اليوم الثالث والرابع

12 1 0
                                    

اليوم الثالث: السراب

يتسلل ضوء القمر إلى أحد أركان الحجرة ينعكس الضوء على أريكة فارغة، يجلس أمامها  يتأملها.
بدأت الذاكرة تتلاشى لا يتذكر شيئًا ولا ينتمي الي اي شئ فقط ينظر الى الاريكة بحزن دفين يعتصر ما تبقى منه، افكاره مثل جنين يأبى الخروج الى الحياة، اتضح له ان انجاب الافكار ليس بالشئ الهين مثل ولاده متعثرة، الذاكرة نفسها منعزلة عن كل ما حدث بالماضي .فكيف يفكر في الحاضر  ؟....
"اريكة فارغة" كلمات  ظل يرددها  وصداها يجوب الأركان
كيف أصبحتي فارغة هكذا؟ من جلس عليكي! ومن فارقك ومن ضحك ومن بكى بك؟ ومن نام على مدافعك بعد ان انهكته افكاره؟ لا اتذكر!! هي فقط أريكة فارغة،
أين أنا؟
هل هذا منزلي؟ هل تربيت هنا ؟ هل أنتمي الى هذا المكان بالأساس ؟لماذا ابكي الان؟
من أنا!
أشعر ان رأسي متأكل ..صوتي لا يعرفني ... وانفاسي المتلاحقة تتجاهلني ... اشعر بالدوار
دقائق من العزلة المريرة مرت به تتخبط فيها الحقائق بالمجهول وتنزف فيها مشاعره
تقف أبنته  من  وراء الستار تراقبه لا تستطيع اقتحام خلوته ككل ليلة بعد انتهاء حديثه الغامض تأخذ ما تبقى منه وتدخله حجرته لينام تركته، ولم يكن في الحسبان  أنه سوف يظل وحده بهذه الذاكرة المهملة.
يجلس ممسكًا يديها التي برزت من تحت الانقاض وينظر إلى المجهول وحده وهو يجلس بين حطام المنازل بعد أن فقدها وهو لا يتذكر من هي !

اليوم الرابع : في خزانة الذاكرة

كانت أمي تحيك لي ثوبًا من بقايا الأقمشة التي أرسلها لنا خالي العام الماضي، وأنا أتناول الطعام اليابس مثلما كانت  تطلق عليه، نظرت إليها وفي عقلي تدور تساؤلات عديدة، لماذا  لا نأكل سوى هذا الخبز؟ ولا نرتدي سوى هذه الأقمشة؟ ولا نرى ضوء الشمس الذي يقبع خلف البيوت العالية التي تحجب رؤيته علينا ؟  ولا نسمع صوت قر الماء منذ سنوات؟
ولكني ابتلعت الكلام مع أخر لقيمة من الطعام، وقمت أرتب مقعدي ذا القطن الذي أصبح مصبوبًا كالحجر داخل القماش الذي يحتويه منذ سنوات، وحركت القطعة الخشبية المخصصة للطعام بجانب سلم المنزل، رجعت وكانت قد انتهت من أخر غرزة في هذا الثوب و كعادتها تهلل  وجهها كأنها أنهت عمل بطولي
الام: لقد انتهيت اخيرًا ربما تريد ارتدائه اليوم.

هذا! هذا يا امي أنه لا يصلح.

الأم: لما ؟

لقدم طرازه كيف ارتديه وغيري يرتدي من الطراز الحديث
الأم: جربه اولا ربما  يعجبك.

،هل سوف اظل هكذا ارتدي بقايا الأقمشة ؟

الأم: وما بها ؟

بها اشواك تعصر قلبي كلما مررت بالمحال ورأيت الثياب الأخرى.

الام: لا يشعر المرء بزهو  الأشياء الا عندما يمتلكها فربما تلك الثياب هلاكًا لك، وليس كل زهو بالأشياء محمودا وتلك الأشواك التي تعصر قلبك هي نتاج أمور كثيرة لا تتهم هذا الثوب البسيط بها لانه سوف يحاكمك في يومًا من الايام.

لقد فاض الكيل يا امي.
الأم: تذكر عندما يفيض أن القدر كالسد له يحتوي فيضان مشاعرك ويخزن لك الافضل.

أتذكر أنني تلك الليلة بت ابكي حتى تورمت عيناي، وأتذكر أيضا أنها لم تأتي ليلتها لتمسح على جبيني مثل كل مرة ، وأتذكر أنني منذ ذلك الوقت اضع هذا الثوب داخل خزانتي، واضع حديثها الاخير داخل ذاكرتي
لقد كان دائما القدر  معي كالسد يحتوي فيضان مشاعري حتى لو كان الواقع مؤلم .

يوميات بتوقيت القراءة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن