تمهيد

26.9K 542 109
                                    

لم يكن طفلاً عادياً أبداً فهو لم يخرج رحم والدتة باكياً مثل بقية المواليد ، بل خرج صامتاً يقلب بصرة في الأشياء مدهوشاً كما لو أنه تفاجأ بوجود کوکب آخر، غير الكوكب المظلم الضيق الذي كان يعيش فيه.

وبينما كان الطفل لا يزال ساكنا بين يدي القابلة إذ وقعت عيناه على والدته المستلقية بظهرها فوق الأرض والغارقة في عرقها اللانهائي ، فانتفض جسده الصغير اللزج الملطخ بدماء الولادة مثل سمكة زينة صغيرة أخرجوها للتو من حوضها المائي ..

زحفت والدته على مؤخرتها بصعوبة بالغة حتى أسندت ظهرها على حائط الطين القديم ، غطت بطرف اللحاف عري ثدييها الممتلثين بالحليب ، ثم رفعت يديها المرتجفتين في الهواء :

- دعيني أراه - قالت جومانا - هل هو بصحة جيدة يا ماريا ؟!

أجابت القابلة وهي تنحني لتضعه برفق بين يدي أمه وتهمس : "انظري لعينيه إنهما تشبهان عينيك كثيراً يا سيدة جومانا "

عندما أصبح بين يدي والدته مد أصابعه الصغيرة نحو خصلة نافرة من شعرها الناعم وألقى القبض عليها بقوة لا تتوافر لدى طفل في مثل عمره ، وبينما هو يمسك بخصلة شعرها النافرة تلك إذ جعل يتدبر بصمت وخشوع راهب في عينيها البندقيتي اللون كما لو أنه في تلك اللحظة كان يقرأ فيهما البداية والنهاية ..

ابابيل Where stories live. Discover now