: لا أظن أنها ستدخل في حرب معه، هي تريده إلى جانبها.
يلدز: لا نعلم ما قد يحدث في قادم الأيام، نحن علينا أن نكون منتبهين و حريصين على مصالحنا فقط.
ميرال: عمتي، يوجد أمر آخر خطر لي، ماهو مصير مزرعة ايلما.
يلدز: هذا الأمر لم يخطر على بالي بتاتا.
ميرال: الأرض التي بنيت عليها المزرعة على ملك المرحوم يوسف، ثم حتى لا تبقى مهملة كما حدثتني ذات مرة، قام يمان بإنشاء مزرعة التفاح عليها.
يلدز:الآن يوسف لديه ابنة و المزرعة أصبحت من حقها.
يلدز: لكن يمان من انشأها و أنفق فيها أموال طائلة، حتى أنه يعمل فيها بنفسه أحيانا.
يلدز: هذه مشكلة جديدة لم نفكر فيها، دعينا من هذه الأحاديث المتشعبة الآن و نلتفت لأمور أهم لنا.
حل المساء، حضر الجميع على طاولة الطعام، أظهرت يلدز عناية خاصة باختيار أصناف الأكل و طرق تقديمها، لم تشأ أن تكون مقصرة في استقبال ضيفة جديدة إلى العائلة، أرادت أن تظهر ليمان أن القواعد و الأصول التي تتبعها عائلتهم لا يمكن أن تتغير تحت أي ظرف، مرت الوجبة في صمت أغلب الأحيان تخللتها بعض المجاملات لسحر من هنا و هناك، بعد أن انتهوا من طعامهم انتقلوا ليكملوا سهرتهم في الصالون في حين صعد يمان إلى مكتبه.
يلدز: سحر هل غرفتك لا ينقصها شيء، نسيت أن أسألك في النهار.
سحر: شكرا لك سيدة يلدز لا يوجد بها نقص.
ضياء: أنت تعملين في مستشفى الحياة، ليس غريب عليك فأنت يظهر عليك الفطنة و الذكاء.
سحر: شكرا لك سيد ضياء.
ضياء: فقط أخي ضياء، أنت ابنة عمي و بمثابة أخت لي.
سونا: أما أنا فقد أصبحت اختي منذ أن وصلت إلى هنا، سنزور كل المدينة معا، يلتشين سيكون سائقنا.
يلتشين: إذا قبل آبي أن يعيد لي سيارتي.
يلدز: يلتشين قد أي سيارة أخرى.
سونا: أجل، اذهب معنا أنت أفضل من السائق.
ميرال: لكن يجب أن تستأذنوا من يمان.
سونا: هو لن يرفض، أنا متأكدة.
دخل جينغار في تلك الاثناء
جينغار: بعد إذنكم، الآنسة سحر، السيد يمان يطلبك في مكتبه.
سحر: حسنا أنا اتية معك.
خرجت سحر تتبع جينغار، بقي الآخرين يكملون سهرتهم، صعدوا السلم الشرقي للقصر ثم ساروا عبر رواق ضيق ينتهي بباب المكتب، فتحه جينغار و طلب منها الدخول، كان يمان وراء مكتبه يقلب بعض الأوراق، وضعها جانبا ما إن دخلت، نهض من على كرسيه و طلب منها أن تجلس على مقعد وثير هناك ثم جلس هو على الذي يقابله
يمان: هل أطلب لك قهوة.
سحر: لا شكرا لقد شربت منذ قليل.
يمان: كيف هي إقامتك هنا.
سحر: الجميع يعاملني بلطف.
يمان: الظروف التي جمعتنا غريبة، قد يكون جدي محق بأخفاءك عن الجميع، له وجهة نظره، الآن أنت هنا و هذا لا يغير من حقيقة أنك ابنة هذه العائلة.
سحر: أنا جئت فقط للتعرف عليكم، علمت بوجودكم منذ أقل من شهر.
يمان: أعرف هذا الشيء و أعرف كل شيء عنك.
سحر: لا يوجد ما أخفيه.
يمان: لم أقصد ذلك و لا أحب أن يقاطعني أحد و أنا أتحدث.
سحر: أنا آسفة لم أقصد ذلك.
يمان: عليك أن تتحكمي في ردة فعلك، قد تكونين على صواب و بسبب ردة فعلك تصبحين على خطأ، أنت مرحب بك بين إخوتي لكنك لست مثلهم، لا تحملي كلامي هذا بحساسية، أنت لم تتربي بيننا و لا تعرفين طباع العائلة، لا أريد أن يستغل أحدهم ذلك و يسيء لك لهذا أي تصرف ترينه غير صحيح تجاهك تخبرين به جينغار، سيكون تحت تصرفك في كل وقت.
سحر: هل سيترك عمله و يتفرغ لمراقبتي؟!!
يمان: أنا لم أقل سيراقبك، بل سينتبه لك كما فسرت.
سحر: أنا لا أحب أن يقيد أحد حريتي.
يمان: ستأخذين حريتك بقدر إخوتي، هم يفعلون ما يحلوا لهم.
سحر: لكنك تتدخل بهم أحيانا.
يمان: فعلا فأنا لا أستطيع تركهم هكذا دون حسيب و لا رقيب.
سحر: أنا هذا الحسيب و الرقيب أرفضهم.
يمان: التقرير الذي لدي يتحدث على أنك فتاة ذكية و عاقلة، حياتها من العمل إلى البيت، لا تعبث هنا و هناك، هل ستغيرين من نفسك الآن.
سحر: لا فأنا لدي ثوابت لا يمكنني التخلي عنها.
يمان: لا مشكلة إذا، أمر أخير، هذا ملف كان لجدي به ألبوم صور لك و مذكرة خاصة لجدي يتحدث فيها عنك، أنت الوحيدة التي لها الحق بأخذها.
أخذت منه الملف، وضعته جانبا و أمسكت المجلد الصغير بين يديها و بدأت تقلب صفحاته القديمة،
سحر: كتابته جميلة جدا، خطه كأنه نقش، سأبدأ بقراءته منذ الليلة.
يمان: تستطيعين الذهاب الآن إذا لا يوجد ما تسألين عنه.
سحر: لا يوجد و شكرا لك من أجل الحديث، تصبح على خير.
خرجت من هناك مسرعة و دخل جينغار بعدها
جينغار: هل كل شيء على ما يرام.
يمان: حاليا نعم، الفتاة صعبة المراس لكنها تحكم عقلها جيدا، ستكون عينك عليها دائما، لا نعلم ماذا سيحدث عندما ينتشر خبر مجيئها.
جينغار: هل أخبرت العمة ديلشاه عنها؟!!
يمان: لم أخبر أحد، الجميع سيعلم عنها، قد تخرج مع إخوتي إلى وسط المدينة، لا تمنعها لكن ضع حراسة وراءهم بحيث لا يعلمون بها.
جينغار: لقد تجهزنا لذلك.
مر يومان قضتهم سحر صحبة سونا و يلتشين يتجولون في المدينة أو يمرحون في القصر، في اليوم الثالث تلقى يمان اتصال من زوجة والده تعلمه بقدوم العمة ديلشاه، وصل إلى القصر قبل وصولها بلحظات
يلدز: لقد طلبت لقاءنا أنا و أنت فقط.
يمان: لا بأس بذلك، عندما تصل سنعرف سبب هذه الزيارة .
وصلت العمة فاستقبلتها يلدز و ادخلتها إلى صالون منعزل قليل عن باقي غرف القصر، يستعمل إلا للضرورة،
يمان: أهلا بك عمتي كيف حالك.
ديلشاه: أهلا بني، عمتك غاضبة منك.
يلدز: لا يعقل هذا عمتي، هل تغضبين من يمان.
ديلشاه: لو كان شخص آخر ما جئت لزيارته، هل أسمع من الآخرين ما يحدث في عائلتي، لم أجد ما أجيبهم به عندما قاموا بسؤالي عن تلك الفتاة.
يمان: الأمر لا يحتاج كل هذا اللوم عمتي، أنت تعرفين السبب.
ديلشاه: عائلة تارهون، ها قد عدنا لنفس الدوامة.
يمان: تلك القصة مر عليها ربع قرن فلا يعقل أن تظل طريقة التفكير كما هي.
ديلشاه: لكنهم يعتبرون الأمر ثأر و سيعاودون فتح باب المشاكل من جديد.
يلدز: قد تكون مخاوفنا لا مبرر لها.
ديلشاه: ليس بعد أن عادت غولدان، تلك المرأة لن تهدأ حتى تنتقم لموت شقيقتها.
يمان: شقيقتها انتحرت ما شأننا نحن بها.
ديلشاه: الرجل الذي كان السبب ظهرت لديه ابنة.
يمان: هل سيحاربون الفتاة.
ديلشاه: سيحاربون الجميع و أنت أولهم لأنها تعيش تحت سقفك، يلدز يجب أن تخافي على مصير أبناءك خاصة ذلك الطائش.
يمان: لن أرحم من يقترب من إخوتي، إذا لمسوا شعرة واحدة منهم سيكون جل أبناءهم عرضة لنيراني.
ديلشاه: هل ستعيد إشعال الحرب من جديد، نحن بالكاد خرجنا منها بأقل الأضرار.
يمان: هل مقتل عمي يوسف يعتبر أقل الأضرار.
ديلشاه: ذلك جيل ذهب و انتهى، علينا أن نفكر بأولاد اليوم.
يمان: نحن لن نتعرض لأحد و من سيتعرض لنا يتحمل مسؤوليته.
ديلشاه: أبعد الفتاة عن هنا و تنتهي كل مشاكلك.
يمان: هي مجيئها إلى هنا مؤقت، لكن هم قد لا يتركونها و شأنها عندها لا نستطيع أن ندير ظهورنا لها.
ديلشاه: عدنان إبن اختي يتحدث مثلك، نحن لا نعرفها حتى نهتم لأمرها بهذا الشكل.
يلدز: لكنها جاءت و الجميع أصبح يعرف.
ديلشاه: أنا لست موافقة على طريقة تفكيرك بني، أنت تفكر مثل جدك فلا أريدك أن تخسر مثله.
يمان: لقد خرج الأمر من يدي عمتي، كما قالت يلدز قد لا يحدث أي شيء مما نخشاه.
ديلشاه: قبل أن أغادر، اين هي اريد أن أراها.
التحقت سحر بهم بعد أن ابلغتها عدالت بذلك، حيتهم و اقتربت من المرأة العجوز و صافحتها بأدب
سحر: أهلا و سهلا بك عمتي.
ديلشاه: أهلا بك بنيتي، أنت ابنة يوسف، لا أعرف أمك لكن أظن أنك تشبهينها.
كظمت العجوز غيظها وهي تتحدث معها و تسألها عن حياتها، فالفتاة جميلة جدا و رقيقة، تشكل منافس قوي على كل المستويات فهي حفيدة من الدرجة الأولى لأخوها.
ودعتهم بعد فترة و غادرت إلى عائلتها.

جذور قاسية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن