علَى تلكَ التلَّة الصغِيرة قلِيلة الإخِضرار كَانت هنَاك شجَرة، لَا بَل شِبه شجرَة مُنبثقَة بأغصانِها اليانعَة وَ أوراقِها القليلَة مِن جوفِ التربَة.
🌲 : مهلًا مهلًا، لماذَا بدأتِي سردَ القِصة مِن هنَا؟ ألَا يبدُو وَ كأنكِ قَد قفزتِي مِن فوقِ عدةِ صفحَات؟
🌳: هذَا صحِيح، أعيدِي سردَ القصَة مِن حَيث البدايَة، مِن حَيث كنتِ مُجرد بذرةٍ صغِيرة داخِل حِضن الأَرض.
عندمَا كنتُ مجرَّد بَذرة؟
حسنًا.. أذكُر يومهَا أننِي كنتُ لوحدِي داخِل باطنِ الأَرض، حيثُ يحيطنِي الظَّلام وَ لَا خيطَ شمسٍ يصلنِي.
كنتُ مجرّد بذرَة تتسامَر مَع الكُتب لتقضِي عَلى مللِ تواجدِها فِي الأسفَل، وَ لَم تَكن تستطِيع رؤيةَ مَّا يحدُث فِي الأعلَى لكونِها مجردُ بذرَة بِلا سَاق.
لكنهَا لطالمَا تمنَّت رؤيةَ العالمِ فِي الأعلَى، أَن تنالَ فرصةَ النُّمو وَ الإزهَار. حَيث تلفَّتت يمينًا لترَى تلكَ البذُور التِي تتشعَّب منهَا الجُذور، وَ التِي تنبثقُ منهَا ساقٌ خضرَاء حتَّى اخترقَت الأَرض وصولًا للأعلَى لحَيث الضَّوء.
ثمَّ تلفَّتت يسارًا لتجدَ بذورًا أخرَى تنمُو يومًا بعدَ يَوم، تتلقَى المَاء وَ دِفء الشَّمس، ثمَّ أعادَت النظَر إِلى نفسِها فِي شُجون.
ظننتنِي سأبقَى مجرَّد بذرَة جافّة ضائعَة بينَ ذرَّات التُّراب، وَ أننِي لَن أنمُو حتَّى أنبثقَ بساقِي نحوَ خيوطِ الشَّمس.
لكِن فِي أحدِ الأيّام، إننِي أتذكَّر هذَا اليومَ جيدًا. كنتُ كعادتِي منطوِية فِي حجرتِي التُّرابية، وَ أتشققُ لشدةِ جفافِي، وَ العفَن الأسوَد يكادُ يتسللُ إلَي.
لكننِي رفعتُ برأسِي حالمَا شعرتُ بقطرةٍ صغِيرة تسقطُ فوقَ رأسِي، وَ لَم أشعُر سِوا بقطراتِ ماءٍ كثيرَة تتدافعُ نحوِي لتغسلنِي.
مَا الذِي يحدُث؟ أهذَا لُعاب كَلب؟ أَم قامَ بقضاءِ حاجتِه فوقَ بُقعتِي!
هذَا كلُّ مَّا تساءلتُه، فمِن أينَ سيأتِي المَاء ليسقينِي؟
ربمَا أحدُهم كانَ متوجهًا ليسقِي بذرَة بجانبِي وَ سقطَ المِرش مِنه بالخَطأ.
حَيث عدتُ لأستلقِي علَى الصخرَة أطالِع السقفَ الترابِي فِي شُرود حتَّى غلبنِي النُّعاس.
وَ قَد استيقظتُ علَى صوتِ أولائكَ الأنَاس وَ أصواتِهم الصاخِبة، لأدركَ أنهُم متجمعُون حولَ شجرةِ البلُّوط ليستمعُوا إِلى حكاياتِها، ليتأرجحُوا علَى أغصانِها وَ يستظلُّون بِها.
وَ كَم رغِبت أَن أصبحَ يومًا مَّا شجرَة مثلهَا، يتجمَّع حولَها النَّاس ليقرأُوا مِن أوراقِها، أَن يهرُبوا مِن يومِهم العَصيب إليهَا.
لكِن لَن يحدُث هذَا وَ أنَا مجردُ بذرَة.
