{رائِحةُ شوقٍ وشغفٌ مُحتضر}.

80 8 102
                                    



للمرة التاسعة والعشرون تقوم أصابعها بالضغط على خيار الحذف، ففتتلاشى كُلِ الكلمات التي خرجت بصعوبة من عقلها وتذهب لسلة مهملات حاسوبها اللوحي، بينما صوتُ تنهيداتها هو كُل ما يُسمع في تلك الغُرفة التي تحبسُ نفسها بها منذُ خمس ساعات.

في كل مرة تُلامس أناملها البيضاء مفاتيح الحاسوب تشعُر بشيءٍ يَعجزُها عن كتابة مشهدٍ من روايتها، رغم حضور الفكرة والحوار لكن شيءٌ ما لا زال يُقيدها!
هي حتى صارت تشُك بإنَّ موهبة الكتابة مُقدرة لها أو لا.. فاليأس أحياناً يكون أشد وقعاً على النفسِ من الثقة، خاصةً في الأوقات التي يسيطر بها التعب على جسد الأنسان.

لكن رغم ذلك هي لا تزالُ تحاول؛ لأنَّها  تشكُ بوجودِ شيءٍ يستحقُ أن يخرج من خيالها لهذا العالم.. لذا كانت تحاول كثيرًا وتستريحُ قليلاً.

لم يكن ما ينقصُ بـاريـن العزيمة أو العمل الجاد، لكن شيءٌ ما لم تدركه حتى الآن.. بنفس الوقت هُناك شيءٌ آخر يجعلها تستمر رغم كُل التعب الذي تناوله بعد المحاولة، شيءٌ خفيٌ يقربُ أناملها للحروفِ برقة كي تصنعُ كلماتها المتناثرة في عقلها.

رفعتْ جسدها من على الكُرسي الخشبي ونفضت معه ثوبها القصير ذو اللون السُكري الذي تجمع بين ساقيها، بينما كانت مُندمجة تماماً مع أحداثِ روايتها المُتخبطة بتشوش في عقلها.

مدت ذراعيها في الهواء وتحركت بجسدها يميناً ويساراً؛ لتُخفف من التشنج الذي يمتدُ على طولِ ظهرها.

راحت تمشي بخطواتٍ هادئة، لا يكادُ يُسمع لدعساتها وقيع.. ومدت يدها اليُمنى لتدفع الستارة التي أرتمت بثُقلٍ أمام زُجاج النافذة، مانعة الضوء من التسرُب إلى الغُرفة.

بلمساتٍ واهنة ومُتعبة أزاحتها هي بحثاً عن النور..
شاءت أن تسقي روحها ببعضٍ منه، حتى لو كان ضئيلاً يتسلل من خلف غيومٍ تتفقُ على التجَمُعِ قريباً.

بالفعل كانت تجربة ناجحة، كما أنها تُفيدها غالباً.
قد لا تتعافى تماماً من خيبتها أتجاه نفسها لكن التغذي ببعض ضوءِ الشمس بداية جيدة.

بالإضافة لذلك يمكنها رؤية الحياة في الشارع من تحت شُرفتِها، عيناها تتبعان الأجساد القليلة عندما تعبُر مع أشياءٍ مُختلفة يخبؤنها في جُعبهم التي يحملونها بين أيديهم وبين صدورهم.

«ما قصةُ كُلٍ منهم؟ هل هُناك من حصل على أعترافٍ لطيف اليوم؟ أم هُناك من أثقلهُ البكاء بعد خبرٍ تعيس! أنهم مختلفون جداً ظاهرياً، لهم قصص لا تتشابك مع بعضها البعض كما يبدو.. لكن في الحقيقة جميع البشر معرضون لقصة واحدة لا يُمكنهم تغيرها، قصة تركد في صدورهم وعقولهم.. ألا وهي المشاعر».

أنا حقيقي لأجلكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن