الجزء السادس _ ذهاب و عودة

764 51 5
                                    

بقلم ندوش 🐝

انتفضت سحر في نومها فاسرعت إليها الأم نازك تهديء من روعها، احست باليد الحنونة تربت على شعرها ففتحت عينيها و قد تبللت أهدابها بالدموع
الأم نازك: هل ازعجت نومك صغيرتي.
سحر: لا أمي نازك، أنا أيضا لم أعد أرغب بالنوم.
الأم نازك: حسنا ساجلب لك الطعام فأنت لم تأكلي شيء منذ الصباح.
أمسكت سحر بيدها لتمنعها من الذهاب
سحر: أرجوك لا تفعلي، أنا بخير و ساشعر بالخجل إذا قمت بخدمتي.
الأم نازك: لا يوجد لدي مانع صغيرتي إن دللتك قليلا.
سحر: أرجوك لا تفعلي، سانزل معك إلى المطبخ.
الأم نازك: أنت فعلا نبيلة و مؤدبة صغيرتي، هيا غيري ثيابك و انزلي بعد ذلك، جاء سائق القصر و جلب لك بعض الملابس.
نزلت سحر بعد أن غيرت ثيابها، وجدت طاولة الطعام قد أعدت
الأم نازك: هيا صغيرتي أجلسي لنأكل ثم بعد ذلك نصنع الشاي و نجلس لنتحدث معا.
بعد أن انتهوا من الأكل نهضت سحر من على كرسيها
سحر: يجب أن أعود للقصر، لا أريد أن اسبب لك مزيدا من الإزعاج.
الأم نازك: هل ستكسرين بخاطر عجوز مسكينة ترغب أن تقضي هذه الليلة عندها و تؤنسي وحدتها.
سحر: لا، لا أرضى بذلك أبدا لكن..
الأم نازك: لا توجد لكن، بقاؤك هنا أفضل لك لترتاحي من ضجيج تلك العائلة.
سحر: لكنهم ليسوا سيئين معي.
الأم نازك: حقا، فهمت من تصرفاتك أنهم يسيؤون معاملتك.
سحر: أبدا لم يفعلوا ذلك، جميعهم لطفاء معي.
الأم نازك: إذا ابني هو من لا تتفقين معه.
سحر: يمان أيضا ليس سيء معي، حتى أنه...
غصت بعبراتها و لم تستطع أن تواصل الحديث
الأم نازك: تلك الحادثة مرت صغيرتي و يجب أن تنسيها.
سحر: لا يمكن أن أنساها ما حييت، تلك اللحظات المروعة و احتمال تعرضه للموت بسببي كاد أن يقودني للجنون.
الأم نازك: لا ترهقي عقلك بالتفكير بها، يمان لم يفعل غير واجبه، أنت كممرضة ألا تسىرعين لمساعدة غيرك إذا وقع في الخطر.
سحر: طبعا أفعل بدون تردد لكن في وضعنا، كلما تحركت خطوة أجره للمتاعب معي.
الأم نازك: لأنك فرد من عائلته وهو يعاملك مثل الآخرين، إخوته و يلدز، هو هكذا لديه حس بالمسؤولية منذ صغره.
سحر: لكن ألا تكون أنانية أن يحمله الجميع مسؤولية كل شيء، هو أيضا يحتاج لمن يفكر به.
الأم نازك ( أيتها الحنونة) : لم يجد من يفكر به، الجميع يفكر بنفسه، يمكن لأنه رأس العائلة و المسؤول عن كل شيء فيظنون أنه قوي و لا يحتاج لأحد.
سحر: أنا لا أحب أن أكون عبء يضاف إلى كاهله، أحب أن أكون معتمدة على نفسي فقط.
الأم نازك: لأن الحياة علمتك أن تكوني مستقلة بذاتك، هو لا يعرف هذا الشيء لأنكم التقيتم حديثا، مع الوقت ستفهمون بعضكم جيدا.
سحر: ليس ضروريا فهمنا لبعضنا فأنا سأعود إلى اسطنبول بعد أسبوع، قد أعود إلى هنا في زيارة خاطفة من أجل أبناء عمي.
الأم نازك: و نصيبك من التركة الذي تركه لك جدك، هل ستتركيه و تذهبي؟
سحر: ليس لي نصيب، أنا لم اتي من أجل المال.
الأم نازك: هل تفرطين بحقك دائما بهذا الشكل، لا منة لأحد عليك و يجب أن تقتنعي بذلك إلا إذا كنت غير مقتنعة بأنهم عائلتك و ان ذلك الرجل جدك.
سحر: أنا مقتنعة جدا أمي نازك بل أصبحت أشعر بكياني أكثر هنا بينهم لكن الأمر ليس له علاقة بالمال.
الأم نازك: ذلك المال من حقك حسب وصية مكتوبة من جدك بخط يده و يمان هو مجرد حارس على تلك الأمانة حتى يأتي صاحبها و يستلمها.
سحر: لكن لا يحق لي بعد كل هذه السنوات أن أضع يدي على مال تعب عليه غيري.
الأم نازك: أنت خذي حصتك و لا شأن لك بالباقي، أنت لم تأخذي حق أحد.
سحر: أنا لدي عملي و حياتي في إسطنبول.
الأم نازك: مابها الحياة هنا هل وجدتها سيئة، من لديك هناك، بعض الأصدقاء عندما ينتهي عملهم سيعودون إلى بيوتهم و يتركونك وحدك لا قريب لك و لا صديق، أما هنا فلديك قصر يؤويك و عمل ينتظرك.
سحر: أنا لا أفهم شيء في تلك الأعمال.
الأم نازك ( لقد بدأت تلين) : اغلبهم لا يفقهون شيء و يمان فقط من يدير الأعمال، كوني مثل يلتشين و ابدئي بالتعلم من البداية.
سحر: لكن لن أحبها، أنا أعشق التمريض.
الأم نازك: هنا في اضنة توجد أيضا مستشفى ممتاز تستطيعين العمل فيه.
سحر: سأفكر بالأمر.
الأم نازك: فكري جيدا صغيرتي، الحياة وضعت أمامك فرصة لا تعوض، لا تترددي و مدي لها يدك، أنت مازلت صغيرة و لا تقدرين جيدا مصلحتك أين تكون، لا تخافي لا أحد سيتغير من ناحيتك لأن يمان تحدث معهم قبل أن يخبرك عن الأسهم، بل منذ مجيئك الجميع فهموا أن تلك الأموال من نصيبك لأن صاحبها يجب أن يكون حفيد لقدرت كيريملي و لم يظهر أحد غيرك حتى هذه اللحظة، هل فهمتني صغيرتي.
سحر: أجل فهمتك لكن مازلت أشعر بالاحراج.
الأم نازك: لن تنجحي في مواجهة الحياة إذا بقيت تفكرين بهذه الطريقة، لا تتركي الضباع تلاحظ عليك الضعف و التردد، لا تنسي اولاءك الذين يتربصون بك، عليك أن تكوني واثقة من نفسك حتى تكوني في مستوى تطلعات جدك و يهابك الجميع.
استطاعت الأم نازك أن تغير نظرة سحر للأمور و تجعلها تقبل بالأسهم التي تركت لها، جاء يمان في الليل لزيارة جدته، وجد سحر في المطبخ تعد القهوة فعرضت عليه فنجان هو أيضا فلم يرفض، اخذت صحن الفناجين و صعدت وراءه إلى الطابق العلوي
الأم نازك: مرحبا بني، هل جئت لتطمئن علي ككل ليلة، هذه الليلة لست وحدي فلا تقلق.
يمان: هل تطلبين مني الذهاب جدتي.
الأم نازك: اشرب قهوتك ثم إذهب إلى قصرك.
يمان: لقد بعتني بسرعة جدتي، ظننت نفسي لدي مكانة خاصة عندك.
الأم نازك: لأنك ولد لئيم، سأذهب إلى غرفتي لدي عمل خاص هناك.
دخلت الجدة إلى غرفتها و تركت يمان يشرب قهوته بهدوء
يمان: كيف حالك الآن.
سحر: أنا بخير.
يمان: هل أنت مرتاحة هنا، يمكنك العودة معي إلى القصر.
سحر: لقد وعدت جدتك أن أبيت عندها، إنها رائعة هنيئا لك بها.
يمان: فعلا جدتي لا مثيل لها لكن أحيانا تكون قاسية قليلا.
سحر: لم ألاحظ عليها ذلك فقد عاملتني بحنو بالغ.
يمان: سأذهب الآن، شكرا من أجل القهوة كانت لذيذة، تصبحين على خير، جدتي أنا ذاهب.
الأم نازك: انتظر بني حتى أوصلك إلى الباب لدي بعض الأغراض سأوصيك عليها.
خرجت معه جدته إلى أمام البيت ثم أمسكته من ذراعه
الأم نازك: ماذا تحدثت معها؟!
يمان: سألتها عن حالها و شكرتها على القهوة.
الأم نازك: ألم تحدثها بموضوع الأسهم.
يمان: جدتي الفتاة مازالت مرهقة فلم اشأ أن أثقل عليها.
الأم نازك: افعل ذلك غدا بعد أن اقتنعت قليلا، لا تتأخر فالوقت ليس في صالحك.
يمان : حسنا جدا أنا أعدك غدا أنهي كل شيء.
الأم نازك: لا تعدني بشيء لكن قم بما ينفعك أم تريد أن تلتفت فلا تجدها بجانبك.
يمان: لا جدتي أنت تعرفين أنني لا أريد ذلك.
الأم نازك: هههه صغيري ألا تخجل من جدتك قليلا.
يمان: هل إعطاء الناس حقوقهم يدعو للخجل، أنت من علمتني ذلك.
الأم نازك: و علمتك أيضا أن لا تراوغ جدتك المسنة أيها الفتى، لكن لا بأس صغيري أنا اعذرك فأنت مازلت تحبو خطواتك الأولى.
يمان: جدتي لماذا أشعر بنفسي لا أفهمك في بعض الأحيان.
الأم نازك: بني أنت لا تفهم حتى نفسك و ما يحدث داخلها، هيا إذهب فقد تأخر الوقت.
في قاعة الاجتماعات الكبيرة، بدأت السيدة هوليا، سكرتيرة يمان، تتحرك على عجلة من أمرها فقد اقترب موعد الاجتماع الشهري للشركة و هي مازالت تعد ما يلزم ذلك من تنظيم للأماكن و وضع ملفات، بدأت الساعة تقترب من التاسعة صباحا عندما بدأ الحضور بالدخول، مدراء الفروع، رئيس المحاسبين و مساعدته، المحامي نديم و المحامية جلنار التي انظمت حديثا للعمل في الشركة، دخلت وهي تختال في مشيتها بطقمها الفخم، كان كل فرد يتجه للكرسي المخصص له، جاءت السيدة يلدز تصحبها فتاة تسير إلى جانبها بخجل، كانت ترتدي فستان بسيط أضاف سحر لمظهرها، ألقت التحية على الجميع كما فعلت زوجة عمها و جلست على الكرسي المخصص لها على يمين السيدة يلدز، أخذ كل فرد مكانه و لم يبقى غير رئيس الإجتماع الذي حضر آخر شخص بين الحضور لكن في موعده بالدقيقة، أسرعت سكرتيرته و بدأت تفتح الملفات التي أمامه كل حسب اختصاصه، بدأ يمان الحديث بعد أن رحب بهم
يمان: هذا الإجتماع من الآن فصاعدا سيحضر معنا فيه شخصان انضما حديثا للشركة، المحامية جلنار و الآنسة سحر.
بدأ الاجتماع بعرض آخر التطورات في العمل و الحديث عن التحديات و النقائص التي تعترضهم، بدأ كل مسؤول يطرح أفكاره لتناقش من طرف الآخرين و تأخذ موافقة مجلس الإدارة، أظهرت جلنار براعة في الحديث و إدارة الحوار مما جعلها تلاقي استحتسان الجميع، تحدثوا كثيرا و تناقشوا إلا سحر فقد بقيت تتصفح الملف الذي أمامها و تقلب أوراقه لعلها تظفر بجملة تساعدها على فهم ما يتحدثون به، مرت ساعتان عندما أعلن يمان عن موافقته على بعض الأفكار و على الشركاء أن يوقعوا عليها لتصبح نافذة، أخذت يلدز الملف الذي أمامها و بدأت توقع الأوراق التي أشارت لهم السيدة هوليا ثم انتقلت السكرتيرة إلى جانب سحر حتى تطلعها على مكان التوقيع عندما فاجاءتها سحر باعتراضها الذي ادهش الجميع
سحر: أنا لم أفهم بعد على ماذا سأوقع؟!
المحامية جلنار: آنسة سحر الأوراق التي أمامك يجب أن توقعي عليها حتى تصبح القرارات التي اتخذت الآن مفعلة.
سحر: أعرف لماذا يجب أن أوقع لكن ألا يحق لي الاعتراض.
المحامية جلنار: المشروع درس منذ شهرين و الآن ينتظر فقط الموافقة النهائية.
يلدز: سحر، أنا و أنت جئنا من أجل وضع تواقيعنا كشركاء ليمان لأن يلتشين و سونا لديه توكيل منهما، يعني الأمر شكلي فقط.
سحر: أنا آسفة لا أقبل أن أكون مجرد دمية، لن أوقع بهذه الطريقة.
ظهرت همهمة وسط الحضور، الجميع لم يتوقع أن يظهر أحد صوته أمام يمان إلا هذه المرة، مازال هو ينظر في الملفات التي أمامه دون أن يبدي رأيه بما يقع، بقيت سحر تتشبث برأيها رغم محاولات يلدز لاقناعها، تدخل المحامية زاد من عنادها و تعنتها، أشارت الساعة إلى الحادية عشرة إلا خمس دقائق عندما تحدثت المحامية جلنار من جديد و بنفاذ صبر
المحامية جلنار: آنسة سحر لقد اقترب وقت الاجتماع من الانتهاء و لم يبق غير توقيعك.
مرت دقيقتان عندما وقف يمان و أعلن عن انتهاء الاجتماع، حمل أغراضه و خرج، لحق به نديم و غادر الآخرون القاعة كل إلى مكتبه،
يلدز: لم أتوقع أن تكوني عنيدة بهذا الشكل سحر، هكذا لن تسير الأمور أبدا.
المحامية جلنار: يجب أن تكون تصرفاتك أكثر حكمة و عقلانية، هذا عمل و على الجميع أن يتحمل مسؤوليته فيه، أنت بعنادك أوقعت المشروع في الماء.
يلدز: لم ينتهي الأمر بعد جلنار، يمان يعرف كيف يخرج من أي مشكلة تعترضه ثم هذا إجتماع يخص الشركة فقط.
تركتهم المحامية و خرجت، التفتت يلدز لسحر
يلدز: أنا سأمر على بعض المحلات للتسوق هل تذهبين معي.
سحر: لا، أنا سأتحدث مع يمان قبل أن أخرج من هنا.
دخل يمان إلى مكتبه و جلس أمام حاسوبه المحمول ينهي بعض الأعمال، دخل عليه نديم بعد لحظات
نديم: ماذا يجري يمان، لماذا أنهيت الاجتماع بذلك الشكل.
يمان: نديم نحن لا نفرض رأينا على أحد، هي شريكة و لديها الحق في الاعتراض.
نديم: أنت و السيدة يلدز كنتم تستطيعون إنهاء الأمر و دحض الاعتراض الذي قامت به.
يمان: كان يمكن أن أفعل ذلك و بسهولة لكن لدي غاية أخرى، ما فعلته سحر نبهني لعدة أمور تجعلني لا أقع في ورطة أثناء أحد الصفقات الكبرى، يجب أن أعرف من أين يمكن أن تأتي النقائص، تعودنا بيلدز و اخوتي يوافقون على جميع القرارات دون أي نقاش، هذه المرة لدينا شريكة جديدة و يجب أن نعرف كيف تفكر.
نديم: لكن ما فعلته سحر أظهر أنها لا تفهم شيء في العمل و ضايق البقية ثم تحول الأمر لعناد منها عندما تحدثت معها جلنار.
يمان: أنا في غاية الرضى مما حدث، هي فعلا لا تفهم بأمور الأعمال لأنها لا تعرفها قبل اليوم و بعيدة كل البعد عن اختصاصها، بالنسبة للعناد فهي صفة بها لا نستطيع أن نغيرها لكن سنهذبها.
خرجت يلدز من الشركة و اتجهت سحر إلى مكتب يمان، وجدت هوليا تطبع بعض الأوراق، ابتسمت لها عندما رأتها
سحر: سيدة هوليا أريد مقابلة يمان... أقصد السيد يمان.
رن جرس مكتب يمان، اتصلت سكرتيرته و أبلغته بأن الآنسة سحر ترغب بلقاءه فسمح لها
يمان: ها قد جاءت، كنت أعرف أنها ستأتي وراءي، بدأت أفهم طريقة تفكيرها.
نديم: سأذهب أنا إذا.
يمان: لا بل إبقى، يجب أن تفهم أن هنا مكان عمل و ليس القصر لتتصرف كما تشاء.
دخلت سحر إلى مكتب يمان، طلب منها أن تجلس في الكرسي المقابل لكرسي نديم، فعلت ما طلب منها و استعدت للحديث عندما سبقها نديم و قال
نديم: آنسة سحر سنمدك بملف المشروع لتطلعي عليه، كم يلزمك من الوقت و نأخذ الإجابة منك لأن الوقت ليس في صالحنا.
سحر: أنا جئت للتحدث مع يمان.
يمان: حسنا أذهب أنت نديم و ستتحدثون عن المشروع فيما بعد.
خرج نديم و تركهم بمفردهم، بقيت سحر تفرك يديها بتوتر ثم قالت
سحر: قلت لك منذ البداية أن هذه الأعمال لا تناسبني، لقد وضعتك في موقف محرج.
يمان: لا أبدا، لديك الحق في الاعتراض على أي قرار لكن يجب أن يكون اعتراضك بتعقل و ليس وليد اللحظة، أنا وضعتك في أول اختبار و أنت نجحت فيه بنسبة خمسين في المئة.
سحر: و الخمسين الباقية.
يمان: لن اجاملك و اعطيك عدد كامل لأنك ابنة عمي، نحن هنا في العمل و لا فرق بين الجميع، كل يكافيء حسب مجهوده، لم يحضر يلتشين الإجتماع لأنه مجرد موظف و لا يحق له التدخل في القرارات فأسهمه مازالت تحت يدي، أما أنت فوضعك مختلف.
سحر: لماذا أنا وضعي مختلف؟!
يمان: لأن اسهمك الآن تحت يدك و عليك أن تتصرفي حسب هذا الأساس، سأرسلك إلى المحامية جلنار و هي ستفسر لك كل الإجراءات حتى لا نقع في نفس الخطأ.
سحر: أريد أن ترسلني عند المحامي نديم.
يمان: لماذا هل لديك احتراز على جلنار.
سحر: هي تتحدث بطريقة لا افهمها و أخاف أن تسخر مني، أنا لن اتفاهم معها.
يمان: كما تشائين، اذهبي إلى نديم و سيتفرغ لك.
سحر: و مشروع اليوم ماذا سأفعل به.
يمان: نديم سيسلمك نسخة منه و قومي بدراسته حسب طلبك.
سحر: كيف سأدرسه، أنا لا أفهم في هذه الأمور.
يمان: هذا شأنك، أنت من اعترضت عليه و عليك أن تقدمي تقريرك للإدارة عن سبب الاعتراض.
سحر: أنت مجحف بحقي، تحملني مسؤولية لست أهلا لها، جدتك قالت لي كل شيء سيسير بسلاسة و أنا انخدعت بالأمر.
يمان: لن تنجحي بسهولة، يجب أن تقعي ثم تقفي على قدميك من جديد حتى تعرفي طعم النجاح، لن تكوني مثل يلدز تأتي فقط لتوقع ثم تذهب أنت مكانك هنا كصاحبة عمل.
سحر: أحس بنفسي أسير نحو المجهول عندما أفكر بالأمر، أنا لا أفهم سوى بالأدوية و الخلايا، قد أجد نفسي في الهاوية.
يمان: أنا سأكون معك فأنت شريكتي، في الأعمال طبعا، سأمد لك يدي متى وجدتك تقعين في الخطأ.
سحر: مثل تلك المرة عندما وقعت من فوق المنحدر.
يمان: أجل مثل تلك المرة.
خرجت سحر من مكتب يمان و تركته يتبعها بنظراته و كله غبطة و سرور، لقد نجح في جعلها قريبة منه في العمل، اتجهت هي إلى مكتب نديم الذي تلقى اتصال من يمان قبل وصولها بلحظات
يمان: نديم سحر ستأتي إليك، فسر لها كل ما يلزم لأنها مازلت لا تستوعب بعض الأمور، تعامل معها بهدوء و لا تضغط عليها، ألغي كل مواعيدك لهذا اليوم.
نديم: و ماذا عن التوقيع المعلق و اجتماع البنوك.
يمان: هي ستطلب بنفسها أن تقوم بذلك أنت لا تلح عليها في الأمر، بالنسبة لاجتماع البنوك سأخذ معي الآنسة جلنار.
سحبت الأم نازك كرسيها و جلست قبالة يمان الذي بدأ يتناول عشاءه
الأم نازك: أخبرني بني كيف مر أول اجتماع لسحر في الشركة.
يمان: لقد فعلت ما طلبته منها جدتي، ركبت رأسها و جعلتنا نؤجل التوقيع عن المشروع.
الأم نازك: هههه هل فعلت ذلك، أنا لم احرضها ضدك لكن طلبت منها أن تتمسك برأيها، هل غضبت منها أو وبختها؟
يمان: لا جدتي، هي مازالت في بداية الطريق، ستتعلم كيف تضع قدمها على المسار الصحيح.
الأم نازك: أجل بني أعرف أنك صعب المراس في العمل خاصة لكن لا بأس تجاوز عن اخطاءها و اندفاعاتها لأنك ستقابل منها الكثير.
يمان: أنا مستعد لها جدتي، فتصرفها اليوم بين لي أنها لن تكون المرة الأولى، الفتاة عنيدة بعض الشيء و متعصبة لرأيها.
الأم نازك: أيضا ذكية و فطنة فلا تخف عليها.
حطت الطائرة في مطار إسطنبول، عادت سحر إلى مدينتها التي تعشقها، لكن هذه المرة لم تشعر بذات الحنين الذي كانت تحس به في السابق عندما تذهب في رحلة ثم تعود متلهفة إلى أحضانها، اليوم شعرت ببعض النقص في انجذابها إليها.
بعد اجتماع مطول في مكتب نديم قررت من تلقاء نفسها أن تقوم بالتوقيع على تلك القرارات التي اتخذت في ذلك اليوم، بعد يومين اعلمت العائلة التي أحسنت استضافتها عن حلول موعد رحيلها، استغرب بعضهم قرارها و احتفظ البعض بسعادته داخل قلبه أما يمان فاكتفى ببعض الكلمات التي قالها لها عندما ذهبت إليه في مكتبه تعلمه بموعد رحيلها
يمان: أدخلي سحر، ماذا هناك حتى طلبت رؤيتي.
سحر: يمان أنا تنتهي اجازتي يوم الأحد القادم، يجب علي أن أعود إلى إسطنبول صباح الغد.
تفاجأ بقرارها فقد ظن أنها تراجعت عنه بعد أن قبلت بتلك الأسهم لكن أمله خاب و ذهب ادراج الرياح
يمان: إذا كنت مصرة على الذهاب فهذا قرارك و نحن يجب أن نحترمه.
سحر: و ماذا بشأن العمل؟!
يمان: مابه العمل، لن يتأثر بذهابك فهذه بيوت أناس مرتكزة عليه و لا نتلاعب به، بالنسبة لنصيبك سيبقى الحال كما عليه، لن نوقف مصالحنا لأي سبب.
سحر: هل يعني أن ذهابي ليس فيه حرج.
يمان: لا تشغلي بالك، اختاري الحياة التي ترضيك.
حز في نفسها انه لم يبدي أدنى اسف لذهابها كما فعل البقية، حتى دموع سونا وهي تودعها هذا الصباح ام تلين ملامحه القاسية التي ظهرت عليه، ودعها الجميع وهم يلحون عليها أن لا تتأخر في زيارتها القادمة إلا هو بقي يلقي الأوامر لجينغار عن الاهتمام بها حتى وصولها إلى باب الطائرة.
عادت إلى شقة هاندة و تالا اللاتي استقبلنها بفرح و صراخ، كل واحدة فيهما بدأت تنهال عليها بالأسئلة حتى كادت أن تجن منهما.
العمل من جديد في مستشفى الحياة و السعي عبر اروقته، تغيرت نظرة الكثيرين لها بعد أن اكتشفوا هويتها الجديدة برغم انها بقيت تتصرف كسحر يوسف القديمة، لا غرابة في ذلك فالتواضع كان أبرز شيمها لكن الآن أصبح صفة نبيلة تميزت بها، حتى الدكتور لافنت أصبح لا يترك فرصة دون التودد إليها.
عادت السهرات التي لا تتوقف مع صديقاتها،مر أسبوع على عودتها و مازالت أسئلتهم لا تنتهي كما هو الحال هذا المساء
تالا: سحر أرجوك اعيدي علينا حادثة التلة، أعجبتني كثيرا، يوجد شيء يشدني إليها.
سحر: لن أعيدها عليك، أصابني الملل و أنا كل مساء اسرد عليكم نفس القصص، لقد سئمت من أسئلتكم.
هاندة: سئمت من اسألتنا و لم تسئمي من العيش هنا، تركت حياة الرفاهية و رجعت لتتشردي بين طرقات إسطنبول.
سحر: أنت ماذا حدث لعقلك، أنا عدت لعملي.
هاندة: ممرضة بأجر زهيد و تركت أعمال بالآلاف هناك يديرها إبن عمك، أنت بلهاء يا فتاة.
سحر: هو لا يحب أن يتدخل أحد بعمله، كان سعيد بذهابي.
تالا: كيف عرفت انه كان سعيد.؟
سحر: لم يطلب مني البقاء مثل الآخرين و قال لي بالحرف الواحد لك حرية اختيار الحياة التي تلائمك.
هاندة: ألم أقل لك أنك فتاة بلهاء، شخص مثله بتلك الهيبة هل تتوقعين منه أن يترجى فتاة حمقاء لتبقى و ترعى مصالحها.
سحر: أنا لست حمقاء، أنا اخترت الحياة التي تلائمني.
هاندة : أنت كاذبة، أنت تهربين من مواجهة مسوولياتك، استكثرت على نفسك كل تلك الأموال التي تركها لك جدك، أنت اعجبتك حياة الشقاء و الاختباء في ذيل المجتمع.
تالا: أنت تقسين عليها كثيرا هاندة، سحر ليست كما وصفت هي فقط تحب أن تكون حياتها بسيطة و غير معقدة.
هاندة: تالا أنت اصمتي إذا ستلقين عليها هذه الأفكار الغبية، جميعنا نعرف أن سحر عاشت حياة صعبة و لم تكن مثلنا، أنا في السابق ما كنت سأتحدث بهذا الشكل لأنني أخاف أن اجرح شعورها لكن أصبح ما تفعله جحود و غباء، وجدت عائلة تهتم لها و إرث لا يزاحمها فيها أحد، ترمي كل ذلك وراءها و تأتي لتدفن نفسها هنا، لماذا؟ لو كان أحد غيرك لتشبث بفرصته بأسنانه لكنك انسانة جبانة، الجميع أصبح يتملقك فقط لأنك سحر كيريملي.
سحر: أنت قاسية جدا هاندة لكن لن أغضب منك لأنك صديقتي، سأدخل لأنام فأنا لدي عمل في الصباح الباكر.
هاندة: تصبحين على خير أيتها الكادحة.
دخلت سحر إلى الغرفة و تركت صديقاتها في الصالون
تالا: لا أصدق شدة قسوتك عليها يا فتاة، كأنها ليست صديقتنا، لسانك حاد جدا.
هاندة: لأنني أحبها و أريدها أن تفهم ما يدور حولها، مكانها لم يعد هنا بل بين تلك العائلة هناك، حيث إبن عمها يمان.
تالا: لماذا ذكرت إسم يمان و لم تذكري بقية إخوته.
هاندة: لأن بقية الإخوة يحبونها كأخت لهم اما يمان فهو يهتم لها هي كسحر.
تالا: لم ألاحظ ذلك، فكما قالت لم يطلب منها حتى البقاء مثل الآخرين.
هاندة: لأنه يكابر و يرفض أن يظهر ضعفه أمامها، لو كانت لا تعني له شيئا لطلب منها أن تبيعه الاسهم و ترحل من هناك، لكنه يصر أن تبقى مرتبطة بذلك المكان.
تالا: لماذا لم تقولي لها ذلك؟
هاندة: عندها لن تعود إلى هناك أبدا لأنها تهرب منه قبل أن تهرب من أي شيء آخر.
تالا: لماذا تهرب منه و هو لم يسيء لها؟
هاندة: افهمي يا فتاة، لقد بدأ يسيطر على تفكيرها، هي تتهرب دائما من الحديث عنه أو ذكر اسمه بخلاف البقية فهي تتحدث عنهم بكل طلاقة حتى أخوه الأصغر يلتشين تعتبره أخا لها و هو يعتبرها كذلك، أنا شككت في الأمر ثم بدأت بمراقبتها و اتعمد دفعها للحديث عنه فتقول كلمتين ثم تهرب إلى الحديث عن شخص غيره.
تالا: هل وقعت في حبه بهذه السرعة؟!
هاندة: قد يكون، أو أنها مازالت تحت تأثيره فقط.
تالا: و ماذا إن لم يبادلها ذات المشاعر، قد يتحطم قلبها و يتأذى.
هاندة: نحن لن نتدخل في القدر و أحكامه، لكن هروبها هو ما سيؤذيها إذا فعلا خسرت قلبها أمامه قبل أن تعود إلى هنا.
بدأت سحر عملها منذ الصباح الباكر، تتنقل بين الأقسام و تنتبه لتعليمات الأطباء، بدأ التعب يظهر عليها ما إن بلغ اليوم منتصفه فقد هجرها النوم ليلة البارحة و بقيت تتقلب في فراشها تفكر في حديث صديقاتها معها، لم تجد غير مقهى المستشفى تأخذ فيه استراحة و تشرب فنجان قهوة لعله يعيد لها نشاطها و تركيزها المبعثر( سونا لم تتصل بي منذ يومين، لقد تعودت على صوتها و سماع أحاديثها، شعور الأخوة شيء جميل فعلا)، قطع صوت الدكتور لافانت حبل أفكارها
لافانت: سحر هل أنت هنا، اسمحي لي أن أنظم إليك.
سحر: تفضل دكتور، لا يوجد عندي مانع.
لافانت: غيابك كان سيء بالنسبة لنا، كل الزملاء اشتكوا من فقدانك في فرقهم.
سحر: كنت احتاج لاجازة ارتاح فيها.
لافانت: معك حق فأنت تعملين منذ فترة بعيدة بجد، كيف وجدت مدينة أضنه، زرتها مرتين و كانت مدينة رائعة.
سحر: فعلا مدينة لها سحرها الخاص، تعلقت بها كثيرا.
لافانت: هذا لأن جذورك هناك، لا تنزعجي مني فقصتك تحدث عنها الجميع، فعلا أمر يدعو للغرابة.
سحر: لماذا؟ الأمر عادي و يحدث مع أي شخص.
لافانت: لكن لا أحد يجد نفسه من أسرة غنية بين ليلة و ضحاها، كيف وجدتهم، أقصد تلك العائلة.
سحر: عائلة عمي، إنهم ظرفاء معي و تعاملوا معي باحترام كبير.
لافانت: إنهم فعلا أناس محترمون لأن فتاة ثانية عاشت نفس قصتك انتهى بها المطاف في مشاكل عويصة و لا تنتهي بسبب جشع أقاربها، أنت لم تعيشي نفس الحكاية.
سحر: لا بل كانوا معي في غاية اللطف، حتى أنهم....
توقفت عن إكمال جملتها فقد انتبهت إلى أنه يستدرجها بالحديث ( لا تنساقي وراء الأحاديث قبل أن تفكري، هكذا نصحتها الأم نازك في تلك الليلة)، فأرادت أن تلاعبه قليلا
سحر: لقد طلبوا مني أن أقوم بزيارتهم في كل إجازة.
لافانت: جميل، هل اقتصرت علاقتك معهم عن الزيارات فقط.
سحر: طبعا فأنا تربطني بهم صلة الدم و القرابة.
لافانت: ألم يحدثوك عن حقوقك معهم، لأنك ابنة عمهم و لك نصيب في تلك الثروة.
سحر: أي نصيب؟ كل الثروة مقسمة بين الأخوة حسب ما فهمت و لم اسأل عن أي شيء آخر.
ظهرت الخيبة على وجهه لكنه تظاهر بغير ذلك
لافانت: إذا لم تخرجي من هناك سوى باللقب الجديد.
سحر: و هذا يكفيني، على الأقل أصبح لدي أقارب أعرفهم.
هاندة: سحر أنت هنا و أنا أبحث عنك، مرحبا دكتور.
لافانت: مرحبا هاندة، تفضلي خذي مكاني فأنا لدي عملية بعد قليل.
غادر الدكتور المقهى و بقيت سحر تغمز صديقتها
هاندة: مابه، هل انزعج من حضوري، هل قاطعت لحظاتكم الرومنسية.
سحر: لم تقاطعي شيء فقط هو مازال تحت تأثير الصدمة.
هاندة: صدمة من ماذا؟
حكت لها سحر عن الحوار الذي دار بينهم فضحكت هاندة مطولا
هاندة: هل خدعته يا فتاة، حلال عليك ما فعلته، ألا يخجل من نفسه يصطادك بعين طماعة، لكن أنت ابهرتني بتصرفك.
سحر: منذ أن عدت وهو يتملقني كأنني لم أكن أعرفه، متكبر و مغرور كيف كنت معجبة به ذات يوم.
هاندة: ذلك الإعجاب مثل الدخان يعلو في السماء ثم يختفي.
سحر: لماذا يتغير الناس بسرعة أم أنا التي لا تحسن الإختيار.
هاندة: أنت محظوظة لأنك تكتشفين الناس على حقيقتهم قبل الوقوع فيهم، الم تتصل ابنة عمك؟
سحر: لا و أنا انشغلت عنها يوم أمس و اليوم أيضا مازلت لم اتصل بها.
هاندة: قلت أن الفتاة مريضة ماذا لو تعكرت صحتها؟
سحر: لقد أثرت قلقي فعلا، الآن سأتصل بها
رن هاتف سونا عدة مرات حتى أجابت عنه
سحر: مرحبا ابنة عمي كيف حالك، قلقت عليك لأنك لم تتصلي بي.
سونا: أهلا سحر، ظننتك مشغولة لهذا قللت اتصالاتي بك، لا أريد أن أشغلك عن عملك.
سحر: لماذا تتحدثين معي هكذا يا صغيرة، هل أنا انزعج منك.
سونا: لا أقصد ذلك لكن الجميع طلبوا مني أن لا افرض نفسي عليك.
سحر: هل يمان من طلب منك ذلك؟
سونا: لا آبي لا يتحدث عنك مطلقا لكن ليلة البارحة على طاولة العشاء عندما تذمرت من غيابك نهرتني أمي عن ذلك و بأنه يحق لك التفكير بحياتك بعيد عنا.
سحر: هل بكيت يا صغيرة.
سونا: بكيت عندما قالت لي ميرال انني اشحت الأخوة منك، حتى دفاع آبي عني لم يخفف من المي.
سحر: أنا آسفة سونا لم اتعمد أن احزنك.
سونا: لا عزيزتي أنا لست غاضبة منك و أتفهم قرارك لكن ليس ذنبي أنني تعلقت بك في تلك الفترة القصيرة، أقسم لك انني أحس ناحيتك كما أحس ناحية إخوتي ضياء و يلتشين.
سحر: لكن لم أصل إلى مرتبة الشرف بعد.
سونا: ههه تلك المرتبة لا أحد يحلم بالوصول إليها فقد احتجزت منذ زمن بعيد.
انتهت مكالمة الفتاتين، فبدأت هاندة الحديث
هاندة: ما هذه مرتبة الشرف و لمن تكون؟
سحر: سونا متعلقة بيمان جدا لدرجة غريبة كأنها ابنته أو أكثر هو أيضا لا يستمع لأحد غيرها.
هاندة: الفتاة رقيقة و تحب بسرعة، تعلقت بك أنت أيضا.
سحر: أجل كأنها اختي الصغرى، لكن حياتها دائما على المحك.
هاندة: مؤسف هذا الأمر، لابد أن جميع عائلتها في قلق دائم عليها....... سحر أين شردت.
سحر: لا مازلت معك لكن كنت أفكر، هيا نذهب لقد حان وقت العمل.
أنهت سحر عملها لذلك اليوم و كانت تستعد للخروج من المستشفى عندما طلبها الدكتور تانجو إلى مكتبه و قال لها بأن شخص مهم ينتظرها هناك، ذهبت اليه و ذهنها لا يتوقف عن وضع الاحتمالات عن هوية هذا الشخص ( من يكون يا ترى، هل يعقل أن يكون هو؟ لماذا سونا لم تخبرني أنه هنا في إسطنبول، قد لا تعرف هي أيضا، لماذا جاء إذا كان هو، هل الأمر يخص العمل، يا إلهي كم أنا متوترة)، قرعت باب المكتب و قلبها يكاد ينط من مكانه، فتح الدكتور تانجو لها الباب و دعاها للدخول..... لم يكن هو!!!
تانجو: تفضلي سحر بالدخول، أقدم لك السيد عزام أحد أبرز المساهمين في مستشفانا.
سحر: أهلا بك سيد عزام، مما يشكو السيد عزام يا دكتور؟
تانجو: هههه السيد عزام طلب رؤيتك شخصيا من أجل العمل.
سحر: لم أفهم حضرة الدكتور، كيف؟
تانجو: أنا سأخرج لدي عمل مستعجل و أنت اجلسي هنا معه و تحدثوا بهدوء.
خرج الدكتور تانجو و تركها مع الرجل الغريب، بدأ هو بالتكلم أولا
عزام: آنسة سحر كيريملي، أنا في الأصل محامي و وكيل إحدى الشركات الكبرى التي لديها عدة فروع و من ضمنها فرع كبير في مدينة اضنة، شركتنا تقوم بعدة أعمال و نهتم أيضا بقطاع النسيج، شركتنا ترغب في دخول شراكة مع عائلتك لهذا نعرض عليك شراء اسهمك في شركة العائلة و هذا هو الرقم الذي سندفعه مقابل نسبتك و قابل للتفاوض.
املى عليها رقم مهول تجاوز قيمة نسبتها في الأسهم بكثير، بقيت فاغرة فاها لفترة فقد شلتها الصدمة و بعثرت تفكيرها، فكرت للحظات ثم سألته
سحر: سيد عزام أنت تحدثت عن الشراكة فلماذا تعرض علي شراء اسهمي؟
عزام: نحن الآن مازلنا في فترة تفاوض مع السيد يمان لكنه إنسان صعب جدا و لا يقتنع بسهولة، لديه شروط مجحفة و تعجيزية، عيوننا التي هناك ابلغتنا أنك لم تكوني راغبة بتلك الاسهم و قبلتها على مضض لهذا فكرنا في عرض الشراء عليك.
سحر: بعد أن تشتروا اسهمي ماذا ستفعلون بالتفاوض مع إبن عمي.
ضحك الرجل بغرور ثم قال
عزام: في تلك الحالة يصبح التفاوض لا معنى له و نضمن الشراكة معه بالأمر الواقع، نسبة عشرون في المئة ليست قليلة.
سحر: سيد عزام أحييك على دقة معلوماتك، لكن اسمح لي بسؤال ثان، هل سبق لك و قرأت قصة حصان طروادة؟
عزام: هههه أنت فتاة ظريفة و تهتمين بالقصص في وسط البيع، إذا وافقت على مبلغ البيع الذي عرضته عليك متى نحدد موعد لتوقيع العقود؟
سحر: كما ناديتني في البداية سيد عزام، أنا اسمي سحر كيريملي و اسهمي للأسف ليست للبيع فالرقم الذي عرضته علي قليل جدا.
عزام: لا تتسرعي يا آنسة، قلت لك ذلك الرقم قابل للتفاوض.
سحر: أنا آسفة لا اتفاوض في مصالح عائلتي.
تركته مندهش و خرجت من المكتب، لقد اتضحت لديها الرؤية الآن، ما حصل معها هو غيض من فيض و ستقابل أمثال هذا الرجل كثيرا، قصدت مكتب السيد عادل رئيس المستشفى و طرقته بلطف
عادل: أهلا بك آنسة سحر تفضلي.
سحر: دكتور عادل جئت لأقدم لك استقالتي.
عادل: لماذا؟ نحن بالكاد صدقنا أنك عدت و عاد الحماس بين زملاءك.
سحر: أنا آسفة جدا لكن مصلحتي تقتضي أن أعود إلى أضنه، لا يمكنني التوفيق بين هنا و هناك.
يوم الأحد، الساعة الثالثة بعد الزوال، اجتمع كل أفراد العائلة في الصالون إلا سونا التي كانت تذرع البهو جيئة و ذهاب
يلدز: هذه الفتاة لا تعقل أبدا، سونا ابنتي تعالي و اجلسي هنا بجانبي.
سونا: أمي لا أطيق الجلوس حتى تصل سحر، ليتني ذهبت مع يلتشين إلى المطار.
يلدز: لأنك بقيت تزينين تلك الغرفة حتى جعلتها غرفة ملوك.
ميرال: منذ أن أخبرها جينغار أن سحر قادمة وهي لا تفعل شيء سوى الاهتمام بغرفتها حتى أهلكت ناسليهان معها.
ضياء: شاهدت ثلاث باقات زهور تدخل إلى هناك.
ميرال: ما تفعله سونا ليس جيد على صحتها، تعلقت بالفتاة كثيرا، قد تخذلها مرة ثانية و تذهب.
يلدز: سحر تحب سونا أيضا و لن تخذلها.
ضياء: ذلك المجنون أخذ سيارته الرياضية و أسرع إلى المطار، يمان لماذا لم ترسل جينغار.
يمان: لم اشأ أن أكسر بخاطره عندما طلب أن يقلها هو من المطار ثم جينغار أرسلته للمزرعة فموسم حصاد القطن أصبح على الأبواب.
ميرال: لماذا غيرت رأيها سحر و عادت.
سونا: لقد وصل يلتشين!!! .
أسرعت الفتاة للقاء ابنة عمها و احتضنتها بشوق، نزل يلتشين من سيارته و اصطحب البنات إلى داخل القصر، خرج البقية إلى البهو و استقبلوها بترحاب، غمرها شعور بالفرحة و احست بنفسها كالطائر المهاجر عند عودته إلى وكره، عادت إلى حضن عائلتها و إلى القلعة التي ستبدأ منها مقارعة الحياة. ( أهلا بعوتك إلى عائلتك) كانت هذه جملته الوحيدة التي قالها وهو يمد لها يده و يكتفي بمصافحتها عكس اخوته الذين احتضنوها بود، كلمات قليلة و مختصرة لكنها تحمل في طياتها معاني كثيرة مع نظرات غريبة و غامضة

جذور قاسية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن