Chapter 1

2.4K 34 3
                                    

يومٌ ممطرٌ آخر ...لا وجود به لأشعة الشّمس التّي تشقّ ظلام النّفوس وتتخلّلها خلسة ،ولا وجود به للدّفء الذّي يعمّ السّكون الذي جال النّفوس ...

هذا هو الحال معها ،فقد أصبحت كالميّت بجثّة حيّة ،قلبها أصبح فارغاً وجلّ ما تفكر به وتأمله هو التّخلص من هذه الحياة المثيرة للسّخرية ،فقد سلبت منها كلّ شيء ...لم يبقَ معها أيّ أحد ليقف بجانبها ...ليعطيها الدفء ويشعرها بالأمان ،فبالنّهاية من هم حولك ليسوا إلّا وحوشاً بهيئة بشر ... ينتظرون منك أن تسقط ليندفعوا نحوك ...ليس لمساعدتك على النّهوض من جديد وإنّما لينقضّوا عليك وينهشوا من لحمك ...

ولكن ليس كلّ البشر من هذا النّوع ،فلا يزال هناك من في قلبه خيرٌ وطيبة ،ولكنّهم وللأسف قلّةٌ قليلة ...
لا يمكنها الإنكار أنّ هناك من ساعدها وساندها ،ولكنّهم في النّهاية غير قادرين على علاج قلبها بعد تصدعه ...

لقد أُرهقتْ من الوحدة بشدّة ...لقد سئمتْ من هذه الحياة ... لم يبقَ شيء يدفعها للعيش ...تنتظر من الموت أن يدق بابها لتستقبله بكلّ صدر رحب ،لكن يبدو أنّ للقدر رأيّ آخر ،فليس كلّ ما نتمنّاه يتحقّق ،وليس كلّ ما نحبه ونأمله يعود بالخير علينا ،فكثيرةٌ هي الأشياء التّي تمنّينا حدوثها وكم ندمنا أشدّ النّدم بعد تحقّقها ...وكثيرةٌ هي الأشياء التّي تمّ رفضها وكرهها من قبلنا ظنّاً منّا أنّها سيّئة لنا ،ولكن بعد حدوثها يتضح لنا كم كنّا مخطئين ...

تسير تحت المطر بملابسها الرّثة ...
قطرات الماء ترتطم بجسدها النّحيل جاعلةً منه يرتجف ...
كلّ ما يسمع في ذلك الطّريق هو صوت اصطدام قطرات الماء بالأرض وشهقاتها المكبوتة التّي تصدر منها بين الفينة والأخرى ...

تابعت سيرها إلى الحديقة غير آبهةٍ لبرودة الجوّ من حولها ،سامحةً لدموعها بالانهمار من زرقاوتيها ...

استندت بظهرها إلى جذع شجرةٍ كبيرةٍ في وسط الحديقة ،وأغمضت عينيها تزامناً مع رفعها لرأسها ليستند إلى ذلك الجذع ...

تمرّدت دمعةٌ من عينها لتشقّ طريقها نحو وجنتها ،فاستشعرت بسخونتها ولكن سرعان ما زالت بفعل قطرات المطر المرتطمة بها ،فارتجفت شفتيها المزّرقة وضمّت يديها إلى جسدها الذّي انتفض من الرعشات التّي سرت على طوله ...

تعالت وتيرة شهقاتها أكثر من ذي قبل مطلقة العنان لها علّها تخفف عنها قليلاّ من حزنها المتراكم في صميمها ،وكم تمنّت في تلك اللّحظة أن يعانقها أحد عناقاً دافئاً يشعرها بالأمان ....أن يهمس في أذنها أن كلّ شيء بخير ...أن يمسح على شعرها وأن يطبطب على ظهرها بحنان ،ولكن ومثل كلّ مرّة خابت أمانيّها ...

بعد جولة البكاء التّي خاضتها والتّي استمرّت لفترة تجهل مدّتها ...استأنفت سيرها بخطاً مترنّحةً يائسة منزلةً رأسها للأسفل تناظر خطواتها ...وما هي إلا ثواني وقد سقطت على الأرض فاقدة لوعيها ...
فهي لم تنم اللّيل بطوله ولم يدخل الطّعام لجوفها منذ يومين ...

The Melodiousness Of Hopeحيث تعيش القصص. اكتشف الآن