بقلم ندوش 🐝
كما كانت دائما، نهضت سحر في أول يوم عمل لها منذ الصباح الباكر، لم ترضى أن تتأخر يوم واحد منذ وصولها عشية الأمس، طلب منها يمان أن تأخذ بضعة أيام إجازة قبل أن تباشر عملها في الشركة فرفضت معللة قرارها بأنها لا تحتاج للراحة، وضعت قدمها على عتبة باب الشركة في الساعة الثامنة و الربع صباحا موعد دخول يمان إلى هناك كل يوم، تسير إلى جانبه منذ خروجها من القصر حتى باب مكتبه عندها توقفت أمامه
سحر: أظن الآن قد حان الوقت لنفترق.
يمان: لماذا سنفترق، لم أفهم ماذا تعنين؟
سحر: كما فهمت من حديثك ليلة البارحة ستضعني تحت إمرة السيد عدنان حتى يعلمني أصول و قواعد العمل، و كما أعرف أيضا مكتبه في الرواق الثاني و ليس هنا.
يمان: فعلا قلت أن عدنان من سيعلمك لكن ستعملين معي أيضا.
سحر: سأحضر معك في بعض الاجتماعات التي تتطلب وجودي إلى جانبك، أنت من قلت لي كل هذا الكلام و لم آت به من تفكيري.
يمان: أجل قلت كل هذا، لديك قوة استيعاب و حفظ كبيرة.
سحر: هل نسيت أنني بالأصل ممرضة و يجب أن أركز في كلمة تصدر عن استاذي.
يمان: أنا لست استاذك؟
سحر: استاذي السيد عدنان أو عمي عدنان، إلى اللقاء سأبدأ عملي.
يمان: حظ موفق ( ابنة عمي، أنت متحمسة للعمل أكثر مما توقعت).
انظمت سحر لفريق السيد عدنان المكون من عدة موظفين، رحبوا بها و أبدوا تقديرا لها عند معرفتهم بهويتها، أخذها السيد عدنان إلى مكتبه للحديث معها هناك
عدنان: سعيد بانظمامك لفريقي، كلهم نشطين و مميزين ستتعودين على العمل معهم بسرعة، أنت لن تعملي هنا بل ستتعلمي كل ما يخص أعمال العائلة من مصانع النسيج، الانتاج و التصدير و مزارع القطن أيضا.
سحر: أليس كثير أن اتعلم كل هذا؟
عدنان: ليس كثير على فتاة ذكية مثلك، يمان لو كان لديه أدنى شك في مقدرتك لما أتى بك إلى هنا و خاصة في الشركة، أنت فقط لا تستسلمي و ثقي بنفسك جيدا، نحن هنا جميعا سنساعدك و سنقف معك.
سحر: و أنا لن ادخر جهدا للتعلم، سأعمل أيضا، لا بأس بمساعدة الآخرين هنا، لا يهم نوع العمل طالما أنني ساتعلم منه.
عدنان: أحسنت، بدأت تفكرين أين تكون مصلحتك، قد تتنقلين مع يمان في اجتماعاته الخارجية أو لمراقبة المصانع، هو سيطلبك عندما يحتاجك.
سحر: واضح سيد عدنان.
شحذت كل عزيمتها و تهيأت لهذه المعركة الجديدة، كان دخولها هذا العالم أشبه بدخول نفق مظلم إلا من بصيص نور خافت تستدل به على خطواتها، بدأت تحاول جاهدة أن تتعلم كل ما يأتي أمامها فلا تترك فرصة لطرح تساؤلاتها على الجميع، لم تخجل من جهلها و لم تتردد لحظة واحدة في التعبير عن عدم فهمها ما إن تواجهها معلومة تكون مستعصية على تفكيرها، مرت عشرة أيام لم تتقدم فيهم كثيرا فقد كان الأمر أصعب مما تتخيل لكن لم تبتأس أو تخور عزيمتها، هذا التقدم البطيء قابله تطور سريع في جعل الآخرين يحترمون شخصها و يتقربون منها، كانت البداية من فريق السيد عدنان و وصل الأمر عند جميع الموظفين، ظن الجميع في البداية أن الفتاة ستكون نسخة عن أغلب بنات العائلات اللاتي يسمعون عنهن لكن هذه المرة حدث الاستثناء، سحر كيريملي كل من يسمع هذا الإسم يأتي إلى ذهنه إسم جدها و قوة نفوذه لكن ما إن يتقرب منها حتى يكتشف جوهرة نادرة بقلب طيب و روح مرحة، ذاع سيطها حتى وصل إلى المحامية جلنار و تأكدت من الأمر عندما سمعت السكرتيرة هوليا تتحدث مع إحدى زميلاتها ذات مرة
الزميلة: الفتاة سحر تليق بها مهنة التمريض، تلك المهنة تناسب قلبها الرحيم كثيرا.
هوليا: معك حق،انسانة غاية في النبل و حسن الخلق لا تقابل الآخرين إلا مبتسمة، بعض الموظفات أكثر غرورا منها.
الزميلة: كيف يعاملها السيد يمان؟ سمعت أنها تحدته أول مرة أمام الموظفين.
هوليا: الفتاة في قمة الأدب و السيد يمان يعاملها بلطف فهي بالأخير ابنة عمه رغم أنه يتعامل معها كموظفة هنا.
وصلت سحر أثناء الحديث تحمل حزمة ملفات معها
سحر: مرحبا سيدة هوليا، جئت لمقابلة السيد يمان.
هوليا: طبعا آنسة سحر أدخلي إليه.
واصلت سحر طريقها فأردفت هوليا
هوليا: هل رأيت، حدث كل شيء أمام عينيك، الفتاة رائعة و جميلة.
طرقت سحر الباب ثم دخلت، وجدت يمان يحضر بعض الأعمال، تقدمت من مكتبه حتى وصلت عنده
سحر: سيد يمان جلبت لك جداول الأسعار الخاصة بالصفقة.
يمان: اجلسي و سنراجعهم معا، ثم لا تناديني سيد يمان عندما نكون بمفردنا.
سحر: لم أشأ أن اسبب لك أي إحراج لأنني قد اخطيء عندما نكون مع البقية.
يمان: سيكون ليس خطأ أو زلة لسان، أنت شريكتنا في الأعمال.
سحر: أنا لم أستوعب إلا بعض الأشياء من هذه الأعمال التي تتحدث عنها.
يمان: هل بدأت تستسلمين؟
سحر: لا، لن استسلم لكن أردت أن افضفض قليلا.
يمان: بما أنك تحدثت عن الفضفضة، ما رأيك أن نخرج لتناول الأكل في أي مطعم ثم نعود لمراجعة الأسعار بنشاط أكثر.
سحر: ممكن جدا.
تركوا الملفات جانبا و خرجوا إلى مطعم قريب من الشركة، تناولوا أكلهم هناك و تحدثوا كثيرا و في مواضيع مختلفة إلا أمور العمل فلم يتطرقوا إليها.
يمان: استاذك تانجو الذي تحدثت عنه، هل لديه زوجة و أطفال.
سحر: لا أعلم شيء عن حياته الاجتماعية فهو شخص كتوم جدا، ثم لا أحد يجرؤ على التحدث عنه مخافة أن يقع بين يديه.
يمان: يهابه الجميع يعني، ألم تقعي بين يديه أبدا؟
سحر: هههه وقعت عديد المرات لكن لا تحتسب أمام صديقاتي، أنا أكثر عملي مع الدكتور عادل و الدكتورة ميسون.
يمان: نجوت منه إذا، قبل مباشرة عملك كيف كانت حياتك؟ تحدثي بما يريحك أنا لا اتطفل عليك.
سحر: أنت لا تتطفل فحياتي لم يوجد فيها ما يجعلني أخفيه، لن يكون أكثر مما وجدته في ذلك التقرير.
يمان: أنا آسف سحر إذا كان ذلك التقرير أزعجك.
سحر: لا لست منزعجة منك، أنت لديك عائلة و مسؤول عنها ثم ظهوري الفجئي يدعو للاستغراب بالنسبة لكم كما أنني بدأت أعرفكم الآن.
يمان: لكن التقرير ظلمك و لم يعطيك حقك.
سحر: كيف لم يعطيني حقي؟
يمان: لم يصفك كما يجب..... أقصد أخلاقك و سلوكك، نشاطك الدؤوب.
سحر: باطن الشخص لا يعرف إلا بالعشرة، أنا أيضا لم أكن أعرفكم و كنت متحفظة في تعاملي مع الجميع إلا سونا فقد أجبرتني أن احبها منذ أول ثانية.
يمان: ثم يلتشين و ضياء.....
سحر: أجل حصل كما قلت أما أنت فأنا لم أفهمك في البداية فقد بدوت لي متباعد جدا، لست سيء لكن....
يمان: لا بأس، لا تكملي و دعينا نرجع لعملنا.
عادوا إلى المكتب و بدؤوا بمراجعة الملف الذي جلبته معها، جاءت المحامية جلنار وهي تبدي استعجالها لإنجاز بعض الأوراق و تحتاج لتوقيع يمان عليها
جلنار: يمان هل تستطيع أن تتفرغ لي بعض الدقائق، الأمر مستعجل جدا و إلا ما قاطعتكم.
ازاح الملف الذي أمامه و سمح لها بالجلوس، فجلست على الاريكة بجانبه و بدأت بعرض الوثاىق التي تحتاج توقيعه و مع كل ورقة تقترب منه أكثر حتى أصبحت قريبة جدا منه، كانت سحر تراقبها دون أن تثير انتباهها و تلاحظ كيف تدقق المحامية في تفاصيل إبن عمها المنهمك في إتمام عمله ( يا لجرأتها تكاد تنط في حضنه، هل يفعل الإعجاب بصاحبه هكذا، تكاد تلتهمه بنظراتها و هي تتجول في وجهه دون أدنى خجل)، أنهى يمان التواقيع و جمع الملف ثم سلمه لها
يمان: هل يوجد شيء آخر حضرة المحامية.
جلنار: لا شكرا لك يمان لأنك خصصت لي بعض من وقتك.
أخذت ملفها و خرجت دون أن تلتفت لسحر التي تجلس على كرسي منفصل،
يمان: هيا نكمل ما بدأناه سحر، لم يبقى إلا القليل.
انتهت مراجعة الجداول و بقية الوثائق التي تصاحبها
يمان: لم يبقى إلا وضع توقيعي ثم ننتهي من الأمر.
أعاد جمع الأوراق ثم بدأ بوضع توقيعه على كل واحدة منها، مازالت سحر تفكر بجلنار و تصرفاتها حتى وجدت نفسها تفعل مثلها و تتمعن في تفاصيل الرجل الذي يجلس أمامها حتى رفع رأسه فجأة فبعثر كل تفكيرها و ادخلها في دوامة من التوتر جعلتها تفرك يديها بعصبية
يمان: سحر هل أنت متعبة، وجهك شحب فجأة.
سحر: لا أنا فقط كنت أفكر..... أفكر في شيء خطر لي، فأنت فاجأتني بسؤالك.
يمان: هل توجد مشكلة أو شيء يقلقك، تحدثي إلي و لا تخجلي.
سحر ( تبا لك جلنار ماذا سأقول له) : لا توجد مشكلة، الأمر يخص صديقاتي، أظن حديثنا في المطعم وجه تفكيري إلى عندهم.
يمان: خذي ملفك فلوهلة ظننتك سيغمى عليك، هذه الصفقة ستكون أول تعب لك، يوم الخميس صباحا ستذهبين معي لمقابلة مدير المصرف للحديث معه.
سحر: بعد غد، لماذا أذهب أنا معك؟
يمان: هذا عمل سحر و لا تسألي كل مرة لماذا أنا؟
سحر: أنا لا اتذمر من العمل لكن تسائلت بماذا ستنفعك موظفة مبتدأة في اجتماع مهم.
يمان: أنت ستذهبين معي لتتعلمي و إلا لأخذت معي نديم أو عدنان.
سحر: أو جلنار، أقصد المحامية.
يمان: لا المحامية الأمور المالية ليست من اختصاصها.
سحر: سأذهب إلى مكتبي.
في المساء جلست سحر على طرف فراش سونا تتبادل أطراف الحديث معها، منذ بدأت العمل وهي تحس بنفسها أصبحت مقصرة مع الفتاة
سونا: لماذا أنت خائفة من اجتماع يوم الخميس؟
سحر: أنا مازلت لا أفهم الكثير عن أمور العمل، أخاف أن انجرف بلساني و أجعل من نفسي مثار سخرية، أنت تعرفين.
سونا: هههه كم أتمنى أن تفعلي ذلك و تضعي آبي في موقف محرج.
سحر: أنت فعلا شريرة، سيكون موقفي سيء جدا إذا حصل، الجميع سيستهزأ بي.
سونا: من الذي سيسخر منك، أنت رائعة و لا مثيل لك، لكن يجب أن ترتدي شيء يليق بالإجتماع، أنت أغلب ملابسك رسمية جدا في العمل.
سحر: هذا عمل هل البس فيه فستان سهرة.
سونا: هههه ليس هذا ما قصدته لكن...
يلدز: يا بنات ألم يحن موعد نومكم بعد.
سونا: أمي لم نجد طقم يليق بالإجتماع لغاية الآن.
يلدز: سونا، ابنة عمك متعبة من العمل فلا تثقلي عليها بأفكارك التي لا تنتهي.
سونا: أمي سحر سترافق يمان إلى المصرف، هي كل ملابسها لا تلائم اجتماع مهم، ما رأيك أنت.
يلدز: لباس سحر لا عيب فيه لكن إذا كانت تريد بعض الأناقة فلا بأس في ذلك، أنا أعرف محل تجد عنده ضالتها.
سونا: أمي أين هو؟
يلدز: سنذهب إليه غدا.
سحر: غدا عندي عمل كثير و لا وقت فراغ لدي، سنوجل الذهاب للمحل مرة أخرى.
صباح يوم الخميس، دخلت سحر إلى مكتبها فجذبت إليها أنظار زملاءها و أثارت إعجابهم كما هو الحال مع كل من مرت به هذا الصباح، أقلها يلتشين إلى الشركة لأن يمان نام ليلة البارحة عند جدته نازك، قصدت مكتب السيد عدنان حتى تراجع معه آخر الملاحظات الخاصة بملف المصرف
عدنان: أنت لا تتوتري و لا تخافي، يمان ملم بجميع الموضوع، لن يطلب منك أحد التدخل أو مناقشة أحد البنود، اعتبري نفسك تلميذة ليمان.
سحر: هذا أصعب شيء أن أكون تلميذته، فهو يحتاج لمن يكون بعقل صاح طوال الوقت.
عدنان: و أنت خير من ينتبه في هذا المكان، لديك سرعة في استيعاب المعلومة لا مثيل لها، هاهو قد جاء استاذك.
دخل يمان إلى هناك فتفاجأ هو الآخر بالفتاة التي وجدها أمامه لكنه يجيد دائما السيطرة على انفعالاته خاصة أمام موظفيه
يمان: صباح الخير، سحر هل الملف جاهز حتى نذهب، لم يعد الكثير من الوقت على حلول الساعة التاسعة.
سحر: ألن نراجع الملف معا قبل أن نذهب.
يمان: أنا لن أراجع شيء الآن فالوقت ضيق جدا لكن ستتحملين مسؤوليتك هناك.
سحر: أنت لن تتوقف عن اضطهادي.
عدنان: لا تقلقي كل شيء على ما يرام، كما أوصيتك لا تتوتري.
يمان: هيا نذهب.
خرجا معا جنب إلى جنب، هو بطقم باللون الأزرق جعله بمظهر أنيق و ملفت للأنظار أما هي فقد كان ما ترتديه مفاجأة لها من زوجة عمها، يوم أمس ذهبت السيدة يلدز و سونا إلى المحل الذي تحدثت عنه لسحر و اختاروا لها طقم فاخر باللون البيج مع قميص حريري أخضر اللون، نال الطقم استحسانها و شكرت سونا على هديتها القيمة و زوجة عمها على دقة اختيارها، ظهرت هذا الصباح كسيدة أعمال صغيرة وهي تسير بخطواتها الرقيقة إلى جانب ابن عمها، رفعت شعرها إلى فوق و تركت بعض الخصلات تنزل على جهة وجهها اليسرى، بدت جميلة و فاتنة بحذاءها ذو الكعب العالي.
مر الإجتماع على أكمل وجه لكن النتائج المبهرة التي حصدها يمان لم تحسن مزاجه المظلم، كان أحد المدراء شاب يقاربه في السن، ظل يلاحق سحر بنظراته و يتحرك بعينيه على كامل تفاصيل جسدها بجرأة، انتبه يمان له ذات مرة لكنه لم يظفر بأي سلوك مشين منه حتى يبرحه ضربا، خرج من المصرف و قد اشتد غضبه، رمى الملفات التي بحوزته على الكرسي الخلفي ثم فك ربطة عنقه بضجر و رماها هي الأخرى معهم، طلب من سحر أن تركب السيارة ثم انطلقوا
سحر: كان الإجتماع عكس توقعاتي، استمتعت كثيرا به.
يمان: حقا استمتعت، لماذا أنا لم أشعر بذلك، لو سمحت افتحي بلور النافذة.
سحر: يكون أفضل، أظن الاجتماع القادم سيكون من أجل أمور شكلية فقط، هل سأكون معك أنا أيضا.
يمان: لا !!! أقصد ليس ضروري لتتعلمي منه شيء.
سحر: أنت تعرف أفضل مني، لماذا تدلك رقبتك، هل أنت بخير؟
يمان: الطقس سيء هذا اليوم.
سحر: بالعكس الطقس جميل و النسمة باردة، هل رأسك يؤلمك.
مدت يدها بلا وعي منها و لمست جبينه فأبعدها عنه عنوة
يمان: أعتذر منك أنا لا أحب أن يتشتت تفكيري أثناء القيادة.
سحر: لم أقصد أن ازعجك، أحيان أنسى أنني لم أعد ممرضة.
يمان: أنت ستظلين دائما ممرضة، الجميع سيحتاجك دائما.
وصلوا إلى الشركة في تمام الساعة الحادية عشر، دخل يمان إلى مكتبه و سحر تسير خلفه، وضعت الملفات على مكتبه
سحر: لقد نسيتهم في السيارة، أنت غريب الأطوار هذا اليوم.
يمان: لدي مكالمة مهمة لهذا كنت مستعجل.
سحر: سأعود إلى مكتبي لكن قبل ذلك قد انصحك بدواء مناسب إذا كنت مريض.
يمان: لا لست مريض أنا فقط مرهق، انتظري لحظة من اختار لك لباسك لهذا اليوم.
سحر: سونا و زوجة أبيك، مابه هل هو سيء، هل احرجتك بمظهري.
يمان: لا بأس به لكن لم أراك تلبسين طقم قبل اليوم.
خرجت سحر من المكتب وهي تدعي انشغالها بعملها لكن في قرارة نفسها كانت تشعر بخيبة أمل مريرة لم تعرف كيف نشأت بداخلها ( ماذا يضره لو قال لي إذا كان الطقم أعجبه أم لم يعجبه، طبعا أين أنا من أناقة المحامية التي تقدم له عروض أزياء بألوان مختلفة، تبا لتفكيري الساذج)، في المكتب خلع يمان جاكيته و وضعه جانبا ثم بدأ يذرع الأرضية جيئة و ذهاب وهو يحاول أن يخفف من توتره ( اختارته سونا و زوجة أبيك، لقد افقدوني صوابي بفعلتهم تلك و ذلك المدير الذي يشبه صغير القندس، لو امسكته ينظر إليها مرة ثانية لسحقت عظامه على الحائط، اللعنة ماذا يحدث معي، لماذا لا أطيق أن يتواجد أحد بجوارها، ذلك التوتر لا يطاق الذي شعرت به، شيء يحرق أنفاسي و يرهق عقلي، ثم تسألني ببرائة هل أنت مريض، أنا سأجن يا فتاة بسببك، ليتها تحس بي و لو قليلا).
مازالت جلنار تسعى بكل الطرق لتحريك ذلك الحجر من مكانه، لم تأتي جميع محاولاتها بنتيجة، حتى حدث و وجدت فرصة خبيثة ستجعلها تصغر من سحر في نظر إبن عمها، جاءت يلدز إلى الشركة بعد الظهيرة فرحبت بها و رافقتها إلى مكتب يمان، التقت بسحر في الرواق فأرادت أن تبعدها عن المكان
جلنار: سحر جميل أنني وجدتك، جاءت عمتي يلدز لرؤية يمان و طلبت مني أن أكون معها، هل تعرفين كيف تشرب قهوتها لاطلبها لها.
سحر: السيدة يلدز لا تشرب القهوة في وقت الظهيرة.
جلنار: إذا لاسرع أنا و التحق بهم، المواضيع المهمة لا يجب أن تؤجل.
أسرعت المحامية و توارت وراء باب مكتب يمان في حين بقيت سحر تفكر في هذه الزيارة المفاجأة لزوجة عمها ( طالما تلك المحامية تهرول بذلك الشكل فالموضوع له علاقة بارتباط ما، قد تكون السيدة يلدز جاءت لتعطي مباركتها لهم، ما شأني أنا بكل هذا الأمر)، بعد ساعة من اجتماع يمان مع زوجة والده و المحامية، اتصل بسحر و طلب منها أن تعد نفسها لتذهب معهم للغداء، جاء إلى مكتبها بعد اتصاله بها فوجدها مازالت تعبث ببعض الملفات التي أمامها و قد خلعت جاكيتها و فكت عقدة شعرها لينساب على كتفيها مبعثرا
يمان ( هذا ما ينقصني اليوم، هذه الفتاة إلى متى ستبقى تعبث بي) : سحر لماذا لست مستعدة، هيا اسرعي فلدي مواعيد في الساعة الثانية.
سحر: اذهبوا أنتم بدوني، لا رغبة لي بالأكل.
يمان: لماذا لن تذهبي معنا؟
سحر: قلت لك لا رغبة لي بالأكل و لا بالخروج من هنا ( لن أجلس مع تلك المحامية و هي تتدلل بذلك الشكل المقيت، إذهب و احتفل بعيد عني).
خرج يمان بعد أن فشل في تغيير رأيها، لم تنتهي أحداث ذلك اليوم عند دعوة الغداء لكن حملت في طياتها مفاجأة سيئة لسحر، غيابها عن تلك الوليمة جعلها تقع في شرك نصب لها، ما إن عاد يمان إلى الشركة حتى طلب من سكرتيرته أن تطلبها إلى مكتبه حالا، حضرت بسرعة و دخلت عليه، وجدت ملامحه لا تبشر بخير و وجهه ازداد قتامة، اقتربت منه حتى أصبحت على بعد خطوة واحدة منه
سحر: يمان ما بك هل أنت مريض؟
يمان: لم أطلبك إلى هنا لتشخصي صحتي، هل تواصل معك المحامي عزام كينشالي؟
سحر: أجل جاء إلي في المستشفى.
يمان: و لماذا يتواصل معك من ورائي؟
سحر: جاء يعرض علي بيع نصيبي في الشركة و أنا رفضت.
يمان: لماذا لم تخبريني، لماذا اخفيت الأمر عني؟
سحر: لأنني رفضت عرضه و انتهى الأمر.
يمان: كيف انتهى الأمر، كدت أن أوقع العقد معهم لولا أن المحامية جلنار نبهتني للأمر.
سحر: إذا هي من أخبرتك؟
يمان: أجل فعلت و انقذتني من مأزق كبير.
سحر ( الحية تعلم بما حدث منذ البداية) : كيف علمت بما حدث، من أخبرها؟
يمان: هي محامية و لديها مصادر معلوماتها، أنت كيف تخفين عني أمر بهذه الأهمية.
سحر : أنت تحدثت عن إيقاف التفاوض مع تلك الشركة فظننت أنك تراجعت عن الشراكة معهم.
يمان: لكنهم عادوا بعرض أفضل فكدت أن أقبل.
سحر: لولا المحامية التي انقذتك و فكت الحبل عن رقبتك، ما الأمر المطلوب مني الآن؟
يمان: هل تلعبين معي، نحن شركاء و لا تعيدي هذا الأمر مرة ثانية، ستعلميني بكل كبيرة و صغيرة مهما قلت أهميتها.
سحر: سأفعل و إذا نسيت فمحاميتك ستقوم بالأمر عني فكما يظهر أمامي هي تحب الوشاية كثيرا.
امسكها من ذراعها وهو يحاول السيطرة على غضبه
يمان: لا تقللي من احترام أي شخص هنا مهما كانت صفته، لا تجعليني أحزنك بسبب تصرفاتك المتهورة.
فكت ذراعها من يده و تركت مكتبه و منه اتجهت إلى القصر، تلك الليلة رفضت أن تنزل لتناول طعام العشاء و تحججت بأن رأسها يؤلمها
يلدز: سونا هل عاودت الصعود إلى ابنة عمك.
سونا: لم ترضى النزول أمي، قالت بأنها ستنام.
ضياء: هل ستتركون الفتاة تنام دون أكل.
سونا: أخذت لها ناسليهان طبق الطعام فاعادته كما هو.
يلتشين: آبي هل ترهقونها في العمل لهذا الحد حتى تقع مريضة.
يمان:.........
يلدز: اتركوا الفتاة و شأنها لترتاح قليلا، الإنسان يحتاج أحيانا لبعض الخصوصية.
سونا: معك حق أمي، هي تحتاج أن تبقى مفردها، عندما صعدت إليها المرة الثانية كأنها كانت تبكي.
ميرال: هل أخبرتك لماذا؟ قد تكون حنت لمدينتها و أصدقاءها.
قبل منتصف الليل بقليل، كان يمان يهم بمغادرة مكتبه عندما رأى طيف أحدهم يتجول في الحديقة فنزل إلى هناك
يمان: لماذا أنت لست نائمة، هل يوجد ما يزعجك.
سحر: جافاني النوم فخرجت للتنزه قليلا.
انهت جملتها و قفلت راجعة إلى القصر عندها امسكها من ذراعها لكن بلطف هذه المرة
يمان : لن تذهبي حتى نتحدث، أعرف أنني قسوت عليك هذا اليوم لكن ما فعلته أنت غلطة فادحة.
سحر: فسرت لك لماذا لم اتكلم، كيف لي أن أعرف أنك ستعود للتفاوض معهم.
يمان: لهذا يجب أن تخبريني بكل ما يحدث حتى لا نقع بنفس الخطأ، هل فهمتني؟
سحر: أجل فهمتك و الآن اسمح لي بالذهاب للنوم.
يمان: تصبحين على خير ( مازلت غاضبة مني لكن لا بأس ستتفهمين ذلك مع الوقت).
بقيت سحر تتجنب لقاء يمان و لا تتعامل معه إلا للضرورة، جاء جينغار يوم الأحد إلى غرفتها
جينغار: آنسة سحر، السيد يمان يطلب منك أن تستعدي لاجتماع الساعة العاشرة.
سحر: أي اجتماع هذا، اليوم اجازة و أنا وعدت يلتشين أن أذهب معه لمزرعة الخيول.
جينغار: لكن قال بأن الاجتماع مهم و ستحضر فيه المحامية جلنار أيضا.
سحر: قل له لقد خرجت.
كانت تقطع البهو إلى الخارج عندما اعترضها يمان في المدخل
يمان: إلى أين أنت ذاهبة، لدينا إجتماع بعد ساعة.
سحر: أخبرني جينغار و قلت له إعلامي بالاجتماع جاء متأخرا، ثم أنتم تستطيعون إنجاح الأمر بدوني.
يمان: تصرفاتك الطفولية هذه لا تجوز.
سحر: اليوم إجازة و لن أعمل فيه دقيقة واحدة.
لم يجبها و صعد إلى مكتبه في حين واصلت هي طريقها إلى سيارة يلتشين
يلتشين: هل استطعت الهروب من أخي.
سحر: لم أهرب منه بل خرجت أمامه.
يلتشين: أخيرا جاء من يغلبك آبي.
سحر: لماذا تتحدث هكذا نحن لسنا في حرب.
يلتشين: حرب !! من تحدث عن الحرب، قد تخسر الكلمة حرف و يسقط منها في مكان ما.
سحر: هيا قد و دعنا نذهب من هنا قبل أن يلحق بي.
يلتشين: هيا لنسرع لأنه قد يفعلها حقا.
بعد مرور ثلاث ساعات قضوها خارج القصر، عادا إليه لكن هذه المرة بمزاج مختلف، دخلت سحر أولا فالتقت بيمان يخرج صحبة جلنار و نديم، ألقت عليهم التحية و تجاوزتهم مهرولة، خرجوا هم من القصر فالتقوا بيلتشين الذي ما إن وقع نظره على أخيه حتى أحمر وجهه و ظهر عليه التوتر
يمان: يلتشين ماذا حدث؟ لماذا وجهك شاحب هكذا؟
يلتشين: آبي، أحد الاحصنة خرج عن سيطرة المدرب و كاد ان يدهس سحر بين حوافره.
يمان: و أنت أين كنت عندما حدث كل هذا، لماذا ذهبت معها إذا كنت لا تستطيع حمايتها، هيا تحدث؟
يلتشين: هي التي كانت شاردة الذهن بل غاضبة عندما خرجنا من هنا، لم تكن بكامل تركيزها و لم تنتبه أين تقف.
يمان: لقد زاد هذا الأمر عن حده.
قال جملته تلك و عاد إلى القصر مسرعا، كانت سحر بالكاد أغلقت باب الغرفة وراءها عندما فتح بغتة و دخل عليها يمان مثل الإعصار لشدة غضبه
يمان: لماذا تتصرفين بلا تعقل، هل وصل بك الأمر لهذه الدرجة من الاستهتار، كيف لا تلاحظين حصان هائج قادم نحوك، هل أفقدك غضبك بصيرتك إلى هذا الحد.
سحر: أنا شردت و لم أنتبه له، كان فعلا خطئي أنا، حتى الحصان ليس له ذنب فيه.
يمان: هل تدركين أن هذا الخطأ كاد أن يكلفك حياتك، كدت أن تسحقي تحت حوافره، هل أنت تستوعبين الخطر الذي كان محدق بك، لماذا تتصرفين بعند دائما، هل بسبب توبيخي لك في ذلك اليوم، اجيبي فأنا سأجن من تصرفاتك؟
سحر: أنا آسفة لم أقصد أن أزعجك.
بدأت شفاهها ترتجف و دموعها تنذر بالانهيار
يمان: حقا لا تقصدين.....
يلدز: أهدأ يمان أنت توتر الفتاة بسبب صراخك، لا يعقل كل هذا الغضب، منعت اخوتك من الصعود إلى هنا لئلا يزداد الأمر سوء.
يمان: لماذا منعتهم، ليأتوا و يشهدوا معي ابنة عمي كيف تقودني إلى الجنون معها.
سحر: الأمر مر بسلام و لم يحدث لي شيء، أنت من تحب تضخيم الأمور.
يمان: معك حق أنا من يضخم الأمور، لو جلبوك إلى هنا و أنت مهشمة كنت عرفت كيف أضخم الأمور.
يلدز: يمان أنت تقسو عليها، أخرج الآن، ألا ترى كيف تبكي و ترتجف، تذكر أن سحر تعرضت لموقف قاسي منذ قليل.
يمان: نزول دموعها الآن أهون علي بكثير من نزول دموعي أنا، لن أقبل منها هذه التصرفات الصبيانية بعد اليوم.
ترك يمان الغرفة و ترك سحر في حضن زوجة أبيه تهدأها و تطيب خاطرها، تركتها بعد أن اطمئنت عليها و نزلت إلى الصالون فوجدت الجميع ينتظرها هناك
ضياء: أمي كيف تركت سحر الآن؟
يلدز: هي بخير الآن، في غرفتها ترتاح.
سونا: آبي خرج من القصر و لم يكلمنا، كان صراخه يصل إلى هنا، مسكينة سحر وقعت بين يديه.
يلدز: ابنتي أنت تعرفين أخاك عندما ينزعج من أمر ما، لكن هو لا يقصد اذيتها أبدا، سيذهب عند جدته، يفعل هذا عندما يغضب.
سونا: أعرف هذا أمي لكن سحر لا تعرفه مثلنا و ستنزعج كثيرا منه.
ضياء: ستتعود عليه لا تقلقي.
ميرال: يمان أيضا كبر القصة كثيرا، الحادثة لم تقع و الفتاة بخير، ما رأيك أنت عمتي؟
يلدز: هذه المرة يمان خوفه ليس كما نعرفه، لم يكن يخاف على سلامتها فقط.
ميرال: كيف ذلك عمتي ام أفهمك.
يلدز: سنفهم ذلك جيدا عندما يحين وقته، سانظر ليلتشين هو الآخر عاد في حالة مريعة.
ضياء: لم يكفيه ذلك الحدث، وقع أيضا بين يدي أخي.
ميرال: كأن يمان بالغ كثيرا في ردة فعله، تصرفه بترك جلنار و نديم بتلك الطريقة لم يعجبني.
سونا: أخي في تلك اللحظة لم يعد ينتبه لوجود أحد، الغضب أعمى بصيرته.
مر ذلك الأسبوع بهدوء، قضته سحر تعمل في مكتبها دون المشاركة في أي عمل مع يمان، ساعدها ذلك على تجنب لقاءه ما أمكن لها، ليلة الخميس كانوا يتناولون طعام العشاء عندما بدأت يلدز الحديث
يلدز: يمان لن استطيع اصطحابك إلى حفلة المحافظ في ليلة السبت.
يمان: لا بأس يلدز، أنا أيضا لا أرغب في حضور تلك الحفلة كثيرا.
يلدز: لكن الدعوة رسمية و يجب أن تذهب، من أجل تمثيل العائلة على الأقل.
سونا: آبي لماذا لا تأخذ سحر معك؟
يلدز: لقد نسيت، أجل سحر تستطيع أن تذهب في مكاني.
يمان: كما تشاء، إذا تريد الذهاب فليس لدي مانع.
سحر: لن أذهب، لا أحب الحفلات الرسمية، لن أكون مرتاحة هناك.
سونا: لكن هذه الحفلة بها جانب يخص الأعمال.
ميرال: اتركيها سونا و لا تضغطي عليها.
في الغد جاء رأي السيد عدنان مخيب لأملها فقد أصر عليها أن تحضر تلك الحفلة دون النظر لرأيها بها
عدنان : هذه الحفلة ليست للمتعة بل هي ملتقى لرجال الأعمال و المستثمرين لهذا يجب عليك أن تكوني حاضرة هناك.
سحر: لكن لا أحب هذا النوع من الحفلات؟
عدنان: الأمر لا علاقة له باختياراتك بل بما يخص عملك، أنت دخلت هذا الطريق و ستمشين فيه بكل مسالكه، هذه المرة قد لا تتواصلي مع أحد و تكتفي بالمجاملات فقط لكن ستتعرفين على الأجواء كيف ستكون.
سحر: لكنني أخبرت يمان أنني لن أذهب معه.
عدنان: عادي قولي له فكرت بالأمر جيدا و غيرت رأيي لا يوجد احراج في الأمر.
حل مساء يوم السبت، وصلت سحر صحبة يمان إلى قاعة الاحتفالات، اختارت للسهرة اطلالة بسيطة فارتدت فستان من الشيفون مطرز بالورود مع حذاء بكعب عالي، بدت أنيقة جدا و ناعمة، كان المكان يعج بالأشخاص من كل الفئات، جمع أغلب رجال الأعمال و من له صلة من قريب أو من بعيد بعالم المال، بدأ الاحتفال بالقاء خطابات رسمية ثم انقسم الحضور إلى تكتلات كل حسب مصلحته، بقيت هي إلى جانب يمان و تتحرك معه أينما ذهب، التقت بعديد الوجوه لم تحفظ في ذاكرتها أي فرد منهم لكثرة عددهم، انظموا بعد ذلك إلى الطاولة حيث يقف هناك نديم و عدنان و جلنار، هبت المحامية لتفسح المجال ليمان بجانبها في حين انزوت سحر بين نديم و عدنان، بدؤا يتحدثون بعدة مواضيع تخص قطاعهم، كثر النقاش و تشعب حتى أحست سحر برأسها سينفجر لكثرة الضجيج فقررت أن تتركهم و تخرج لتستنشق بعض الهواء النقي، خرجت إلى إحدى الشرفات و ارتاحت هناك قليلا ثم عادت إلى الداخل، بدأت تتحرك هنا و هناك تشق صفوف الجموع لتصل إلى طاولتها، على بعد خطوات منها رأت يمان و جلنار فقط هناك ( أنهما بمفردهما، لا أريد أن أكون غريبة بينهما، سأبحث عن السيد عدنان و أبقى معه، هكذا أفصل لكرامتي و أكثر راحة لنفسيتي)، مشت خطوتين عندما لفت صوت أحدهم انتباهها، كانت غولدان تارهون صحبة إبن شقيقها، نظرت لا اراديا ناحية الطاولة حيث تركت يمان فوجدته مازال منغمس يستمع لحديث المحامية ( في هذه اللحظات لن يلتفت لي حتى)،
غولدان: مرحبا سحر كيريملي، سعيدة جدا برؤيتك هنا، أصبحت سيدة أعمال فعلا.
سحر: تكثر المجاملات و النفاق في هذا المكان لكن لن اجاملك و أقول أنني سعيدة برؤيتك.
غولدان: لا يخيب ظني بك أبدا، لكن تعجبيني جدا يا فتاة، أين إبن عمك لا أراه بجانبك أم وجد ما يشغله عنك.
سحر: لماذا تسألين عنه، هل ستبدأين بألاعيبك هنا.
غولدان: من تحدث عن الالاعيب، نحن هنا نمثل عائلتنا في عالم الأعمال، قد ندخل في شراكة معكم، من يدري عن المستقبل.
سحر: لا يوجد بيننا غير الماضي فلا تحلمي كثيرا.
غولدان: هذا الحديث لا يجوز الخوض فيه هنا يجب أن تفرقي بين العمل و عواطفك مثل ابن عمك الذي يتحدث مع المحامي عزام الآن، انظري إليه قد يواصلون في موضوع الشراكة من جديد.
التفتت سحر فرأت المحامي عزام يتحدث مع جلنار و يمان يشاركهم حديثهم لكنه غارق في الضحك ( لم أعد أفهم كيف يفكر، إذا كان سعيد بالتعامل معه هكذا فلماذا سلخ جلدي في ذلك اليوم)،
غولدان: في ماذا شردت أيتها الفتاة، ما رأيك أن تنظمي إلى طاولتنا و نتحدث هناك بهدوء.
سحر: لن يكون ما تفكرين به أبدا.
سليم: سحر لماذا تأخذين موقفا منا، نحن فقط نريد أن نصل معك إلى تفاهم ودي.
سحر: لا يوجد ما نتفاهم به و لن أتحدث معكم أكثر.
دارت على عقبيها و تركتهم
سليم: عمتي لماذا من كل البنات، لا توجد جميلة غيرها.
غولدان: بني لا تقلق، هذه الفتاة ستكون لك، هل اخلفت بوعد لك في يوم من الأيام.
ما إن سارت سحر خطوة واحدة حتى وجدت نفسها وجه لوجه مع يمان الذي كادت أن تصطدم به فأمسكها من كتفيها لئلا يختل توازنها
يمان: مابك؟ ماذا قالوا لك حتى أزعجك.
سحر: لا شيء جديد، فقط ينغصون خلقي.
يمان: لا تهتمي لهم، أنت وجهك شاحب جدا هيا نخرج من هنا فهذا الملل زاد عن حده.
سحر: لكن الحفلة مازالت لم تنتهي.
يمان: غير مهم، البقية مازالوا هنا.
سحر: المحامية قد تنزعج إذا خرجت و تركتها.
يمان: هذا الأمر يخصها، هيا نخرج قبل أن اضطر لحملك فأنت بالكاد تستطيعين الوقوف على قدميك.
عاد إلى طاولتهم و تحدث مع فريقه ثم رجع إليها و خرجوا، بقيت جلنار ترمقهم بنظرات كلها حقد و قهر، حاولت طوال السهرة أن تستحوذ على تفكير يمان باحاديثها التي لا تنتهي، حتى عندما رأت سحر تلتفت وهي تبحث عن ابن عمها، عمدت هي إلى طرح أحد المواضيع المهمة عليه لتسيطر على تركيزه، لكنه لم يغفل لحظة واحدة مراقبة الفتاة التي كان يتبعها بنظراته أينما تذهب طوال السهرة، التفت فجأة فرآها تتحدث مع غولدان تارهون فاسرع إلى هناك لكن فاته ما تحدثوا به. ركبوا السيارة و غادروا المكان
سحر: قد يحتاجون لك، الحفلة مازالت في منتصفها.
يمان: تركت نديم يتصرف في مكاني.
سحر: عمي عدنان هو من أصر أن أحضر معكم.
يمان: لأن مهمته أن يعلمك كل شيء لكن لن يكون ذلك على حساب صحتك.
سحر: لم أتعود بتلك الضوضاء، أحسست برأسي يؤلمني كثيرا.
يمان: سنتجول قليلا قبل أن نعود إلى القصر حتى تهدئي.
توقفت السيارة بالقرب من شاطيء رملي و نزلوا هناك، ساروا قليلا حتى وصلوا إلى رمال الشاطيء
سحر: البحر أفضل مكان لعودة الهدوء.
يمان: لهذا فكرت به، تعالي نجلس هنا على تلك الدكة الحجرية.
طلب منها أن تجلس ففعلت و جلس هو إلى جانبها
يمان: الجو مازال بارد قليلا.
خلع جاكيته و ألبسه لها ثم أضاف
بمان: هكذا أفضل حتى لا تبردي، هل أنت أفضل الآن.
سحر: أجل المكان أعجبني كثيرا و أعاد لي هدوءي، شكرا لك.
يمان: متى تعبت أخبريني حتى نعود إلى القصر.
سحر: سأفعل، لكن مازلت مشغولة بتركك للحفلة، سينزعجوا منك.
يمان: من سينزعج؟ ثم صحتك أهم عندي من مزاج الآخرين.
سحر: أنا أعاني فقط من بعض الصداع.
يمان: فقط بعض الصداع، أنت تعانين من عدة تراكمات و زاد لقاؤك بتلك الحية من تعكير مزاجك.
سحر: لم أتصور أن تنتبه لنا فقد كنت مستغرق في الضحك مع ذلك المحامي.
انفجر يمان ضاحكا حتى دمعت عيناه، سالت دموعها هي رغما عنها بسبب الضيق الذي عانته طوال الحفلة
يمان: لماذا تبكين سحر، أنا آسف لم أقصد ازعاجك.
سحر: أنا يستعصي علي فهمك، ذلك اليوم وبختني لأنني لم أخبرك عنه و اليوم اكتشفت أنه صديقك.
يمان: صديقي، من قال لك أنه صديقي، بل لا اطيق النظر في وجهه.
سحر: لماذا كنت تضحك إذا؟
يمان: لأنه قال لي ابنة عمك لئيمة مثلك، هل نصحته بقراءة قصة حصان طروادة، أنت فعلا لا يستهان بك.
سحر: لأنه أثار حنقي وهو يتحدث بغرور.
يمان: أحسنت بتصرفك معه.
سحر: لم يكن هذا رأيك في ذلك اليوم.
يمان: في ذلك اليوم غضبت لأنك اخفيت عني الأمر، مثل هذه الأمور تضر باتحاد العائلة.
سحر: لم أكن أفهم الأمر جيدا في تلك الفترة لكن أنت قسوت علي كثيرا.
امسك يمان بيديها بين كفيه
يمان: أنا قاسي بعض الشيء، لا أريد أن تصلني أخبارك من أحد غيرك، قد يستغل أحد أصحاب النفوس المريضة ذلك و يوقع بيننا.
سحر: معك حق فقد جربت ذلك بنفسي، و يوم الأحد لم ترحم توتري و بدأت تجلدني بلسانك.
يمان: لو كنت معك في المزرعة لقتلت الحيوان لأنه اقترب منك، أنا أخاف عليك أكثر من نفسي.
سحر: الجميع خاف علي لكن أنت أثرت زوبعة بغضبك حتى ظننتك ستضربني.
يمان: لا أمد يدي عليك أبدا، لم أفعل ذلك مع أي من إخوتي فكيف سأفعله معك.
سحر: لأنني ابنة عمك، كأنني أضفت حمل آخر لمسؤولياتك.
يمان: أجل لأنك ابنة عمي الوحيدة و التي اقتحمت حياتي فجأة.
نظرت إليه بعيون صافية و بريئة تحمل في داخلها ألف سؤال، غرقت في بحر عينيه، ارتجف قلبها بين اضلعها و بدأ يبحث عن سبيل للخروج، كل المكان يضيق به، تأجحت مشاعرها و اضطرمت ككتلة لهب ( لماذا يجرفني معه بنظراته، سيعاودني ذلك الضعف الذي أخاف منه)، الدموع! لم تجد غيرها لتستنجد به فلبت نداء القلب المحترق و نزلت تأخذ مسارها على وجنتيها، تجلس أمامه كحمامة خائفة تبحث عن ركن آمن تحتمي به، ازداد ارتجافها فترك يديها و أخذها في حضنه ليخبأها داخله و يحميها من قسوة هذا العالم المظلم
يمان: لا تخافي صغيرتي، أنا معك و لا اتركك أبدا، اهدئي، أرجوك كفي عن ذبحي بدموعك.
بدأ يربت على شعرها و يمسح وجنتيها المبللة، بقيت تحتمي به حتى هدأت روحها بعض الشيء، ابتعدت عنه قليل لكنه ظل يمسك بكتفيها
سحر: أنا أتعبك معي، أقدر كثيرا ما تفعله من أجلي.
يمان: أنا أفعل كل شيء من.......
صوت إطلاق نار اعادهم لأرض الواقع، ألتفت يمان إلى مصدر الصوت و قام بأول ردة فعل بأن لفها بذراعيه و جعل من جسده درع لها، استنفرت جميع حواسه و بدأ يشعر بالخطر يداهمهم، مرت سيارة سوداء مسرعة و أصابت إطار سيارته ففجرته،
يمان: هيا سنعود إلى السيارة لنحتمي بهيكلها، المكان هنا مكشوف جدا.
سحر: ماذا يحدث يمان؟
يمان: لا تخافي،أنت فقط احتمي بي حتى نصل، سلاحي تركته هناك.
اتصل بجينغار حتى يلحق به، ساروا إلى السيارة التي تبعد عنهم بضع خطوات ليحتموا بها، بدأت في تلك الاثناء قطرات المطر بالنزول
يمان: انتظري، لا تصعدي إليها، سنقف خارجها، فقط سنحتمي بها حتى يصل جينغار.
أخرج سلاحه من السيارة، ثبت سحر بينه و بين هيكل السيارة و بدأ يحدق في المكان تحسبا لأي هجوم مباغت ( اللعنة إذا كان هذا فخ، بضع رصاصات لن تنفعني بشيء).
سحر: خذ جاكيتك حتى لا تتبلل.
يمان: اتركيه حيث هو و لا تتحركي من مكانك.
سحر: كيف سأتحرك و أنت تحشرني بين ذراعيك.
يمان: هذا أفضل لك، سنبقى هكذا حتى يصل جينغار، عشر دقائق و سيكون هنا.
سحر: ماذا لو عادوا؟
يمان: سيجدونني بانتظارهم، لا يوجد حل آخر أمامي.
سحر: هل كان ذلك بسببي؟
يمان: نحن لا نعرف من فعلها، ثم لا تعيدي علي جملة كان ذلك بسببي.
سحر: لأنني أخاف أن تتأذى.
يمان: لا تخافي، لن يحدث شيء.
سحر: أنت تبللت خذ جاكيتك، أنا محمية بالسيارة و بك.
يمان: بعض المطر قد يطفيء نيران كثيرة، المهم عندي أن لا يصيبك أي مكروه.
سحر: أبعد ذراعيك قليلا حتى اطل على الأجواء على الأقل.
يمان: لن اتزحزح من مكاني حتى يأتي جينغار، لا نعلم ماذا يوجد في الجوار.
سحر: هل أنت غاضب مني؟
يمان: أبدا، هيا لا ترفعي رأسك كثيرا.
سحر: أحب المطر عندما ينزل بنسق هاديء.
رفعت رأسها إلى فوق و اغمضت عينيها، بدأت قطرات الماء تنكسر على وجهها و تنساب على بشرتها الناعمة، لعن يمان في سره وهو يشاهد تلك الفتاة التي تحطم إرادته بتصرفاتها الطفولية ( لماذا تستمرين في تعذيبي بهذا الشكل).
أنزلت رأسها و نظرت إليه وهي تضحك مثل الطفلة
سحر: لقد تبللت بالكامل، لماذا لا ندخل إلى السيارة.
يمان: حتى ننحشر داخلها إذا حدث أي هجوم، ها قد جاء جينغار.
وصلت سيارتان و توقفت بجانب سيارته، نزل جينغار و أسرع إلى حيث يقف سيده
جينغار: سيدي أين الآنسة سحر.
سحر: إنه يحتجزني هنا أخي جينغار.
تراجع الرجل للخلف قليلا، كان يمان يغطي سحر بجذعه و ذراعيه فاختفت الصغيرة عن الرؤية،
يمان: هيا إلى السيارة، جينغار تأكد مما حصل و تواصل معي.
ركبوا السيارة التي كان يقودها جينغار و ذهبوا
يمان: لا تخبري أحد بما وقع حتى نعرف من قام بذلك.
سحر: لن أفعل، ستصاب بالرشح بسبب ثيابك المبللة.
يمان: أنت لست أفضل مني ثم لدي ممرضة جميلة ستعتني بي، ألن تفعلي؟
سحر: أجل افعل و بكل سرور.
يمان: ههههه تشجعينني على ادعاء المرض.
سحر: ألا تعتني بك سونا أو جدتك عندما تمرض.
يمان: أجل تفعلان لكن كلاهما ليست أنت.
سحر: أعرف فسونا شقيقتك و الأم نازك جدتك.
خرجت السيارة إلى جانب الطريق ثم توقفت فجأة دون سابق إنذار
سحر: لماذا توقفت، ماذا يحدث ثانية.
يمان: تلك الرصاصة اللعينة قطعت حبل أفكاري، أجل أنت لست سونا و لست جدتي، أنت لا تشبهين أي شخص في هذا الكون بالنسبة لي، عندما رأيتك لأول مرة علمت أنني ولدت ليكون قلبي لك، أنت غازية اقتحمت حصوني و اسرت قلبي، شغلت تفكيري و استحوذت على أحلامي، جعلتني أعرف معنى أن يخاف المرء على روحه، بعثرت كياني و جعلتني اتخلى عن كبريائي و أركض وراء طفلة من مكان إلى مكان، أصبحت أراك في حلمي و في يقظتي.
سحر: يمان هل ارتفعت حرارتك و بدأت تهذي.
يمان: أجل بدأت اهذي و قريبا سأجن، ماذا ستفعلين بأبن عمك المجنون، هل سترفقي بحاله أم ستتركينه يتخبط في متاهات عذابه.
سحر: سأحتوي جنونه كما يحتوي هو خوفي، سأمسك بيده حتى استمد قوتي منه.
يمان: لم أحب جدي كما هو الحال الآن، كان يخفي لي كنز جميل جدا.
سحر: هنيئا لجدك بهذا الحب، سنغار منه.
يمان: في هذا العالم، لا تغاري إلا من نفسك، لأنك أول النساء و آخر النساء و كل النساء في حياتي.
وصلوا إلى القصر، وجدوا أفراد العائلة مازالوا مجتمعين في الصالون
يلدز: يمان، سحر لماذا أنتم مبللين هكذا.
سحر: سأصعد إلى غرفتي أنا متعبة، تصبحون على خير.
يمان: تعطلت السيارة و لحق جينغار بنا، تصبحون على خير.
يلتشين: سحر سرقت جاكيت آبي.
ضياء: اقسم لكم أنها سرقته كله، ضاع الولد، أسفي عليه كبير هههه.
ميرال: ماذا تقول ضياء، جينغار قال بأن السيارة تعطلت بهم.
سونا: هههه تعطلت السيارة فبللهم المطر.
يلتشين: سونا سيقطع آبي لسانك إذا سمعك.
يلدز: اهدووا يا أولاد و لا تجعلوا يمان يغضب منكم.
ضياء: أمي معها حق، الآن ستبدأ نوبات غضبه الحقيقية، لكن منظره وهو مبعثر بذلك الشكل دل على أنه خرج من عاصفة قوية.
يلتشين: بل هو إعصار أخي، إذا فعلتها ابنة عمنا فلا أجد غير التأسف عليها أمام ذلك المتجبر.
يلدز: يلتشين احترم أخاك و لا تقلل أدبك أمامه.
سونا: أمي دعينا نمرح قليلا، جميعنا نتمنى أن يحدث هذا الأمر منذ مجيء سحر.
ميرال: أنتم من تضخمون الأمر و خيالكم صور لكم عدة أشياء وهمية.
يلتشين: أنا سعيد جدا بهذه الأوهام، سونا هل المطر يجعل الخدود حمراء بذلك الشكل، أخي الأكبر وقع أخيرا.
ضياء: ههه اصمت يا ملعون سيقطع لسانك دون تردد.
يلدز: أنتم لا رجاء منكم سأذهب للنوم قبل أن أشهد مقتلكم أمامي.
وضعت العمة ديلشاه هاتفها جانبا وهي تبتسم بخبث، (لا بأس ببعض الألعاب النارية الصغيرة حتى نعيد بعثرة الأوراق من جديد).