{عُمقٌ في الصدرِ كالبِحار}.

44 6 78
                                    



صوتُ مياهٍ تتحرك وتتراطمُ مع بعضها، وغيومٌ مُتناثرة.. تمرُ وتحجبُ القمر المُنعكس على مرآة البحر، كان مدآهُ طويلاً وبعيداً وزرقتهُ تلاشت مع النهار؛ ليبدو رداءًا غسقياً تتناثر فوقه الأضواء العابرة من نيازك السماء، وعلى ضفته اليابسة تُربة لامعة كأنها محشوة ببعض الياقوت والألماس.

وقفت زهرةُ أغابانثوس أفريكانوس على شاطئ البحر، فقفز هوارد ومعه بـاريـن على الأرض ذات التُربة المُبللة واللامعة.. لطالما أحبتْ هي البحر..

أقتربت من المياه سابقةً هوارد، وجلست أمام البحر تسدلُ فستانها الأبيض الناصع.. كأنها قمرُ الليلة رغم روحها الغيمة إلا إنها لم تخفي ضوءها عن العيون.. وخاصة عيناه الحالمتان بهيئتها البريئة.. أخذ خطواته وجلس بجانبها.

كانت لحظتهُما هادئة بعد مُتعة السهول، فهي الآن لا تشعر بشيءٍ يثقلها سوى الذكريات التي لا تستطيع أعادة احياءها لأن من صنعتها معه قد ذهب، لكن مظهرَ العُمق الذي يتكللُ به البحر جعلها تشعر وكأنه بداخلها.. فبتلقائية وجدت نفسها تتحدث أمامه كاشفة عن عُمقِ بحور مشاعرها: كنتُ فتاة أبي المُدللة، وأذهب معه حيث ما يذهب.. لكن بعد وفاته تغير الكثير، أشعر وكأن كُل شيءٍ ناقصٌ من دونه.. حتى هذهِ الصورة الآن.

هو لم يُمانع بتاتاً ان يسمعها تتحدث عما يجول بداخلها، بل سمعها بكل اهتمام، فأردفت: أنا أحاول تقبل فكرة الموت، لكن احيانا لا أستطيع وأجدني أريد عودته بقوة.

- لا داعي لأن تتقبليها أصلا؛ لأنها ليست حقيقة.
قالها بصوتٍ مرح جعلها تنظر له بعيون ساكنة تنتظرُ تفسيراً لعبارته، فاكمل: في الحياة، لا يوجد شيء يسمى الموت او الاختفاء.. أنما هي انتقالة لعالمٍ أجمل وليست النهاية لعلاقتكِ مع من تحبين.
والدكِ لم يمُت.. هو حيٌ من حولكِ، يبتسم أذا رأك تبتسمين، ويفخر عندما يراكِ تكتبين، ينتابه شعورٌ رائع أيضاً عندما تتذكرينه أيضاً.. إنها فقط مسألة أختلاف عوالم.

أكمل مُسهبًا في الشرح: لا يمكن لروحٍ أن تموت! تخيلي أن الأشخاص الذين يقضون رحلة على الأرض بمشاعرٍ مُختلفة وتصنع ذكرياتٍ متنوعة، في النهاية تتلاشى بالموت؟ هذا ليس منطقي.
أنما هي تسافرُ للخلودِ في مكانٍ أفضل.. حيثُ تنتمي بشكلٍ أدق~

- لكن ماذا عن الشوق؟ كيف يمكنني أيقافه!
سألت بنبرةٍ مخنوقة بالحنين.

أنا حقيقي لأجلكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن