في النهاية عدت وحيدة

12 5 1
                                    

أنجبت امرأة ثلاث فتيات ، الأولى ولدت ميتة والثانية ولدت مريضة بقلب ضعيف ، لم تستطع أن تتعدى بضع سنوات حتى ماتت هي الأخرى ، أما الثالثة فقد قررت الأم أن تهب لها كل حياتها وأن تسخر روحها لخدمتها فلم يكن لها القدرة على مجرد تخيل حياتها إن فقدت ابنتها الوحيدة التي عاشت لها .

اضطرت الأم الفقيرة البائسة إلى أن تخرج للعمل في أكثر من وظيفة لتوفير أفضل حياة ممكنة لابنتها حتى تصبح مثل نظيراتها ولا تشعر بأنها اقل منهن في شيء ، أحيانا ما كان يأتي على خاطرها تلك الفكرة ، ماذا ستفعل إن أصاب وحيدتها سوء ؟ وربما تلك كانت أكثر فكرة مرعبة قد ترد على بالها وتدمر سلامها النفسي مما كان يدفعها للعمل أكثر وأكثر وبذل كل ما لها من طاقة للحفاظ على نبتتها .
كثيراً ما كانت تتخيل ابنتها حين ترتدي فستان الزفاف وتنجب لها العديد من الأحفاد الذين سيلعبون حولها ويملأون منزلها الهاديء ضجيجا .

كان كل شيء يسير كالمعتاد إلى أن أتى ذلك اليوم حين رأت طفلا متسولا يمر أمام منزلها وهي وإن كانت لا تحب من يقومون بالتسول إلا أن حال الطفل السيء قد أثر فيها كثيرا وأشفقت على حظه الذي جعله في ذلك الوضع وحين تخيلت لو كانت ابنتها تلك حظيت بمثل ذلك ..لم تستطع حتى أن تكمل ذلك ونادت عليه من نافذتها .
أدخلته بيتها وأعطته نقودا ودعته لتناول الغداء معها هي وابنتها
ما ان رأت ابنتها الطفل حتى انتقدت أمها وقالت "لماذا أحضرتي هذا الولد ذو الثياب الرثة القذرة هنا يا امي ؟"
"تأدبي يا بنيتي ، يكفي قسوة الحياة عليه ، سيأكل معنا فقط ويمشي لحاله"
أصدر الطفل تعبيرات وجه غريبة وبدأ ينظر في أنحاء المكان حوله نظرات مريبة .

"لكني غير مرتاحة له ، انظري إلى تصرفاته ؟وأيضا ماذا لو كان لصا ..ربما يقدم على أذيتنا حتى "

"كفي عن ذلك ، إنه مجرد طفل كما أنني قلت أنه سيتناول الغذاء معنا ليس أكثر"

حضرت الأم الطعام ووضعته على الطاولة واجتمعت بابنتها والطفل حول الأكل ، لم تكف الابنة عن التذمر من هذا الموقف حتى غضبت الأم وقالت "أخبرتك أنها مجرد وجبة سيتناولها معنا فكفي عن تلك الضجة"
خرج الطفل عن صمته وسألها " مع من تتحدثين ؟"

"مع من؟ مع ابنتي ؟ هل ترى شخصا آخر قد أتحدث إليه غيرها هنا؟ ماخطبكم جميعا اليوم"

"لا أرى أحدا  غيرك هنا ، لا ابنتك ولا أي شخص آخر"

"كيف لا ترى أحدا ؟ هل هناك خطب ما بك ؟ هل تعاني من مشكلة في عينيك ؟"

"أرأيت يا أمي قلت لك "

"بالله عليكِ .. فلتصمتي قليلاً"

"أنت مجنونة .."

التفتت الأم إلى الطفل غير مصدقة لما تسمعه " ماذا قلت يا ولد ؟"

قال الطفل بغضب "قلت انك مخبولة ، لا أحد هنا غيرك " نهض الطفل وقال "لم يكن علي أن أسمع كلامك وآتي هنا ، كنت أشك في الامر منذ البداية "

"أنت يا ولد  ..كيف تقول لي ذلك وقد أدخلتك بيتي " غير أن الطفل لم يأبه بها واسرع هاربا كما لو انه يفر من حيوان مفترس.

ذهلت المرأة مما حدث وقالت ابنتها " كنت اعرف من البداية ان هذا الطفل سيء لكنك كنت مصرة"

لم تجب الأم بشيء وظلت تنظر إلى ابنتها التي استمرت في تناول الطعام كأن شيئا لم يحدث ..

لطالما كان هناك شيء بداخلها ، شيء قبيح كانت تخافه وتنكره ، لم ترغب أبدا في أن تعترف به لكنه أبى إلا أن يخرج ويعرف عن نفسه لها في تلك اللحظة ..
بعد فترة صمت طويلة مرت نطقت الأم بنبرة مرتعشة وعين بدأت تمتليء بالدموع " لماذا .. لماذا قال هذا الولد.. ذلك الكلام "

توقفت الفتاة عن الأكل ونظرت إليها " أمي ؟"

"الجميع .. يفعل ذلك ..
لماذا ليس لديك ..أصدقاء ؟
لماذا لا يعرفك أحد ؟.."

" أمي .. "

"أنتِ لستِ .. حقيقية ، أليس كذلك ؟ "

"آسفة"

"طوال تلك الفترة ..  كنت .. بداخل عقلي فقط ؟ .. مجرد وهم
لماذا ؟ لماذا كل هذا ؟ "

"أردت حمايتك .. "

صرخت المرأة " حمايتي .. كيف لشبح مثلك أن يحميني ؟ ومن ماذا..؟
ألا تدرين بما فعلته من أجلك ؟
بروحي التي سخرتها لك ؟
هل كل ذلك كان من أجل وهم .. "

لم تجب الفتاة وبدأت في التلاشي أمامها إلى أن اختفت تماما.
"لماذا تختفين .. إلى أين تذهبين وتتركيني بمفردي هكذا .."
انهارت المرأة على الأرض وأخذت تبكي " عودي ..أرجوكِ .."

في مساء يوم ..ذهبت المرأة إلى المقابر  وقفت على قبر ابنتها الأولى وأعطتها قبلة ، ثم ذهبت لقبر ابنتها الثانية ووضعت عليه وردة وعند القبر الثالث رقدت بجواره وأغمضت عينيها بينما تهمس لنفسها "وفي النهاية كان كل شيء سراباً .. في النهاية عدت وحيدة ".

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 06, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

في النهاية عدت وحيدة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن