Part 2

66 8 2
                                    


مر الكثير من الوقت قبل أن يستفيق "نادر" على دمعة تسللت من بين عينيه على وجنتيه بعد أن أسترجع الكثير من الذكريات المؤلمة له، ونظر إلى الورقة التي كتب بها وكشف عنها كل أوجاعه .. أوجاعه التي بفضل كبريائه لا يريد أن يكشفها لأحد ولا حتى أٌقرب أصدقائه، ثم أقترب من الورقة ومزقها إلى جزئين وتركها تطفو في الهواء وخرج من الغرفة دون أن يخبر "أنس" بأنه راحل، رحل وذهب دون وجهةٍ محددة.

بعد قليل دلف "أنس" إلى الغرفة ليطمئن على صديقه الذي تركه لساعات دون أن يخبره بأنه أنتهى من كتابة ما يؤلمه، وجد الغرفة خاليه والورقة التي مزقها صديقه إلى نصفين على أرضية الغرفة، ثم أمسك بها وجمعها مرة أخرى، وأخذ دقائق يقرأ ما بها وكأنه يقرأها بلسان صديقه وقلبه الذي ينزف ألمًا، وبعد إنتهاء قرائتها وضع الورقة الممزقة إلى نصفين على مكتبة ووقف يتأمل البحر من خلال نافذته... وبعد فترة طرق أحدهم باب المكتب طرقتان وحينما أمر الطارق بالدخول كان سكرتيره الخاص به يخبره أن هناك فتاة تدعى "أمل" تريد مقابلته، ثم هز رأسه بالموافقة وحينما دلفت إلى المكتب أشار لها بالجلوس على المقعد المقابل له، جلست وهي في عينيها بنية اللون بريقًا ولكنه ليس لامعًا لكنه بريق يوحي بالحزن عما مرت به، فهي فتاة في الخمسة والعشرون من عمرها، طويلة القامة، معتدلة القوام، ترتدي بالطو أسود وترتجف من شدة الطقس، ثم سألها "أنس" قبل أي شيء:
_ هل تحتسين القهوة؟
ابتسمت إبتسامة واهنة، وقالت:
= نعم، أفضلها سادة.
ثم طلب "أنس" من السكرتير على الهاتف المجاور له أن يقوم بعمل كوبين من القهوة، ثم نظر إلى "أمل" قائلًا:
_ كيف يمكنني مساعدتك؟

نظرت له والحزن يكسو عيناها:

= هل عندك دواء لنسيان ما أحببتهم بصدق؟

نظر لها متعمقًا في عيناها باحثًا عن إجابة أخرى في عيناها التي توحي بالكثير وقال:

_ ولماذا تريدين نسيانهم؟

= لأنني بداخلي ذكريات لا يمكنني حملها وحدي بعد أن تركوني وحيدة.

نظر "أنس" في مقلتيها ووجد الحزن يشكو ويبث له عن كم الأوجاع التي بداخلها ولم يلاحظها أحد، وعلم أن هناك الكثير تريد البوح به لأحدهم لذلك جاءت إليه، فقال:

_ هل حاولتِ أن تخبري أقاربك عن تلك الأوجاع التي تعرضتِ لها؟

نظرت إلى أرضية المكتب وهي تقلب في أصابعها بتوتر قائلة:

= لو كنتُ لدي أحد لأخبره مما أشعر به لما جئتُ إلى هنا، لأنني دائمًا أرى أن من يأتي عيادة طبيب نفسي فهو مجنون لا محالة، لكنني جئت إلى هنا بعد أن أدركت أنني وحيده من بعده.

قطب "أنس" حاجبيه بتعجب قائلًا:

_ من؟

= الذي سرق أعز الأشياء إلي وهرب، هرب بعيدًا عن عيني ودون رجعة.

للحُب أوجه عديدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن