-: × المدخلّ التمهٓيديّ بدايّات مفترّق الطُرقّ ×:-
أُمّاه معذِرةً، قد خاننِي حُلمي وقّد تكگدر في أغصانِه: الثمرُ
أمّاه معذرةً،
فالدّرب آلمنِي ومزّق الخطوَ منِي الشّوك: والحُفر
أمّاه معّذِرةً، إنّ المّدى ظُلَمٌ فقّد توصده هذا الورى: البقرُ
مّاذا أغنِي؟
وقدّ ضيعتُ حنجرتِي
وقدّ تقطعتّ الآهاتُ، والوترُ؟
أمّاه..
لازلتِ ينبُوعاً يُغَسِّلني، لا زال مِن ديمتيْكِ الماءُ ينهمرُ،
لازلتُ طفلاً صغِيراً مُمْحِلاً ويديّ جدباءُ
تبي وتستجدِي وتعتذرُ
أماه معذرةً،
بلّ ألفُ معذرةٍ جفّ اليّراعُ.. وقلبِي قلْبُهُ سقرُ
ضُمِي ارتعاشي.. وضُمِي وجّه معذرتِي.. ضُمِي خطّا جُرمِي..
لينْتهي، فِي مدى أحضانِكّ السفرُ،..
لـ رِياض بِنّ يُوسِف،..
.
.
"قبل سبع سِنين عِجاف،..
ضُحى يوم الأثنين، نهار مُختلِف يُشرِق مسلُوب الحيّاه من قلبِه،. التسلِيم للجريمة، يُفتح سِجل بلّون أسود، كسواد ذنبِه المُوحِل بجرمِه، ليُتابع الضابِط تدوِين معلوماتِه الشخصية بِه: قلّت أمس إسمك غرِيب عبد العزيز الفرَّاج، طيب يا غرِيب كم عُمرك؟..
يشعرّ بجتِماع الغُصّات يشتّد لّذعه المُوجِع بحنجرتِه،.
ضغط على أسنانِه، وصوتُه المُختنِق يخرّج ثقِيلاً بإجابتِه: 18 ثمنطعش.
توقفت يده عن الگِتابه، ليلتفِت إليّه، مُبعثرًا بجملتِه المستنكرة أجزاء قلبِه: 18 ثمنطعش؟ لا إله إلا الله توك صغير يا ولّدي، وش من بليَّه مطيح عمرك فيها، وجاي لنا للقسم تسلم نفسك؟.
تقفِز صورتها العتيقة بمُخيلتِه، ليرتجِف هُدبه، ويفِيض به مِن الدمع ما ينهمِل لاذعاً ليُرهِق قلّبه، وشرِيط تفاصِيل جُرمِه الأسود بِها، تلُوح ويلات جحِيمه المُهلك أمامه،.
تنهد ذلك الضابِط ونظر إليه وهو لاّيزال يتعثر، مابين تشتُت گلماتِه، وهول "المّشهد" الذيّ لآيزال يرتجف قلّبه، فزعاً لّه: والله العظِيم ما گنت واعِي على إلي صار، والله العظِيم ماگنت واععي والله،
نظر إليّه، والدمع يشتد مُنهملاً مِن محاجِر عينيّه المُتسعتين بذهُولهما: أنا والله ما أتجرأ أرفع صوتِي على صوتها؟ ... گييف أضرها؟ ،.. گيف أضِر رُوحيي بيديني؟ .. عاهدت الله مايقهرها مخلُوق، وهالراس يشِم الهوا، .. أضِيمها وأنحرها بيدينِي أنا؟ .. بيدينِي أنا،؟ .. أنحرهـــــا بيدينِي؟.
تنهد، وهو يتنحى من خلف مگتبه، ليجلِس على الكرسي المقابِل له: لا حول ولا قوة إلا بالله، شتت عقلِي معاك ياغرِيب، ممكن أفهم أول شيء من هذي "المره" الي جالس تتكلم عنها ذِحين؟.
تتبعثر تحت سوط سؤالِه الموجِع، ما تبقى من قواعِد رجُولتِه، وآخِر ذرات ثباتِه، وتزانِه،.
ليُجيب بنشِيج يشتد بقُوه بُكـــائه، وقدمه يرفعها على طرف الكرسي، ..
ليستنِد بجبِينه على ركبته،..
نظر الضابِط إليّه قليلاً، قبل أن يلتفِت لصوت العسگري المُتنهد: معليش طال عُمرك، والله إننا حاولنا فِيه يتكلم قبل ما نضطر ندخلّه عندك، بس على ما تشوف، هذي حالته من جانا أمس وسلّم نفسه، حتى الإكل للحِين ما أكل أي شيّء
تسلّلت تنهيده ثقِيله من بن شفتيه، وهو يلتفت إليه: وبعدين معاك يا غرِيب؟، بغض النظر عن الشيء إلي سويته، تأگد بما إنك جِيت وسلمت نفسك، وكنت متعاون معانا، فالعقُوبة رح تگُون عليك مخففه، فلِيش خايف گِذا؟
على شفا ما يشعر بِه من ضغط نفسِي حاد، وصراع داخلِي يعصِف بِه، إلتقط ترنح اتزانه، الذي بدأ تدريجيّاً يغِيب بِه، ليخرج صوته مُختنقاً ببحّتِه، وهو يمسح بجانب يده ما إبتل خده بِه من الدمع، ونهمل ثقيلاً ليرهق قلبِه: من قال أبغى تخففُون علي أيّ شيّء، أنا جيت عشان تاخذون حقها من رقبتي، ما جِيت أدور تخافيف،.
يشعُر أنه على خيط من الانفجار بِه، نظر إليه وهو يردف بتشديدٍ هادئ على كلماته: طيب تگلّم يا غرِيب، حتى نعرّف شلون نتصرف معاك، وش إنت مسوِي بضبط؟
يستغفر ثلاثاً بقلبِه عندما أطال صامتاً ولم يُجب،..
حتى إذا بِه أخيرًا، يلتقِط إنفراجه شفتيّه المُرتجفتين، نظر إليه وهو يضغط على أسنانِه، قبل أنّ يدفع الكلمات بصعوبة لاذعة من بين شفتيّه، نطق حُروف "جُملتِه"، التِي جائت گضربه رُمح، تُمزق كل جُزء من رُوحه وقلبه.
وصوتُه الرجُولي يخرج مُتحشرجاً ببحتِه،..
ليُسقِط الضابط بسُلطان صدمتِه وذهُوله، مُقشعراً قلبُه، مِن هول جريمتِه،..
**
_ بعد شهرين مُعذبات،..
يدلِف المهجع الجماعِي ليقِف ببدلتِه العسكرية، وهو يندُه بغلضةٍ وحدة:"غريب عبد العزِيز زيارة".
حمل جُثمان قلبٍه و "مضى" خارجًا بأقدامٍ ثقيلتيّن، وتساؤل ساخر يقفِز لاذعاً مُتلّذذاً بجرّحِه،"معقوله في أحد جاي يزورك ياغريب"، لا يعرف أي زائرٍ هذا الذي عادا ليذكرة بعد شهرين، ليلتفت لصوت العسكري وهو يُشير لّه بدخُول، دلف وسرعان ماوقف مُتخشباً، وعيّنيه المُتسعتيّن بذهُولِهما تسقُط بعينه،.
"بعينٍ" تمنى ألاّ تتلوث بلتقاط رؤيتِه بيّن شوائب هذه القُضبان،.
"بعيّن" إمام مسجِد حيّهم الصغير، ليشتت عيّناه جانباً، مُختنِقاً قلبه بوجع زيارته، ونظرات عينيّه المُخذولتين بِه،.
شعر بوقوفِه القريب بجانبِه، نظر إلى قطعه ملامحِه الذبلا، إلى ذقنِه المُبعثر، وعينيّه الغائرتيّن، نظر إليّه باحثاً عن تفاصِيل وجهِه الضاحِك القدِيم، أين انطفئ ذلك الإشراق العذب بِه؟، بل أين غاب لّون بهجتِة الشجية؟،
نظر طويلاً إليه، قبل أن يخرّج صوتُه الهّادئ مُختنقاً بأسف لاذع لحالِه: ما تخيّلت يا غرِيب.. بيوم من الأيام، أشوفك واقِف في هالمكان، وهذي حالتك؟ وِش إلى صار؟ وٍش إلي غيرك، وإنت المصلِي الصايم، حتى تمشي بدروب عيّال الحرام، وتضيّع شبابك بإدمان ومخدرات، وآخر شيء تطِيح بسواه، حتى الكافر ما يسوِيها بعدوه؟
يُجهش ببكائه وهو يطأطأ ناظرة الى الأرض، ليضغط على أسنانِه ويردف: تدرِي إن أمك بالعناية المركزة من أسبوعِين، تدرِي يا الوسخ وش صار بعد الي سويته فيها؟..
نظر إلى قِطعه ملامحِه المتجمدة، وعيّنيّه المُتسعتيّن بذهولهما بِه، قام بشده بقوةٍ من جانب جاكيته الأسود، ليلتقِط خُروج تلك الكلمات بِبطء مُهلّك من بيّن شفتيّه، نفث بذلْك "الحديث" الذي همس بِه، تكاليب الموت، بكل جُزء من قلبه وروحه، الموت الذي تمنى أن يتشرّب وجائِع سكرته اللاذعة الآنّ، ليرحل سرِيعاً بما خلّف من بذرة جريمتِه،.
دفع بِه إلى الجِدار وبتعد راحلاً، بعدما أرداه، بوسمٍ غائِر مابين روحِه وقلبِه، "وسِم" لاّ شفاء بعده، ولا ألف سنين تُطوى فتداوِي ٱفاتِه أو وحل ذنبِه النجس،.
سقطت بُبطء مُرهِق تفاصِيل تلك الذكرى الموجعة من شرِيط مُخيلتِه،..
لينزلّق جسدة من انحناءته فوق المغسلة، والأصوات من حولِه تخفُت تدريجياً من أذنِه بِبطء شديدين، .. فيما لاّيزال، صوت ذلك الرجُل فقّط ، ما بقيا حاضراً، ينبُض رأسُه صخباً، بكل حرف من جُملتِه الأخيرة له،.
يعترف أنه مُنذ يومين وهُو يشتهِي فعلاً أن يتغلّف بهذا الشعُور، شعُور مايتوسد بِه من الإغماء الذي يتبع نوبات الصّرع، التِي تُداهِمه عندما يشتد بِه، ضغط الماضِي وذگرياتِه اللآذعه على قلبِه،..
-يلتقِط وتيرّه تشنُجاتِه القصِيره التِي بدأت نوبتها الحاده تهدأ تدرِيجياً بِه، ليستسلم لغفوتِه تماماً بإغمائتِه، يجلس بجانبِه مُتنهداً، وهو يلتفت لصوت الشاب الذي وقف بجانبِهما: لاّ حول ولا قوة إلا بالله، أساعدك نرفعه لسريره،..
خرج إليّه صوتُه الهادئ ثقِيلاً ببحّتِه، وهو يقف بِه هامساً: ما يحتاج، مشگُور يا علِي،..
تبِع خطواتِه وهو يخرج بِه من دوره المياه ، ليضعه على سريره القريب، ويُدثره بغطائِه،..
عاد الآخر وجلس على سرِيره، ليلتفِت لصوت ذلك "العجوز" الجالِس بسرِيره المُجاور له: إنّا لله وإنا إليّه لراجعون، هالرجال ذابحه الصرع ، الوگاد إنه ما يشرب علاجاته، ولاّ ما يطِيح گِل يومين كذا مصروع وحالته حاله،.
فتح كُتيب الشِعر الذي گان يقرأ قبل قليل بِه، ليتنهد ويردف: والله ياعم ما أدري عنه، بس الظاهر إن العلم گِذّا
يلتفِت إليّه مُتعجباً: سمعت إنه صار له سبع سنوات هِنا، هو صدق هالكلام؟..
: إيه صحِيح ياعم، والحين أظن قريب بيگمِل الثامنه بعد
: لاّ حول ولا قوة إلا بالله ، ليه "غرِيب" هذا وِش قضيته بضبط؟
: والله يا عم خلّف، أنا هالإنسان علاقتِي معاه جداً سطحيه، فما أدري عنه أي شيء، لكن إلي سمعت عنه من الشباب إن محكُوميته تضاعفت، بسبب عدم إنضباطه بالعنبر، كل يوم وهو في مهاوشات ومضاربات، حتى العساكر ماسلمو منه.
: تهقى علِيه ديون؟..
: والله ما أدرِي يا عم، بس ما اعتقد انه مسجون عشان دين، مشگلته هالإنسان جِداً مُتحفظ ، وما هو من النُوع إليّ يقعِد يهرِج ويتگلّم عن حياته أو خصوصياته، غيّر كذا صار لي معاه بالمهجع هنا قرابه سنة، وقليل ما أشوفه يجلِس ويحتك بـ إلي حُوله ، طبعاً بإستثناء واحِد إسمُه "أگرم الشهرانِي"
يلتفِت ليُشير بعينِه له، على ذلك الشاب الجالِس بجانبه على طرف السرِير: عاد مدرِي والله شلون قدر يفتح قلبُه،..
**
_ قبل حوالي أربع سنوات من ذلك،..
تسللت تنهِيده ثقِيله من بيّن شفتيّه , ليلتفِت إليها ويردف: يا أم نايف ، العافيّه بالأول والأخير هي من رب العالمين ، فنقول إنّ شاء الله أختكّ مع الأدوية تتحسن حالتّها ، تأگدي ما دام إنها عندنا هنا بالمصحه فأحنا مارح نتفانا لحضه وحده ، في علاجها .. وگلي أمرك لله.
: ونعم بالله يا دگتُور ، ونعم بالله لگن مافِي علاج لحالتها؟.
: والله يا أم نايف , قُدره رب العالمين أگبر من گل شيء ، لگن ما أقدر أقولك إن عندنا علاّج يرد للمجنُون عقلّه , أختك من بعد الجلطة، صار عندها ضمُور ببعض خلايا المخ، علآج تلّف حاد مثل كذا ماهو بِشيء البسيط ترميمه أبداً،
قفز الدمع، إلى محاجر عينيها المُتسعتين بذهُولهِما: يعني وش يادكتور بتعِيش باقِي عُمرها گِذا؟، ماعاد بتعرف مين إلي يدخِل عليها أو مين إلي يطلّع؟ أختِي خلآص راحت وماعاد بترجع مِثل قبل" ، ضربت فخذيها وهيّا تنتحِب بوجع: أويل قلبِي عليك يا الزين أويل قلبِي وروحِي، الله لا يحللّك يا غريب ولا يبيحك، روح جعل ربِي يهدم سنين شبابك مثل ما هدمت سنين شبابها، و ياخذ الله صحتك وعافيتك،..
شعرت برأسها ينجذب لصدر ذلك الشاب الواقِف بجانب گرسيها المجاور للمگتب، خرج صوتُه الهادئ ثقِيلاً ببحتِه ، من وراء فتيل ذلك الغضب المتأجج بقلبِه: بس يُمه أنفدا روحك , والله إن هالفاجِر ما يسوى دمعه من دميعاتك , الله بيجِيب ساعته لا توجعِين قلبك بهالبگّا ، والله إن حُوبه خالتِي ماراح تتعداه.
الطبِيب مُتنهِداً : يا أم نايف بارك الله فيك، الرسول ﷺ يقُول” داو مرضاگُم بصدقّه “ حاولو تتصدقون على نيّه مريضتگُم، ورب العالمين قدرته فُوق گِل شيء، وعسى ما أصابها تگفير لها عن ذنوبها، النياح والبٍگا يضر الروح ما ينفعها ، خل أملك بالله أگبر،..
يساعِد والدته على الوقُوف , ليلتفت إليّه بصوت هادئ: الله يجزاك خِير يادگتُور مشگُور ماقصرت معانا ، والحين نستأذنك، ومعلِيش إذا طولنا بالگلآم عليك وعطلناك عن شغلّك
الطبِيب ويبتسِم : مافِي ياولدي أي تعطيل أبداً ، وإذا حابين تشوفُون تقارير الجلّسات الخاصه بمريضتگُم ، تعالُو يوم الأربعاء ، عندي گم ساعه أگون مُتفرغ فيها منّ جلساتِي مع المرّضى
يلتفت لصوت والدتِه المُختنِق ببحّتِه: مشگُور يا دگتور ما تقصِر، لكن والله ما أظن نقدر نجِي، ولدي نايف عنده دوامات، ويالله قدر يفضى اليوم لِي عشان يودينِي هنّا.
: مافِي مشگلّه يا أم نايّف ، إنتِ لاّ تشلين أي هم، أختِك بإذن الله ، بعيونا ، ومتى ما توفرت لكم أقرب فُرصه , المصحّه هذي هِي مفتُوحه ، وحيّاكم عندنا بأي وقت ..
**
.., عودة إلى غياهِيب السِجن،..
توقف عن القراءة، ليّلتفِت لصوت الشيّخ "عبد الاله" وهو يُشير بيده له: حسبُك إلى هِنا، بارّك الله فِيك.
نظر إليه، وهو يمسك بالقلم ليكتب تقييم تلاوته له: ها يابو نورة عسى حفظي زين اليوم تراني حاسب غلطاتي.
عبد الإله وهو يبتسِم: لا ما شاء الله حفظك اليوم ماعليه أي كلام، لكن وش فيك مع الاحگام ما گلها أگل؟.
يرفع حاجِبه الأيسر بتعجُب: الله يسامحك يا شِيخ، هذا وأنا أقول وش زيني مع التجويد هالايام، تقول السديس ما شاء الله عليه.
يتنهد : والله بودي إنك تطلع بتجويده وأحگامه، لكن المشكلة انك مضيع أبسط شيء وهو "المُدود"
يحُك جانب شفتِه قليلاً، وهو يلتفِت إليّه: والله ياشيخي إني أحاول أنتبه على المُدود، بس إنت الله يهديك ، تدقق وتركز بزياده، يعني ما يحتاج تجلس تمسكني على كُل حگُم، وگل حرف وكُل شَده، لآزم تقدر إني إنسان مبتدأ بتجويد،.
: هذا قُرآن يا أگرم ماهو بلعب، حتى أتغاضى عن أي خطأ فِيه، بعدين تعال يا مُبتدأ، من بكره أجل تحضُر، عند الشيخ خالد، عشان يتحسن التجويد عندك، ماراح أقدر أستقبلك عندي وإنت وضعك مع الأحكام التجوِيديه يفقع القلّب بذا الشگِل.
نظر إليّه بعيّنين مُتسعتين بذهولهِما: الشيخ خالد؟ والله لو إني السديس بجلاله قدره، ما طلعت من عند تشديده وتدقيقه الزايد على گل صغِيرة وگبِيره،..
: إلاّ بتفلح إن شاء الله، وبتشِيل لك من التجويد علّم بگبر راسك،..
يقف مٌتنهداً: والله إنك تبغى تفتك مني، لكن مصيري الأسبوع الجاي راجع بحلقك،.
يلتفت إليه: ألا من تبغى الحِين أنادي؟..
نظرّ قليلاً الى تسلسل الأسماء، قبل أن يرفع رأسه له ويعقِد حاجبيّه مٌتسائلاً: غرِيب موجُود؟ ولاّ باقي بالحجز.
أگرّم ويبتسِم: لا موجُود من يومين طلعوه أصلا.
: يا الله كويس عساه على العقِل إن شاء الله، والله إنِي أشُوفه رِجال رزين وراگِد ، تفاجئت أسمع مثل هالتصرفات الهمجية تطلع من واحد هادي، وقليل كلام مثلّه، ما هقِيت والله إنه راعِي هُوشات وعلُوم قشرّا، أبد ماهي راگبتن عليه مِثل هالفعُول نهائياً،.
أگرّم ويغرّق بضحكتِه العمِيقه: أجل رزين وراگِد، والله يابو نورة انك مخدوع فِيه، خلينِي ساگِت بس، مالها داعي، أنشر لك غسِيله، وأشوه صُورته بعينك زياده،..
تسلّلت تنهيده قصيرِه من بيّن شفتيّه: الله يصلح حاله بس، مفروض إنه واحِد تعبان ما يدور ورى المشاگِل ويبعد عن الهواشات ووجع الراس، الأسبوع إلي فات سمعت إنه إنصرع، ورفعوا له إذن خُروج للمستشفى ... وشلونه اليوم طيّب؟
أكرم وهو يبتعد عن الفرش، ليرتدي حِذائه: لاّ.. الحمد الله طيب ماعليه خلاف، إلا دقيقتين ذحِين أناديه لك،..
بجلُوس قد إعتادة بزاويه مُنفرده، بعيداً عن بقيه طُلاب الحلقه، وضجِيج تلاوتِهم التِي تُشتِت تركيزه بالحفّظ ، رفع رأسه عندما شعر بوقوفِه أمامه، وصوتِه المتعجب بسخرية، وهو يُخرج يديه من جيوب بنطالِه الواسِع، ليجلِس بجانبِه: أقص ذراعي يا إبن الحلال لو مو داخلك توحُد، هالحين وراك جالس لحالك هنا؟، ما تقعد تجاور خلّق الله.
يفتح المُصحف الصغِير، ليّردف بصوته الهادئ جِداً: إزعاج.
يتنهد، مُتجاهلاً التعلِيق على "تحجُجه" الگاذب بضجِيج التلاوات، لينعزل گعادتِه بالجلوس بعيداً عن من حوله: طيب حافظ؟ ، الشيخ عبد الإله يسأل عنك؟.
يخرج صوتُه ثقِيلاّ ببحتِه: براجِع آخر آيتينّ، وأقُوم لّه،..
يجلّس بجانبِه مُتربعاً: طيب يا الله راجع هالإيتين بسرعه، ترى ماباقي الا ربع ساعه وتنتهِي الحلّقه،..
, يتصفح رسائل الواتس آب الغيّر مقروءة لديه، ..
يلتقِط وصول إشعارين جديدين من "قلّب أبوها" يُرخِيي عُقده حاجبيّه، ليبتسِم وهو يفتح رسائلّها له، قرأ ردها المُنبعث إليّه بعتب لّبِق وموجِع:" بعد اليوم بتتأخر عن الرّجعه يا يُبه؟، والله گان نفسي تعشّا معانا اليوم، مهاوِي سوت عشّا، الله يا أبويه لوتذوقه الا تقطع أصابعك علِيه "، يتنهد وهو يقرأ رسالتها الأخرّى:"يا الله مو مشگلّه، بس تعشا طيّب، ماهو تنسى مع الحلقات والتسمِيع نفسك، الله يحفضك ويستر عليك"،
يُرسل إليّها في سطرينّ قصِيرين، تبرير إنشغاله الطويل هذّه الفتره، يخرج من تطبيق "الواتس آب"، مُلتقطاً جلوسهُما بجانبِه، يضع هاتفه جانباً، قبل أن يلتفِت إليهِما: مبگرين يا عيالِي، الله يهديگُم.
يغرّق بضحگتِه القصِيرّه، وهو يلّتفت لغريب ليضربه علّى گتِفه: والله يا شيخ هذا غريب السبب، هُو إلي أخرنا،..
يضغط على أسنانِه مُستوجعاً ضربه يده الثقِيله،..
يلتفت إلى ذلك الضاحِك، بنظرات حادتين، يُضعفهما تناغمات التعب برتجّافات أهدابه: يدك لا عاد تمدها، لا أخلِيك ماعاد تقدر ترفعها مرة ثانيه.
يحك جانب شِفته قليلاً، وهو يرفع حاجبه بسُخريّة مقصُودة: يارجال صلي على النبي.
إلتفتا لصوت عبد الإله المُتنهد: إذا بتقعدون تتهاوشون قِدامي، ناديت على العسگرِي، ينزلّكم تحت عند "الملازم".
أگرّم ضاحگاً : لاّ لاّ .. خلاص سگتنّا،..
يلتفت إلى الآخرّ، ليلتقِط نظرات عيّنيه الجامدتين بِه،..
أخذ المُصحف الصغير من يده، ليبتسِم وهو يُقلبّ مابين السور: يالله ياغريب وين وصلت بالحفظ ، صار لّك قُرابه الشهرين ما تحضِر عندي..
نظر إلى اللّوحه الگببره لسنن المهجورة، على الجدار الجالس بجانبه: بالجُزء الخامِس والعشرين..
: ما شاء الله تبارك الرحمن، بالجزء الخامِس والعشرِين، طيّب بس مو كأنك گِذا عديت عن خوياك؟
غريب ويرفع حاجِبه الأيسر: أفهم من گلامك إن لآزم گلنّا نمشِي على نفس جدول الحِفظ؟.
: نظامياً نعم .. حتى ما يگُون فِي أي مشاگِل ولخبطات،..
يُتابع مُثنياً على بذله وهمة قلبه: لگن طبعاً دائماً يا غريب لگِل قاعدة شواذ، أحييّ فيك بصراحةً إجتهادك على نفسك وهمتك، بلعگس ياولدي أنا شخصياً يِنشرح صدري لطلاب إلي مثل طموحك يا غريب، الله يبلّغك ختم گِتابه، وعساه شفِيع لّك، وتتوج والدينك فِيه..
يضغط على أسنانِه عند جملتِه الأخِيره لّه، ليلتقِط من زاويه جلوسِه المجاوره له گُل ذلك، يلّتقط "نظرّه" الإهتزاز والوجع التِي إختنقت بها عينيه، بصورة من لّذع الدمع الذي جرح فتيلّه المُرهق محاجره،..
گتم تنهِيده ثقِيلّه بقلبِه، قبل أن يلتفِت "لشيّخ عبد الإله" ويغتصِب أن يبتسِم، مُعلقاً على حديثِه الأخِيرّ، بتخفِيف من زوبعه گلماتِه التِي عصف وجعّها بقلّب ذلك الجالِس بجانبّه: الله لنا گِل ذا المدح لغريب، بكرّه إن شاء الله أختم القرآن گامل، وخلك ماتدعيلي، وتنفخ راسي گِذا.
يلتفت إليّه ضاحگاً، دون أن ينتبِه لما أحدث بگلماتِه الأخِيرّه، بذلك المُختنِق بعواصِف وجعِه: إنت بس يا أگرم تسنع لي شويّه مع التجويد، وبدعيلك حتّى بقيام الليل، لا تخاف .. هذانا الحمد الله داخلين على أيام فضِيله،..
: يعطيك العافيه يابُو نُورة، تعرف دايماً تحرجنِي بكلامك،..
يقِف عشوائياً على إحدى السُور، ليلتفت لذلك الصامِت گعادتِه،..
منعزلًا عن الاختلاط بدائرة أحاديثِهم: هاه ياغريب، وش أخبارك مع الأجزاء الأولى، مراجعها؟..
يُجِيب هامساً: الحمد لله..
عبد الإله ويبتسِم : طيب .. أجل خلني أراجع حفضك بگم سُوره من گُل جزء"، نظرّ إلى المُصحف : ببدأ معاك بسوره " لقمان" بما إني وقفت عليها، وبعد كذا بأشوف لك السور الثانيه إلي ممكن تُروح من الذاكره بسررعه زي "النساء" أذكر على بدايات حفضك گنت گثِير تلخبط فيها،.
عقد أگرّم حاجبيّه، ليّلتفِت إلى غريب بعيّنين مُتوجستيّن، سريعاً ماعاد ليلتفت إلى الشيخ عبد الإله وهو يقول: يالله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إقرأ من قول الله تعالى ﴿ هذا خَلقُ اللَّهِ فَأَروني ماذا خَلَقَ الَّذينَ مِن دونِهِ بَلِ الظّالِمونَ في ضَلالٍ مُبينٍ ﴾
يضغط أظافِره بلحم عضده يدثُر شيئاً مِن إضطراباتِه الداخليّه، قبل أنّ يخرج صوتُه الهادئ ثقِيلاً ببحتِه وهو يبدأ إسترسالّه بتلآوه :﴿هذا خَلقُ اللَّهِ فَأَروني ماذا خَلَقَ الَّذينَ مِن دونِهِ بَلِ الظّالِمونَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾
﴿وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ أَنِ اشكُر لِلَّهِ وَمَن يَشكُر فَإِنَّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَميدٌ﴾﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظيمٌ﴾﴿وَوَصَّيـ... شعرّ بلّذع الغُصّات يشتّد إجتماعُه الموجِع بحُنجرتِه، ضغط على أسنانِه بقُوه، وهو يسمع صوت الشيّخ يُراجعه بعد أن أطال صامتاً:﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُّهُ وَهنًا عَلى وَهنٍ﴾ إيه صح، بارك الله فيك أگمل..
يبزُغ الدم من حدة ضغط أظافرة بلحم عضّده ، وهو يُفرغ شيئاً مِن ويلاتّ الألّم الذيّ بدأ يشتعِل لذعُه الآثمّ بگلّ خليّه تنبِض بِه، شّد على أسنانِه، وملامح والدتِه العتِيقّه وقِطعه وجهِها الضاحِك، تقفزّ تفاصيلّها الأثِيرة بمخيلتِه، ليعلّق الدمع بطرّف هُدبه المُرتجِف بوجعِه،..
خرّج صوته مُختنقاً بحشرجتِه، وهو يّدفع الگلماتّ بصعُوبه لاذعه من بيّن شفتيّه :﴿ وَوَصَّينَـ ـا الإِنسـ ـانَ بِوالِدَيـ ـهِ حَمَلَتهُ أُمُّـ ـهُ وَهنًا عَلى وَهنٍ وَفِصـ ـالُهُ في عامَينِ أَنِ اشكُر لي وَلِوالِدَيكَ إِلَيَّ المَصيرُ ﴾﴿ وَإِن جاهَداكَ عَلى أَن تُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما﴾
لتهبِط "برتجافه" قصِيره من هُدبه الطوِيل جمّره لآذعه من الدمع، وشطرّ الآيه الآخر تلُوح "تتمته" بشريط مُخيلتِه، ليّصفع وقعها المُعذب قلبّه وبشدة:﴿وَصاحِبهُما فِي الدُّنيا مَعروفًا﴾
ينفجر مُجهِشاً بنشِيج بُگائِه، بُگاء لآذع .. بُگاء كان مؤذياً لرجُولتِه وقلبِه،..
شعر بذلك الصدر ، الذي إعتاد مُنذ أن تعرّى بمواجعِه لّه، يلتقِف روحه وبشّدة، ليهمس إليه بصوتِه الهادئّ، وهو يُحاول بگلماتِه إمتصاص سوداويّه حزنِه ووجعِه: خلاص يا غريب .. قول لا اله الا الله، وِش قلنا آخر مرّه، الله من فُوق يعلّم إن إليّ صار ماجاء من إختيارك، إستهدي بالله، ترّاك تعبان، مالّك إسبوع طالِع مِن المستشفى.
يلتقِط إشتِداد نشيِيج بُگائِه، وهو يسنِد بقُوه جبينّه بمُنتصف گتِفه، يّأخذ الآخر نفساً عمِيقاً يُهدأ بِه مِن إختِناق قلبِه، قبل أن يلتفِت لصوتّ عبد الإلّه الواقِف بقلّق: وش فِيه يا أگرم ، وش إلي صارّ عليه؟..
: معليش يابو نُورّه، شوي غريب تعبان، إنّ شاء الله يگمِل لك التسميع يوم الأحد، مُمكن الحينّ تكلِم لنّا العسگرِي عشان يرجعنا للعنبر، " يدلِف إلى قائمه الإتصال، ليُجري إتصالاً سريعاً: أگيد، الحينّ آخذلكم إذنّ عشان تطلعُونّ..
يستلقِي بِه على السرِير، ليُدثره جيداً بغطائِه، جلّس بجانبِه يقرأّ على قلبِه المُتعب، المُعوذات وأواخِر سُوره البقرة، يقرأّ .. إلى أن بدأ نشيج بُگائِه الموجِع يهدأ تدريجياً، حتى ستكانت بسلآم أنفاسه وروحه،..
لآحظ عيّناه وهو يفتحهُما بجفنيّن ثقيليّن، ليّخرج صوتُه الهادئ دافئاً ببحّتِه العمِيقه، وهو ينفُث بأگفِه ثلاثاً، ويمسح على صدرِه: باقِي ساعه ونُص على أذان العصرّ ، نام وريّح يا غرِيب، ولا تُجلس تفگِر في أشياء تكدرّ خاطرك، خذلّك ذحين غفوّه رِد فيها راسك , وأولّ ما يأذن، رح أصحيك عشان تصلِي ..
نظر إليّه صامتاً، إلى أن وقّف وإلتفت لصوت أحد الشباب: بو عزِيز، يا الله تعالّ .. بُو عابد بيكملّ لنّا سالفة زواجه من البدوية..
يتنهد : يا الله جايگُم " إلتفت إليّه وربت على گتِفه: نام يا غرِيب ماهو تقعِد تفگر وتهُوجس، إذا إحتجت شيّء .. أنا هِنا قريب عندك، يا الله أبوي الله يهدي بالك، وترقد"،..
شتتّ نظراتِه بعيداً، مستوجعاً نبرّه الدفئّ والحنانّ المُفرط بصوتِه، لا يعرف لما بدى يضِيق ويختنِق لّهذا الشعور الذي بات غريباً على قلبِه، مُنّذ أنّ إفتقّده لسنينّ طويلّه،..
شعر بِه يبتعِد، ليجلس ضمنّ دائرّه جلوسهم الگبِيره، لتبادلّ الحكايّا، والقصصّ، محاولينّ إنعاش أرواحهِم التِي سُلبت مذاقّ الحريّه وسط تلّك القُضبّان، بأجواء من التعليقات والضحِك،..
جّذب طرّف الشرشّف، وغطا بِه رأسه، مُتجاهلاً ضجِيج أصواتهم العاليّه، لينطوِي بخِضم أوجاعِه،...
**
نهاية الجُزء،..
أنت تقرأ
رواية: ثورة مواجِع من عُمق الورِيد
Mystery / Thriller" أيُعاف العيّش حُرًا؟، أيغدُو له كابوسًا أسودًا، يصحُو مُفجعاً بِه، يتلّفت من حولِه، يبحث عن آلامِه الطويلة، عن سقفٍ حديدي مُهترئ فوق رأسِه، وصرير سريرٍ يُنغص مضجعة، وفراشٍ رَث، يشكُو ظهرة وجَع توسُده، أيُجن في تلّفُته الصَخب باحثًا عن تلك القُضبان...