و كأن الوجود بأكمله يقيم رثاء جنائزي ، و كل جزء منه يعبر عن حزنه بطريقته الخاصة. الحملان تنتحب ، و الرياح تصرخ ، و الطيور تتلو الصلوات. الجميع يتسائل ما الفائدة من مأساة كهذه ؟
هنا تنيحت الحكمة ، و ولدت الفوضى .في منتصف المنزل ، جلس رجل يرتدي ثياب سوداء ، لم يظهر وجهه ، يرقد حوله الكثير من الأجساد الميتة . و في زاوية مواجهة له ؛ جلست امرأة عجوز على ركبتيها،رمادية ملابسها،خمرية بشرتها ، تذرف الدمع في صمت ، تكاد عيناها تنفجر من الغيظ.
بدأ حديثه ، و كأن الظلام يخاطب الضياء: من الموتى ستتعلمين الكثير ، من الموتى ينبغي عليك أن تتعلمي ثم استطرد قائلاً : يمكنني قراءة ما تقوله نظراتك الحمقاء .وغد ، محطم ، قاتل ؛ هذه كلمات لا تجرئي على التشدق بها ، أليس كذلك ؟
"الخير و الشر " لا يعنيان لي أي شئ ؛ لكن مثل هذه الأشياء تعني لك الكثير . تعريفك للإنسان الصالح : هو أن يكون المرء ضعيفا ،متواضعا .
كيف يبدو الطالح ؟ وجه بشع و قرون و شوكة ؟ بل أنا إرادة و عقل و جسد .
هأنذا قتلت زوجك ، قتلت أبنائك ، شربت نبيذك ، أكلت طعامك .تريدين الانتقام ، أليس كذلك ؟
أنت ضعيفة للغاية ، لا طاقة لك بمواجهتي .أنا منظم ، حكيم ، قوي ، ألمعي
ثم احتد صراخه قائلا :
أنت لا شئ مقارنة بي ! أنت لا شئ مقارنة بي ! انظروا من جاء اليوم ! و ماذا جلب معه ؟
إنه الملك المظفر ، معه شئ مضمخ ببلسم الأبدية ، تعرفون رائحته جيدا : إنه الموت.بعدما انتهى خطابه ؛ سار عدة خطوات باتجاه الباب ، دون أن تتحرك يده اليسرى . خرج من المنزل و باغته شاب وثب عليه بخنجر يصرخ قائلا : لقد نسيت التاج أيها الملك !