Part 3

35 4 2
                                    

ما بين شريط أُفق الصباح الفضي ومياه البحر المتلألئة، كان "نادر" قد خرج من عيادة صديقه، وكان يباشر المشي دون وجهه محددة، كان لا يتحمل شيء وحذائه وثيابه تُثقلان عليهِ، بل وحتى جلده أًصبح ثقيل عليه، أصبح في كل خطوةٍ يخطوها تتطلب جهدًا يفوق جهد الخطوة السابقة، كانت قطرات الماء من حوله تبدو مثل طوق من دموعٍ بلورية، لأنه عندما يكتنف حياتك الملل.. ويصبح إيقاع الحياة بطيء، وحينما تخسر من تحب حينئذ تكاد تعتقد أن عجلة الزمن قد توقفت عن الدوران، وأن لحظات حياتك الحالية هي البداية والنهاية فلا أنت قادر على تجاوز الحاضر والعبور إلى المستقبل، ولا قادر على الهروب إلى الماضي؛ لتحتمي به من قسوة الحاضر، سار "نادر" بخطوات بطيئه وهو يجر خيبة الخذلان وراءه، وكان يتمم بصوت خفوت:

_ لم أكن أفضل التغيير، ولم أكن أحب الصدام أو المواجهة، حتى لو كانت مع نفسي لم أكن أريد الأستيقاظ مما أنا فيه، لكني عندما أردت لم أستطع فعل ذلك لأنني أحببتك! نعم أحببتك بينما كنت أحتاج إلى هزة عنيفة تخرجني مما أنا فيه، لكني لم أعثر على تلك الهزة.. أو لم تعثر هي عليَّ!

وبرغم أننا في منتصف فبراير ذا البرد القارس، ورغم قطرات المطر التي تتساقط فوق جبينه الآن، إلا إنه يحترق من الداخل، نظر حوله بعينين خاليتين من الحياة، يترقب نظرات المارة بجانبه تزيده آلامًا فوق آلامه، يزداد الوجع في قلبه تدريجيًا، وعيناه تائهتان، كم يتمنى أن يملئ العالم بصرخاته المكتومة داخله، وبعد لحظات من السكون ووجهه المرتسم عليه أمارات الجدية تذكر أنه لا يستطيع الركض أو السير أو حتى الزحف فقد أنهكهُ التفكير فيما مضى، بينما كانت سحب السماء حزينة على ما يخبئه "نادر" في وريده... عندما كانت قطرات المطر تضرب باستمرار على رأسه، تذكر ذاك اليوم حينما كان يبتسم لها ويغازلها، تذكر ابتسامتها الملائكية عندما كانوا يركضون تحت سماء القمر القرمزية ممسكًا بيدها ويجعلها تدور بحركات دائرية متتالية بينما تتقاطر فوقهم الأمطار بغزارة، حينما تذكر "نادر" تلك الذكريات سكن الحزن وجهه وأمتزجت دموعه بقطرات المياه، ثم غير وجهته وذهب إلى وجهته المفضلة ومكانه الأقرب إلى قلبه، جلس على تلك الصخرةِ مجددًا أمام البحر بينما البرد القارس يضرب أوصاله، لكنه أراد الإختلاء بنفسه قليلًا حتى يمكنه تهدئة ضجيج أفكاره والذكريات التي تلاحقه هنا وهناك، وفض الصراع القائم بين قلبه وعقله في تلك المسألة لعله يستطيع أن يجاوب على كلاهما في آن واحد، جلس لكي يسأل البحر عن أوجاعه التي لن ولم يعلم بها أحدٍ سوى ذلك البحر الذي يجلس على أحدى صخوره دائمًا، ثم تمتم للبحر مخاطبًا:

_ أتعلم أنك وحدك من يشبهني تمامًا، فكلاً منا يملك أسرار مختبئة بداخله ولعلك أكثر مني من جهة الأسرار، لأنني ليس وحدي من أفشي لكَ أسراري، ولكنك تستطيع أن تنفث عن غضبك أثناء أرتطام أمواجك في الصخور بقوة وكأنك تريد أن تشق سبر أغوارها، أما أنا!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Feb 28, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

للحُب أوجه عديدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن