-:× المدخلٰ السادس يا شُرخ العُمر، يا غُربة الذات ×:-
يا ساعة الحسرات والعبراتِ، أعَصَفتِ أم عَصَفَ المُصاب حياتي.
ما مَهرَبي ملأ الجحيمُ مسالكي.
وطَغى على سُبُلي وسَدَّ جهاتي
من أي حصنٍ قد نزعت كوامناً، من أدمعي استعصمن خلف ثباتي
حطمت من جبروتهن فقلن لي
أَزِفَ "الفراق" فقلتُ ويل حياتي.
قد هدني جزعي عليك وأدّعي، أني غداةَ البَينِ غيرُ جَزوع
يا من رفعتِ بناء نفسي شاهقاً
متهلّلَ الجَنَبات بالأنوار
اليوم لي روحٌ كظلٍّ شاحبٍ، في هيكل متخاذل الأسوار
لو في الضلوع أجلتِ عينك أبصرت
مُنهارةً تبكي على منهارِ
لا تسألي عن ليلِ أمسِ وخطبه، وخذي جوابَك من شقيّ واجمِ
طالت مسافتُه عليَّ كأنها
أبدٌ غليظ القلب ليس براحمِ
وكأنني طفلٌ بها وخواطري، أرجوحةٌ في لجّها المتلاطمِلـ إبراهيم ناجي.
.
.ماضٍ.
هذه الليّال والأيام تُطوى بكمدٍ على رُوحها، مُنذ أن "فُجعت" بنتكاسة "حامد" حتى لم تفتأ عدوى الإنهيارات أن تقتلع رؤسهم واحدًا تلوى الآخر، كان مجيئ "تُركي وبندر" قبل يومين، كدعامةٍ صلبة راحت تلتجئ إليها بحتياجٍ وضعف، فما لبث ظهرها المُتكأ على دفئ رُوحهما أن سقط ، وجائحة الوجَع تبتلعهُما، ليغدوان وجوهً شاحبة، بقايا رمادٍ مُتفحم ، لتُثار بتغيُر حالهِما هلعًا ورُعب، تُمسك بقُوةٍ ياقة "بندر" تصرُخ به وهيا تقرأ بعينهِم وجعًا كسيرًا، وجعًا بُترت به عن ثغُورهم البسمات والضحكات، فأين فُكاهَات تُركي، ونُكات حامد ، أين رَحلا بحيويتهم ومزاحاتهم عنها، حتى ما عاد اليوم يُرى غير إمتداد البؤس، يُخيّم على قلوبهم الفجِعة، إمتدادًا بالألم يسحق أرواحهُم، مُذبلًا رُوحها التي أنهكها إعياء صمتهِم ووجعِه، بحُت حُنجرتها، ورجاءاتها تنهَش صدره: بنــــــدر، أسألك بالله يا بندر ما تكذب عليّه، وش فيكم، وش صاير لكم، إيش إلي طلع بالتحاليل وقالب حالتكم كذا، أنا وش فيني؟ ، وش فيني؟ وما تبغُون تتكلمون.
لتذوب تعبًا بين ثنايا عناقِه القوي، وصوته المُرهَق يجُرة من أنقاض الأسى جرًا، يبعث بقلبِها الهلوع، أكبر قدرٍ من السلام والطمأنينة: والله ما فيك إلا العافية، بس كُلنا متوترين عشان عمليتك، تعرفين غلاتك بقلوبنا، لو يصير لك شيء، والله ثم والله إن مايبقى واحد فينا راسه بعقلة.
هذه الكذبة الباليّة، راحت بغباءٍ تُكرة نفسها على تصديقًا، خوفًا من الغرق بوساوسٍ تُهلك وتُفجع، مضت أيامها بمجاهدةٍ تُصارع ألا تلتفت بها، لخناق نظراتهم التي تلتهمها بحُزنٍ سحيق، تطمئن بين لحظةٍ وأخرى على والدتها التي باتت تعجَز عن مُغادرة الفراش، وسيول دمعِها اللآذع لاّ تجف،.
ليُصبح عليهم ذاك النهار المصيريّ، ذاك النهار الذي كان مُسودًا غائمًا كقُلوبهم، تستأذن "حامد" لتخرُج لباحة ذاك المشفى المُخضرة بساحاتٍ من العُشب، والنخيل، تُجري أخيرًا تلك المُكالمة بعد أيامٍ كم كانت تتلوى بها حاجةً، لسماع صوتٍ يفهمها، دون العالمين أجمع: الو.
ليغمر صوتها النَدي قلّبها إرتواءً بعد ليّال قحطٍ وجدبٍ طويل: هيُـــــــــوف، وقسم إني من شفت إسمك نطيت نطة بغيت أطيح من على الكرسي "السرير" إرحب بهالصوت جعلني له فدا، يا شيخة والله لو أقدر أطلع لك من الجوال كان طلعت لك ذحين، وتعلقت برقبتك.
غرقت بحماسة ترحيبها ضحكًا، بعد أيامٍ تلاشت عن صفحات شفتيّها البسمات، إتكأت بظهرها على جذع نخلة، و"شرف" تلتهمها بأسئلتها، لتردف بنزعاجٍ لصوتها الذي يخرم أذنها: طيب تكلمي بشويش أسمعك أنا، لا إله إلا الله من صوتك إلي يفقع الإذن.
شَرف ببتسامةٍ مُشرقة: أقولك أحس فيني كلام وسوالف، ماصدقت تتصلين عشان أنخرط لك فيها، وقسم وحشتيني وحشتيني بكبر الدنيا كلها.
ليغط صوتها المُنهَك بغمرة شعورٍ يهز ضلوعها ولعًا وشوقًا: ونا أكثر يا شرف، والله العظيم ونا أكثر.
أنت تقرأ
رواية: ثورة مواجِع من عُمق الورِيد
Mystery / Thriller" أيُعاف العيّش حُرًا؟، أيغدُو له كابوسًا أسودًا، يصحُو مُفجعاً بِه، يتلّفت من حولِه، يبحث عن آلامِه الطويلة، عن سقفٍ حديدي مُهترئ فوق رأسِه، وصرير سريرٍ يُنغص مضجعة، وفراشٍ رَث، يشكُو ظهرة وجَع توسُده، أيُجن في تلّفُته الصَخب باحثًا عن تلك القُضبان...