في الجحيم الفصل الثالث

2.3K 28 15
                                    

قرأ الورقة وبقي يتأمل طويلا مترددا، شجعته زوجته وقالت بأنه إن كان الإتفاق حقيقة فقد يكسبوا الكثير، وإن لم يكن كذلك فهم لن يخسروا إلا القليل... لم يقتنع تماما بكلامها ولكنه قرر خوض التجربة وتحمل العواقب، فكل وردة لها أشواكها...لم ينم الليل بطوله، وبقي وزوجته يفكران في الأمر، حتى شقت الشمس بنورها عتمة السماء وتسللت خيوطها إليهم. حملت الزوجة نفسها وبدأت تشد جسدها النحيل لتتخلص من أوجاع السرير المتهالك. تقدمت خطوات قليلة وبدأت كعادتها تخلص خصلات شعرها المتشابكة في ألم مزعج. وما إن خلصت حتى أخدت تحاول إيقاض زوجها الذي كان يتصنع نوما لم يهنئ به قط لينهض من غفلة قاتمة عابس الوجه ثقيل الجثة كمن مرّ عليه الدهر بكل ثقله.حل الصباح بلون شاحب وصوت بليد منفر من الحياة، نداء بائعين متجولين وصراخ أطفال لا ترى الراحة مكانا بينهم. حتى أصوات الطبيعة كانت بطعم كريه كأن اليوم يوم جنازة رجل كريه لا يطيقه بشر..خرج مسرعا كعادته وحمل معه كف زوجته ليقبلها مستعجلا على الباب، متخبطا في خطاه لا يكاد يبصر الطريق، استل دراجته الصدئة وأخد نفسه ليبدأ ما تقرر في تلك القصاصة المشؤومة. صار يفكر في كل شيء.. يزيد تردده بعد كل خطوة، متسائلا هل ينفذ ما طلب منه، أو ينسى الأمر.. بقيت الأسئلة تحاوطه حتى سحبته الحديقة الجرداء المجاورة إليها بصوتها الغائم. بدأ طنين عجلته يشتد ويشتد هناك ليزيد المنظر قبحا ليخيل لسامعه كسعال رجل يحتضر..شق طريق الصمت المغلف بصرير العجلة، وسار يقدف برماح إصراره نحو نهاية الغابة قاصدا مكانه المفضل لإيقاف العجلة ليكمل الطريق مشيا..حمل الورقة مجددا ليتحقق من وجهته، تمعن في العنوان جيدا، وقبل أن يضعها في جيبه بدأ لونها يميل إلى الحمرة فالسواد حتى سارت رمادا تتناثر ذراته بين يديه وفي النسيم... اقتلع الرعب قلبه، وفي لحظة عاد لرشده وقرر أن يكمل ما بدأه.. الآن لم يعد يهم ما سيحصل، لابد أن يكمل الأمر...أمام مستشفى الأمل، مسائلا:- وهل هناك أمل وأنت على سرير الموت أو المرضابتسم متجاهلا لافتة المستشفى التي سخر منها توّا، وأكمل إلى الشارع الأول بعدها وفي آخر الرواق كما كان محددا في ورقة الغريب، كان هناك زقاق صغير أخده حتى وصل لنهاية مسدودة ووقف هناك.. واستدار متأملا كل ما حوله، لا شيء غير جدار قصير يحيط به، وبعض البنايات التي تشوه جمال الطبيعة.. كان الصوت قاتما كالصمت تماما، والشمس ذابلة فوقه.. بقي يلتف كل دقيقة باحثا عن أي إشارة.. حتى رسم على الجدار باب من عدم، فتح وخرج منه الغريب مرحبا:- ها قد أتيت- كيف... كيف ظهرت !كان يسأل ورعشة الخوف تتسلل عبر شرايينه، لا يستطيع التفكير في شيء فقد بدأ يخاف من هذا الغريب اللعين الذي لا تسري عليه قواعد الحياة الدنيا...ابتسم الغريب وهو يرحب به مجددا، ويدعوه:- أهلا بحظورك، تفضل للداخل، ستجد ما يسركما إن أكمل حديثه حتى اختفى كأنه لم يكن.. بقي الرجل الأسمر متسمرا مكانه لحظات طويلة حتى أفاق وقرر المضي..اتبع الرواق وكانت هناك ورقه على طاولة هناك في آخره.. بدأ يطالع الورقة وهو شديد الحرص، كان يخشى حدوث شيء، فذلك الغريب اللعين يظهر ويختفي كطيف من عالم ليس كعالم الأحياء..ما إن حمل الورقة الثانية حتى انقلب المكان فجأة، صار داخل غرفة صغيرة، جدرانها لا تكاد تحتمل الوقوف من كثر ما حل عليها، ظهر نور الشمس الفاتر مجددا وهو يتسلل عبر شقوق السقف ويتلاشى كلما مرت سحابة عابرة عليه، وما إن استقر الأمر بدقات قلبه حتى حمل الورقة مجددا متمعنا ما فيها..- ما هذا الذي يحدثقالها حيث تقلبت مشاعره وبدأت غصة تخنق أنفاسه، كأن البحر يغرقه- ماهذا الألم بداخلياشتدت كل مشاعر الألم والحزن واستبدت حرقة الضعف بداخله.. حتى سمع صوتا عظيما يضحك من بعيد، ليسمع طرقعة عرف مصدرها وصاحبها..- تأخرت كثيرا يا صديقي اللعين، أعتذر. هل جربت تلك الغصة الخانقة، جميلة، أليس كذلك؟صاح الغريب وهو يظهر من عدم، يحرك يديه بشكل دائري غريب كساحر بدأ عرضه توّا مكملا حديثه:- الآن حان وقتكسكين سار بسرعة مهولة اخترقت حنجرة الرجل الأسمر آخدا روحه الشقية إلى حيث تنتهي.- جرب بعض الألم قبل راحتك، والآن ماهو شعورك أيها الحقير، إنتهت الحكاية قالها ضاحكا وهو يقترب من الجثة بخطوات بطيئة رافعا رأسه عاليا، مكملا حديثه.- كم أنتم أغبياء أيها البشرمد يديه آخذا السكين ليمسحها بوجه الميت ويزرعها في فمه راسمها لوحة شر غظيمة. - أراك في الجحيمقالها بصوت بارد ليختم المشهد بابتسامة ساخرة، رافعا يديه عاليا كي يحيي الصمت والفراغ حوله بثقة مبالغة، ويبتعد مختفيا في الظلام حاملا الشر معه بهدوء..منتظرا من سيحمل الخاتم بعده...


لا تنسى التفاعل

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 24, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

في الجحيم | للكاتب سفيان لحيث تعيش القصص. اكتشف الآن