مكان الإمام المهدي المنتظر وانتقالاته

45 3 0
                                    

مكانه وانتقالاته :

كان حال حياة أبيه عليهما السلام في سامراء . دلت على ذلك جميع الروايات الناقلة لمشاهدته في تلك الفترة . وقد سبق أن سمعنا قسطاً كبيراً منها . ومن الطبيعي أن يبقى في سامراء يوم وفاة ابيه يصلي على أبيه ويقابل وفد القميين ، ليحولهم على بغداد ، حيث يعين لهم سفيراً جديداً.

ويبقى في سامراء ردحاً من السنين بعد ذلك ، كما تدل عليه حوادث تحويل السفيرين الأولين بأموال الوفود إلى سامراء ، كما سيأتي في الحقل الخاص بذلك . ويدل عليه أيضاً بعض مقابلاته هناك ، على ما يأتي . داره في سامراء من قبل المعتمد والمعتضد . حيث يكون عليه السلام موجوداً هناك ولكنه يستطيع التخلص والهرب . إذن فهو إلى زمان خلافة المعتضد التي تولاها عام 279 . كان ساكناً في دار أبيه في سامراء فلو فرض _ كما هو المظنون _ ان الكبس الذي أمر به المعتضد كانٍ في أول عام من خلافته ، فمعنى ذلك أن المهدي عليه السلام بقي هناك تسعة عشر سنة بعد وفاة أبيه عليه السلام.

وقد أبعد المهدي "ع" عن نفسه كل الآثار ، وكل ما يلفت النظر ويثير الشك ، حتى وكلاؤه أصبحوا بعيدين عنه ، لكي لا يوجهوا الأنظار إليه أولا ، ولكي يعيشوا في قلب الحوادث الاجتماعية شأن كل من يريد أداء الخدمة الصالحة لمجتمعه وأمته ، ثانياً . ولكي يبعدوا هم بدورهم عن أرصاد الدولة وعاصمة الملك حال كونها في سامراء خلال هذه التسعة عشر سنة ثالثاً.

أما هو فلا ينبغي أن يعيش الحوادث ولا أن يختلط بالناس . بل يبقى بعيداً يكتفي بسماع الأخبار والاطلاع على الآثار ، يعيش هموم الأمة الإسلامية ذهنياً إن لم يستطيع أن يعيشها خارجاً... حتى تهدأ النائرة ، ويندمل الجرح وتخف المطاردة ، وبمضي الردح الأول من الغيبة الصغرى ليستطيع بعد ذلك أن يقوم بعمل جديد.

والمتتبع لخروج التوقيعات والبيانات عن الإمام المهدي عليه السلام خلال الفترة الأولى من غيبته ، يري بوضوح قلتها وندرتها ، إلى حد لا يكاد ينقل عن السفير الأول ، بل السفير الثاني في أول سفارته توقيع ذو بال ، إلا في حدود قليلة وعند الحاجة الكبيرة. وما ذلك إلا لأن الحاجة إلى الحذر في هذه الفترة ألزم ، والبعد ما بين المهدي "ع" وسفرائه من حيث المكان أكثر.
وحين تنتهي هذه الفترة الحرجة ، ولا يزال محمد بن عثمان سفيراً في ذلك الحين ، تنفتح له عليه السلام ، فرصة جديدة في الخروج والتجول بنحو لا يمكن أن يعرفه الناس ولا أن يشار إليه بحقيقته . فان أكثر الناس لم يروه في حياة أبيه . ومن رآه منهم كان قد رآه طفلاً أو صبياً والآن قد أصبح شاباً وسيماً ، فلا تكاد ملامحه أن تكون محفوظة معروفة بعد مرور هذه الفترة . على أن جيلاً من الناس قد مات وجيلاً واجه الحياة من جديد ، وهو لا يعرف من شكل المهدي شيئاً. وكلما طالت المدة ابتعدت صورته عن أذهان الناس وذابت  ذوباناً كلياً ومن هنا انفسحت للمهدي "ع" فرصة جديدة ، لأن يدخل بغداد لنراه تارة بزي التجار . وأخرى أمراً من محمد بن علي بن بلال ، أن يدفع ما لديه من الأموال إلى سفيره العمري. وأصبح يحضر موسم الحج في كل عام ، كما سمعنا ، ماشياً . بل أصبح يخالط الحجاج من خواصه ويحدثهم ويعلمهم الأدعية ويعطيهم التعليمات. بل انه ليكشف حقيقته أمام البعض إذا اقتضت المصلحة ولم يكن في ذلك خطر. وكان يسكن خلال فترة الحج في تلك الديار المقدسة. ومن هنا سنرى أن جملة من مقابلاته تمت هناك ، من قبل الباحثين عنه المريدين التشرف بلقائه .

وكما يذهب إلى الحج ، فإنه يذهب إلى الحج ، فإنه يذهب إلى كربلاء لزيارة جده سيد الشهداء ابي عبد اللّٰه الحسين عليه السلام ، يوم عرفة ، فيوصل إلى أحدهم مالاً على ما سيأتي.

بل إنه يصل إلى مصر ، على ما يظهر من بعض الروايات ، وينزل الاسكندرية في خان ينزله الغرباء ، يصلي في مسجده بأهل ذلك الخان . ثم يسافر مع أحدهم ، ويأخذ طريق البحر.
ثم انه يعود من هذه الأسفار إلى بغداد ليباشر الاتصال بسفرائه ، وإدارة مصالح المجتمع والوقوف في وجه المنحرفين ، عن طريق التوقيعات والبيانات.

هذا ونسمع قول المهدي"ع" _  في رواية علي بن إبراهيم بن مهزيار _ ياابن المازيار ! أبي أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب اللّٰه عليهم ولعنهم ، ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ، ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد الا عفرها . واللّٰه مولاكم أظهر التقية ، فوكلها بي ، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج. وهذا الخبر لو صح لكان معارضاً لعدد من الأخبار أهمها طريقة استحصال التوقيعات منه عليه السلام ، إلا ببعض الفروض البعيدة أو الاعجازية التي نحن في غنى عن افتراضها ، والمهدي "ع" في غنى عن اتخاذها. ومعه تكون تلك الأخبار مقدمه على مدلول هذا الخبر . وقد سبق أن عرفنا أن الحذر والتقية يتم مع سكناه المدن أيضاً لعدم معرفة الناس بشكله وعدم الالتفات إلى حقيقته . وليست التقية متوقفة على سكنى الجبال وعفر البلاد . إن لم يكن ذلك ملفتاً للنظر وجالباً للشك أحياناً . واللّٰه العالم بحقائق الأمور...

✨ أيه اللّٰه العظمى السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره

📚 الموسوعة المهدوية تاريخ الغيبة الصغرى

الأمام المهدي "ع" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن