داخل مركز الشرطة جلست امرأة في منتصف الثلاثينيات يبدو عليها علامات القلق والتوتر تلتفت حولها وكان أحد ما يراقبها
... وقفت أمام أحد العساكر تطلب منه
- لو سمحت أنا عايزه اقبل الرائد حسام الدمنهوري
- نقوله مين يا فندم
- سارة... دكتورة سارة فوزي هو اعرفني
دخل العسكري لمكتب الرائد حسام وخرج بعد دقائق يخبرها أنه بانتظارها... دخلت سارة المكتب متوترة سلمت على حسام والذي كان أحد أقاربها من ناحية والدها... لذلك وثقت به وجاءت إليه ليساعدها فيما يحدث معها
- ازيك يا سارة... ما صدقتش لما قالي اسمك تفضلي اقعدي قالها حسام بابتسامة جلست سارة-
مالك يا سارة شكلك مش على بعضك في حاجة حصلت انتى كويسه ... مرات عمي فيها حاجة
هزت رأسها نافيه واقتربت من المكتب تتحدث إليه بنبرة شبه هامسه
- محمد... محمد جوزي
قطب جبينه بعدم فهم يسألها
- ماله؟!
- اختفى، لا هو سافر من حوالي أسبوع... معرفش عنه أي حاجة... ومش دي بس المشكلة... في واحد تاني غريب أنا ما اعرفهوش أول مرة اشوفه
بلعت ريقها بصعوبة ثم أكملت
- ظهر بعدها وبيقول أنه محمد... مزور كل الورق بطاقته... قسيمة جوزنا كل الورق بصورته... كل صوري أنا ومحمد غير فيها وخلى صورته مكان صورة محمد معرفش ازاي قدر يطلعها بالإتقان دا
ظل حسام يسمعها وعلامات التعجب ظاهره بوضوح على ملامحه
- ازاي دا... طيب الورق والصور الأصلية مش معاكي نسخه منهم
تجمعت الدموع في عينيها وهي تقول
- قلبت عليهم الدنيا ملهومش أثر كل حاجة موجودة فيها صوره الشخص دا... والكارثة أن كل الناس عايزه تقنعني أنه محمد وأنه ما اتغيرش حتى أمي... متخيل حتى هي... معرفش ازاي خلاها تقول كده... دي اخدتني لدكتور أمراض نفسية وعصبية تصور يا حسام بتتهمنى بالجنون
أشفق عليها حسام حتى امتزج إشفاقه ب صدمته بسبب ما يسمعه منها
- اهدي... اهدي يا سارة أنا هساعدك ... ونعرف مين دا وازاي قدر يعمل كل دا... وإيه اللي مخلي مرات عمي تعمل كده
___________________
في إحدى عيادات الأمراض النفسية والعصبية-
ازاي يعنى ما تعرفوش راحت فين... أنا مش سابها معاكي يا طنط
هتف بها "ذلك الشخص" لوالدة سارة وطبيبها المعالج لترد عليه السيدة في توتر
- طلبت أنها تطلع تعمل تليفون مهم وطلبت منى اجبلها قهوة... جبتها وجيت ملقتهاش وتليفونها اتقفل
قبض الرجل على رأسه في خوف وهو يقول
- ما ينفعش نسيبها كده
أكدت عليه السيدة في قلق قائله
- لازم نلاقيها قبل ما حد يعرف حاجة عنها
__________________
ذهبت ساره مع حسام لمنزل قديم كان يمتلكه ف هو المكان الوحيد الامن عليها الآن حتى يستطيع معرفه ما يحدث معها... فقد قرر أن تصبح هذه القضيه قضيته الشخصيه من الآن... جلست ساره على الاريكه واعد لها حسام العصير لعله يهدئها قليلا حتى يستطيعوا التحدث
- اشربي يا ساره... وحولي تهدي عشان نلاقي حل
أماءت له وهي ترتشف من العصير بيدها المرتعشتين
- اول مره شوفتى فيها الشخص اللي انتحل شخصيه جوزك امتى؟
تركت الكوب لتجاوبه
- من اربع ايام دخلت نمت ومحمد المفروض انه مسافر ...
تذكرت ما حدث خلال تلك الاربع ايام
...........
استيقظت سارة من نومها، قامت وأحضرت قهوتها ف سمعت صوتا من ورائها التفتت إليه ليسقط الكوب من يدها متهشما وهي تتراجع اللي الوراء في قلق
- أنت مين؟!
- أنا محمد جوازك يا سارة... مالك يا حبيبتي انتى لسه تعبانه... أنا قلقت عليك عشان كده رجعت مكانش ينفع اسيبك كده
قالها ذلك الرجل وهو يقترب نحوها ف سحبت سكين من المطبخ لتهدده به
- أنت مش محمد... هو أنا مش هعرف جوزي... انطق أنت مين وازي دخلت هنا
ظهرت علامات التعجب على وجه الرجل
- اهدي بس يا سارة أنا...
لم تدعه يكمل ف ركضت نحو غرفتها وأغلقتها من الداخل جذبت هاتفها بأيدي مرتعشه تتصل ب زوجها ليرن الهاتف في نفس الغرفة ذهبت نحو الصوت فوجدت الهاتف مما ذاد من توترها فهي متذكره أن زوجها أخذ هاتفه معه قبل سفره... فهاتفت والدتها لتستنجد بها... قصت عليها ما حدث منذ الصباح وأخبرتها أن تأتي وتتصل بالشرطة جلست في الغرفة متجاهله طرقات ورجاء ذلك الرجل حتى جاءت والدتها
فتح لهم الباب لتنظر له تلك السيدة وهي تسأله في توتر
- مالها إيه اللي حصلها ما أن سمعت صوت والدتها اطمأنت وخرجت تحري نحوها
- ليه ما اتصلتيش بالشرطة-
اهدي بس يا بنتي ما فيش داعي دا... دا جوازك محمد
نظرت لوالدتها بدهشة-
انتهى بتقولي إيه يا ماما دا مش محمد
سحبتها والدتها من يدها نحو تلك البرواز
- بصي يا سارة شوفي صورت جوزكم ... دا جوازك يا حبيبتي اقتربت هي من الصورة تنظر لها بدهشة وهي تضع يدها على فمها
- الصورة ازاي اتغيرت كده
- أنت اللي غيرتها مش كده فاكر كده نصدقك أنا تثبت أنك نصاب اتجهت نحو غرفتها تخرج كل الأوراق والصور التي جمعتها بزوجها بهت وجهها عندما وجدت ذلك الشخص مكان زوجها في جميعهم خرجت تجر أقدامها وهي ممسكة بالصور همست بصوت مبحوح من بين تشتتها وتوترها
-إيه دا أنت ازاي غيرت كل دا؟! فين محمد وصلت ل تليفونه ازاي ؟! انت عملت فيه ايه انطق وازي قدرت تسيطر على امي كده وتخليها تقف في صفك
اقترب منها وفي اثر دموع في عينه يدع يده على خدها
- ساره حبيبتي ارجوكي اهدي... اهدي ونحل كل حاجة
أزحت يده بعنف وعي تنظر لوالدتها التي اقتربت منها لتحتضنها
- اهدي يا بنتي نظرت لها سارة بشرود
- أنا مش عايزه اقعد هنا أنا عايزه امشي
أشفقت عليها أمها فأخذتها معها لمنزلها قضت هناك يومين بين إقناع أمها أن ذلك الشخص هو نفسه زوجها وان عليها أن تعود لمنزلها وبين رفضها التام بالعاوده
-يا أمي بقولك مش جوزي دا مش محمد ازاي عايزاني أعيش مع راجل غريب الله واعلم انتحل شخصية محمد ليه وعمل فيه إيه وناوي يعمل فيا أنا كمان ايه.
بعد يومين أخذتها والدتها إلى طبيب نفسي التي تحدث معها وأجري بعض الفحوصات والأشعة ما أن خرجت من غرفه الاشعى حتى وجدت والدتها مع ذلك الشخص تحدثا الدقائق ثم غادر المشفى
عادت مع أمها اللي العيادة وكل ما يدور في رأسها أنه يجب أن تعرف الحقيقة، الحقيقة التي لن تعرفها طالما بقيت مع والدتها التي من الواضح أنها متورطه مع ذلك المحتال بشكل أو بآخر-
ماما ممكن تجيبيلي قهوه انا هتلع اعمل تليفون تبع الشغل وهرجع
ما أن خرجت من العياده حتى ركضت وركبت سياره اجرة متجهه نحو قسم الشرطه
___________
في عياده الدكتور النفسي
قاموا بتفريغ الكاميرات الخارجيه العياده ووصلوا لرقم التاكسي وبعد مجموعه من الاتصالات التى اجراها ذالك الشخص وصل لصاحب التاكسي التى اخبرهم عن المكان التى اصطحب ساره إليه
- عرفنا التاكسي اللي ركبته وداها فين .. لقسم شرطه (....)
سكتت السيده لبضع ثوان ثم اردفت
- يبقى اكيد راحت لحسام نظر لها مستفسرا
- حسام دا ظابط شرطه قريب عمك فوزي الله يرحمه
________________
في منزل حسام الدمنهوري
سمع حسام طرقات على باب شقته فتح ليجد ذالك الشخص التى اخبرته ساره انه انتحل شخصية زوجها
- هو انت؟!
- كده انا اتأكدت انك شوفت ساره ..ممكن نتكلم مش هاخد من وقت حضرتك كتير
أشار اله حسام فدخل الأخر
- انا جاي لحضرتك عشان نلحق ساره
- نلحقها من ايه بالظبط ..منك ؟!
مسح محمد على وجهه بتعب قبل ان يقول
- ساره بتعاني من الفصام واوهام عدم التعرف ..وهي في البدايه لازم نلحقها ونخليها تتابع مع دكتورها
الموضوع ابتدى بيا ولوسيبناها كده موضوع الأوهام دا هيذيد
..ف لو سمحت لو تعرف مكنها عرفنى او عرف على الاقل والدتها ، لو لسه مش واثق فيا خدها بنفسك لدكتور وهو هيقولك دا
شرد حسام للحظات قبل ان يرد بدى له الكلام منطقي فقد بحث كثير وراء هذا الشخص وكل الأ
دله تثبت انه فعلا زوجها.. بالاضافه الى انه يعرف تاريخ والد ساره مع مرض الفصام والذي جعل والدتها تأخذها وهي صغيره وتطلب منه الطلاق ..ولاكن لا لن يثق به وسيتولى هو الامر بنفسه
- انا معرفش مكانها..لو عرفت هبقى ابلغق يا استاذ محمد
تنهد محمد بتعب قبل ان يقول
- حالتها هتتقدم بسرعه لازم نلحقها
____________________
ذهب حسام لشقه ساره
جلس في سيرته اسفل البنايه يتذكر لقائه مع الدكتور المتابع لحاله ساره الذي أخبره بتفصيل مرضها ب طلب من والدتها
......
- ساره عندها مرض اسمه اوهام عدم التعرف ( متلازمه كابجرس ) ( capgras syndrome)
المريض في المتلازمه دي ببتوهم أن احد اقاربه هو شخص تاني ، شخص تاني انتحل شخصيتهم ..ممكن يحس انه شاف الشخص دا قبل كده بس مش بيحس نحيته بأي الفه او روابط عاطفيه ( فقدان الهويه العاطفيه ) وبالتالي بيحس انه قدام شخص غريب ..والمريض في الحاله دي من الصعب جدا إقناعه بان دي كلها اوهام
- طب ودا اسبابه ايه يادكتور ؟!
- بيكون لاسباب مختلفه زي
اصابه في الدماغ (خصوصة مراكذ الإدراك والرؤيه) او اصابه في الاعصاب او زي حاله مدام ساره اعراض مصاحبه بالفصام
سكت حسام قليلا يحاول أن يستوعب ما يحدث لقريبته قبل ان يسأل الدكتور
- طب ودا ليه علاج ؟
- العلاج بيكون علاج سلوكي ونفسي مع ادويه الفصام ومضادات الاوهام
............
وقفت ساره في شقتها تنظر في المرآه بتركيز ، تتحسس وجهها بيدها حتى قطعها صوت طرقات الباب ذهبت لتفتح لتهتف في تسأل
- حسام ؟!!
شعر حسام من نبرتها انها بداءت في عدم التعرف عليه هو الأخر
- ايوه حسام ..ممكن نتكلم قالها مبتسما فسمحت له بالدخول
- سارة احنا لازم نروح للدكتور
وقفت امامه تهتف
- حتى انت يا حسام ؟! حاول حسام أن يهدئها شرحا لها طبيعه الامر
- يا سارة انتى دكتورة جامعيه ومتعلمه وعارفه أن اي حد ممكن يعاني من الاضطرابات النفسيه وعرفه كمان أن لازم نتجه للعلاج في اسرع وقت
ردت عليه بأنفعال
- بس انا مش بعاني من حاجه يا حسام
- مفيش مشكله خلينا برضو نروح نطمن ..ولو مش واثقه من الدكتور اللي ولدتك اخدتك ليه هنروح لواحد غيرهظل حسام يقنع سارة حتى ذهبا معه ..كما انه واجه والدتها التى رفضت مكوثها في المستشفى لتتلقى العلاج الازم خوفا منها على وجهتهم الاجتماعية
(متلازمه كابجرس )
أنت تقرأ
حكايات من واقع آخر
Short Storyمجموعة قَصَصِيَّة يُشرح بها بعض الأمور الطبية والعلمية في هيئة روايات قصيرة