الفصل الأول

58 3 0
                                    

في شبابي، قبل سبع و عشرون عاماً مضت،

فقدتُ كِلا ساقاي.

لم يكُن هنالك من ألوم، لا سائق سَكِر و لا مرتزقة تطلبه العدالة.

لا بمرض وراثي لألوم أبي، و لا حتى كلبٍ نهشني.

لقد إتجهتُ بنفسي نحو الرَدى.

بدأ الأمرُ حين إضطرني والدي للحصول على تلك الوظيفة التي عفا عليها الزمن.

لا، لم أكُن قارئً للتاروت و لا كاتباً للمقالات التاريخية التي لا يقرؤها أحد.

كنتُ ساعي بريد.

بصراحة، لم يرجع الأمر لقلة الوظائف، بل لقلة حيلتي.

لم أكُن اُجيدُ شئَ برُمته.

أعطوني فقط قبعة زرقاء سخيفة، و دراجة ذات بدال يعلق بين الفينة و الأخرى، و بالطبع صندوق مهترئ يحوي طرد و بضعة رسائل.

مبارك أصبحتَ ساعي بريد.

لأكون صادقاً لم أكُن غبياً، انا و حسب لم أر فائدة تُرجى من إهدار طاقتي على الأمور

بلغة أخرى اجل كُنتُ كسولاً.

من الجيد أن دوامي ينتهي بعد تسليم طرود الحي.

و من منظور آخر..لم يعد أحدهم يستخدم البريد

لذلك حفظت تقريبا عدد اشخاص الحي -الذي انا مسؤول عنه- الذين يستعملون البريد بإستمرار.

و أول من كنتُ أستقبل في صباحي فتحي، ذاك العجوز الهَرم

بفمه المُطبق دوماً لسد فراغ وقوع اسنانه جُلها - إن لم يكُن كُلها-

رائحتهُ تشبه البرتقال المتعفن، و لديه جحوظ طفيف لكنه ملحوظ.

اضطرِرتُ لمُلاقته لمرة على الاقل اسبوعياً، تأتيه طُرود كثيرة لذلك تحتم علي قرعُ الجرس.

اسوء ما كان في يومي هو تسليم الطرود، كان علي التعامل مع صاحب الطرد، الذي في الغالب هو عجوز مقزز يضطرني للاشارة لربع ساعة اين عليه التوقيع -على دفتر سجل استلام الطرود-

بقية المنازل كنتُ أقوم بحشر الرسائل في طرف الباب، لا شئ يُذكر.

لكن كان هنالك عجوز تُدعى صبيحة، صِدقاً كانت إسم على مسمى.

تجلس طوال الوقت في حديقة المنزل منذُ بزوغ الشمس، لم تكفُ عن اقتفاء اثري.

ظلت تجلس في الصباح المبكر منتظرة إياي لخلق حديث معي و اعطائي كعك مُعجن قديم فيه الكثير من الشعر.

وددتُ لو أخبرتها كم أكره كعكها، و كم أني لا آبه أين وجَدت طقم اسنانها هذه المرة.

لم أنس للأن العجوز هَدِية، لم أر وجهها قبلاً،

جنوحWhere stories live. Discover now